سعد مكاوي رائدًا للقصة القصيرة
تاريخ النشر: 22nd, February 2025 GMT
(1)
يعيد هذا الكتاب، الصادر أخيرًا في سلسلة (مكتبة الدراسات الأدبية) التاريخية العريقة، الاعتبار لأحد أهم وأبرز كتاب القصة العربية القصيرة في القرن العشرين، وهو الكاتب الراحل سعد مكاوي الذي ترك إرثا قصصيا وروائيا معتبرا فضلا على تراثه من المقالات والكتابات النقدية والأدبية.
وسعد مكاوي كاتب شهر بريادته في فن القصة القصيرة كما شهر بريادته في الرواية التاريخية التي تجاوزت المفهوم الكلاسيكي (كما عرفت على يد جورجي زيدان، وعلي الجارم وفي الموجة التالية على يد نجيب محفوظ وعادل كامل وعبد الحميد السحار وعلي أحمد باكثير.
وهذا الكتاب الذي نتناوله في هذه الحلقة من (مرفأ قراءة) قدِّم في صورته الأولى لكلية الآداب جامعة القاهرة لنيل درجة الماجستير، قدمها صاحبها الناقد والأكاديمي المعروف الدكتور خيري دومة في ثمانينيات القرن الماضي، ودافع عنها أمام لجنة علمية رفيعة المقام (الناقد الراحل الدكتور عبد المحسن بدر، والناقدة الرائدة الكبيرة سهير القلماوي، ومؤرخ فن القصة القصيرة وناقدها البارز الراحل الدكتور سيد حامد النساج).
وهي تقريبا الأطروحة المنهجية الأولى التي خصصت لدراسة فن القصة القصيرة لدى سعد مكاوي، خصوصًا أن معظم الدراسات تركزت والتفت حول إنجاز يوسف إدريس القصصي، مغطية على ما عداه سواء من الريادات السابقة عليه، أو من المعاصرين له، من أبناء جيله "الخمسينيات".
(2)
وفن القصة القصيرة هو المضمار الأصيل لسعد مكاوي، وشغفه الأول، فقد ترك فيها ما لا يقل عن خمس عشرة مجموعة قصصية، من أبرزها «الماء العكر»، «في قهوة المجاذيب»، «مجمع الشياطين»، «الزمن الوغد»، و«الفجر يزور الحديقة».. وغيرها.
وعدّ نقادٌ مجموعته «الماء العكر» (صدرت طبعتها الأولى سنة 1956، عن دار الفكر بالقاهرة)، واحدة من أهم عشر مجموعات قصصية صدرت في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي. ومعظم الكتب والدراسات التي تعرضت لفن القصة القصيرة في مصر خلال هذه الفترة تعرضت لها وتحدثت عنها، ليس فقط لقيمتها الفنية ولغتها المميزة، بل أيضًا لأنها اُعتبرت مجموعة رائدة لتيار مهم في كتابة القصة القصيرة وهو تيار "الواقعية الرمزية" الذي يعد سعد مكاوي أحد رواده الكبار..
وهذا الكتاب الذي نشر تحت عنوان «سعد مكاوي كاتبًا للقصة القصيرة» دراسة ممتازة ووافية وشاملة للإبداع القصصي لواحد من كبار رواد القصة القصيرة في مصر والعالم العربي كله، رائد كبير وحقيقي وصاحب مذاق خاص في كتابته؛ ورغم ذلك فلم يحظ بدراسة شاملة لإنتاجه القصصي.
أهدى مؤلف الكتاب دراسته إلى "ذكرى هؤلاء الكبار جميعًا: سعد مكاوي، سهير القلماوي، عبد المحسن طه بدر، سيد حامد النساج، سيد البحراوي. أساتذتي الذين أفخر بالانتساب إليهم". ولعله لم يجتمع لكتاب من الكتب النقدية أو الأدبية هذا الحشد من الأسماء اللامعة؛ موضوعا وقراءة وإشرافا ومناقشة!
(3)
في تصديره للكتاب يكشف دمة عن مكانة واستحقاق سعد مكاوي بدراسة فنه القصصي، فقد كان مكاوي نجمًا لامعًا على صفحات جريدة (المصري) العريقة قبل قيام ثورة يوليو 1952، وبعدها إلى جانب عبد الرحمن الخميسي، ومحمد مندور، وشكري عياد، ثم يوسف إدريس، وآخرين. وفى إحدى أزمات السياسة المصرية، ولعلها كانت مواجهة بين الجريدة والرقابة في ذلك الزمان احتجبت الصفحة الأولى، ووضعوا بدلًا منها قصة لسعد مكاوي عنوانها "قراريط رضوان التسعة"، كان ذلك يوم 21 فبراير عام 1952، أي قبيل قيام ثورة يوليو بأشهر قليلة، وهي إحدى قصصه الشهيرة التي ضمتها بعد ذلك مجموعته الأشهر «الماء العكر» المنشورة عام 1956.
