الملف الاقتصادي أصبح هو الملف الأساسي منذ انطلاق النهضة المتجددة التي يقودها بحكمة واقتدار جلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله ورعاه- منذ الحادي عشر من يناير ٢٠٢٠ ومن هنا فإن المشهد الوطني وفي ظل رؤية عمان ٢٠٤٠ فإن وجود مركز للدراسات والبحوث الاقتصادية أصبح من الضرورات الوطنية لاستقراء عدد من القضايا الوطنية في المجال الاقتصادي، ويمكن أن يكون هذا المركز مستقلا، ومن خلال وجود كوادر وطنية وأجنبية في مجال التحليل الاقتصادي والاستراتيجي وحتى الاجتماعي وقياس الرأي العام.
وفي الإطار فإن سلطنة عمان تدخل مرحلة مهمة على صعيد التنويع الاقتصادي، وإيجاد خيارات متعددة بعيدا عن الخيار الأوحد وهو النفط والغاز، وعلى ضوء ذلك فإن الدراسات المتعمقة تعطي صانع القرار خيارات تسهم في اتخاذ القرارات التي من شأنها دفع الخطط التنموية إلى مزيد من النجاح واستثمار الموارد الطبيعية وحتى البشرية بالشكل الأمثل. وتحدثنا في مقالات سابقة عن أهمية مراكز
البحوث الاستراتيجية والاقتصادية في الغرب والولايات المتحدة الأمريكية بشكل خاص وحتى على صعيد الدول الآسيوية خاصة دول جنوب شرق آسيا وأذكر أن عدد مراكز البحوث الاستراتيجية في العاصمة الأمريكية واشنطن تزيد عن ٥٠ مركزا خلال عام ١٩٨٩ وكنت في ذلك الوقت في الولايات المتحدة الأمريكية في دورة صحفية من قبل جريدة عمان، حيث تم الاطلاع وزيارة عدد من تلك المراكز البحثية التي تلعب دورا محوريا على صعيد التخطيط وتقديم الخيارات لصانع القرار. ومن هنا فإن بلادنا سلطنة عمان وهي تخطو نحو مرحلة النهضة الاقتصادية وإيجاد تنوع اقتصادي يتماشى والإمكانات التي تتوفر في البلاد خاصة على صعيد الموقع الاستراتيجي المطل على البحار المفتوحة وعلى صعيد استثمار السمعة والاحترام الواسع النطاق التي تحظى به سلطنة عمان من خلال الدبلوماسية الاقتصادية وعلى ضوء ذلك فإن إيجاد مراكز بحثية يعد من الأدوات الحضارية، حيث لا بد من وجود مركز البحوث والدراسات الاقتصادية بشكل خاص يستقطب حتى الكفاءات الوطنية التي تمت إحالتها إلى التقاعد، وهذا ينطبق على إمكانية وجود مركز دراسات سياسية يتم من خلاله استثمار عدد من الباحثين خاصة الدبلوماسيين والباحثين من الجامعات، وهذا سوف يشكل منظومة وطنية مهمة لإيجاد تحليل موضوعي لكل التطورات الاقتصادية والسياسية في عالم يتسم بالمتغيرات والصراعات المعقدة وتشابك المصالح، ومن هنا نؤكد على أهمية هذا التوجه مع ضرورة استقلالية تلك المراكز بعيدا عن التوجهات الرسمية. إن استقلالية مراكز البحوث عموما ينطلق من قاعدة الموضوعية والشفافية بحيث تكون محصلة تلك المؤشرات والخيارات واضحة بعيدا عن المجاملات. وهذا شيء مهم لإيجاد إصلاحات حقيقية إذا ظهرت سلبيات على صعيد السياسات الاقتصادية والاجتماعية. ومن هنا تتم الصورة بكل أبعادها أمام صانع القرار مع وجود الخيارات التي من شأنها تعديل وتطوير تلك الصورة