في قلب العاصمة الأفغانية كابل، يقف متحف الإثنوغرافيا كأحد أهم المعالم الثقافية التي تحكي قصة تاريخ أفغانستان وتنوعها العرقي والثقافي.

هذا المتحف، الذي يقع في أكاديمية علوم أفغانستان، وتحت إشرافها المباشر، يعدّ منصة حيوية لحفظ التراث الثقافي وإبرازه للأجيال الحالية والمستقبلية.

مقتنيات تروي قصة أفغانستان

يحتوي المتحف على مجموعة استثنائية من المعروضات التي تمثل تنوع الأنماط الثقافية في البلاد، بما في ذلك أزياء تقليدية قديمة، وأدوات فخارية تاريخية، بالإضافة إلى أنواع نادرة من الأسلحة التي استخدمت في الحروب التي خاضتها أفغانستان عبر العصور.

ومن بين أبرز المعروضات، بندقية عمرها أكثر من 200 عام، وسيف وخوذة حديدية كانت تستخدم في فترات الحرب المختلفة، فضلاً عن الزي العسكري الأفغاني الذي يعود إلى 50 عامًا مضت.

تعتبر هذه المقتنيات شاهدًا حيًّا على تاريخ طويل من الصراعات التي خاضها الشعب الأفغاني، خاصة في معاركه ضد الاحتلالات الأجنبية، مثل تلك التي دارت مع القوات البريطانية في القرن التاسع عشر، إضافة إلى الصراعات الداخلية التي مرت بها أفغانستان في العقود الأخيرة.

ويعكس المتحف من خلال هذه المقتنيات الأثرية والتاريخية حجم المعاناة والتضحيات التي قدمها الشعب الأفغاني على مر العصور، ويشدد على أهمية الحفاظ على هذا التاريخ ليس فقط للأجيال الحالية، بل كذلك لأجيال المستقبل التي قد لا تكون على دراية بكل هذه الأحداث.

على الرغم من أهمية متحف الإثنوغرافيا في كابل، فإنه يواجه عددًا من التحديات التي تؤثر على استدامته (الجزيرة) أكاديمية علوم أفغانستان

يُدار المتحف تحت إشراف أكاديمية علوم أفغانستان، وهي إحدى المؤسسات الأكاديمية الرائدة في البلاد، ما يضمن للمتحف مكانة مرموقة في البيئة الثقافية والعلمية الأفغانية، ويعكس التزام الدولة بحفظ التراث الثقافي لأفغانستان.

إعلان

بالإضافة إلى دوره في نقل هذا الإرث إلى الأجيال المقبلة. ومن خلال التعاون المستمر مع الأكاديميين والباحثين، يعمل المتحف على إجراء دراسات ومشاريع تهدف إلى تعميق الفهم حول التنوع الثقافي والإثني في البلاد.

تحديات

رغم أهمية المتحف كمؤسسة ثقافية، فإنه يواجه عددًا من التحديات التي تؤثر على استدامته، أبرزها قلة التمويل وضعف الإمكانيات التقنية.

وفي حديثه للجزيرة نت، قال نور الله، مدير المتحف: "التحدي الأكبر الذي نواجهه هو التمويل المحدود، الذي يؤثر على قدرتنا على توسيع المجموعات المعروضة أو تحسين تقنيات الحفظ الخاصة بالقطع الأثرية القيّمة. وإذا توفرت الموارد، يمكننا توفير أفضل أساليب الحفاظ على هذه القطع، وتوسيع معروضاتنا لتشمل المزيد من القطع التاريخية التي تمثل جميع مناطق أفغانستان".

وأشار نور الله إلى أن المتحف يسعى جاهدا لتحديث طرق عرض المعروضات من خلال استخدام الوسائط الرقمية. وأضاف "نحن نواجه أيضًا تحديات متعلقة بالتكنولوجيا الحديثة التي يمكن أن تسهم في حفظ القطع الأثرية بشكل أفضل. هذه التقنيات تسهم في تقديم تجربة أفضل للزوار، خاصة عند استخدام الوسائط الرقمية لعرض بعض المقتنيات التي قد تكون هشة أو قديمة جدا".

