د. حامد بن عبدالله البلوشي

shinas2020@yahoo.com

 

منذ فجر التاريخ، كان المُعلِّم شُعلة مُتقدة تنير دروب الإنسانية، وحاملًا لمشاعل الحكمة والمعرفة في أروقة الحياة. لم يكن المُعلِّم مجرد ناقل للعلوم، أو شارحًا للدروس، بل كان بانيًا للعقول، وصانعًا للأجيال، ومرشدًا للإنسان في رحلة البحث عن الحقيقة.

وعلى مر العصور، تواترت الثقافات والحضارات على تعظيم شأن المُعلِّم؛ إذ أدركت الأمم المتعاقبة أن التقدُّم لا يبنى إلّا على أساس متين من العلم والمعرفة، وركائز راسخة من الثقافة والفكر، وأن المُعلِّم هو الأساس الذي تستند إليه دعائم التقدم والرقي.

في مختلف بقاع الأرض، وعلى مدار التاريخ، كان المُعلِّم موضع إجلال وتقدير، فاليونانيون القدماء رأوا فيه فيلسوفًا يُنير العقول، والصينيون وضعوه في مصاف الحكماء، أما العرب، فقد جعلوه حامل راية العلم، وسفير الفضيلة، ولا تزال الدول المُتقدِّمة تكرم المُعلِّم، وتقيم له أيامًا تُخلِّد فيها إنجازاته، وترفع مكانته بين أفراد المجتمع.

لقد أتى الإسلام مُعليًا شأن العلم، ومُجلًّا لمكانة المُعلِّم؛ إذ كان أول ما نزل من الوحي قول الله تعالى: ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ﴾ (العلق: 1)، إعلانًا صريحًا بأن المعرفة هي المدخل الأول لنور الهداية. وقال سبحانه وتعالى: ﴿يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ﴾ (المجادلة: 11). وقد كان الرسول ﷺ نفسه مُعلِّما للبشرية، هاديا ودليلا، يخرج الناس من الظلمات إلى النور؛ حيث قال ﷺ: "إن الله لم يبعثني معنتًا ولا متعنتًا ولكن بعثني مُعلِّما وميسرًا". وهو القائل: "إن الله وملائكته وأهل السماوات والأرض حتى النملة في جحرها وحتى الحوت ليصلون على مُعلِّم الناس الخير".

لقد حفلت صفحات التاريخ بأعلام كانوا منارات علم تهدي الحائرين، ومُعلِّمين صنعوا أجيالًا من العلماء، وأصحاب فكر بنوا عقولًا وشيدوا حضارات، ومن أمثال هؤلاء ابن سينا الذي مزج الطب بالحكمة، ولم يكتف بأن يكون طبيبًا حاذقًا، وعالمًا نابغًا، بل أضاف إلى ذلك كونه مُعلِّمًا رائدًا، ينقل علمه لطلابه ومريديه، ويترك بصمات خالدة ظلَّ أثرها على مدار التاريخ، والخليل بن أحمد الفراهيدي المولود في أرض عُمان المباركة، والذي وضع أُسس علم العَروض. كما وضع أسس التفكير المنهجي لطلابه الذين كان على رأسهم سِيبَوِيه إمام النحو، وباني أصوله، وأحد أعظم النُحاة المسلمين. كما لا ننسى العديد من الأئمة العُمانيين الذين حملوا لواء التعليم، وأثروا الحضارة الإسلامية بفكرهم النير، ونقلوا العلم إلى أجيال متتابعة، فكانوا مثالًا للمُعلِّم الذي يُسخِّر علمه لخدمة البشرية؛ كالإمام الفقيه جابر بن زيد، والإمام العلّامة والشاعر والمؤرخ الموسوعي نور الدين السالمي، والأصولي المحقق الإمام سعيد بن خلفان بن أحمد الخليلي، وغيرهم الكثير.

ولقد أدركت سلطنة عُمان، منذ انطلاقة نهضتها الحديثة، أن بناء الإنسان هو اللبنة الأساسية في بناء الوطن، وكان التعليم هو المحور الأول لهذا البناء، والمُعلِّم هو حجر الأساس. ولذا، لم تبخل السلطنة في دعم المُعلِّم، تأهيلا، وتدريبا، وتمكينا، ليكون على قدر المسؤولية في صناعة الأجيال الواعدة.

