موقع النيلين:
2025-04-17@11:40:20 GMT

اختلاف الحُب بين الشعوب

تاريخ النشر: 23rd, February 2025 GMT

“الحُب” كلمة تتكون من حرفين مضاف إليهما حرفيطا الألف واللام للتعريف فقط، ورغم قلة عدد أحرف الكلمة، فإنها تحمل أعظم المعاني، وأرق الأحاسيس الإنسانية التي تميز الإنسان عن باقي المخلوقات، فالحُب شعور فطري لا يخلو منه أي قلب، كما أنه محرك أساسي لجوهر الحياة الإنسانية والاجتماعية، لذا خصص العالم يوما للاحتفال سنوياً به.

أولت الشرائع السماوية الحُب أهمية بالغة، وجعلته أساس العلاقات بين الناس، بل وبين العبد وربه، بكونه ليس مجرد عاطفة عابرة، حيث إن له مفهوما شاملا وعميقا يتضمن معاني كثيرة منها : المودة والرحمة والإيثار والتضحية، بالإضافة إلى تقدير واحترام الآخرين والاعتراف بفضلهم ومكانتهم، فضلاً عن طاعة الله تعالى ورسوله ﷺ والامتثال لأوامرهما.

حرص الإسلام بتعاليمه وشرائعه على تنظيم علاقة الناس بربهم تبارك وتعالى، حتى ينالوا السعادة في الدنيا والآخرة، وخير دليل على ذلك قول الله تعالى في كتابه الكريم “إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا” سورة مريم.. كما قال رسول الله ﷺ: “لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه”.

احتفل العالم بعيد الحب الأسبوع الماضي ١٤ فبراير، وتختلف مظاهر الاحتفال بالحُب من دولة إلى أخرى، ومن شعب إلى آخر، ولكن السواد الأعظم يقتصر الاحتفال على شخصين أو أفراد يجمعهم عامل مشترك “الأسرة، العائلة، العمل”، ولكن إذا نظرنا من منظور أكبر وأشمل نلاحظ ظاهرة غريبة وهي اختفاء الحب بين شعوب ودول عديدة.

نظرًا لأن العلاقات بين الشعوب والدول معقدة ومتشعبة وتكسوها المصالح والمنفعة، وتتأثر بعدة عوامل مختلفة منها: المصالح السياسية والاجتماعية والاقتصادية وغيرها من المنافع المختلفة، وما ينتج عنها من تحديات وعقبات قد تلعب دوراً في توتر واهتزاز وجمود العلاقات الإنسانية واختفاء الحُب، بالإضافة إلى تأجيج المشاعر السلبية وتعميق العداء، وهذا يمكن أن يعيق تطور العلاقات الإيجابية بين الشعوب والدول، وهذا أمر خطير له تداعيات سلبية على الأمن والأمان والاستقرار المجتمعي.

وخير دليل على ذلك ما يشهده العالم في الآونة الأخيرة من تصاعد مظاهر الكراهية والعنف، والتي كان آخرها تصريحات وقرارات الرئيس الأمريكي ترامب ضد أهل غزة خاصةً والقضية الفلسطينية عامةً، وتجاوزات العدو الصهيوني في فلسطين، والحرب الروسية الاوكرانية، وغيرها من مظاهر عدم الاستقرار الامني بمنطقة الشرق الأوسط، وهذا يطرح ويثير العديد من التساؤلات حول أسباب التدهور في العلاقات الإنسانية والمجتمعية والدولية بين الشعوب.

ولتحقيق علاقات أفضل بين الشعوب والدول، يجب على المجتمع الدولي أن يسعى إلى تعزيز لغة الحوار والتفاهم بين الثقافات والشعوب المختلفة، ونبذ كل أشكال التعصب والكراهية، ونشر ثقافة السلام والمحبة، والسعي نحو تحقيق العدالة والمساواة بين جميع الشعوب والدول، بالإضافة إلى حث وسائل الإعلام التي تلعب دوراً إيجابياً في تعزيز التفاهم والتعاون بين الشعوب والدول، فعندما تسود مشاعر الود والتقدير بين الشعوب، يصبح من السهل حل النزاعات وتجاوز الخلافات.