ورغم مرور الزمن لم يحظ سعد مكاوي (1916-1985) بما يستحق من درس وتقدير لمنجزه السردي الكبير. جاءت هذه الدراسة إذن لتسد بعضا من هذا الفراغ، وتقوم ببعض هذا الدور، ولو على سبيل تمهيد الأرض ومسح المجال الواسع الذي تحرك فيه الرجل، وهو ما قدمته بامتياز فيما أرى، خاصة مع الجهد المسحي الاستقصائي المذهل الذي قام به المؤلف لجمع وحصر أعمال الرجل أولًا، وتصنيفها وترتيبها وفق مواقيت النشر ثانيا، ثم إعداد الببليوجرافيا التي تكاد تكون الوحيدة والأهم عن سعد مكاوي.
يصف دومة في مقدمته سعد مكاوي بالكاتب الكبير في تاريخنا الأدبي، ويقول "ولا زلت أذكر مسحي لقصصه ومقالاته وترجماته في صحف ومجلات مختلفة، خصوصًا في جريدة المصري أواخر أربعينيات وأوائل خمسينيات القرن العشرين. بهذا المسح تعرفت على عالم الثقافة والأدب المصري النابض في صحافة ذلك الزمان".
ثم يكشف عن بعض الجهد في تأطير الدراسة "حاولت استقصاء إنتاج الرجل وتصنيفه، وتقدير دوره الكبير في تاريخ القصة المصرية والعربية، والاقتراب من عالمه وتجربته الواسعة التي بدأت من مسقط رأسه قريته الدلاتون بالمنوفية، ومرت بالسفر إلى فرنسا لسنوات لعبت دورًا مهما في تكوينه وإنتاجه، وانتهاء بالعمل الطويل في الصحافة والثقافة دون صخب، وبروح كاتب كبير لا تخلو تجربته من الزهد والتصوف والفهم العميق للجسد والروح والمجتمع والإنسان في كل مكان".
(4)
لعل أحد الدوافع الرئيسة وراء الدفع بالكتاب إلى النشر بعد أربعين سنة كاملة من إنجازه؛ قيمة أدب سعد مكاوي العالية، وراهنية الكثير من نصوصه القصصية والروائية معا للقراءة وكذلك بجماليتها اللافتة، ومنها ما يشير إليه المؤلف نفسه في مقدمته التي كتبها خصيصًا لهذه الطبعة:
ربما انتظرت طويلًا على أمل أن تُكتَب دراسة أكثر تقدمًا عن سعد مكاوي كاتب القصة القصيرة، الفن الذي وهب له الرجل عمره، وقدم فيه إنجازات واضحة، لكن هذا لم يحدث. كتب كثيرون -ومنهم الباحث نفسه- عن رواياته، خصوصًا عن درته الفريدة «السائرون نيامًا»، لكن أحدًا لم يكتب عن قصصه القصيرة. لذلك كله بقيت لهذا البحث قيمته التاريخية أكثر من قيمته النقدية.
ولا يتوقف الأمر هنا على "القيمة التوثيقية" التي أشرتُ إليها منذ قليل، وإنما يمتد أيضًا إلى نوعٍ من القيمة التعريفية الضرورية بالرجل وإبداعه وحضوره في المشهد السردي العربي في القرن العشرين.
هذه الدراسة فيما أظن تقدم تعريفًا دقيقًا برحلة سعد مكاوي في كتابة القصة القصيرة، والمراحل التي مر بها، ونوعيات القصص التي كتب فيها، والمؤثرات الاجتماعية والثقافية الفاعلة في أدبه، وبحثه الدؤوب عن شكل يلائم ما يريد أن يقوله، فضلا عن قراءة فاحصة لنصوصه المتنوعة.
وبرغم ما تنطوي عليه هذه القراءة أحيانًا من محاكمات قاسية (بتعبير مؤلف الكتاب)، فإنها تستحضر خلال القراءة مقتطفات من هذه النصوص التي ربما غابت في الزمن، ولم تعد حاضرة لدى قراء زماننا هذا.
