لجريدة عمان:
2025-04-17@01:38:49 GMT

أيها «العتيق» غادرهم

تاريخ النشر: 22nd, February 2025 GMT

عندما ينقضي أكثر من ٣٠ عامًا وأنت لا تزال تعمل في مؤسسة واحدة ثِق كل الثقة أن أي فكرة تأتي بها معتقدًا أنها عظيمة وخلاّقة ستكون «غير مُرحب بها» من قِبل الجيل الجديد الذي تعمل معه، لا تُفاجأ أبدًا إذا لم يتم الاحتفاء بالفكرة أو التصفيق لها أو تم سحقها فهي بحسب تصورهم «عتيقة» تمثل جيلا انتهى ومرحلة ولّت واندرست.

إنهم ينظرون إليك كمُعوِق للعمل بل مُثبِط تتخلف عن العالم بملايين السنوات الضوئية.. يا عزيزي، أنت -وهذا مؤسف- لا تتقن الإنجليزية ولا تجيد التعامل مع الحاسوب والأجهزة الإلكترونية المستخدمة في نظام العمل، وإن كنت مسؤولًا فإنك بلا شك تجهل أساليب الإدارة الحديثة.

ومما يزيد الأمر سوءًا أنك مُغيَّب عن عالم التواصل لا تفقهُ سوى التعامل مع الـ«واتس أب» لكن ماذا عن «تيك توك» و«سناب شات» و«إنستجرام»؟.. لنسأل سؤالًا آخر أكثر واقعية: هل بإمكانك صياغة أهدافك وإدخالها إلى منظومة «إجادة» لقياس الأداء الفردي أم سيتعين عليك ككل مرة الاستعانة بزميلك الشاب الذي بطلبك المكرر هذا تُكرسُ في رأسه فكرة أنك تعيش خارج الزمن ويجب أن تتنازل عن كُرسيك من أجل شاب طموح مُقبل على الحياة؟

فوق هذا كله يتم القبض عليك متلبسًا مرات عديدة وأنت تُنكس رأسك وتغُض البصر عندما يُجبرك اجتماع مهم تحضره شابة منفتحة تتمترس خلف «جايد نس» الذي لا يعرف الرحمة، وقد كنت قبل ذلك تسعى بكل ما أُوتيت من قوة إلى التهرب من حضور مثل هذه الاجتماعات فتختلق الأعذار تحاشيًا للفتنة.

في العديد من المناسبات تتعرض للأسئلة المُلغّمة نفسها التي لا ترغب في سماعها: في أي سنة تعينت بالوزارة الوالد؟ ما درجتك المالية العم أبو أحمد؟ متى كانت آخر ترقية حصلت عليها؟ لماذا لم تخرج للتقاعد حتى اليوم رغم أن زملاءك كلهم خرجوا؟

وأنت وهذا ما يمكن ملاحظته تجيب على الأسئلة متظاهرًا بأنك لا تعبأُ كثيرًا بما يرمون إليه مع أنك مدرك أنهم يطلبون منك الرحيل طوعًا طالما لم تُصبك سهام موجة التقاعد التي أصابت من سبقوك.. وتعي أيضًا أن المكان بات ضيقًا على استيعاب رجل قديم مثلك ترافقه أدوية السكري والضغط والكوليسترول أينما ذهب.

إنهم باختصار يتمنون رحيلك يا عزيزي؛ لأنهم يريدون أن يتنفسوا هواءً نقيًا -كما يرددون- ورغم ذلك لا تزال «الله يهديك» صامدًا عتيًا لا تُحركك الرياح تمامًا كـ«جبل شمس» متمسكًا بمقولتك الشهيرة «جالس جالس على رأسهم لين يدفروني وحدهم».

النقطة الأخيرة..

يقول الكاتب الروسي «تشيخوف»: «حين لا تحب المكان استبدله، حين يؤذيك الأشخاص غادرهم».

