هوغو بال والدادية: فن الفوضى أم فلسفة الحرية
تاريخ النشر: 22nd, February 2025 GMT
عندما اندلعت الحرب العالمية الأولى، أحدثت دمارًا هائلًا في أوروبا، مما أدى إلى فقدان الثقة في القيم التقليدية التي كانت تحكم العالم. في ظل هذه الفوضى، وُلدت حركة فنية جديدة قلبت المفاهيم الجمالية رأسًا على عقب: الدادية. كان هوغو بال أحد أبرز مؤسسي هذه الحركة، والتي لم تكن مجرد اتجاه فني، بل كانت ثورة فكرية رفضت المنطق والعقلانية، وسعت إلى إعادة تعريف الفن بطرق غير مسبوقة.
ظهرت الدادية في عام 1916 داخل كاباريه فولتير في زيورخ، حيث اجتمع فنانون وأدباء هاربون من الحرب، وقرروا التمرد على كل ما يمثله المجتمع التقليدي، من السياسة إلى اللغة وحتى الفن نفسه. رفضت الدادية فكرة أن الفن يجب أن يكون جميلاً أو منظمًا، وبدلاً من ذلك، تبنت العشوائية والعبث والسخرية كأسلحة ضد النظام الذي أدى إلى الخراب.
هوغو بال: الأب الروحي للفوضى الفنيةكان هوغو بال أحد الشخصيات المحورية في هذه الحركة، واشتهر بأدائه الشعري الغريب الذي كان يعتمد على أصوات وكلمات غير مفهومة، مثل قصيدته الشهيرة “كراتش كراسش”. رأى بال أن اللغة التقليدية فقدت معناها بسبب استخدامها في الدعاية السياسية والحرب، فابتكر لغة صوتية جديدة تعبر عن مشاعر إنسانية خالصة، بعيدًا عن القيود اللغوية المعتادة.
الفوضى أم الحرية؟ جدل لم ينتهِ بعدواجهت الدادية انتقادات كثيرة، حيث اتهمها البعض بأنها عبثية بلا هدف، بينما رأى آخرون أنها كانت تحاول تحرير الفن من القيود المفروضة عليه. كان هوغو بال نفسه يؤمن بأن الدادية ليست مجرد عبث، بل هي دعوة لإعادة النظر في كل شيء، حتى في أكثر الأفكار بداهة.
إرث الدادية في الفن المعاصرعلى الرغم من أن الدادية كحركة لم تستمر طويلًا، إلا أن تأثيرها امتد إلى العديد من الحركات الفنية اللاحقة مثل السريالية والفن المفاهيمي. كما يمكن رؤية تأثيرها في ثقافة البانك، والكولاج، وحتى في بعض أشكال الفنون الرقمية الحديثة التي تعتمد على العشوائية والتجريب.
كانت الدادية أكثر من مجرد حركة فنية، بل كانت موقفًا فلسفيًا تجاه العالم، وخاصة تجاه مجتمع دمرته الحرب. وبينما قد تبدو أعمال الداديين غير مفهومة أو صادمة، إلا أنها كانت محاولة جريئة لإعادة تعريف ماهية الفن. واليوم، لا يزال الجدل قائمًا: هل كانت الدادية فوضى بلا معنى، أم أنها كانت قمة الحرية الإبداعية؟
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: الحرب الحرب العالمية الأولى ثورة فكرية المزيد
إقرأ أيضاً:
مجد متجدد وعز لا يزول
في كل عام، ومع بزوغ شمس الثاني والعشرين من فبراير، نعيش لحظة فخر لا تضاهيها لحظة، لحظة تعيدنا إلى جذورنا العريقة، وتروي لنا قصة شعب ووطن بدأ معا من قلب الصحراء القاحلة، فتحولا إلى أعظم شعب وأعظم دولة على وجه الأرض.
يوم التأسيس ليس مجرد ذكرى تروى، بل هو رمز لتاريخ مجيد يتجدد، وحكاية شعب عظيم قادته قيادة استثنائية نحو الوحدة والعزة. نستشعر فيه نحن السعوديين أصالة ماضينا، ونستلهم منه طموحا لا حدود له لمستقبلنا.
في عام 1727م، كانت شبه الجزيرة العربية تعيش في خضم الانقسامات والنزاعات، فنهض من بيننا رجل ذو رؤية عظيمة لتوحيد صفوفنا، وإقامة دولة تعيد لنا الأمن والاستقرار.
من الدرعية، تلك المدينة الصغيرة التي أصبحت فيما بعد مهد مجدنا، انطلقت شرارة التأسيس على يد المؤسس الأول محمد بن سعود، فاجتمعت الحكمة السياسية بالإرادة الشعبية القوية، ليعلن بعد ذلك بداية مسيرة الدولة السعودية.
لا يمكن أن يمر يوم التأسيس دون أن نستحضر قيمنا العظيمة التي قامت عليها دولتنا، كالوحدة والتوحيد، والشجاعة والإيمان، والعدالة. فهو بالنسبة لنا ليس مجرد مناسبة وطنية، بل هو درس يعيد إلينا شعورنا بالانتماء إلى وطن لا يتوقف عن كتابة مجده وتاريخه، وطن يمتلك جذورا تمتد في أعماق الأرض، وأجنحة تحلق عاليا في سماء المجد.
