نحو تصحيح المسار الاقتصادي للشركات
تاريخ النشر: 22nd, February 2025 GMT
محمد بن عيسى البلوشي **
يتَّفق المختصون في مجال الاقتصاد والاستثمار أن بورصة مسقط تمضي قدمًا نحو ترسيخ مرحلة جديدة من عملها، والناظر إلى جهودها في الأعوام الأخيرة والتي شهدت فيها البورصة ولأول مرة اكتتابات مليونية في عده قطاعات اقتصادية حيوية، يجد الأمر متحققا، ولهذا بات موضوع إعادة هيكلة بعض شركات المساهمة العامة المدرجة في البورصة أمرا ملحا وضروريا حتى يستقيم السير نحو الهدف المنشود ووفق :رؤية عُمان 2040".
والتخلص من عباءة المديونيات المستمرة التي لا زالت تلاحق بعضًا من الشركات، وأيضا استمرار عدم تحقيق الأرباح لسنوات عدة، بات أمرًا مُقلقًا ليس لجمهور المستثمرين فحسب؛ بل لهاجس قدرة تلك الشركات على الاستمرار واستدامتها ونمو مثل هذه الاستثمارات الاقتصادية التي تتطلع منها الحكومة الى أن تؤدي دورًا محوريًا خلال الفترة المقبلة في ظل التنافس المحموم الذي تشهده القطاعات الاقتصادية.
ينظر المستثمر إلى الإجراءات الرسمية التي من الواجب على هيئة الخدمات المالية وجهاز الاستثمار العُماني المضي بها وتبنيها خلال المرحلة المقبلة، على أنها تعزز الثقة في السوق العُمانية من خلال تخصيص استراتيجية التحول في الشركات المتعثرة واعادة هيكلتها، وسوف نجد أثرة ولو بعد حين ظاهرًا بشكل إيجابي على بورصة مسقط.
فكرة أن تظل الشركات على ما هي عليه من دعم حكومي مباشر أو غير مباشر أصبحت لا تتناسب مع وضع الاقتصادات الطموحة والفاعلة، وأيضا لا تنسجم مع رؤيتنا الوطنية نحو "عُمان 2040"، فلا بُد أن نرسخ مبدأ بناء شركات حكومية أو مساهمة عامة قوية وقادرة على المساهمة بفاعلية في الاقتصاد وتحقق تطلعات المستثمرين، وعلينا المضي قدما إلى هذا الجانب بشكل واضح وفق أهدافنا الوطنية.
والتجربة التي خاضتها الحكومة في إعادة هيكلة بعض الشركات -وعلى سبيل المثال الطيران العُماني- هي محل دراسة وتقدير للتوجه المحمود الذي يجب على الحكومة المضي فيها؛ فسنوات الصرف المباشر دون تحقيق أي نتائج إيجابية بات أمرًا غير مقبول، لأنها تختلف عن المؤسسات الحكومية (الوزارات) الملتزمة بتقديم الخدمات الرئيسية كالتعليم والصحة والأمن؛ حيث إن الشركات مهما كانت مسمياتها هي مؤسسات اقتصادية واستثمارية ويتم التعامل معها على هذا الأساس.
وهنا أدعو الجهات المعنية: مجلس الوزراء ومجلس الشورى ومجلس الدولة وجهاز الرقابة المالية والإدارية للدولة وهيئة الخدمات المالية وجهاز الاستثمار العُماني، وغيرها من المؤسسات، إلى رسم استراتيجية واضحة نحو مسألة إعادة النظر في الشركات كافةً (حكومية/ مساهمة عامة)، خلال المرحلة المقبلة، بحيث يتم تقييم أداء تلك الشركات؛ بما يتفق مع التوجهات الاقتصادية و"رؤية عُمان 2040"، وهذه مسؤولية كبيرة وأمانة عظيمة تقع على عاتق الجميع.
وعلى النُخَب في جميع المجالات تفهم حساسية هذه المرحلة من عُمر اقتصادنا الوطني، وغرس المعلومة الصحيحة لبناء فكر اقتصادي مُستنير من أجل أن يُسهم الجميع من مواطن/ مؤسسات في إنجاح هذا الدور الوطني المُهم.