ختامًا، الحُب هو اسمى المعاني وأجلها، وهو أساس الحياة السعيدة، وهو طريق الفلاح في الدنيا والآخرة. فلنحرص على تنمية الحب في قلوبنا، وأن نجعله أساساً فى علاقاتنا.. الحب هو أساس العلاقات الاجتماعية السوية، لذا يجب ألا تتأثر علاقة الحُب بين البشر بالحدود أو المسافات.

جمال عبدالصمد – بوابة روز اليوسف

إنضم لقناة النيلين على واتساب

المصدر: موقع النيلين

إقرأ أيضاً:

مزنة... التخوّف من الوصمة المجتمعيَّة

عتبة...

تقول الراوية عزيزة:

"فيه خوف يصيبك بالشلل وخوف يزيد عزمك".

وتقول كذلك: "في أشياء تنكسر بالغلط بين أيادينا ونعيش عمرا كاملا نحاول نصلحها، وفي أشياء نتعمد نكسرها ونحن مسلّمون بالظن إننا نقدر نرجعها مثلما كانت. طيب القلب اللي ينكسر في أمل يتصلح؟ ومن يصلحه؟".

مسلسل شارع الأعشى

في زمن السبعينيات، لم يكن الحديث عن حق الفتاة الخليجية في الاختيار الشخصي للزواج مطروحا أصلا. فالقوانين المدنية لم تكن تشجع زواج المرأة من خارج وطنها، وكانت تفرض لوائح داخلية صارمة تجعل هذا الخيار محفوفا بالعقبات. وعبر هذا السياق، يفتح مفهوم الاختيار الشخصي، الذي استعرته من كتاب (هويات متغيرة: تحدي الجيل الجديد في السعودية)، للباحثة مي يماني، بابا للحديث عن قضايا المرأة الخليجية في التعليم والسياسة، ناهيك عن حقها في الحب والارتباط.

يقدّم مسلسل شارع الأعشى للمؤلفة بدرية البشر تجسيدا دراميا مؤثرا لهذا الواقع، من خلال شخصية مزنة الفتاة الشجاعة الصادقة التي وقعت في حب شاب فلسطيني يُدعى رياض، وأرادت الزواج به.

مزنة التي قدَمَت إلى شارع الأعشى برفقة أمها وأشقائها متعب وضاري والجازية، كانت مثالا للفتاة التي تحلم بحب نقي، بعلاقة تنصف قلبها وتكافئ طيبتها. شهدت قصصا كثيرة من حولها: صديقتها عزيزة التي وقعت في حب أحد الشباب العاملين في تجارة الأقمشة، وكيف غدرت بها امرأة لعوب فخطفته. أختها الجازية وهي تتزوج برجل لا يُحبها، فعاشت معه أسوأ حياة زوجية، وأخوها ضاري الذي وقع هو الآخر في الحب. مزنة لم تكن تختلف عنهم، لكنها اصطدمت بجدار الأعراف السميك.

كانت مزنة تعيش في مجتمع محافظ، حيث يُمنع على النساء الغناء أو العمل أو حتى الوجود في سوق الحريم إلا ضمن ضوابط صارمة. في هذا السياق، تعرفت على رياض، الذي أعرب عن رغبته في الزواج بها. ورغم ترددها وافقت بعد أن رأت فيه حريتها، وانعتاقها من سلطة الأخوين والمجتمع الرافض.

تقدم رياض وأهله رسميا، لكن الأم رفضت، خاصة بعد أن رآها ضاري تتحدث معه في السوق، وظن بها السوء. أقسم أن يمنع هذا الزواج، معلنا أن رياض "غريب لا يعرف عاداتهم"، وهكذا مُنعت مزنة من الخروج.

في لحظة يأس، قررت الانتحار، واضعة سكينا على عنقها. ضربها ضاري وهو يصرخ: "إلا الشرف! عقرب الثرى! تريد تذبح عمرها عشانه؟ أنا اللي بذبحها".

