في روايته الأخيرة "واد جدة" يحكي عن رجل عاش بين ثورتين، عاش الحياة، واكتوى بنار أحداثها، وطوال رحلته يقاتل من أجل الحلم، ليعرف من يكون في أيام طفولته، ومراهقته، وليبحث عن النجاة في الحب في شبابه، الحب الذي ملكه من خلال صوت وصله.

 فوضع شروطه الخاصة التي من خلالها عليه أن يعثر عليه، وينسى مفردة الزمن التي تغير كل شيء، ولا تجعل الثبات صفة دائمة وملاصقة للبشر، وخلال تلك الرحلة وأثناء طقوس العبور إلى مرحلة المخاض التي واكبت تحولات المجتمع في ظل الحرب والانفتاح الاقتصادي، يفقد الطريق، ليعود ويلتقي به في ظل تحول مهم وهو ثورة يناير 2011، فيكون الطرف الآخر في الضفة الأخرى بعد أن عثر على صاحبة الصوت، يجدها بلا ذاكرة، فيعيش الفقد في صورته الموجعة.

 

في حواره لـ"البوابة نيوز" تحدث الروائي مصطفى البلكي عن مفهوم الواقع وعن أهمية الترجمة وأشياء أخرى.. وإلى نص الحوار:ــ

 

كيف تختار أفكار نصوصك؟ 

أنا شخص مستعد دائما بأن أكون رفيقا للكثيرين من الشخصيات التي تعبر حياتي، أحيانا يعيش الشخص داخلي من خلال نظرة، أو جملة تحمل فلسفة ما، وأحيانا بموقف، وهذه الشخصيات تتحرك معي، أجدها حولي في أي مكان أكون فيه، عدد قليل منهم يختارون البقاء، فيطورون أنفسهم من خلال النمو، وهذا هو التطور الحقيقي القادر على خلق حياة، وفي اللحظة التي يمد فيها الطيف جذوره في تربة صالحة للبقاء، يصعب عليّ طرده، وأدرك أنه يريدني أن أبحث حوله، وحتى لا أخذل الرؤية، لا أتركه وحيدا، ولا أترك الوحدة تأكله، فالناس هم المكان المناسب للنمو الطبيعي، خلاف الوضع الاستثناء الذي أكون أنا فيه حينما تملكني الشخصية، وتسيطر على تفكيري، فأنا في تلك الأيام لا أشعر بالوحدة، ولا بالملل من جراء البقاء لساعات وأنا أراقب الشخصية التي راحت تنسج عالمها بهدوء أمام عيني، هذه الوحدة تتحول لبراح فرح وسعادة، لأنني أذهب بكل قوتي مع هذا الطيف. 

 

 أفهم من هذا أن كل أعمالك تبدأ من الواقع؟

 نعم، من غير الواقع لن تكون هناك حياة، هي نقطة الانطلاق الأولى لبناء العالم الثالث الذي يسعى كل كاتب إلى تشييده.

ـ وما هو العالم الثالث؟ العالم الذي ينتج من امتزاج الخيال والواقع، لنذهب إلى حياة نريدها أو نحلم بها. 

ـ في الرواية يبدو الحب هو المهزوم الوحيد؟ 

الحب طبيعته أن يكون عميقا، وأحيانا يملك قوة تدميرية هائلة، حينما يقف المحب على ضفة واحدة، فاكتماله يحتاج لضفتين، بينما الضفة الواحدة تخلق كيانا مهزوما، لا يكترث به الوقت. "وواد جده" نشأ في زمن تغيرت فيه كل الثوابت تحت ضغط فعل ثوري قلب الحياة، وحينما وجد الحب في هذا الظرف التاريخي، لم يذهب بكليته إلى السؤال المهم، ماذا يحتاج من الطرف الآخر؟ هذا السؤال لم يوجد لا لدى الخياط (واد جده) ولا لدى راجية، كل واحد منهما أنكر وجود الآخر حينما لم يحقق الشرط الذي وضعه، هنا لا يمكن للحب أن يعيش، فالحب المشروط لا وجود له، يموت أو يتم تجميده عند تلك اللحظة.