** مستشار إعلامي في الشأن الاقتصادي
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
غرس ثقافة ريادة الأعمال في التعليم نحو جيل مبتكر يواكب تطلعات «رؤية عُمان 2040»
في عالم تتسارع فيه وتيرة التحول الاقتصادي والتقني، أصبحت ريادة الأعمال حجر الزاوية في مسيرة التنمية المستدامة، ومن هذا المنطلق تواصل سلطنة عُمان جهودها في ترسيخ مفاهيم الريادة والابتكار في نفوس النشء منذ مراحل التعليم الأولى، إدراكًا منها لأهمية تأصيل هذه القيم في بناء جيل قادر على تحويل الأفكار إلى مشروعات، والطموحات إلى إنجازات، بما ينسجم مع مستهدفات «رؤية عُمان 2040» التي تؤكد على تمكين الشباب، وتعزيز الاقتصاد القائم على المعرفة والاستدامة.
وتُعد المدارس ميدانًا خصبًا لاكتشاف المواهب الريادية، حيث تنبثق منها أفكار ومشروعات تتجاوز التوقعات، وتفتح آفاقًا جديدة أمام الطلبة في مسارات ريادة الأعمال، ومن أبرز النماذج التي تميزت على مستوى الطلبة في تعليمية محافظة ظفار، شركتا «Cocoil» و«Charcoal»، اللتان أسسهما مجموعة من الطالبات الطموحات من تعليمية محافظة ظفار وتمكنتا من تقديم منتجات طبيعية مبتكرة ترتكز على الجودة والاستدامة.
شركة «Cocoil»: منتج طبيعي بروح عُمانية
شركة «Cocoil» هي مشروع طلابي متميز في إنتاج وتسويق زيت جوز الهند الطبيعي، أسسته ثلاث طالبات هن: نور بنت عبدالله الشنفرية، وريما بنت محمد شجنعة، وزهوة بنت سهيل جعبوب.
وتقوم فكرة المشروع على إنتاج زيت جوز الهند البكر الممتاز المستخلص من ثمار النارجيل الظفارية الناضجة، باستخدام طريقة العصر البارد للحفاظ على القيم الغذائية والطبية للزيت.
المنتج موجه للاستخدامات الغذائية والتجميلية والصحية والمنزلية، ويتميز بكونه طبيعيًا 100%، بتغليف جذاب يعكس نقاءه وجودته.
تقول نور الشنفرية: انطلقنا من رغبتنا في تعزيز الوعي بفوائد الزيوت الطبيعية، وتقديم بدائل صحية وآمنة للمنتجات الصناعية، وواجهتنا منافسة كبيرة في السوق، لكننا ركزنا على التميز بالجودة والابتكار في طريقة الإنتاج والتغليف.
وقد ساهمت مشاركة الفريق في الفعاليات والمعارض الطلابية في تعزيز الثقة بأنفسهن، وتوسيع دائرة الترويج للمنتج، كما فتحت لهن هذه المشاركات أبوابًا للتفاعل مع مختلف فئات المجتمع، والتعرّف على تجارب الآخرين، مما أسهم في تطوير قدراتهن ومهاراتهن الريادية.
وتطمح الشركة في المستقبل إلى توسيع نطاق عملها لتشمل منتجات طبيعية أخرى، وأن تكون من أوائل العلامات التجارية العُمانية الرائدة في قطاع الزيوت العضوية، على المستويين المحلي والدولي.
شركة «Charcoal» استدامة بيئية بفكر طلابي
أما شركة «Charcoal» التي أسستها الطالبات براءة بنت هيثم بن حسن بن علي اليافعية، وأسيل بنت قاسم بن أحمد بن عبدالقوي اليافعية، والألماس بنت علي بن عبدالله المعلم، فتعد نموذجًا آخر يجسّد الوعي البيئي والابتكار.
يقوم مشروع «Charcoal» على إعادة تدوير قشور جوز الهند وتحويلها إلى فحم طبيعي صالح للاستخدام كبخور، بالإضافة إلى إنتاج سماد عضوي مغذٍ للتربة من بقايا الرماد، ويتميز الفحم بكونه خاليًا من المواد الكيميائية والمواد الكبريتية الضارة، مما يجعله منتجًا صحيًا وصديقًا للبيئة.