الكلية بما يتماشى والنظرة المستقبلية لإيجاد مؤشرات إيجابية تخدم سلطنة عمان، وتتماشى مع طموحات رؤية عمان ٢٠٤٠. إن وجود مراكز بحثية تعد ضرورة وطنية خاصة إذا كانت مستقلة بحيث تقدم الرؤى المتقدمة والأكثر جرأة حتى لو كانت سلبية؛ لأن تطوير المشهد الاقتصادي والاجتماعي هو الذي يجعل من الدول تسير في منهجية صحيحة بعيدا عن الاجتهادات. كما أن مراكز البحوث تعطي فرصة للكوادر الوطنية أن تبدع في المجالات المختلفة بعيدا عن الوظيفة الرسمية التي لها في نهاية المطاف نظامها وقوانينها، كما أن وجود مركز البحوث الاقتصادية يشكل خطوة أساسية في ظل الخطوات المتسارعة للاقتصاد الوطني وفي مجال الطاقة البديلة، وفي مجال القطاع اللوجستي والسياحة، وهذه الأخيرة تحتاج إلى نقاش كبير وأن يخضع هذا القطاع تحديدا إلى البحث والتحليل؛ لأن قطاع السياحة في تصوري لا يزال دون الطموح؛ لأن قطاع السياحة يمكن أن يشكل قاطرة للاقتصاد الوطني على كل المستويات، ويرفد خزينة الدولة بمداخيل كبيرة، ويخلق آلاف فرص العمل للشباب كون أن بلادنا سلطنة عمان تتميز بمفردات جمالية وتاريخية وتراثية مميزة علاوة على الاستقرار السياسي والسلام الذي يعم ربوع الوطن منذ أكثر من نصف قرن. وعلى ضوء ذلك فإن مساهمة قطاع السياحة لا تزال متواضعة في الناتج المحلي الإجمالي ولا بد من دراسة التحديات التي تقف دون انطلاق هذا القطاع الحيوي، وأن يكون رافدا مهما للاقتصاد الوطني. والسؤال المهم أن هناك دولا أقل في تلك المفردات الجمالية وتحقق إيرادات مليارية من قطاع السياحة وعلى ضوء ذلك تأتي أهمية مركز البحوث الاقتصادية لبحث تلك التحديات وإيجاد مقاربة موضوعية لصانع القرار لتنفيذ سياسات تدفع بهذا القطاع الحيوي إلى الواجهة الاقتصادية علي الصعيد الإقليمي والدولي وهذا الكلام ينسحب على عدد من القطاعات الأخرى ومنها قطاع التعدين الذي بدأ في التحرك خلال الآونة الأخيرة من خلال وضع عدد من المواقع للاستثمار في قطاع التعدين كما أن المطارات والموانئ العمانية تحتاج إلى مزيد من التفعيل في إطار المنظومة الاقتصادية في ظل المنافسة الإقليمية وحتى يمكن الوقوف على أهم التحديات التي تواجه عددا من القطاعات الاقتصادية فإن اقتراح وجود مركز بحثي يختص بالقضايا الاقتصادية والاجتماعية يعد من وجهة نظري ضرورة وطنية تتماشى مع الطموحات الكبيرة التي تنطلق من خلالها النهضة المتجددة التي يقودها جلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله ورعاه- والتي أعطت مؤشرات إيجابية خاصة على صعيد تخفيض الدين العام وتحسن تصنيف سلطنة عمان وعلى وجود مؤشرات جيدة على صعيد المالية العامة وفي إطلاق مجموعة من المبادرات لعل في مقدمتها قانون الحماية الاجتماعية وقانون العمل وفي المحصلة الأخيرة فإن المراجعة والوقوف على المعطيات وإيجاد خيارات هي التي تدفع بالعمل الوطني للأمام في ظل محددات مستقلة ومن خلال مراكز تعمل وفق منهجية علمية مستقلة.
