إن السودان اليوم يقف أمام مفترق طرق خطير، حيث يتهدد شبح التقسيم وحدة البلاد وسط صراع محتدم لم يرحم أحدًا، لا من انحاز لهذا الفصيل ولا من وقف في صف ذاك، ولا حتى أولئك الذين التزموا الحياد وظنوا أنهم بمنأى عن المحاسبة التاريخية. إن هذا الوضع الاستثنائي الذي تمر به البلاد سيحاكم الجميع، السياسيين الذين دعموا الحكومة الموازية، وأولئك الذين سعوا لشق الصف الوطني، وحتى من صمتوا عن قول الحق بينما كانت البلاد تتهاوى نحو الهاوية.



التجربة السودانية والانفصال الذي لم يكن درسًا كافيًا

لم يتعظ السودانيون من تجربة انفصال الجنوب في عام 2011، وهو الحدث الذي لا يزال يلقي بظلاله على مستقبل السودان السياسي والاقتصادي والاجتماعي. ففي ذلك الوقت، ظن كثيرون أن الجنوب سينفصل دون أن تتأثر بقية البلاد، وأن استقرار السودان سيظل مضمونًا، لكن الحقيقة جاءت بعكس ذلك. فقد أدى الانفصال إلى تدهور اقتصادي حاد، وفتح الباب أمام مزيد من الأزمات السياسية والأمنية، وأصبح السودان أضعف مما كان عليه.

واليوم، وبعد أكثر من عقد على ذلك الحدث، نجد أنفسنا في مواجهة تحدٍّ مشابه، وربما أشد خطورة، إذ تتكرر السيناريوهات نفسها، من النزاعات المسلحة، إلى التدخلات الخارجية، إلى صمت النخب التي كان يجب أن تكون صوت العقل والحكمة.

أمثلة تاريخية من العالم: كيف ضاعت الدول بسبب الانقسامات؟

إن التاريخ الحديث مليء بأمثلة لدول تفككت بسبب الصراعات الداخلية، ولم تعد كما كانت بعد ذلك:

تفكك يوغوسلافيا: كان هذا البلد موحدًا لعقود، لكن الحروب الأهلية والانقسامات العرقية والسياسية قادت إلى انهياره وتفتيته إلى دول صغيرة، بعضها لم ينجُ من الحروب حتى بعد الاستقلال.

تفكك الاتحاد السوفيتي: رغم كونه قوة عظمى، إلا أن الصراعات الداخلية والضعف السياسي ساهم في انهياره إلى مجموعة دول مستقلة، مما أدى إلى تغير جذري في الخارطة السياسية العالمية.

سوريا وليبيا واليمن: لم تنقسم رسميًا، لكنها تحولت إلى كيانات متصارعة ضمن الدولة الواحدة بسبب الحروب الأهلية والتدخلات الخارجية.

المسؤولية الأخلاقية والوطنية على النخب والمثقفين

من الغريب أن نرى بعض ممن يدّعون المعرفة والعلم يسيرون في طريق يهدد وحدة السودان، وكأنهم لم يدركوا دروس التاريخ. إنهم يتحملون مسؤولية أخلاقية جسيمة لأنهم لم يستغلوا مكانتهم في توجيه الرأي العام نحو الحلول التي تحفظ البلاد من التفكك. إن الانحياز الأعمى لأي طرف على حساب مصلحة الوطن، أو الصمت في اللحظات التي تتطلب موقفًا واضحًا، ليس مجرد خطأ سياسي، بل هو جريمة تاريخية لن تُمحى من ذاكرة الأجيال القادمة.

هذا التخوف لم يأتِ من فراغ، بل هو نتيجة قراءة متأنية لواقع مأزوم، تشكل عبر عقود من الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية. إن عقلية النخب التي قادت البلاد لم تكن يومًا بعيدة عن النزعات العنصرية والجهوية، حيث ظل تكالبها على السلطة والثروة هو المحرك الأساسي لصراعات السودان المتكررة. لم يكن هدفها بناء دولة عادلة للجميع، بل كانت ترى في البلاد غنيمة تُقسَّم بين مكوناتها المتصارعة، غير آبهة بمصير العامة والبسطاء الذين دفعوا وحدهم ثمن هذه النزاعات من دمائهم وأرزاقهم وأحلامهم.