المتحف يسعى جاهدًا لتحديث طرق عرض المقتنيات من خلال استخدام الوسائط الرقمية (الجزيرة) تجربة غنية وتثقيفية

شهد المتحف إقبالًا جيدًا من الزوار، الذين أعربوا عن تقديرهم الكبير للمقتنيات التي تعرضها قاعاته. الزوار من مختلف الأعمار والخلفيات يقدرون ما يقدمه المتحف من فرصة للتعرف على تاريخ أفغانستان وثقافاتها المتنوعة.

في هذا السياق، عبّر أحمد يوسفزي طالب في جامعة رنا الاهلية، أحد الزوار المحليين، عن إعجابه قائلاً: "المتحف يعكس تاريخنا بشكل رائع، فهو يقدم لنا نظرة متكاملة عن الهوية الثقافية للشعب الأفغاني، ويعتبر فرصة رائعة لفهم كيف تطورنا عبر العصور".

إعلان

أما محمود باركزي، فقال: "كانت زيارتي للمتحف فرصة رائعة للتعرف على تاريخ أفغانستان وثقافاتها المتنوعة من خلال هذه المعروضات القيّمة. وأحببت رؤية الأسلحة القديمة والأزياء التقليدية، خاصة أنها تسلط الضوء على الفترات التاريخية المختلفة التي عاشها الشعب الأفغاني".

من جانبه، أضاف سيد مختار، طالب من جامعة كابل، "أشعر بالفخر لرؤية هذا الموروث الثقافي المعروض أمامنا. هذه المعروضات تساعدنا على فهم التنوع الإثني الذي يعكس ثقافاتنا المحلية المختلفة، بالإضافة إلى التاريخ الطويل الذي مرّ به بلدنا".

المتحف هو المكان الذي يجمع مختلف المقتنيات النادرة التي تمثل تنوع العرقيات في أفغانستان (الجزيرة) شهادة على التراث الثقافي

تُعدّ أكاديمية علوم أفغانستان هي المسؤولة عن إدارة متحف الإثنوغرافيا، الذي بدأ كمشروع في عام 2002م. وتم تخصيص هذا القصر الرائع -الحكومي سابقا- ليكون مقرًّا لهذا المتحف العلمي والبحثي المخصص لدراسة التراث الإثنوغرافي والفني بأفغانستان.

المتحف هو المكان الذي يجمع مختلف المقتنيات النادرة التي تمثل تنوع العرقيات في أفغانستان ويعنى بجمع وتحليل القطع الأثرية لتاريخها وثقافاتها. ويضمّ مجموعة متنوعة من القطع التي تعرض تاريخ البلاد، بما في ذلك آثار البازلت والمقتنيات الأثرية من الحقب المختلفة، بالإضافة إلى الأعمال الفنية الحديثة التي تسهم في إثراء الدراسات الأكاديمية والفنية في هذا المجال.

متحف الإثنوغرافيا يتيح للزوار فرصة التعرف على تاريخ البلاد ومراحلها المفصلية عبر عينات ملموسة من التراث الثقافي (الجزيرة) أقسام المتحف الرئيسية

يحتوي المتحف على 3 أقسام رئيسية، كل منها يركز على جانب من جوانب التراث الثقافي والفني في أفغانستان:

أعمال إثنيات أفغانستان: يسلط هذا القسم الضوء على الموروث الثقافي المتنوع للعديد من الأقليات العرقية التي تعيش في أفغانستان، من خلال عرض الملابس التقليدية، والأدوات المنزلية، والفنون اليدوية التي تتنوع حسب المناطق. آثار تاريخية: يتضمن هذا القسم مجموعة من القطع الأثرية التاريخية التي تتراوح بين العملات القديمة، والأدوات الحربية القديمة، والقطع المعمارية التي تقدم لمحة عن تاريخ حضارات أفغانستان القديمة. الفن الحديث: يعكس هذا القسم تطور فنون الأرت المعاصرة في أفغانستان، بما في ذلك الأعمال الفنية التي تظهر تأثيرات الحركات الثقافية المعاصرة في البلاد، وكذلك المشاريع البحثية التي تسهم في تسليط الضوء على التغيرات الثقافية في أفغانستان. إعلان المتحف والحفاظ على التراث الثقافي

يبقى متحف الإثنوغرافيا في كابل من أهم المؤسسات الثقافية التي تسهم في حفظ التراث الأفغاني ونقله إلى العالم.

