لجريدة عمان:
2025-03-05@02:20:49 GMT

أوهام جو بايدن في الشرق الأوسط

تاريخ النشر: 22nd, August 2023 GMT

سيمون تريسدول

ترجمة: أحمد شافعي

غريبة هي الطريقة التي يتراجع بها النفوذ الأمريكي في منطقة الشرق الأوسط، إذ يبدو وكأنها تتبع مسار الانسحاب المهين السابق للإمبراطورية البريطانية من المنطقة نفسها. وكأنما بلاد المنطقة وقد تخلصت من إمبراطورية متعجرفة تتأبى الآن على إمبراطورية أخرى.

ففي بطء ولكن في ثبات، تؤكد الأنظمة الحاكمة استقلالها وحريتها في العمل، فمنهم من يفعل ذلك بديمقراطية والأغلبية بغير ذلك -مع التودد إلى حلفاء جدد.

ويكشف هذا بدوره عن تحوُّل جوهري إلى عالم عديد الأقطاب لا تعود فيه السيطرة حكرا على قوة عظمى منفردة.

في المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، يغرس أفراد من العائلتين الحاكمتين بلا هوادة صورة هوية متجانسة ويستعرضون القوة بالخارج من خلال المال والنفط والرياضة.

في إسرائيل، يقاتل القوميون اليهود المتشددون والمتطرفون دينيا من أجل الدفاع عن شخصية مستقبلية للدولة اليهودية متحدين رغبات واشنطن ومرددين أصداء الأيام الأخيرة للانتداب البريطاني.

وفي تركيا، يضع رجب طيب أردوجان -وهو وريث إمبراطورية مغلوبة أخرى- الغرب في مواجهة الشرق والشرق في مواجهة الغرب، متناوبا اللعب مع الولايات المتحدة والناتو والاتحاد الأوروبي وروسيا والصين.

والرئيس الأمريكي بايدن منذ توليه السلطة في عام 2021، مدرك للنكبات الأمريكية الأخيرة وندوبها الباقية ومشغول بالصين وأوكرانيا، وهو ينأى عن الأزمات المستمرة في الضفة الغربية ولبنان والعراق وسوريا واليمن وليبيا والسودان. ويظل عهده الكبير الوحيد في الشرق الأوسط -أي إنقاذ الصفقة النووية الإيرانية التي خربها دونالد ترامب- عهدا لم يوف به. لقد قوض غزو مصر في عام 1956 وضع بريطانيا بوصفها قوة مهيمنة في المنطقة تقويضا مأساويا. فهل تقترب أمريكا من نقطة تحول سياسية أخرى تفقد بها أهميتها؟

ليس من المفاجئ -في ضوء الاعتقاد الراسخ بالتفوق الأمريكي، وإن يكن من غير الحكمة في ضوء اتجاه العصر، أن تكون إجابة بايدن على هذا السؤال هي: لا. فقد أطلق متأخرا للغاية دفعة طموحا إلى إعادة تأسيس القيادة الأمريكية في المنطقة.

وذلك، جزئيا، من أجل مواجهة نفوذ بكين وموسكو، وجزئيا من أجل تذكرة الحلفاء المحليين العصاة بمن يدينون له بأمنهم ورخائهم. ولكي يدعم ذلك، بعث الرئيس بايدن ثلاثة آلاف من القوات الإضافية إلى الخليج هذا الشهر وذلك في ظاهر الأمر لردع إيران، لكنه أيضا لإظهار من صاحب الزعامة.

الحسابات السياسية جارية هي الأخرى. ففي مواجهة إعادة انتخابه في السنة القادمة، يرجو بايدن أن يحقق ثلاثة نجاحات بعيدة الاحتمال. وهذا المغنم هو المعادل الدبلوماسي للتاج الثلاثي: «تفاهم» عملي بين الولايات المتحدة وإيران، صفقة سلام تاريخية بين السعودية وإسرائيل، وتحقيق فتح في ما يخص الدولة الفلسطينية.

ولنبدأ بإيران. كانت المحادثات التي أجريت في قطر من أجل إطلاق سراح أمريكيين في مقابل إلغاء تجميد أصول إيرانية بقيمة ستة مليارات دولار قد أحدثت تقدما كبيرا هذا الشهر. ويتردد أن الجانبين يناقشان إنهاء مبيعات الطائرات المسيرة الإيرانية لروسيا. ويقال إن الهدف النهائي هو إبرام صفقة ثنائية غير رسمية توقف برامج إيران النووية التسلحية المزعومة في مقابل رفع كامل للعقوبات الأمريكية، وهو أكثر ما يسعى إليه النظام الإيراني المهتز شعبيا واقتصاديا. والمحادثات مستمرة.

والشق الثاني المرتبط بهذا التحول في الشرق الأوسطي يتعلق بأعداء إيران القدامى أي السعوديين. لقد اعترى القلق الولايات المتحدة بسبب توسط صيني بين طهران والرياض وبسبب التعاون السعودي مع موسكو. ويريد بايدن أن يسترد الأمير محمد بن سلمان في جانبه مرة أخرى ويضمن تطبيعا للعلاقات على غرار الاتفاقيات الإبراهيمية مع إسرائيل.