وكان السلطان قابوس بن سعيد -طيب الله ثراه- قائدًا مُستنيرًا، أدرك أن نهضة عُمان لن تتحقق إلا بالعِلم، فوجَّه جهوده لبناء منظومة تعليمية متكاملة، وأولى المُعلِّم اهتمامًا خاصًا. ومن أقواله التي خلدها التاريخ: "إننا نعيش عصر العلم ونشهد تقدمه المتلاحق في جميع المجالات، وإن ذلك ليزيدنا يقينا بأنَّ العلم والعمل الجادَ هما معا وسيلتنا لمواجهة تحديات هذا العصر وبناء نهضة قوية ومزدهرة على أساس من قيمنا الإسلامية والحضارية"، وهذا تأكيد على أن العلم هو أساس النهضة، والمُعلِّم هو الركن المتين لها.

وعلى خطى السلطان قابوس -رحمه الله- جاء حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله ورعاه- ليؤكد أن التعليم سيظل الركيزة الأولى للنهوض بالوطن. وقد أولى جلالته -أبقاه الله- التعليم اهتمامًا كبيرًا، إيمانًا منه بأن الاستثمار في الإنسان هو الاستثمار الحقيقي. ومن أقواله: "وإن الاهتمام بقطاع التعليم بمختلف أنواعه ومستوياته وتوفير البيئة الداعمة والمحفزة للبحث العلمي والابتكار سوف يكون في سلم أولوياتنا الوطنية، وسنمده بكافة أسباب التمكين باعتباره الأساس الذي من خلاله سيتمكن أبناؤنا من الإسهام في بناء متطلبات المرحلة المقبلة".

إنَّ المُعلِّم ليس مجرد ناقل للمعرفة؛ بل هو مهندس العقول، ومؤسس القيم، وصانع الحضارات. فبكلماته تتفتح الأذهان، وبحكمته تتغير المسارات، وبصبره يبني جيلا قادرا على النهوض بالمجتمع، وهو الذي يزرع بذور الطموح في نفوس طلابه، ويرويها بحب العلم، ويصقلها بالتجربة، حتى تثمر علماء ومفكرين يرفعون راية أوطانهم عاليا.

وأقل ما يمكن أن نقدمه للمُعلِّم هو الاحترام والتقدير، وأن نُوَفِّر له بيئة تمكنه من أداء رسالته السامية. ومن الواجب علينا أن نكرم المُعلِّم معنويا وماديّا، وأن نمنحه المكانة التي يستحقها في المجتمع، حتى يؤدي رسالته النبيلة بكل حب وإخلاص.

وعلى الرغم من مكانته الرفيعة، إلّا أن المُعلِّم يواجه العديد من التحديات، منها التطور السريع في أساليب التعليم، وضغوط العمل، ومتطلبات العصر الرقمي. والتي تحاول وزارة التربية والتعليم جاهدة وفق إمكانياتها المتاحة، وعبر مؤسساتها التعليمية، إلى دعمه بالتدريب والتطوير المستمر، واللحاق بركب التقدم، وتوفير بيئة تعليمية تحفّزه على الإبداع، وتضمن له حياة كريمة.

إنَّ المُعلِّم هو النبراس الذي يُضيء لنا دروب المعرفة، وهو الباني الذي يُشيّد صروح الأمل، وهو الجسر الذي نعبُر عليه إلى المستقبل.

وفي يوم المُعلِّم العُماني، نقف جميعًا إجلالًا وتقديرًا له، شاكرين جهوده، سائلين الله -عز وجل- له التوفيق والسداد ليواصل رسالته السامية في بناء الأجيال والمساهمة في بناء نهضة عُمان المتجددة نحو غدٍ أكثر إشراقًا.

** مدير عام شبكة الباحثين العرب في مجال المسؤولية المجتمعية

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

محفوظ: بغياب هدى شديد فقد الإعلام علما فاعلا في بناء المواطنة

نعى رئيس المجلس الوطني للإعلام عبد الهادي محفوظ في بيان هدى شديد وقال:"بغياب الزميلة هدى شديد فقد الإعلام اللبناني علما فاعلا في بناء المواطنة والسلم بين اللبنانيين وفي اعلام حر بعيد عن الإثارة الطوائفية والسياسية".

واضاف: " لقد قاومت هدى المرض وجسّدت سلوكية مهنية وانسانية يحتاجها العاملون في الاعلام وساهمت في إعطاء قناة (LBCI) بعدا لبنانيا جامعا كما أعطاها رئيس مجلس الإدارة الشيخ بيار الضاهر المكان اللائق في المؤسسة الاعلامية".

