لجريدة عمان:
2025-03-31@14:17:00 GMT

سعد مكاوي رائدًا للقصة القصيرة

تاريخ النشر: 22nd, February 2025 GMT

سعد مكاوي رائدًا للقصة القصيرة

(1)

يعيد هذا الكتاب، الصادر أخيرًا في سلسلة (مكتبة الدراسات الأدبية) التاريخية العريقة، الاعتبار لأحد أهم وأبرز كتاب القصة العربية القصيرة في القرن العشرين، وهو الكاتب الراحل سعد مكاوي الذي ترك إرثا قصصيا وروائيا معتبرا فضلا على تراثه من المقالات والكتابات النقدية والأدبية.

وسعد مكاوي كاتب شهر بريادته في فن القصة القصيرة كما شهر بريادته في الرواية التاريخية التي تجاوزت المفهوم الكلاسيكي (كما عرفت على يد جورجي زيدان، وعلي الجارم وفي الموجة التالية على يد نجيب محفوظ وعادل كامل وعبد الحميد السحار وعلي أحمد باكثير.

. إلخ)، وذلك بروايته التأسيسية «السائرون نياما» التي صدرت في ستينيات القرن الماضي، وهي التي فتحت الباب واسعا لأعمال أخرى استلهمت التاريخ كي تطرح أسئلة الراهن أو تتخذ من الأحداث والوقائع التاريخية قناعا لمساءلة الحاضر.

وهذا الكتاب الذي نتناوله في هذه الحلقة من (مرفأ قراءة) قدِّم في صورته الأولى لكلية الآداب جامعة القاهرة لنيل درجة الماجستير، قدمها صاحبها الناقد والأكاديمي المعروف الدكتور خيري دومة في ثمانينيات القرن الماضي، ودافع عنها أمام لجنة علمية رفيعة المقام (الناقد الراحل الدكتور عبد المحسن بدر، والناقدة الرائدة الكبيرة سهير القلماوي، ومؤرخ فن القصة القصيرة وناقدها البارز الراحل الدكتور سيد حامد النساج).

وهي تقريبا الأطروحة المنهجية الأولى التي خصصت لدراسة فن القصة القصيرة لدى سعد مكاوي، خصوصًا أن معظم الدراسات تركزت والتفت حول إنجاز يوسف إدريس القصصي، مغطية على ما عداه سواء من الريادات السابقة عليه، أو من المعاصرين له، من أبناء جيله "الخمسينيات".

(2)

وفن القصة القصيرة هو المضمار الأصيل لسعد مكاوي، وشغفه الأول، فقد ترك فيها ما لا يقل عن خمس عشرة مجموعة قصصية، من أبرزها «الماء العكر»، «في قهوة المجاذيب»، «مجمع الشياطين»، «الزمن الوغد»، و«الفجر يزور الحديقة».. وغيرها.

وعدّ نقادٌ مجموعته «الماء العكر» (صدرت طبعتها الأولى سنة 1956، عن دار الفكر بالقاهرة)، واحدة من أهم عشر مجموعات قصصية صدرت في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي. ومعظم الكتب والدراسات التي تعرضت لفن القصة القصيرة في مصر خلال هذه الفترة تعرضت لها وتحدثت عنها، ليس فقط لقيمتها الفنية ولغتها المميزة، بل أيضًا لأنها اُعتبرت مجموعة رائدة لتيار مهم في كتابة القصة القصيرة وهو تيار "الواقعية الرمزية" الذي يعد سعد مكاوي أحد رواده الكبار..

وهذا الكتاب الذي نشر تحت عنوان «سعد مكاوي كاتبًا للقصة القصيرة» دراسة ممتازة ووافية وشاملة للإبداع القصصي لواحد من كبار رواد القصة القصيرة في مصر والعالم العربي كله، رائد كبير وحقيقي وصاحب مذاق خاص في كتابته؛ ورغم ذلك فلم يحظ بدراسة شاملة لإنتاجه القصصي.

أهدى مؤلف الكتاب دراسته إلى "ذكرى هؤلاء الكبار جميعًا: سعد مكاوي، سهير القلماوي، عبد المحسن طه بدر، سيد حامد النساج، سيد البحراوي. أساتذتي الذين أفخر بالانتساب إليهم". ولعله لم يجتمع لكتاب من الكتب النقدية أو الأدبية هذا الحشد من الأسماء اللامعة؛ موضوعا وقراءة وإشرافا ومناقشة!