ولعل كل من يطالع هذه الدراسة، ويقرأها بتمعن ويستعيد ما استشهد به مؤلفها من نصوص، يشعر مثلما شعرت أنا بالحاجة الملحة لإعادة قراءة سعد مكاوي، وتأمل نصوصه القصصية في ضوء جديد.. إن نصوصًا مثل "شهيرة"، و"شقيقات الأستاذ عصام"، و"الزمن الوغد"، و"في خير وسلام"، و"الماء العكر"، و"على بحر شبين"، و"مصرع حمار"، و"الساعة التي تسبق الفجر"، و"المؤدبون في الأرض"... وغيرها، وغيرها، ربما تثير لدى قارئ اليوم الرغبة في إعادة قراءتها، وإعادة تقييم ما قدمه هذا الكاتب الكبير للقصة القصيرة وللأدب العربي.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: القصة القصیرة الماء العکر کاتب ا
إقرأ أيضاً:
«أبطال أوروبا».. هل حان موعد «نهائي القرن» بين برشلونة وريال مدريد؟
معتز الشامي (أبوظبي)
يبدو أن طريق ريال مدريد إلى نهائي دوري أبطال أوروبا، ليس سهلاً على الإطلاق، بالنسبة لـ«البطل القياسي»، والمدافع عن لقبه الموسم الماضي.
وبدأ «الريال» مشوار الدفاع عن لقب الشامبيونزليج بشكل متعثر، واحتل فريق كارلو أنشيلوتي المركز الحادي عشر في مرحلة الدوري، واضطر إلى مواجهة مانشستر سيتي في «الملحق»، لكن «الملكي» ارتقى إلى مستوى الحدث، وأقصى «السماوي» بنتيجة 6-3 في مجموع المباراتين، ليحجز بطاقته إلى دور الـ16.
وأسفرت قرعة دور الستة عشر لدوري أبطال أوروبا عن منافسي ريال مدريد في البطولة، إضافة إلى جدول المباريات الكامل، ومن المقرر أن يواجه بطل أوروبا 15 مرة بعضاً من أقوى الفرق المتبقية في البطولة في طريقه إلى النهائي، وهو ما يرشح مشوار «الريال» لصدام مثير مع غريمه التقليدي برشلونة، وفي «نهائي قرن» ربما يكون الأول في التاريخ بينهما على لقب أوروبي، ووفق توقعات شبكة أوبتا العملاقة، فإن حظوظ مواجهة الفريقين كبيرة بالتأكيد، لكن شريطة أن يصل «الريال» إلى النهائي، كون فرص وصوله إلي المباراة الختامية أقل من فرص «البارسا» الذي خدمته القرعة.
طريق ريال مدريد إلى نهائي دوري أبطال أوروبا 2025 في ميونيخ هو على النحو التالي.
• دور الـ16: أتلتيكو مدريد
• ربع النهائي: أرسنال أو أيندهوفن
• نصف النهائي: ليفربول أو باريس سان جيرمان أو كلوب بروج أو أستون فيلا
الخطوة الأولى للملكي في طريقه إلى ميونيخ هي مباراة ديربي أخرى في مدريد، وهزم ريال مدريد منافسه في الدوري الإسباني في نهائي دوري أبطال أوروبا عامي 2014 و2016، لكنه عانى ضد فريق دييجو سيميوني في الآونة الأخيرة، في العام الماضي، كان أتلتيكو مدريد الفريق الوحيد الذي هزم ريال مدريد في جميع المسابقات، وهذا العام، تعادل مع فريق أنشيلوتي مرتين.
وإذا نجح ريال مدريد في تجاوز أتلتيكو مدريد، من المرجح أن يواجه أرسنال، ورغم أن الفريق الإنجليزي يعاني من إصابات في الهجوم، ومن المتوقع عودة بوكايو ساكا وجابرييل مارتينيلي في ربع النهائي.
ومن المرجح أن يواجه ريال مدريد في نصف النهائي إما ليفربول أو باريس سان جيرمان، وهزم «الريدز» ريال مدريد في مرحلة الدوري، لكن أنشيلوتي كان يفتقد نصف أقوى لاعبيه بسبب الإصابات، في الوقت نفسه، قد يواجه كيليان مبابي ناديه السابق «باريس سان جيرمان» في الرحلة إلى «أليانز أرينا».
ومن الممكن أن يواجه ريال مدريد أحد الفرق الثمانية التالية في نهائي أبطال أوروبا 2025، بنفيكا، برشلونة، بوروسيا دورتموند، ليل، بايرن ميونيخ، باير ليفركوزن، فينورد أو إنتر ميلان.
ومن المرجح أن يكون برشلونة هو المنافس الأقرب لريال مدريد في نهائي ميونيخ، وإذا سارت الأمور على ما يرام، فقد يكون نهائي دوري أبطال أوروبا 2025 بمثابة «نهائي القرن»، حيث سيكون «الكلاسيكو التاريخي» الأول بين عملاقي إسبانيا في نهائي البطولة.