أوهام جو بايدن في الشرق الأوسط
تاريخ النشر: 22nd, August 2023 GMT
سيمون تريسدول
ترجمة: أحمد شافعي
غريبة هي الطريقة التي يتراجع بها النفوذ الأمريكي في منطقة الشرق الأوسط، إذ يبدو وكأنها تتبع مسار الانسحاب المهين السابق للإمبراطورية البريطانية من المنطقة نفسها. وكأنما بلاد المنطقة وقد تخلصت من إمبراطورية متعجرفة تتأبى الآن على إمبراطورية أخرى.
ففي بطء ولكن في ثبات، تؤكد الأنظمة الحاكمة استقلالها وحريتها في العمل، فمنهم من يفعل ذلك بديمقراطية والأغلبية بغير ذلك -مع التودد إلى حلفاء جدد.
في المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، يغرس أفراد من العائلتين الحاكمتين بلا هوادة صورة هوية متجانسة ويستعرضون القوة بالخارج من خلال المال والنفط والرياضة.
في إسرائيل، يقاتل القوميون اليهود المتشددون والمتطرفون دينيا من أجل الدفاع عن شخصية مستقبلية للدولة اليهودية متحدين رغبات واشنطن ومرددين أصداء الأيام الأخيرة للانتداب البريطاني.
وفي تركيا، يضع رجب طيب أردوجان -وهو وريث إمبراطورية مغلوبة أخرى- الغرب في مواجهة الشرق والشرق في مواجهة الغرب، متناوبا اللعب مع الولايات المتحدة والناتو والاتحاد الأوروبي وروسيا والصين.
والرئيس الأمريكي بايدن منذ توليه السلطة في عام 2021، مدرك للنكبات الأمريكية الأخيرة وندوبها الباقية ومشغول بالصين وأوكرانيا، وهو ينأى عن الأزمات المستمرة في الضفة الغربية ولبنان والعراق وسوريا واليمن وليبيا والسودان. ويظل عهده الكبير الوحيد في الشرق الأوسط -أي إنقاذ الصفقة النووية الإيرانية التي خربها دونالد ترامب- عهدا لم يوف به. لقد قوض غزو مصر في عام 1956 وضع بريطانيا بوصفها قوة مهيمنة في المنطقة تقويضا مأساويا. فهل تقترب أمريكا من نقطة تحول سياسية أخرى تفقد بها أهميتها؟
ليس من المفاجئ -في ضوء الاعتقاد الراسخ بالتفوق الأمريكي، وإن يكن من غير الحكمة في ضوء اتجاه العصر، أن تكون إجابة بايدن على هذا السؤال هي: لا. فقد أطلق متأخرا للغاية دفعة طموحا إلى إعادة تأسيس القيادة الأمريكية في المنطقة.
وذلك، جزئيا، من أجل مواجهة نفوذ بكين وموسكو، وجزئيا من أجل تذكرة الحلفاء المحليين العصاة بمن يدينون له بأمنهم ورخائهم. ولكي يدعم ذلك، بعث الرئيس بايدن ثلاثة آلاف من القوات الإضافية إلى الخليج هذا الشهر وذلك في ظاهر الأمر لردع إيران، لكنه أيضا لإظهار من صاحب الزعامة.
الحسابات السياسية جارية هي الأخرى. ففي مواجهة إعادة انتخابه في السنة القادمة، يرجو بايدن أن يحقق ثلاثة نجاحات بعيدة الاحتمال. وهذا المغنم هو المعادل الدبلوماسي للتاج الثلاثي: «تفاهم» عملي بين الولايات المتحدة وإيران، صفقة سلام تاريخية بين السعودية وإسرائيل، وتحقيق فتح في ما يخص الدولة الفلسطينية.
ولنبدأ بإيران. كانت المحادثات التي أجريت في قطر من أجل إطلاق سراح أمريكيين في مقابل إلغاء تجميد أصول إيرانية بقيمة ستة مليارات دولار قد أحدثت تقدما كبيرا هذا الشهر. ويتردد أن الجانبين يناقشان إنهاء مبيعات الطائرات المسيرة الإيرانية لروسيا. ويقال إن الهدف النهائي هو إبرام صفقة ثنائية غير رسمية توقف برامج إيران النووية التسلحية المزعومة في مقابل رفع كامل للعقوبات الأمريكية، وهو أكثر ما يسعى إليه النظام الإيراني المهتز شعبيا واقتصاديا. والمحادثات مستمرة.