تقول براءة اليافعية: استلهمنا فكرتنا عندما لاحظنا انتشار قشور جوز الهند في الشوارع بطريقة غير حضارية، وغالبًا ما يتم التخلص منها بالحرق، مما يزيد من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، ففكرنا في استغلال هذه المخلفات لصنع منتج مفيد ومستدام.
واجه الفريق تحديات عديدة، من أبرزها عدم توفر الأدوات والمعدات، وغياب مساحة مناسبة للعمل، إلا أن الإصرار والطموح دفع الطالبات للتعاون مع دائرة البحوث الزراعية والحيوانية بظفار، حيث حصلن على الدعم والمشورة من المهندس باسم بن بشير، الذي ساعدهن في بدء الإنتاج التجريبي داخل مختبر الأحياء في المدرسة، بمساندة المشرفة تركية بنت ناحي اليافعية، وتوجيه أخصائيات التوجيه المهني أميرة بنت محمد باعلوي وفاطمة الكاف.
ولم تقف إنجازات الشركة عند هذا الحد، بل حصدت الطالبات جائزة أفضل منتج مبتكر على مستوى سلطنة عُمان في ديسمبر 2024، خلال مسابقة «تكنو وابتكار»، كما شاركن في عدد من المعارض والمسابقات الريادية مثل معرض «النقاء الخليجي» المقرر في فبراير 2025، ومعرض «جيدكس العالمي» في أبريل 2025.
تطمح الطالبات إلى إنشاء مصنع متخصص لصناعة الفحم الطبيعي بأنواع وأشكال متعددة، تلبي مختلف أذواق المستهلكين، خاصة في المناسبات والأعياد، ليكنّ بذلك رائدات في تقديم منتج محلي يحمل الهوية الظفارية نحو الأسواق الخليجية والعالمية.
التوجيه المهني دعم مستمر وصناعة فُرص
أوضحت أخصائيات التوجيه المهني أن لريادة الأعمال مكانة بارزة ضمن مسارات التوجيه بعد الصف الثاني عشر، ولذلك يسعى التوجيه المهني إلى تقديم الدعم المعرفي والمعنوي للطلبة، من خلال تنمية المهارات، وبناء شبكة علاقات داخل المدرسة وخارجها، وتعزيز الثقة بالنفس، وترسيخ مبادئ التفكير النقدي وحل المشكلات.
وأكدت الأخصائيات أن اختيار المشروعات يتم بناءً على عدة معايير، منها توافق فكرة المشروع مع موضوع المعرض، والابتكار، وجودة المنتج، واستغلال الموارد الطبيعية، ومدى توافقها مع «رؤية عمان 2040»، بالإضافة إلى شمولية الفكرة وقدرتها على استهداف فئات متعددة من المجتمع.
وعن الأثر التربوي والتعليمي لهذه التجربة، أشرن إلى أن الطالبات اكتسبن مهارات حياتية ومهنية متنوعة، مثل التخطيط والإدارة والتسويق والعمل الجماعي والعرض والإقناع، بالإضافة إلى تعزيز الوعي البيئي والاجتماعي، من خلال توظيف الموارد الطبيعية في مشروعات مستدامة.
توسّع مستقبلي نحو مدارس ومنتجات جديدة
أكدت الأخصائيات وجود خطط مستقبلية لتوسيع مبادرات ريادة الأعمال الطلابية لتشمل مدارس أخرى، وتشجيع المزيد من الطلبة على خوض تجارب مماثلة، بهدف تعزيز ثقافة الاعتماد على الذات، وتنمية الاقتصاد المحلي من خلال المنتجات المبتكرة، وتعزيز مفهوم «البراند المحلي» القادر على المنافسة إقليميًا.
وتُعد هذه المبادرات شاهدًا حيًا على فاعلية الاستثمار في الفكر الطلابي، ومدى قدرة النشء على التغيير الإيجابي متى ما أتيحت له الفرصة، بالدعم والتوجيه والتشجيع.