و اشار محفوظ الى "لفتة رائعة لفخامة رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون بتكريمها في حياتها".

وتابع: "لقد بكاها الكثيرون من العاملين في الإعلام ومن عرفها من خارجه. لكن يبقى حضور هدى شديد ماثلا بعد غيابها ومثل هذا الحضور لا يعوّض ذلك أنها أعطت لحياتها معنى. والحياة بدون معنى هي نوع من الموت الدائم".

وختم:"هكذا هدى شديد تشبه ’’لبنان الحقيقي‘‘ على ما اعتبرهأ أخوها المحامي طوني شديد. فلبنان الحقيقي لا يموت أيضا". مواضيع ذات صلة مفوضية الإعلام في التقدمي نعت هدى شديد: قاومت المرض بابتسامة وتصميم على المضي في حياتها المهنية Lebanon 24 مفوضية الإعلام في التقدمي نعت هدى شديد: قاومت المرض بابتسامة وتصميم على المضي في حياتها المهنية 24/03/2025 12:27:39 24/03/2025 12:27:39 Lebanon 24 Lebanon 24 نازك الحريري نعت هدى شديد: ستظلُّ أعمالُها راسخة في ذاكرة الاعلام والوطن Lebanon 24 نازك الحريري نعت هدى شديد: ستظلُّ أعمالُها راسخة في ذاكرة الاعلام والوطن 24/03/2025 12:27:39 24/03/2025 12:27:39 Lebanon 24 Lebanon 24 نقابة العاملين في الاعلام نعت هدى شديد: متميّزة بما تحمل من قيم المحبة Lebanon 24 نقابة العاملين في الاعلام نعت هدى شديد: متميّزة بما تحمل من قيم المحبة 24/03/2025 12:27:39 24/03/2025 12:27:39 Lebanon 24 Lebanon 24 وزير الإعلام مستذكراً هدى شديد: حملت لواء الحقيقة بشرف حتى آخر رمق Lebanon 24 وزير الإعلام مستذكراً هدى شديد: حملت لواء الحقيقة بشرف حتى آخر رمق 24/03/2025 12:27:39 24/03/2025 12:27:39 Lebanon 24 Lebanon 24 قد يعجبك أيضاً بلبلة وتوتر في الجامعة اللبنانية.. لا رواتب كاملة للموظفين والأزمة تتفاقم Lebanon 24 بلبلة وتوتر في الجامعة اللبنانية.. لا رواتب كاملة للموظفين والأزمة تتفاقم 05:30 | 2025-03-24 24/03/2025 05:30:00 Lebanon 24 Lebanon 24 الجميّل: يجب إنهاء وجود أي سلاح خارج الدولة Lebanon 24 الجميّل: يجب إنهاء وجود أي سلاح خارج الدولة 06:17 | 2025-03-24 24/03/2025 06:17:39 Lebanon 24 Lebanon 24 عون: لبنان دفع ثمن الخلافات الداخلية كثيرًا Lebanon 24 عون: لبنان دفع ثمن الخلافات الداخلية كثيرًا 06:06 | 2025-03-24 24/03/2025 06:06:53 Lebanon 24 Lebanon 24 الاتحاد الوطني لنقابات العمال والمستخدمين: الأول من أيار سيكون مناسبة لتنظيم حقوق العمال Lebanon 24 الاتحاد الوطني لنقابات العمال والمستخدمين: الأول من أيار سيكون مناسبة لتنظيم حقوق العمال 06:02 | 2025-03-24 24/03/2025 06:02:46 Lebanon 24 Lebanon 24 هل يستفيد "حزب الله" من الانتخابات؟ Lebanon 24 هل يستفيد "حزب الله" من الانتخابات؟ 06:00 | 2025-03-24 24/03/2025 06:00:00 Lebanon 24 Lebanon 24 الأكثر قراءة هذه خطة إسرائيل ضدّ لبنان.. تقريرٌ فرنسي يكشفها Lebanon 24 هذه خطة إسرائيل ضدّ لبنان.. تقريرٌ فرنسي يكشفها 15:00 | 2025-03-23 23/03/2025 03:00:00 Lebanon 24 Lebanon 24 كريم سعيد حاكما لـ"المركزي"...وشروط فاتف إلى الواجهة مجدداً Lebanon 24 كريم سعيد حاكما لـ"المركزي"...