عُمر العبري كاتب عُماني

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

عندما نُقدّس الروبوتات ونجعل منها أبطالًا خارقة

 

 

مؤيد الزعبي

 

هل تخيلتَ يومًا أن نُكرّم روبوتًا كما نُكرم الأبطال؟ أو أن نبكي على فقدان آلة كما نبكي صديقًا؟ قد يبدو هذا ضربًا من الخيال، لكنه خيال يوشك أن يتحول إلى واقع، فنحن البشر نمنح الحياة للجمادات حين تمنحنا شعورًا بالأُنس أو الأمان؛ تخيّل أن يبكي شخصٌ على فقدان كلبه الروبوتي الذي تعطّل بعد سنوات من الخدمة، أو أن تُكرّم مدينةٌ روبوتًا مقاتلًا شارك في معركة دفاعًا عن الوطن، أو أن نرفع القبعة لروبوتٍ فقد ذراعَه بعدما تسلّق برجًا سكنيًا لإطفاء حريقٍ اندلع في إحدى الشقق، أو أن نصنع تمثالًا لروبوتٍ أدّى أدوارًا تمثيليةً فأصبح نجمًا مشهورًا له مَن يتابعه ويُحب فنه، قد تردّ بأن هذا ضربٌ من الخيال، ولكن ما الذي يجعلك تُصدّق أن هذا لن يحدث في المستقبل؟ فكل المؤشرات تُشير إلى أن ذلك سيحدث في السنوات القادمة؛ نحن بشر وتفاعلنا مع مثل هذه الأحداث أمرٌ وارد.

قد أتفهَّم مسألة ارتباطنا نحن البشر بالجمادات التي نبني معها علاقةً خاصّة، كتعلّق شخصٍ بسيارته وحزنه حين يقرر استبدالها، أو إبقائها في كراجٍ لسنواتٍ فقط لأنه لا يستطيع التخلّي عنها، أو تعلّق شخصٍ بأغراضه اليومية مثل كوبٍ أو قلمٍ أو حتى قطعة ملابس، لذا أجد من السهل أن نتعلّق في المستقبل بروبوتاتٍ تُحادثنا ونُحادثها، سنشكو لها همًّا فتُصغي إلينا، سنقرر القيام بأي شيءٍ فستكون رفيقتنا، خصوصًا مع انتشار الروبوتات المساعِدة في السنوات المقبلة فسيوجد مَن يرتبط ارتباطًا وثيقًا بهذه الروبوتات لدرجة أن يُقدّس وجودها في حياته.

في الحقيقة، لا أنكر مثل هذه المشاعر، بقدر ما أستنكر وبشدة أن نتعامل مع الروبوتات على أنها تمتلك قيمًا أخلاقيةً أو إنسانيةً، فنبدأ بالتعامل معها على هذا الأساس مثل أن ننسب إليها الشجاعة لأنها أنقذت إنسانًا، بينما هي صُمّمت أساسًا لهذا الغرض، أو أن نرى أنها "صانت العشرة" لمجرّد أنها أمضت سنواتٍ تخدمنا في المنزل أو تعتني بكبارنا أو صغارنا. أو أن نعتبرها بطلًا خارقًا يحارب من أجل سلامتنا، بينما نحن مَن استبدلنا الجنود البشريين بآخرين روبوتيين، فلا يمكن أن ننسب النبل أو الشجاعة لروبوتٍ صُنع لأداء مهامٍ محددة، و"موته" لا يجب أن يكون حدثًا مقدسًا بالنسبة لنا.