والشق الثاني المرتبط بهذا التحول في الشرق الأوسطي يتعلق بأعداء إيران القدامى أي السعوديين. لقد اعترى القلق الولايات المتحدة بسبب توسط صيني بين طهران والرياض وبسبب التعاون السعودي مع موسكو. ويريد بايدن أن يسترد الأمير محمد بن سلمان في جانبه مرة أخرى ويضمن تطبيعا للعلاقات على غرار الاتفاقيات الإبراهيمية مع إسرائيل.
وتحقيقا لهذا الهدف، يتردد أنه يحوم حول معاهدة أمنية ودعم من الولايات المتحدة لبرنامج طاقة نووي سلمي سعودي، برغم المخاوف البديهية من الانتشار النووي. ويدق هذا التفكير أجراس إنذار في العاصمة الإسرائيلية. لكن جو لا يرى في ذلك مشكلة. فقد يشمل التطبيع السعودي الإسرائيلي ضمانات دفاع أمريكية وأسلحة متطورة للجانبين. وستكون له هو منفعة إضافية فيه هي تهميش الصين المزعجة.
لماذا يجدر بالولايات المتحدة أن تساعد النظام السعودي وتدافع، الإجابة هي أن التطبيع سوف يمثل فوزا كبيرا للرئيس في ما قبل الانتخابات، وخاصة حينما يتنصل بالعماد الثالث لخطته وهو دفع الدولة الفلسطينية قدما.
بنيامين نتانياهو -رئيس وزراء إسرائيل المحاصَر على المستوى المحلي- في أمسِّ الاحتياج إلى الصفقة السعودية. والسعوديون يصرون على إحراز تقدم ملموس باتجاه دولة فلسطينية. ويعارض شركاء نتانياهو في الائتلاف الحاكم تقديم أي تنازل، وهو لا يكاد يتواصل مع بايدن، بل إنه يخطط لزيارة الصين في أكتوبر نكاية فيه.
ومع ذلك، يبدو أن بايدن يفكر أنه قد يفوز بموافقة إسرائيلية على زيادة الحكم الذاتي الفلسطيني، وإيقاف خطط ضم الضفة الغربية، وربما إحياء عملية السلام القائمة على حل الدولتين في مقابل تقارب مع السعوديين، وخلع أنياب إيران، وتقديم ضمانات أمنية شاملة.
تبدو آمال بايدن في النجاحات الثلاثية أوهاما إلى حد ما. فبغض النظر عما لا يحصى له عدد من العوامل السلبية، ليس الوقت في صالحه. فشأن بقية العالم، يتساءل زعماء المنطقة الباحثون عن مصالحهم الشخصية إلى أي مدى سوف يبقى بايدن، وهل سيحل ترامب بدلا منه؟
كم تغيرت الأمور. ففي زمان ما، كانت الولايات المتحدة -شأن بريطانيا من قبلها- هي التي تضع القانون في الشرق الأوسط. لكن ذلك كان قبل الحادي عشر من سبتمبر والقاعدة، والعراق وأفغانستان، وصعود الصين وفلاديمير بوتين العنيد، وهجوم الاستبدادية عالميا على الديمقراطية وسيادة القانون.
فحتى حفنة من مدبري الانقلاب في النيجر قادرون على عصيان العم سام والنجاة بذلك في أيامنا هذه.