إن الدرعية ليست مجرد اسم يمر سريعا على مسامعنا كسعوديين، بل هي ذاكرة الوطن التي بدأت منها حكايتنا. فكل حجر في هذه المدينة الوادعة يحمل قصة إصرارنا وطموحنا، وكل شارع فيها يروي كيف حولناها من العدم إلى واقع تتمنى الشعوب الأخرى أن تكون جزءا منه.
اليوم، عندما أزورها، أشعر وكأنني أعود إلى لحظة البداية. فهي ليست مجرد مدينة تاريخية، بل رمز لهويتنا الوطنية، ومكان يجعلنا نستشعر عظمة الماضي، وندرك أنها الأساس الذي بني عليه ماضينا وحاضرنا ومستقبلنا.
وفي كل عام نحتفل بيوم التأسيس، نجد أنفسنا محاطين بروح تراثية أصيلة تذكرنا بجمال ثقافتنا، فعروضنا الفلكلورية، وأهازيجنا الشعبية، وحرفنا التقليدية، كلها تنقلنا إلى زمن أجدادنا، وتجعلنا نفتخر بثقافتهم التي نمتلكها.
ما يميز هذا اليوم أنه ليس مجرد احتفال عابر، بل هو يوم للتعبير عن حبنا للوطن بطريقة تمتزج فيها الأصالة بالحداثة. يوم غير عادي يجعلنا نرفع رؤوسنا عاليا، ونشعر بأننا جزء من قصة عظيمة تمتد فصولها لثلاثة قرون من الصبر والمعاناة، والإنجاز والبناء.
هو أكثر من مجرد ذكرى، إنه درس عظيم يتكرر في كل عام ليعلمنا أن النجاح لا يأتي بسهولة، بل يحتاج إلى رؤية واضحة، وإيمان قوي، وعمل دؤوب. نشعر فيه أنه لا شيء مستحيل أمام شعب حافظ على دولته طوال هذه المدة.
هذا اليوم يذكرنا بأن وحدتنا هي سر قوتنا، وأننا إذا تمسكنا بقيمنا وعملنا معا، سنظل في مقدمة الأمم. وهو لحظة تأمل في تاريخنا، وفخر بحاضرنا، وطموح لمستقبلنا. ومجدنا هنا لا يزال يكتب بأيدينا.
في هذا اليوم، لا نرى فقط تاريخا عريقا، بل نرى مستقبلا أكثر إشراقا، مبنيا على رؤية واضحة وطموحات كبيرة، وجيلا شابا واعيا يحمل مشعل التطوير بكل فخر، ويستلهم من إرث أجداده إصرارهم وقوتهم، ووعدا بأن يسير على خطى من سبقوهم.
في هذا اليوم العظيم، تتجدد في قلوبنا مشاعر الفخر والاعتزاز، إذ لا يمكن أن نمر بيوم التأسيس دون أن نستذكر التضحيات التي بذلت، والبطولات التي سطرت، والرجال الذين وضعوا اللبنات الأولى لدولة أصبحت اليوم نموذجا يحتذى به في الأمن والاستقرار والازدهار.
إن يوم التأسيس ليس مجرد ماض مضى، بل هو حاضر نعيشه ومستقبل نعمل لأجله، فهو يجسد معاني العزم والإصرار، ويرسخ في وجداننا حقيقة أن الأمم العظيمة لا تبنى بين ليلة وضحاها، بل تبنى بسواعد أبنائها وتضحيات رجالها وإخلاص قادتها.
عندما نستحضر مسيرة ثلاثة قرون من الصمود والإنجاز، ندرك أن دولتنا لم تمنح لنا على طبق من ذهب، بل جاءت نتيجة كفاح طويل، وإيمان راسخ بأن هذه الأرض تستحق أن تكون وطنا عظيما لأبنائها.
من صحرائنا القاسية، ومن سهولنا وجبالنا، ومن كل شبر في هذه الأرض الطاهرة، خرجت إرادة لا تنكسر، وعزيمة لا تضعف، ورسالة لا تحيد عن الحق، فكان لنا هذا المجد الذي نعيشه اليوم.
إن أعظم ما يميز هذا اليوم أنه يعيد إلينا معاني الهوية الوطنية في أبهى صورها، فهو يوم نشعر فيه بأننا امتداد لأولئك الأبطال الذين صاغوا مجد هذه البلاد، وكتبوا أولى صفحات العزة في تاريخها. ولا نحمل فقط أسماءهم، بل نحمل وصاياهم، ونستلهم من إرثهم دروسا تعيننا على بناء المستقبل. وقيم الوحدة والعزيمة التي قامت عليها هذه الدولة لا تزال هي ذاتها التي تحركنا اليوم، وهي التي ستبقى ركيزة لمستقبلنا. فنحن لا نحتفي بالماضي فحسب، بل نبني على أساسه ونرسم به ملامح الغد.
فلهذا، في هذا اليوم، يحق لنا أن نفخر، يحق لنا أن نرفع رؤوسنا عاليا، يحق لنا أن نقول للعالم أجمع:
هذه بلادنا، وهذه هويتنا، وهذا مجدنا، وهذه عزتنا، باقية ما بقينا و بقيت السماوات و الأرض.
• رئيس تحرير صحيفة آخر أخبار الأرض الإلكترونية