إن هذه النخب لم تكتفِ بإشعال الفتن، بل استغلت بساطة الناس وجهلهم السياسي لتجنيدهم في معارك لا ناقة لهم فيها ولا جمل، بينما تظل قياداتها في مأمن، تتفاوض وتتقاسم النفوذ على حساب الوطن والمواطن. هذا الواقع، بكل تعقيداته، يجعل من خطر التقسيم تهديدًا حقيقيًا، وليس مجرد فرضية نظرية أو دعاية تخويفية، لأن البلاد تسير بالفعل نحو سيناريوهات مشابهة لما حدث في دول فقدت وحدتها بسبب الطمع السياسي والفساد الفكري لنخبها.

التحدي الذي يواجه الجميع: هل سيكتب التاريخ خيانة هذا الجيل لوطنه؟

إن السودان اليوم في اختبار حقيقي، والجميع معنيٌّ بالنتائج. فإذا استمرت البلاد في هذا المسار، فسيكتب التاريخ بأحرف من خزي أن هذا الجيل لم يكن على قدر المسؤولية، وأن قادته لم يرتقوا لمستوى الأخلاق والإنسانية والوطنية التي تتطلبها هذه المرحلة الحرجة.

إن الصمت ليس خيارًا، والانحياز الأعمى ليس حلًا، والوقوف ضد المصلحة الوطنية لا يمكن تبريره. الخيار الوحيد هو الانتصار لوحدة السودان، والعمل على إنهاء النزاع، وتوحيد الجهود لإنقاذ البلاد قبل فوات الأوان.

zuhair.osman@aol.com  

المصدر: سودانايل

إقرأ أيضاً:

عبد العزيز الحلو: «سلطة بورتسودان» عاجزة وتمنع الإغاثة عن المواطنين

 

أكد رئيس الحركة الشعبية لتحرير السودان – شمال، عبد العزيز الحلو، أن ما وصفها بـ «السلطة في بورتسودان»، عاجزة عن القيام بواجباتها تجاه المواطنين، وقال إنها لا تبدي أي حساسية تجاه معاناة الشعب، كما أنها تمنع وصول الإغاثة للمحتاجين.

التغيير ـــ وكالات

وأضاف الحلو في مقابلة مع قناة «سكاي نيوز عربية» أن السلطة القائمة طبعت عملة جديدة لكنها تغطي جزءًا فقط من البلاد، مما يفاقم الأزمة الاقتصادية.
وأوضح أن حركته تسعى لبناء سودان جديد قائم على العدل والحرية والمساواة، ليكون وطنًا يسع الجميع، مؤكدًا أن هذه المبادئ تشكل اللبنة الأولى لمستقبل السودان.

كما دعا الحلو ما وصفها بـ «سلطة بورتسودان» إلى الاستماع إلى صوت الحق والعدل والانضمام لمسيرة السلام، مشددًا على أن حركته تسعى إلى إرساء اتفاق يقود إلى سلام عادل.

وطالب جميع القوى السياسية، بما في ذلك قائد الجيش عبد الفتاح البرهان، بالانضمام إلى هذا الاتفاق لإنهاء صوت السلاح في البلاد.

وأكد الحلو أن العمل سيبدأ بهذه الوثائق تمهيدًا لتحقيق السلام الدائم والاتفاق مع القوى السياسية، بما في ذلك سلطة بورتسودان، مشيرًا إلى أنه بعد تحقيق السلام، يمكن التفكير في إنشاء جيش وطني جديد يوحد البلاد تحت راية واحدة.

الوسومالاتفاق السياسي البرهان حكومة بورتسودان عبدالعزيز الحلو

مقالات مشابهة

  • مولانا احمد ابراهيم الطاهر يكتب: الجمهورية السودانية الثانية
  • عبد العزيز الحلو: «سلطة بورتسودان» عاجزة وتمنع الإغاثة عن المواطنين
  • الخرطوم تتهم كينيا بتهديد وحدة السودان بسبب استضافة اجتماعات لقادة الدعم السريع
  • جائحة مؤامرونا التي تجتاح السودانيين
  • هل تخلى الحلو عن مشروعه السياسي أم وجد ضالته في مشروع تقسيم البلاد
  • الهزيمة العسكرية هي التي أدت إلى أن يتواضع آل دقلو للجلوس مع عبد العزيز الحلو
  • تصريح صحفي من الحزب الشيوعي السوداني حول محاولات تشكيل حكومة موازية
  • مستشار حكومي: الحكومة تسعى لإكمال مليون وحدة سكنية
  • حالة المجاعة فى البلاد ومستقبل الحرب