ـ قلت في رواية ( البهيجي) ..الحب والألم هما مصدرا الحكمة، هل ما زالت تلك المقولة مستمرة معك في واد وجده، خصوصا من خلال تلك العلاقات الثنائية، بين، واد جده وراجية، والشواف وهمت؟ 

هذه المقولة صالحة لكل زمان ومكان، والحب لا يغادر المفردتين، ربما بينهما مسافة بينية، تكون فيها حالة التوافق، أصلح للبقاء، وهذه المسافة تتعلق بدرجة فهمه للحب، ودرجة معايشته له، والألم يولد من نظرة كل واحد منهما لتلك المسافة، ووجود أي خلل بين معادلة الأخذ والعطاء، تفشل الحب أحيانا، وهناك أمر آخر، يغفل عنه الطرفان وهو فعل الزمن، ينسى كل واحد منهما هذا الفعل المهم الذي يحدد المسار، وهذا التناسي هو الذي حدث بين واد جده وراجية. 

ـ في واد جده، اقتربت بدرجة ما من التاريخ، وتلك الطريقة استعملتها في أعمال أخرى لك، كسيرة الناطوري، وبيت العدة والكرباج، خلاف أعمالك المصبوغة بصبغة تاريخية واضحة كطقوق من مسد، ونفيسة البيضا، والبهيجي، هل هذه الطريقة تعد طقسا من طقوس الكتابة لديك؟ 

الأمر مع واد جده جاء طبيعيا، بدأ رحلته من خلال حدث تاريخي، فهو ابن شرعي لهذا الوضع التاريخي، وامتدت تأثيراته على حياته، فكان كسفينة في بحر متلاطم، تارة يقترب من النجاة، فتأخذه السياسة بعيدا، وتارة يجد نفسه عل الشاطئ فيجد نفسه في المتاهة بفعل سياسي ما. ربما طقوس الكتابة لدي مختلفة، فهي تخضع للكتابة نفسها، ولطريقة البحث التي أقوم بها، أؤمن بأنه لا اجبار في الكتابة، وحدها هي التي تختار وقتها، في اللحظة التي يريد فيها العالم الثالث الذي تحدثت عنه أنه يوجد، لا يعنيني المكان ولا الزمان، دائما أحمل دفتري وقلمي، أكتب في أي مكان وتحت أي ظرف، وكل هذا ينبع من حقيقة أنني لا أملك رفاهية الوقت.

ـ هذه القضايا تم مناقشتها في أعمال أدبية كثيرة، عربية وعالمية، ومن خلال تجربتك في السرد القصصي والروائي، أين نجن كعرب من الأدب العالمي؟ 

كل أدب ينتج في أي بقعة من العالم، هو في المقام الأول جزء من فكر العالم، وكما قلت الأفكار واحدة، هذا صحيح، لكن التباين في زاوية الرؤية والتي تختلف من مكان لمكان، ومن أديب لأديب هي التي تحدد مكانتنا، وخصوصا تلك النظرة التي توجد عالما محليا بأفكار كونية، مفهومة وقادرة على الحياة لدى الأمم الأخرى. وما دمنا من أصل واحد، فمن المفيد أن نختلف في درجة الرؤية، لكل واحد رؤيته من واقعه المعاش، تحمل تميزه، فيمكنك أن تلمس الأفكار الكونية، من خلال رائحة ومذاق وملمس يرتبط بحياة وببيئة الكاتب متى اجتمع فكره مع صدق الكتابة. 

ـ وكيف تقيم أدبنا العربي المعاصر؟ 

لدينا كتاب لا تقل موهبتهم عن كتاب العالم، فنحن نعيش في جزء من الكوكب الأرضي أقل حدث يحدث فيه يؤثر على العالم، وربما نحن في حاجة لترجمة تهتم بنقل الكتابة التي تعبر عنا بعيدا عن أي علاقات شخصية، وهذا الأمر هو القادر على نقل ما لدينا من أدب، حركة الترجمة نشيطة في الجانب الآخر، نقل أدب الشعوب الأخرى، أما أدبنا فمتروك للعلاقات والصداقات، وهذا الأمر لا ينقل الصورة الصحيحة لمنتج كبير وضخم. 

المصدر: البوابة نيوز

كلمات دلالية: رواية واد جده من خلال کل واحد

إقرأ أيضاً:

تعرّف على المنظمة التي تلاحق مجرمي الحرب الإسرائيليين بجميع أنحاء العالم

نشر موقع "موندويس" الأمريكي، تقريرًا، سلّط فيه الضوء على مؤسسة "هند رجب" التي تأسّست عقب استشهاد الطفلة هند رجب في غزة، بقصف للاحتلال الإسرائيلي، مبرزا أنها تسعى لمحاكمة الجنود الإسرائيليين المتّهمين بارتكاب جرائم حرب ضد الفلسطينيين، مستندة إلى أدلة تشمل منشوراتهم على مواقع التواصل الاجتماعي.