وشروط فاتف إلى الواجهة مجدداً 10:00 | 2025-03-23 23/03/2025 10:00:52 Lebanon 24 Lebanon 24 مَنْ أطلق صواريخ الجنوب؟ ثلاثة سيناريوهات تُحدد الفاعل Lebanon 24 مَنْ أطلق صواريخ الجنوب؟ ثلاثة سيناريوهات تُحدد الفاعل 12:30 | 2025-03-23 23/03/2025 12:30:00 Lebanon 24 Lebanon 24 أول ظهور لابنة رحمة رياض.. شاهدوا الصور Lebanon 24 أول ظهور لابنة رحمة رياض.. شاهدوا الصور 10:30 | 2025-03-23 23/03/2025 10:30:00 Lebanon 24 Lebanon 24 قائمة الـ2025.. إليكم ترتيب دول الخليج من حيث "القوة الجوية" Lebanon 24 قائمة الـ2025.. إليكم ترتيب دول الخليج من حيث "القوة الجوية" 17:00 | 2025-03-23 23/03/2025 05:00:00 Lebanon 24 Lebanon 24 أخبارنا عبر بريدك الالكتروني بريد إلكتروني غير صالح إشترك أيضاً في لبنان 05:30 | 2025-03-24 بلبلة وتوتر في الجامعة اللبنانية.. لا رواتب كاملة للموظفين والأزمة تتفاقم 06:17 | 2025-03-24 الجميّل: يجب إنهاء وجود أي سلاح خارج الدولة 06:06 | 2025-03-24 عون: لبنان دفع ثمن الخلافات الداخلية كثيرًا 06:02 | 2025-03-24 الاتحاد الوطني لنقابات العمال والمستخدمين: الأول من أيار سيكون مناسبة لتنظيم حقوق العمال 06:00 | 2025-03-24 هل يستفيد "حزب الله" من الانتخابات؟ 05:54 | 2025-03-24 رئيس منظمة فرسان مالطا في كندا: عملنا في لبنان إنساني بعيداً عن السياسة فيديو على طريقة الأفلام.. بريطاني يحوّل زميله لأشلاء (فيديو وصور) Lebanon 24 على طريقة الأفلام.. بريطاني يحوّل زميله لأشلاء (فيديو وصور) 15:00 | 2025-03-22 24/03/2025 12:27:39 Lebanon 24 Lebanon 24 بعد انتشار أخبار زواجه.. هكذا رد أحمد العوضي (فيديو) Lebanon 24 بعد انتشار أخبار زواجه.. هكذا رد أحمد العوضي (فيديو) 15:00 | 2025-03-22 24/03/2025 12:27:39 Lebanon 24 Lebanon 24 "حسبي الله ونعم الوكيل".. هل انفصل أحمد السقا عن زوجته؟ (فيديو) Lebanon 24 "حسبي الله ونعم الوكيل".. هل انفصل أحمد السقا عن زوجته؟ (فيديو) 05:47 | 2025-03-22 24/03/2025 12:27:39 Lebanon 24 Lebanon 24 Download our application مباشر الأبرز لبنان خاص إقتصاد رمضانيات عربي-دولي فنون ومشاهير متفرقات Download our application Follow Us Download our application بريد إلكتروني غير صالح Softimpact Privacy policy من نحن لإعلاناتكم للاتصال بالموقع Privacy policy جميع الحقوق محفوظة © Lebanon24

مقالات مشابهة

  • نزلة برد شديدة.. شيخ الأزهر يعتذر عن لقاءاته بناء على نصيحة الطبيب
  • دور برد شديد.. شيخ الأزهر يلغي اجتماعات اليوم الثلاثاء بناء على نصيحة الأطباء
  • عبد العزيز.. قصة أصغر صانع محتوى إماراتي
  • عبد الله حمدوك.. المدني الذي آثر السلامة فدفعه الجيش إلى الهامش
  • محافظ المنيا: الأم أيقونة العطاء ودورها عظيم فى بناء الأجيال
  • نهايات الطُغاة عبر التاريخ
  • محفوظ: بغياب هدى شديد فقد الإعلام علما فاعلا في بناء المواطنة
  • هذا الذي يدور في اليمن‬ .. ‫وهذا القادم‬ !
  • تطور هائل في بناء ملعب مولاي عبد الله (صور)
  • ما الذي تريده واشنطن من إملاء الشروط؟