لترد الأم بحزن: "هذه بنيتي، ولا أحد له قول بعد قولي وأنتَ لا تمسّ شعرة منها...".

وفي مواجهة بين الأم وابنتها، تسألها الأم بمرارة: "لم أتوقعك هكذا".

فترد عليها: "ماني خايفة من الموت".

لترد الأم:" كل هذا عشق! ما خفتي تخسرين عمرش؟ تخسرين دينش عشانه؟ ما هجيتك كذيه يا مزنة، قوية... شجاعة".

ترد عليها مزنة بإصرار: "ما خفت من الموت ولا ني خايفة منه".

لكن الأم، رغم صدمتها، لم تفقد رجاحة عقلها، تحاول إقناع ابنتها بأن الحب وحده لا يكفي: "... وهو. هجوتك بيذبح عمره عشانش؟ بيتحمل أخوانش، بيتحمل ضاري والطج والطعن؟ اسمعي يا مزنة هالعشق يخصكم أنتم الاثنين، الخطر منه علينا الجميع، ما حدن يأخذ إلا من ربعه ومن جماعته. أنا اليوم حميتش من أخوانش، أما هو فمن يفكه منهم، وهذا اللي عندي".

ومع تصاعد التوتر، يتقدم رجل آخر يُدعى مطلق بن نافل لخطبتها، ويبدأ الحديث داخل العائلة عن فكرة الستر والخلاص الشرعي من هذه الفضيحة. تُرمي الكرة في ملعب مزنة، فتوافق على الزواج به ظاهريا، لكنها تخطط سرًا للهروب مع رياض. في لحظة الذروة، وفي حضور شيخ المسجد والمتشددين الذين واجهوا الثلاثي رياض ومزنة وعزيزة ليلا في شارع الأعشى، أنقذت الأم الموقف بذكاء: "البنت هذي بنيتي، والذي معها رجالها والبنت الثانية من جماعتنا جاءت تودعها قبل لا يسافرون. هذا سعد نسيبنا ماخذ أختها"، ثم قالت لرياض: "باكر تمرنا أنتَ وأهلك، وشوف من يسعى لك في التصريح".

فيرد عليها رياض: "أنا معي الجنسية، وما يصير إلا اللي تبينه".

في نهاية الأمر، تقرر الأم تزويج مزنة من رياض، بعد أن تأكدت مِن أن معه تصريحا رسميا. لكن ذلك لا يمنع ضاري من رفض الزواج والتهديد بدفنها. المشهد يكشف عمق الأزمة؛ بين القانون والتقليد، بين حب يُريد الحياة وخوف من العار المجتمعي. في خلفية هذه القصة، يَسكن خطاب ديني واجتماعي مشترك، يُشيطن المرأة ويصور حريتها كفتنة واختلاطها كفضيحة. كما في خطبة الإمام: "...الفتن أصبحت تحيط بنا من جميع الجهات ونحن في غفلة. كان المسلم يطأطئ رأسه في سَيره وهو يمشي في الطريق حتى إذا التقى امرأة لا يراها؛ لأن الله -عز وجل- أمر الرجال بأن يغضوا من أبصارهم. أما الآن فأصبح نظرهُ في الشارع، وفي المجلة والتلفاز والفيلم، وكلها في حكم زنا البصر والعياذ بالله".

إنه الخطاب المتكرر بلسان المتشددين: "يا عباد الله الحذر ثم الحذر يا أخوات. زينة المرأة في سترها، اتقوا الله يا أخوات وحافظوا على حجابكم. والمزامير من الشيطان ولا يجوز عزفها ولا سماعها ولا تداولها". هذا الخطاب التقليدي يصوّر المرأة كجوهرة، والرجل كذئب، ويحكم على الحب النقي بأنه تهديد لحصن العائلة، وليس فرصة للحياة.

إن قصة مزنة ليست قصة فتاة أحبت رجلا من خارج قبيلتها، بل هي مأساة مجتمع يخشى الحب أكثر مما يخشى الظلم. إنها اختناق متكرر لحلم مشروع، يحاصر المرأة من الجهات كلها، ويصنع من الوصمة عدوا لا يُرى، لكنه حاضر في كل قرار.