ومع ذلك، وباعتبارات أخرى، فإن هذا التحول موضع ترحاب. فلماذا لا تكون بلاد العالم الأقل قوة والمستقلة برغم ذلك بلادا حرة تراعي مصالحها في اختيار ولاءاتها بدلا من أن تساق كالقطعان في كتل دائمة وتحالفات تفتقر إلى المرونة ومعاهدات تنطوي على عداءات متبادلة؟ في هذه الأوقات التي لا تعترف بالمشاعر، ما الذي يمنع تعدد العلاقات؟
إن حقبة القوة العظمى الوحيدة المسيطرة «والبلد الذي لا غنى عنه» تشرف على نهايتها. وقد يبذل بايدن قصارى الجهد للحفاظ على النظام القديم، ولكن شأن «العصر الإمبراطوري» الضائع من بريطانيا فإن «القرن الأمريكي» الذي تضرب فيه جذور بايدن بعمق يولي وجهه أيضا صوب غيابات التاريخ.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الولایات المتحدة فی الشرق الأوسط من أجل
إقرأ أيضاً:
المؤتمر: عودة ترامب قد تعيد صياغة التحالفات والأولويات في الشرق الأوسط
قال اللواء دكتور رضا فرحات، نائب رئيس حزب المؤتمر أستاذ العلوم السياسية إن فوز دونالد ترامب في الانتخابات الأمريكية يشكل حدثا له أبعاد وتأثيرات عميقة على الشرق الأوسط، حيث ترتبط المنطقة بعلاقات معقدة مع الولايات المتحدة التي تعد لاعبا رئيسيا في قضايا الأمن، والاستقرار، والتنمية، مشيرا إلى أن سياسات ترامب تميل إلى اتخاذ مواقف حادة وواضحة، وأحيانا غير تقليدية، تجاه قضايا المنطقة، ما يثير تساؤلات حول كيفية استجابته للتطورات الراهنة.
وأشار فرحات إلى أن أحد أبرز القضايا التي قد تتأثر بسياسات ترامب هي القضية الفلسطينية، حيث عرفت إدارته بمواقف داعمة لإسرائيل، وخصوصا قراراته السابقة بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس، ووقف الدعم المالي للأونروا وعودة ترامب قد تعني إعادة فتح ملفات كانت محل جدل، ما قد يعقد مساعي حل الدولتين ويزيد من حدة التوترات في الأراضي المحتلة.
وأشار أستاذ العلوم السياسية إلى أن السياسة الأمريكية تجاه إيران ستكون من الملفات الساخنة أيضا، خاصة وأن ترامب من أشد المعارضين للاتفاق النووي، وقد انسحب منه خلال ولايته الأولى وعودته للرئاسة قد تضع المنطقة على شفا توتر متزايد إذا ما قرر إعادة فرض المزيد من العقوبات أو اتخاذ خطوات تصعيدية تجاه طهران، وهو ما قد يؤثر سلبا على استقرار المنطقة ويزيد من تعقيد الوضع الأمني. مشيرا إلى أن الأمر الوحيد المطمئن فى فوز ترامب هو الوفاء بتعهداته بإيقاف الحرب فى المنطقة وكذا الحرب الروسية الاوكرانية وهذا قد يعيد الهدوء للمنطقة ويعيد الأمور إلى طاولة المفاوضات للتوصل لحلول سلمية تحسن من التداعيات الاقتصادية للأزمة.
وأكد فرحات أن دول الخليج العربي تتابع عن كثب هذا التحول، نظرا لاعتمادها الاستراتيجي على دعم الولايات المتحدة في مواجهة التهديدات الإقليمية، مشيرا إلى أن إدارة ترامب، بعلاقتها الوثيقة مع بعض دول الخليج، قد تعزز من التحالفات الأمنية في مواجهة النفوذ الإيراني وهذا التقارب قد يشكل نوعا من التوازن في المنطقة لكنه يحمل في طياته مخاطر على مستوى التصعيد الإقليمي.
وعن تأثير هذا الفوز على مصر، قال الدكتور فرحات إن مصر تنظر إلى أي إدارة أمريكية من منظور التعاون في قضايا مكافحة الإرهاب ودعم الاستقرار في الشرق الأوسط، مشيرا إلى أن مصر شريك استراتيجي للولايات المتحدة، وأي تغيير في السياسات الأمريكية تجاه الشرق الأوسط ينعكس بطبيعة الحال على مصر، سواء في مجالات الأمن، أو الدعم التنموي، أو المواقف السياسية، لافتا إلى ضرورة أن تكون هناك متابعة دقيقة ومستمرة للسياسات القادمة، والتفاعل معها بما يخدم المصالح الوطنية ويحافظ على استقرار المنطقة.