وأوضح التقرير الذي ترجمته "عربي21"، أنّ: "الطريقة التي قُتلت بها الطفلة هند رجب مروعة؛ حيث وُجدت بالمقاعد الخلفية من سيارة محطمة، على بعد أمتار من دبابة ميركافا إسرائيلية"، مضيفا: "وُجدت عمتها وعمها مقتولين في المقعدين الأماميين، وأربعة من أبناء عمومتها ينزفون بجانبها".

وتابع: "كانت تتوسل لموظفة فلسطينية على الطرف الآخر من خط هاتف خلوي، وتبكي خوفا، ثم في لمح البصر، تمزقت لأشلاء بوابل طلقات الرشاشات الإسرائيلية"، مردفا: "استشهدت هند رجب قبل سنة، وكانت في السادسة من عمرها، والآن تسعى المؤسسة التي تحمل اسمها إلى تحقيق العدالة".

"ليس فقط من أجل هند، ولكن من أجل عدد لا يحصى من الفلسطينيين الذين قتلتهم إسرائيل في انتهاك للقانون الدولي" بحسب التقرير نفسه.


ملاحقة الجنود كأفراد
أضاف الموقع أن المؤسسة لا تلاحق دولة الاحتلال الإسرائيلي، بل تتبع نهجًا مختلفًا بملاحقة الجنود الإسرائيليين كأفراد. وحدّدت المؤسسة التي تتخذ من بروكسل مقرًا لها، في ملف قدمته إلى المحكمة الجنائية الدولية، في لاهاي، في 8 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، هويّة ألف جندي إسرائيلي تعتقد أنه يجب على المحكمة مقاضاتهم.

وأبرز التقرير: "استنادًا إلى 8000 دليل، بما في ذلك منشورات الجنود أنفسهم على مواقع التواصل الاجتماعي من غزة المدمرة"، مشيرا إلى أنه: "من الممارسات التي تباهى بها المجنّدون والضباط الإسرائيليون على فيسبوك وإنستغرام وسناب شات وتيك توك وتلغرام وغيرها: القصف العشوائي".

"القتل المتعمد للمدنيين، بمن فيهم العاملون بالمجال الطبي والصحفيون والمدنيون الذين يلوحون بالرايات البيضاء؛ والتدمير الوحشي للمنازل والمستشفيات والمدارس والأسواق والمساجد؛ والتجويع القسري والنهب" أبرز التقرير ما كان يتباهى به المجنّدون والضباط الإسرائيليون.

وأوضح محامي المؤسسة هارون رضا، أنّ: "مؤسسة هند رجب تراقب جرائم الحرب الإسرائيلية في غزة منذ كانون الأول/ ديسمبر 2023، بمساعدة شبكة من النشطاء والمحامين حول العالم"، مضيفا أنّ: "المؤسسة لديها شبكة كبيرة جدًا من المحققين في الداخل والخارج".

وتركز المؤسسة، وفق المحامي نفسه، على حسابات مواقع التواصل الاجتماعي للجنود الذين خدموا في غزة منذ بدء الحرب، قبل خمسة عشر شهرًا، ويقول هارون إنّ: "جميع هؤلاء الجنود لديهم حسابات على التواصل الاجتماعي، وكان العديد منهم يضعون صورًا جماعية ويُظهرون أماكنهم وممارساتهم خلال الحرب".

إلى ذلك، تقوم المؤسسة بتوثيق التواريخ والأوقات والمواقع في غزة، ثم تقارنها مع منشورات أخرى للجنود، سواء مقاطع الفيديو أو الصور.


توثيق الجرائم
ذكر الموقع أن القادة العسكريين الإسرائيليين أمروا الجنود بالتوقف عن التباهي بجرائمهم خوفًا من تعرضهم للاعتقال أو الملاحقة القضائية أثناء سفرهم إلى الخارج.

وقال هارون رضا إنّ: "قيادة الجيش لم تطلب من جنودها رسميًا التوقف عن ارتكاب جرائم الحرب، لكنهم طلبوا منهم التوقف عن نشر تلك الممارسات على مواقع التواصل الاجتماعي، وهذا يعني أن القادة يعرفون ما يفعله الجنود ولا يشعرون بالخجل من ذلك، لكنهم لا يريدون أن يتورط الجنود في أي ملاحقات قضائية".

وأضاف رضا أنه: "من المثير للاهتمام أنهم بدأوا يحذفون كل المنشورات، لكنهم لا يعلمون أن الإنترنت له ذاكرة طويلة وأنه كان هناك ما يكفي من الوقت لتوثيق الجرائم"، مؤكدا أن "المؤسسة لديها قاعدة بيانات ضخمة من المعلومات التي تم التحقق منها أكثر من مرة، وتلك البيانات تشكل أدلة لرفع قضايا ضد الجنود المتورطين".