وتحقيقا لهذا الهدف، يتردد أنه يحوم حول معاهدة أمنية ودعم من الولايات المتحدة لبرنامج طاقة نووي سلمي سعودي، برغم المخاوف البديهية من الانتشار النووي. ويدق هذا التفكير أجراس إنذار في العاصمة الإسرائيلية. لكن جو لا يرى في ذلك مشكلة. فقد يشمل التطبيع السعودي الإسرائيلي ضمانات دفاع أمريكية وأسلحة متطورة للجانبين. وستكون له هو منفعة إضافية فيه هي تهميش الصين المزعجة.

لماذا يجدر بالولايات المتحدة أن تساعد النظام السعودي وتدافع، الإجابة هي أن التطبيع سوف يمثل فوزا كبيرا للرئيس في ما قبل الانتخابات، وخاصة حينما يتنصل بالعماد الثالث لخطته وهو دفع الدولة الفلسطينية قدما.

بنيامين نتانياهو -رئيس وزراء إسرائيل المحاصَر على المستوى المحلي- في أمسِّ الاحتياج إلى الصفقة السعودية. والسعوديون يصرون على إحراز تقدم ملموس باتجاه دولة فلسطينية. ويعارض شركاء نتانياهو في الائتلاف الحاكم تقديم أي تنازل، وهو لا يكاد يتواصل مع بايدن، بل إنه يخطط لزيارة الصين في أكتوبر نكاية فيه.

ومع ذلك، يبدو أن بايدن يفكر أنه قد يفوز بموافقة إسرائيلية على زيادة الحكم الذاتي الفلسطيني، وإيقاف خطط ضم الضفة الغربية، وربما إحياء عملية السلام القائمة على حل الدولتين في مقابل تقارب مع السعوديين، وخلع أنياب إيران، وتقديم ضمانات أمنية شاملة.

تبدو آمال بايدن في النجاحات الثلاثية أوهاما إلى حد ما. فبغض النظر عما لا يحصى له عدد من العوامل السلبية، ليس الوقت في صالحه. فشأن بقية العالم، يتساءل زعماء المنطقة الباحثون عن مصالحهم الشخصية إلى أي مدى سوف يبقى بايدن، وهل سيحل ترامب بدلا منه؟

كم تغيرت الأمور. ففي زمان ما، كانت الولايات المتحدة -شأن بريطانيا من قبلها- هي التي تضع القانون في الشرق الأوسط. لكن ذلك كان قبل الحادي عشر من سبتمبر والقاعدة، والعراق وأفغانستان، وصعود الصين وفلاديمير بوتين العنيد، وهجوم الاستبدادية عالميا على الديمقراطية وسيادة القانون.

فحتى حفنة من مدبري الانقلاب في النيجر قادرون على عصيان العم سام والنجاة بذلك في أيامنا هذه.

ومع ذلك، وباعتبارات أخرى، فإن هذا التحول موضع ترحاب. فلماذا لا تكون بلاد العالم الأقل قوة والمستقلة برغم ذلك بلادا حرة تراعي مصالحها في اختيار ولاءاتها بدلا من أن تساق كالقطعان في كتل دائمة وتحالفات تفتقر إلى المرونة ومعاهدات تنطوي على عداءات متبادلة؟ في هذه الأوقات التي لا تعترف بالمشاعر، ما الذي يمنع تعدد العلاقات؟

إن حقبة القوة العظمى الوحيدة المسيطرة «والبلد الذي لا غنى عنه» تشرف على نهايتها. وقد يبذل بايدن قصارى الجهد للحفاظ على النظام القديم، ولكن شأن «العصر الإمبراطوري» الضائع من بريطانيا فإن «القرن الأمريكي» الذي تضرب فيه جذور بايدن بعمق يولي وجهه أيضا صوب غيابات التاريخ.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الولایات المتحدة فی الشرق الأوسط من أجل

إقرأ أيضاً:

السيسي: ترامب قادر على تحقيق السلام في الشرق الأوسط

سرايا - اكد الرئيس المصري عبد الفتاح السياسي الثلاثاء خلال القمة العربية الطارئة لاعادة إعمار غزة أن الرئيس الاميركي دونالد ترامب قادر على تحقيق السلام في الشرق الأوسط.

وقال السيسي إن "معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية عام 1979، التي تم التوصل إليها بوساطة أميركية يجب أن تكون نموذجا يُحتذى به لتحويل الصراع من حالة العداء والحرب إلى سلام دائم"، مضيفا أن "الوقت حان لبدء مسار سياسي جاد وفعّال يؤدي إلى حل عادل ودائم وفقًا لقرارات الشرعية الدولية، وأنا على يقين من أن الرئيس ترامب قادر على تحقيق ذلك".