عوض بن سعيد باقوير صحفي وكاتب سياسي.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية:
قطاع السیاحة
سلطنة عمان
على صعید
بعیدا عن
ومن هنا
من خلال
عدد من
إقرأ أيضاً:
“السجل العقاري”: نهدف لإنشاء خريطة بيانات عقارية وطنية عن 8.2 مليون عقار عبر “المسح الجيومكاني”
أفاد الرئيس التنفيذي للسجل العقاري الدكتور محمد السليمان بنجاح السجل العقاري في تنفيذ أعمال الرفع المساحي لأكثر من 22 ألف كيلومتر مربع من مساحة المملكة، وتجهيزها لأعمال التسجيل العيني الأول للعقار، وذلك باستخدام تقنيات متنوعة، منها طائرات بدون طيار وطائرات مأهولة، تقدم بيانات مساحية تصل دقتها إلى سنتيمترات معدودة، وذلك ضمن أعمال السجل العقاري ومشروع المسح الجيومكاني الذي يعد الأكبر من نوعه على مستوى المملكة، ونهدف من خلاله إلى إنشاء خريطة بيانات عقارية وطنية تتضمن معلومات أكثر من 8.2 مليون عقار.
جاء ذلك خلال كلمته في حفل افتتاح مؤتمر مستخدمي ESRI، الذي يقام في الرياض خلال يومي 21 و22 يناير 2024، بحضور الرئيس التنفيذي للهيئة العامة للمساحة والمعلومات الجيومكانية الدكتور المهندس محمد بن يحيى آل صايل، والرئيس التنفيذي لهيئة تطوير محمية الإمام عبدالعزيز بن محمد الملكية الدكتور طلال بن عبدالله الحريقي، ورئيس شركة Esri جاك دانجرموند.
واستعرض السليمان خلال مشاركته أحدث التطورات والمستجدات في أعمال السجل العقاري. فعلى مستوى العقارات المعلنة قال الدكتور إن عدد العقارات المعلنة تجاوز أكثر من مليوني عقار في 5 مناطق إدارية، كما نفذت أكثر من 50 ألف تصرف عقاري من خلال منصة السجل العقاري.
وقال: “إن الأعمال الجيومكانية تمثل جزءًا رئيسيًا لنجاح التسجيل العيني للعقار، لذا فإن السجل العقاري يوليها أهمية مطلقة منذ انطلاقة أعماله، حيث تم توظيف أحدث التقنيات والممارسات والأنظمة المتبعة في تنفيذ المشاريع الجيومكانية، حيث يطبق السجل العقاري أكثر من 20 معيارًا محليًا ودوليًا في الجيومكانية بالإضافة إلى التعاون مع أكثر من 65 جهة في القطاعين العام والخاص، وذلك لتنفيذ أكبر من مشروع مسح جيومكاني على مستوى المملكة يغطي 100,000 كيلومتر مربع من المناطق الحضرية ومليوني كيلومتر مربع من المناطق غير الحضرية، وإنشاء خريطة بيانات عقارية وطنية ببيانات تتجاوز 19 بيتابايت”.
وبين السليمان أن السجل العقاري استخدم الطائرات بدون طيار والطائرات المأهولة لجمع البيانات الجيومكانية، مما يضمن دقة عالية في المعلومات المكانية وتعزيز الكفاءة التشغيلية، باستخدام برامج مثلArcGIS Pro لتحليل البيانات وإنتاج خرائط تفاعلية، مما يسهم في تحسين التخطيط الحضري وإدارة الأراضي.
ويواصل السجل العقاري أعماله في تسجيل العقارات وفقًا لخطة طموحة، تعتمد على تقنيات مبتكرة وفريدة من نوعها، وهو ما كان له الأثر في حصول السجل العقاري على جائزة منESRI تقديرًا لتميزه في تطبيق نظم المعلومات الجغرافية “GIS” والاستفادة من التقنيات الجيومكانية المتقدمة.