ربما يقول قائل: وما الذي يدفعك، عزيزي الكاتب، إلى الوصول بمخيلتك إلى مثل هذه الأمور؟ فأقول: لأن تاريخنا البشري خير شاهدٍ على كلامي، فبالعودة إلى طبيعتنا، فقد قدّسنا حيواناتٍ بعينها أو سلالاتٍ منها، وقدّسنا أعشابًا ونباتاتٍ وزهورًا ورفعناها فوق الرؤوس وقبّلناها في المناسبات، بل وحتى تحدّثنا إلى الحجر ودعوناه أن يحلّ مشكلاتنا! فلا تتعجّب، عزيزي القارئ، إذا وجدتنا يومًا نُقدّس روبوتًا صنعناه لخدمتنا، ثمّ نرى فيه بطلًا خارقًا أنقذ حياتنا، أو أن حياتنا أصبحت ناقصةً من دونه.

رغم تحذيري من هذا التوجّه، أعلم أننا كبشر كائناتٌ عاطفيةٌ نرتبط بالأشياء رغمًا عنّا، فكيف الحال مع روبوتاتٍ ذكيةٍ ستزداد ذكاءً يومًا بعد يوم؟ كيف مع برمجياتٍ ستجعلنا نحبّها؟ كيف مع آلاتٍ ستكون رفيقنا الدائم؟ ولكن ما أحذّر منه حقًا ليس تعاطفنا بل الخوف من استغلال هذا التعاطف لجعلنا مدينين لهذه الآلات بحياتنا وأموالنا، فإمّا أن تكون هذه الآلات واعيةً لدرجةٍ تسلبنا فيها كل شيء، أو أن تكون هناك شركاتٌ خلفها تستغلّ مشاعرنا لتحقيق مكاسب مادية أو معنوية أو تحاول السيطرة علينا وعلى قراراتنا.

خلاصة القول، عزيزي القارئ، إن تعاملنا مع الروبوتات في المستقبل سيكون معقّدًا ومتشابكًا، وكل ما في مخيلتنا اليوم هو جزءٌ بسيطٌ مما سنواجهه؛ لذا لا تستغرب طرحِي، بل استوعب ما نحن مقبلون عليه، وإن كان بالإمكان الاستعداد له أو حتى تدريب أنفسنا وأجيالنا القادمة على مثل هذه السيناريوهات، فلماذا لا؟ بل يجب أن نتعامل مع علاقتنا المستقبلية بالروبوتات كما لو أنها مصيرٌ حتميٌّ علينا الاستعداد له.

وقبل أن أختم هذا الطرح، يُراودني تساؤلٌ يصعب الإجابة عنه: ماذا لو أصبحت هذه الآلات تمثّل لنا أشخاصًا كانوا أحياءً يومًا ما؟ كأن تتجسّد الروبوتات بشخصية فردٍ عزيزٍ فقدناه، فكيف سنتعامل معها؟ وماذا لو أُعيد إحياء شخصياتٍ تاريخيةٍ كان لها تأثيرها وحضورها عبر التاريخ، وهذا التساؤل هو ما سوف اتناقش فيه معك في مقالي المقبل.

رابط مختصر

مقالات مشابهة

  • 50 قتيلاً في حريق بالكونغو
  • حزب الله ينشط خارج لبنان.. تقريرٌ يحدّد المكان!
  • الخارجية الإيرانية تحدد المكان المقرر حتى هذه اللحظة للمفاوضات الثانية
  • عندما نُقدّس الروبوتات ونجعل منها أبطالًا خارقة
  • عناق القلوب
  • تغيير محل الإقامة في البطاقة بفاتورة التليفون «أونلاين».. خطوات بسيطة وأنت في بيتك
  • ارحل أيها الأحمق.. جماهير برشلونة تهاجم مدافع الفريق
  • حدث وأنت نائم | «روح القانون» تنقذ شابين من الحبس.. وحقيقة التحرش بسيدة في أكتوبر
  • كل سنة وأنت طيب يا أخويا.. رانيا فريد شوقي تهنئ ميدو عادل بعيد ميلاده
  • وأنت في مكانك.. خطوات دفع فاتورة الغاز المنزلي وتسجيل قراءة العداد بالهاتف