تابع قناتنا على يوتيوب تابع صفحتنا على فيسبوك تابع منصة ترند سرايا


طباعة المشاهدات: 1000  
1 - ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه. 04-03-2025 10:21 PM

سرايا

لا يوجد تعليقات
رد على :
الرد على تعليق
الاسم : *
البريد الالكتروني :
التعليق : *
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :
اضافة
ظل ببطنه 6 سنوات .. استخراج هاتف نقال من معدة مريض في مصر خفض أسعار الدواجن فأرداه قتيلاً .. مصر تبكي "شهيد الغلابة" بالتوقيت .. أطول وأقصر ساعات الصيام في رمضان "أوبر المسلح" .. تطبيق جديد يوفر حراسًا شخصيين عند الطلب في أميركا الأمن العام يوضح حول تعرض حدث لحروق وظهر في فيديو... تفاصيل صادمة ومروعة .. طفل 11 عامًا يُحرق على يد... بالتوقيت .. أطول وأقصر ساعات الصيام في رمضان الأردن يبدأ بإخلاء الدفعة الأولى من ألفي طفل مريض... "كان يشعر بالاكتئاب والحزن" .. نجل حسن... البيان الختامي: القمة العربية اعتمدت خطة عربية...توتر بين تركيا وإيران بعد خلاف بشأن سوريا رئيس المجلس الأوروبي: ملتزمون بحل الدولتين وبالسلام...عباس قررنا إصدار عفو عام عن المفصولين من حركة فتح"صحة غزة": ارتفاع حصيلة الشهداء في القطاع...غوتيريش: نثمن عمل أونروا وندعو لدعمها بشكل كاملالرئيس الفلسطيني يجتمع مع الرئيس السوريأبو الغيط: تهجير الفلسطينيين أمر مرفوض ولن يؤدي إلى...ملك البحرين: نرفض أي محاولات للتهجير والاستيطان ما قصة "القفاز الأسود" في يد مورغان... إلهام شاهين تثير الجدل مجدداً .. "الصلاة ممكن... تعدى على زميلته فصفعته .. إيقاف فنان مصري شهير 4 أشهر جراحة بسيطة .. المطرب محمد حماقي يطمئن جمهوره على... شيرين عبد الوهاب تستعيد رشاقتها: “الدنيا فيها أكتر” دراسة علمية: صيام رمضان لا يعرقل أداء لاعبي كرة القدم تأجيل مباراة فياريال وإسبانيول في الدوري الإسباني رياضة قانون الـ"8 ثوان" الجديد .. هذا ما يجب ان تعرفه الهلال السعودي يجهز عرضا خياليا لضم نجم ليفربول نادٍ برازيلي يحلم بضم رونالدو .. من هو؟ "وزارة التعليم" الأمريكية تقدم لموظفيها حافزًا بقيمة 25 ألف دولار للاستقالة مصرع 31 شخصًا في "حادث سير" في بوليفيا وجبة كشري تنهي حياة شقيقتين ما حقيقة صورة رونالدو وجورجينا على مائدة الإفطار الرمضاني؟ بعد يوم من اختطافها .. العثور على طفلة مقتولة ذبحاً مراهق ينهي حياته بسبب تحطيم والده هاتفه المحمول مصرف يودع 81 تريليون دولار في حساب عميل .. عن طريق الخطأ! برجك اليوم زلزال بقوة 5.57 يضرب منطقة في إندونيسيا مراسل تعرّض للسرقة

الصفحة الرئيسية الأردن اليوم أخبار سياسية أخبار رياضية أخبار فنية شكاوى وفيات الاردن مناسبات أريد حلا لا مانع من الاقتباس وإعادة النشر شريطة ذكر المصدر(وكالة سرايا الإخبارية) saraynews.com
الآراء والتعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها فقط
جميع حقوق النشر محفوظة لدى موقع وكالة سرايا الإخبارية © 2025
سياسة الخصوصية برمجة و استضافة يونكس هوست test الرجاء الانتظار ...

مقالات مشابهة

  • السيسي: ترامب قادر على تحقيق السلام في الشرق الأوسط
  • قي قمة القاهرة..مصر تعرض خطتها البديلة لريفيرا الشرق الأوسط التي وضعها ترامب لغزة
  • "عمو فؤاد" في «رمضان المصري وأصحابه"على الشرق الأوسط
  • الصّدي عقد لقاءات مع البنك الدولي ومؤسسات دولية
  • واشنطن: مبعوث ترامب يعود للشرق الأوسط خلال أيام
  • ماذا يخطط ترامب لمنطقة الشرق الأوسط!؟
  • إيران: الأمن في منطقة الشرق الأوسط يجب أن يتم داخلياً
  • ماذا يخطط ترامب لمنطقة الشرق الأوسط؟
  • النتائج المتوقعة بعد الاجتماع العاصف بين ترامب وزيلينسكي
  • ماذا بعد المشادة غير المسبوقة في المكتب البيضاوي؟