(3)

في تصديره للكتاب يكشف دمة عن مكانة واستحقاق سعد مكاوي بدراسة فنه القصصي، فقد كان مكاوي نجمًا لامعًا على صفحات جريدة (المصري) العريقة قبل قيام ثورة يوليو 1952، وبعدها إلى جانب عبد الرحمن الخميسي، ومحمد مندور، وشكري عياد، ثم يوسف إدريس، وآخرين. وفى إحدى أزمات السياسة المصرية، ولعلها كانت مواجهة بين الجريدة والرقابة في ذلك الزمان احتجبت الصفحة الأولى، ووضعوا بدلًا منها قصة لسعد مكاوي عنوانها "قراريط رضوان التسعة"، كان ذلك يوم 21 فبراير عام 1952، أي قبيل قيام ثورة يوليو بأشهر قليلة، وهي إحدى قصصه الشهيرة التي ضمتها بعد ذلك مجموعته الأشهر «الماء العكر» المنشورة عام 1956.

ورغم مرور الزمن لم يحظ سعد مكاوي (1916-1985) بما يستحق من درس وتقدير لمنجزه السردي الكبير. جاءت هذه الدراسة إذن لتسد بعضا من هذا الفراغ، وتقوم ببعض هذا الدور، ولو على سبيل تمهيد الأرض ومسح المجال الواسع الذي تحرك فيه الرجل، وهو ما قدمته بامتياز فيما أرى، خاصة مع الجهد المسحي الاستقصائي المذهل الذي قام به المؤلف لجمع وحصر أعمال الرجل أولًا، وتصنيفها وترتيبها وفق مواقيت النشر ثانيا، ثم إعداد الببليوجرافيا التي تكاد تكون الوحيدة والأهم عن سعد مكاوي.

يصف دومة في مقدمته سعد مكاوي بالكاتب الكبير في تاريخنا الأدبي، ويقول "ولا زلت أذكر مسحي لقصصه ومقالاته وترجماته في صحف ومجلات مختلفة، خصوصًا في جريدة المصري أواخر أربعينيات وأوائل خمسينيات القرن العشرين. بهذا المسح تعرفت على عالم الثقافة والأدب المصري النابض في صحافة ذلك الزمان".

ثم يكشف عن بعض الجهد في تأطير الدراسة "حاولت استقصاء إنتاج الرجل وتصنيفه، وتقدير دوره الكبير في تاريخ القصة المصرية والعربية، والاقتراب من عالمه وتجربته الواسعة التي بدأت من مسقط رأسه قريته الدلاتون بالمنوفية، ومرت بالسفر إلى فرنسا لسنوات لعبت دورًا مهما في تكوينه وإنتاجه، وانتهاء بالعمل الطويل في الصحافة والثقافة دون صخب، وبروح كاتب كبير لا تخلو تجربته من الزهد والتصوف والفهم العميق للجسد والروح والمجتمع والإنسان في كل مكان".

(4)

لعل أحد الدوافع الرئيسة وراء الدفع بالكتاب إلى النشر بعد أربعين سنة كاملة من إنجازه؛ قيمة أدب سعد مكاوي العالية، وراهنية الكثير من نصوصه القصصية والروائية معا للقراءة وكذلك بجماليتها اللافتة، ومنها ما يشير إليه المؤلف نفسه في مقدمته التي كتبها خصيصًا لهذه الطبعة:

ربما انتظرت طويلًا على أمل أن تُكتَب دراسة أكثر تقدمًا عن سعد مكاوي كاتب القصة القصيرة، الفن الذي وهب له الرجل عمره، وقدم فيه إنجازات واضحة، لكن هذا لم يحدث. كتب كثيرون -ومنهم الباحث نفسه- عن رواياته، خصوصًا عن درته الفريدة «السائرون نيامًا»، لكن أحدًا لم يكتب عن قصصه القصيرة. لذلك كله بقيت لهذا البحث قيمته التاريخية أكثر من قيمته النقدية.

ولا يتوقف الأمر هنا على "القيمة التوثيقية" التي أشرتُ إليها منذ قليل، وإنما يمتد أيضًا إلى نوعٍ من القيمة التعريفية الضرورية بالرجل وإبداعه وحضوره في المشهد السردي العربي في القرن العشرين.

هذه الدراسة فيما أظن تقدم تعريفًا دقيقًا برحلة سعد مكاوي في كتابة القصة القصيرة، والمراحل التي مر بها، ونوعيات القصص التي كتب فيها، والمؤثرات الاجتماعية والثقافية الفاعلة في أدبه، وبحثه الدؤوب عن شكل يلائم ما يريد أن يقوله، فضلا عن قراءة فاحصة لنصوصه المتنوعة.