قصة مزنة أيضا، ليست مجرد دراما تلفزيونية، بل تعكس واقعا تعيشه العديد من النساء الخليجيات. فزواج المرأة الخليجية من أجنبي لا يزال يواجه تحديات قانونية وعراقيل اجتماعية متعددة. ففي المملكة العربية السعودية، يتطلّب زواج المرأة من أجنبي "الحصول على موافقة وزارة الداخلية، مع شروط تتعلق بالاستقرار المالي والفارق العمري والفحوصات الطبية والسجل الجنائي للزوج، وعدم استيفاء هذه الشروط قد يؤدي إلى رفض الطلب"، وفي معظم دول الخليج، لا تَمنح المرأة المتزوجة من أجنبي جنسيتها لأطفالها، مما يؤدي إلى مشكلات في الإقامة والتعليم والرعاية الصحية تصل إلى المحاكم، وينطبق الحال على جميع دول الخليج. ورغم التطور القانوني في بعض دول الخليج، إلا أن الوصمة الاجتماعية لا تزال قائمة.

ما عاشته مزنة في شارع الأعشى، بكل ما فيه من حب مكبوت ومقاومة خافتة وضغوط عائلية ودينية ليس مجرد حالة معاصرة، بل هو تكرار لصورة المرأة في السرد العربي القديم منذ الجاهلية، مرورا بالعصور الإسلامية وصولا إلى أدب النهضة. في السرد العربي القديم كانت المرأة تمثل الفتنة أو المَتاع، إما معبودة تقاتل القبائل لأجلها أو مصدر بلاء يجب ضبطه أو أداة للصلح والنسب (عنتر وعبلة)، ومزنة في هذا الامتداد، ليست بعيدة عن تلك الصور وتمثيلاتها الرمزية، فهي محكومة بسلطات ثلاث كبرى: سلطة الأخ، وسلطة الأم، وسلطة المجتمع والفتاوى وخطبة الصلاة وتهمة التجريم. ومثل بطلات السرد العربي القديم، فإنّ كل تمرّد منها يُقابل بالعنف أو الخنق أو التهديد بالموت كما لو أن حياتها لا تُحتمل إلا ضمن حدود يقرّها الذكور المتشددون.

لكن المختلف هنا، أن مزنة تقف على حافة التغيير. فهي لا تموت كما ماتت ليلى الأخيلية قهرًا، ولا تُمنع من الحب كما مُنعت بلقيس في الأسطورة، بل تصرخ، تحاول، تجرّب، تفكر في الانتحار، لكنها في نهاية الأمر تنتزع شبه اعتراف من الأم، وتضع الجميع أمام خيار أخير: إما أن أكون أو لا أكون.

إن قصة مزنة في الحقيقة ليست بعيدة عن قصص النساء العربيات منذ فجر السرد: نساء يُحببن لكن لا يُصدقن، يُردن لكن لا يُمنحن، يُفكرن لكن لا يُسألن. ومزنة بهذا تمثّل لحظة تقاطع بين الماضي الثقيل والحاضر الذي سيأتي متأخرا.

مقالات مشابهة

  • ننشر قائمة منتخب الكاراتيه والدول المشاركة ببطولة «البريميرليج» المقامة بالقاهرة
  • قائمة منتخب الكاراتيه والدول المشاركة بالدورى العالمي "بريميرليج" في القاهرة
  • اختلاف الدول العربية: حجر عثرة أمام السلام في السودان
  • رب ضارة نافعة
  • القوة الناعمة في زمن أزمة العلاقات الدولية
  • عناق القلوب
  • الحب في زمن التوباكو (4)
  • العالم يقاوم | الفلسطينيون يرفضون وضع السلاح أسوة بشعوب تحررت بالقوة (تفاعلي)
  • مجلس النواب يثمن مواقف البرلمانيين والدول المساندة للشعبين اليمني والفلسطيني
  • مزنة... التخوّف من الوصمة المجتمعيَّة