واسترسل: "من بين ألف جندي وردت أسماؤهم في ملف مؤسسة هند رجب للمحكمة الجنائية الدولية، مجموعة من الضباط والقادة، بما في ذلك ثلاثة وثلاثون جنديًا يحملون الجنسية الإسرائيلية وجنسية أخرى، ومنهم أكثر من عشرة جنود من فرنسا والولايات المتحدة، وأربعة من كندا، وثلاثة من المملكة المتحدة، واثنان من هولندا".

إثر ذلك، أرسلت المؤسسة، قائمة بأسماء الجنود الإسرائيليين إلى عشر دول مختلفة يعتبرها الجنود الإسرائيليون وطنهم الأم، أو يتّجهون إليها بعد انتهاء خدمتهم العسكرية، وهي دول تمارس الولاية القضائية العالمية على أخطر الجرائم الدولية.

وأوضح رضا أنّ: "المؤسسة تقوم بالتحقق من المناطق التي يسافر إليها الجنود المتورطون، ومن نمط الرحلات الجوية الأكثر شيوعًا، ثم رفع قضايا بحقهم"؛ موضحا أنه: "تم تقديم شكاوى في النمسا وألمانيا وإسبانيا وإيطاليا والسويد وتايلاند والإكوادور".

واعتبر رضا أنه: "رغم فشل العديد من محاولات الاعتقال بعد أن تم إبلاغ الجنود بأنهم ملاحقون ونجحوا في الفرار، فإن نجاح عملية الاعتقال مسألة وقت فحسب".

وتستهدف المؤسسة أيضًا المتواطئين والمحرضين على جرائم حرب الاحتلال الإسرائيلي على كامل قطاع غزة، ومن بين هؤلاء جمهور فريق "مكابي تل أبيب" لكرة القدم، الذين قاموا بأعمال شغب بأمستردام في الخريف الماضي، وحاخام ينتمي للواء جفعاتي الإسرائيلي، تفاخر بتدمير أحياء كاملة في غزة، وأيّد قصف المدنيين الفلسطينيين.



شعور زائف بالأمان
أضاف رضا بأن "الجنود الإسرائيليين أصبحوا مثل مجرمي الحرب النازيين الذين هربوا إلى باراغواي أو كندا أو أوروبا وكان لديهم شعور زائف بالأمان"، مؤكدا أن "المؤسسة تتعقبهم وتستطيع مقاضاتهم في حال الذهاب إلى أي دولة ذات اختصاص قضائي عالمي أو أي دولة توافق على ملاحقتهم قضائيًا".

ويعتقد هارون أن "المسؤول عن قتل هند رجب سيمثل أمام العدالة، لأن جرائم الحرب أو الجرائم ضد الإنسانية لا تسقط بالتقادم عندما تكون هناك ولاية قضائية عالمية، وهذا يعني أنه حتى لو تم اكتشاف المسؤولين عن الجريمة بعد عشرين سنة، سوف تتمكن المؤسسة من ملاحقتهم".

إلى ذلك، خلص التقرير بأنّ: "القائمون على المؤسسة بأنهم لن يرتاحوا حتى ينالوا من جميع مرتكبي جرائم الحرب في غزة، بمن فيهم المسؤولون عن مقتل هند رجب".

مقالات مشابهة

  • عاجل | رئيس بنما: قناة بنما ستبقى تحت إدارتنا ولم أشعر خلال لقائي الوزير روبيو بأن هناك تهديدا لذلك
  • «أم كلثوم» في «حوار افتراضي»: القرآن له الفضل في تحسين مخارج ألفاظي
  • مصطفى بيومي.. رحل راهب الأدب الذي طالما أهتم بـ"ملح الأرض"
  • أسرار التطبيق الصيني الذي أودى بأسهم أكبر شركات التكنولوجيا في العالم
  • عبدالمنعم سعيد يكشف أبرز التحديات التي تواجه الحكومة.. وهذه حقيقة مشروع التوريث - (حوار)
  • يوميات جراح في غزة.. شهادة على الإبادة.. كتاب جديد
  • منتخب ناشئي التايكوندو يبدأ معسكره التدريبي استعدادًا لبطولة العالم بالإمارات
  • مصانع العقول: الجامعات التي تغير العالم – الحلقة 2
  • تعرّف على المنظمة التي تلاحق مجرمي الحرب الإسرائيليين بجميع أنحاء العالم
  • بمعرض الكتاب| «جولة البطل الصغير».. كتاب جديد لـ مصطفى غنايم