ومع التحديات التي يواجهها من قلة الموارد وضعف الإمكانيات، يظل المتحف نقطة التقاء بين الماضي والحاضر، حيث يتيح للزوار فرصة التعرف على تاريخ البلاد ومراحلها المفصلية من خلال عينات ملموسة من التراث الثقافي.

وفي ظل اهتمام الحكومة الأفغانية والمجتمع المحلي، من المتوقع أن يظل هذا المتحف شاهدًا حيًّا على ثراء التنوع الثقافي في أفغانستان، مع أفق واعد في تحسين الإمكانيات والتوسع ليظل مرجعًا ثقافيًّا هامًّا في المنطقة.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات التراث الثقافی القطع الأثریة فی أفغانستان بالإضافة إلى التی تمثل على تاریخ فی البلاد تسهم فی من خلال

إقرأ أيضاً:

معظمهم طُردوا من دول الجوار.. ما مصير العائدين إلى أفغانستان؟

كابل- تتطلب الزيادة الكبيرة في عدد المهاجرين العائدين إلى أفغانستان تدخلا سريعا من الحكومة الأفغانية والمجتمع الدولي، نظرا للضغوط الاقتصادية والاجتماعية الجسيمة التي يتحملها العائدون إلى أفغانستان من دول الجوار خاصة إيران وباكستان.

ووفقا للتقارير الصادرة عن المنظمة الدولية للهجرة، ففي عام 2024، عاد 1.5 مليون مهاجر فاقدين للوثائق من إيران وباكستان إلى أفغانستان، منهم حوالي 100 ألف شخص عادوا عبر مطار كابل، بينما عاد الآخرون عبر 4 معابر حدودية بين أفغانستان والدولتين الجارتين.

كما ذكرت التقارير أن أكبر عدد من المهاجرين العائدين جاء من إيران، حيث تم طرد 66% من بين 1.1 مليون عائد بدون وثائق.

وسجلت الإحصاءات زيادة بنسبة 13% في أعداد العائدين بين شهري يناير/كانون الثاني وفبراير/شباط 2025، نتيجة للطرد الجماعي للمهاجرين من مدن باكستانية مثل إسلام آباد وراولبندي.

ويؤكد المتحدث باسم وزارة المهاجرين الأفغانية عبد المطلب حقاني، أن الحكومة الأفغانية تعمل على توفير الدعم لكافة العائدين إلى أراضيها عبر التنسيق مع المنظمات الدولية والمحلية لتلبية احتياجاتهم الأساسية، مضيفا أن ما يقارب من 1.5 مليون مهاجر أفغاني عادوا إلى أفغانستان خلال عام 2024، أغلبهم من الذين كانوا يقيمون في باكستان وإيران.

إعلان

وأشار حقاني إلى أن 7 ملايين أفغاني ما يزالوا يعيشون في دول الجوار، بما في ذلك أكثر من 3 ملايين في باكستان، وقرابة 3 ملايين شخص في إيران، مع وجود حوالي مليون أفغاني في دول أخرى حول العالم.

وأضاف المتحدث باسم وزارة المهاجرين الأفغانية للجزيرة نت أن الوزارة سجلت 3 ملايين نازح داخلي، بينما تم إعادة توطين 11 ألفا منهم في مناطقهم الأصلية.

عدد من الأفغان في طريق عودتهم إلى بلادهم (الجزيرة) ضغوط على الحكومة

تواجه الحكومة الأفغانية تحديات جسيمة في استيعاب هذا العدد الكبير من العائدين، خاصة في ظل الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تعصف بالبلاد بسبب العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها، إضافة إلى نقص الموارد المالية واللوجيستية اللازمة لاستيعاب لعائدين، فضلا عن تدهور البنية التحتية، وانتشار البطالة، وضعف الخدمات الأساسية.

وتشير التقارير الدولية إلى أن أكثر من 40% من سكان أفغانستان يعيشون تحت خط الفقر، مما يجعل استيعاب العائدين من دول الجوار أمرا في غاية الصعوبة، وفقا للخبراء.