وبرغم ما تنطوي عليه هذه القراءة أحيانًا من محاكمات قاسية (بتعبير مؤلف الكتاب)، فإنها تستحضر خلال القراءة مقتطفات من هذه النصوص التي ربما غابت في الزمن، ولم تعد حاضرة لدى قراء زماننا هذا.

ولعل كل من يطالع هذه الدراسة، ويقرأها بتمعن ويستعيد ما استشهد به مؤلفها من نصوص، يشعر مثلما شعرت أنا بالحاجة الملحة لإعادة قراءة سعد مكاوي، وتأمل نصوصه القصصية في ضوء جديد.. إن نصوصًا مثل "شهيرة"، و"شقيقات الأستاذ عصام"، و"الزمن الوغد"، و"في خير وسلام"، و"الماء العكر"، و"على بحر شبين"، و"مصرع حمار"، و"الساعة التي تسبق الفجر"، و"المؤدبون في الأرض"... وغيرها، وغيرها، ربما تثير لدى قارئ اليوم الرغبة في إعادة قراءتها، وإعادة تقييم ما قدمه هذا الكاتب الكبير للقصة القصيرة وللأدب العربي.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: القصة القصیرة الماء العکر کاتب ا

إقرأ أيضاً:

منع بنتايك من دخول جنوب أفريقيا.. ما القصة؟

تلقى نادي الزمالك صدمة كبيرة قبل مواجهة نظيره ستيلينبوش، في ذهاب ربع نهائي كأس الاتحاد الأفريقي "الكونفدرالية".

قالت صحيفة اليوم السابع: "يغيب محمود بنتايك عن لقاء ستيلينبوش، وذلك لعدم استخراج تأشيرة السفر إلى جنوب أفريقيا".

وأضافت: "لم يتم استخراج تأشيرة السفر لبنتايك مثل باقي اللاعبين لأنه معه إقامة بفرنسا، وجواز السفر الخاص به مغربي، وبالتالي حتى يحصل على التأشيرة لجنوب أفريقيا يحتاج إلى السفر للمغرب أو فرنسا".

شيكابالا يوجه رسالة لأحمد العوضي: "خلي بالك من الزمالك يا فهد" - موقع 24 في لفتة طريفة أثارت تفاعل الجمهور، وجه نجم نادي الزمالك الشهير محمود عبد الرازق "شيكابالا" رسالة خاصة للفنان أحمد العوضي بطل مسلسل "فهد البطل"، والذي يُعرض حاليًا ضمن السباق الرمضاني لعام 2025.

 

وتابعت: "بدأت الخطوات بتواصل الجهاز الإداري لفريق الزمالك مع قنصلية جوهانسبورغ بمصر، للتدخل لحصول اللاعب على التأشيرة، إلا أن الموضوع واجه صعوبة نظراً لقوانين الدولة المستضيفة، خاصة أن اللاعبين المصريين تم استخراج تأشيرة لهم، بينما الأجانب فيحصلون على التأشيرة فور دخولهم أراضي جنوب أفريقيا مثل صلاح الدين مصدق، ومعه جواز سفر إسباني، وسيف الجزيري معه جواز سفر أوروبي يكفل له الحصول على التأشيرة بعد الوصول إلى جنوب أفريقيا، في المقابل يمتلك محمود بنتايك جواز سفر مغربي وإقامة بفرنسا". 

واختتمت: "حال سفر بنتايك إلى المغرب أو فرنسا كان هذا يحتاج وقتاً لا يقل عن أسبوعين، تزامناً من ارتباط الفريق بمباريات مهمة، وهو ما يٌعد أمراً صعباً باستغناء الفريق عن خدماته خلال فترة سفر استخراج التأشيرة".

مقالات مشابهة

  • نجم بولونيا يتعرض لـ "عضة زومبي".. ما القصة؟ 
  • الفنان رائد مشرف: لاتزال أعمالنا الفنية قادرة على لم شمل الأسرة حولها.. والمطلوب منها كثير!
  • الهياكل الثلاثة(53-500) الدهر والقرن والحقبة
  • بين الماضي والحاضر.. كيف أعاد المسلسل إحياء «شباب امرأة»؟
  • كلمة وزير الطوارئ والكوارث السيد رائد الصالح خلال جلسة الإعلان عن التشكيلة الوزارية لحكومة الجمهورية العربية السورية
  • الهمة يا عمال .. محمد رمضان يعيد تقديم رائعة سيد مكاوي في مدفع رمضان
  • جنازات الأقباط – مشهد من رحيق القرن الماضي
  • منع بنتايك من دخول جنوب أفريقيا.. ما القصة؟
  • المساجد التاريخية والأثرية في تونس.. روحانية العبادة وعبق التاريخ
  • "زيزو" يحتفل على طريقة جون سينا.. ما القصة؟