وفي هذا الصدد، قال المتحدث باسم وزارة المهاجرين الأفغانية إن الحكومة تواجه العديد من التحديات في استيعاب هذه الأعداد المتزايدة من المهاجرين العائدين، "لكننا نعمل جاهدين على التنسيق مع المنظمات الدولية والمحلية لتوفير الغذاء، والمأوى، والرعاية الصحية".

أغلب العائدين إلى أفغانستان أتوا من إيران وباكستان (الجزيرة) العودة الطوعية

وأفادت وزارة المهاجرين بأنها توفر فرص عمل في الداخل، داعية المهاجرين الأفغان للعودة طواعية إلى بلادهم، حيث أكد حقاني أن "الأمن مستتب في كافة أنحاء البلاد، وهناك فرص عمل وظروف معيشية مناسبة".

ويقول رشاد أحمدي، أحد العائدين إلى كابل من باكستان، "لقد قررت العودة لأن الوضع هناك كان صعبا جدا، وخاصة بعد الطرد القسري من باكستان، ولكن الوضع في أفغانستان لا يبدو أفضل، فرغم أنني في بلدي، فإنني لا أجد فرص عمل جيدة".

ويأمل رشاد أحمدي أن تتحسن الأوضاع في أفغانستان مع مرور الوقت، ويستطيع توفير عمل مناسب له لمساعدة أسرته.

إعلان

من جهته، قال مهدي علي زاد، أحد العائدين إلى كابل من إيران، "كانت العودة إلى أفغانستان خطوة صعبة، لكننا لم نجد خيارا آخر، الظروف الاقتصادية في إيران كانت غير مستقرة، والعديد من المهاجرين هناك يواجهون صعوبة في تأمين قوت يومهم".

وأكد علي زاد أنه رغم التحديات في أفغانستان، يظل هناك أمل في المستقبل، إذا تم توفير فرص عمل وتدابير لتحسين الوضع المعيشي.

العائدون إلى أفغانستان يواجهون ظروفا معيشية صعبة (الجزيرة) دور المنظمات الدولية

وتلعب المنظمات الدولية دورا حيويا في دعم العائدين، حيث تقدم مساعدات غذائية وطبية وتعليمية، وتقول المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة إنه تم تخصيص 120 مليون دولار لدعم العائدين في عام 2024، ويشمل ذلك توفير مواد غذائية، ومأوى، ورعاية صحية لمليوني شخص.

كما يعمل برنامج الأغذية العالمي على تقديم مساعدات غذائية لقرابة 1.5 مليون عائد في عام 2024، في حين تقوم منظمة الصحة العالمية بتوفير الخدمات الصحية الأساسية في المناطق التي يتركز فيها العائدون.

وتواجه أفغانستان أزمة اقتصادية خانقة، مما يفاقم من معاناة العائدين الذين يواجهون صعوبة في تأمين فرص عمل مستدامة، فضلا عن تدهور الوضع الصحي والتعليمي في معظم أنحاء البلاد، حيث إن المدارس والمستشفيات تفتقر إلى الموارد لتلبية احتياجاتهم، مما يعمق من معاناتهم.

مقالات مشابهة

  • زيارة متحف التراث ضمن الجولات الميدانية بملتقى الرسوم المتحركة بشمال سيناء.. صور
  • متحف التراث السيناوي يستقبل الفنانين التشكيليين المشاركين بملتقى الرسوم المتحركة
  • إعلاميون ومختصون: عُمان نموذج للوئام والتعايش واحترام التنوع الثقافي
  • معظمهم طُردوا من دول الجوار.. ما مصير العائدين إلى أفغانستان؟
  • متحف الحرب في سول.. ذاكرة الصراع الكوري الحية
  • «متحف زايد الوطني».. برنامج متكامل لنشر المعرفة وتعزيز المشاركة المجتمعية
  • المهرجانات المحلية.. نافذة على التراث ورافد للتنمية
  • التراث مغزول على منتجات معاصرة بـ«الثقافي الفرنسي».. فنون النسيج بالمصري
  • معرض “تأقلُم” في المتحف السعودي للفن المعاصر في جاكس.. نافذة للتفكّر في الحياة من خلال فنّ السيراميك