نحن مع التغيير العادل، ولكن ضد التفريط في وحدة السودان
تاريخ النشر: 22nd, February 2025 GMT
إن السودان اليوم يقف أمام مفترق طرق خطير، حيث يتهدد شبح التقسيم وحدة البلاد وسط صراع محتدم لم يرحم أحدًا، لا من انحاز لهذا الفصيل ولا من وقف في صف ذاك، ولا حتى أولئك الذين التزموا الحياد وظنوا أنهم بمنأى عن المحاسبة التاريخية. إن هذا الوضع الاستثنائي الذي تمر به البلاد سيحاكم الجميع، السياسيين الذين دعموا الحكومة الموازية، وأولئك الذين سعوا لشق الصف الوطني، وحتى من صمتوا عن قول الحق بينما كانت البلاد تتهاوى نحو الهاوية.
التجربة السودانية والانفصال الذي لم يكن درسًا كافيًا
لم يتعظ السودانيون من تجربة انفصال الجنوب في عام 2011، وهو الحدث الذي لا يزال يلقي بظلاله على مستقبل السودان السياسي والاقتصادي والاجتماعي. ففي ذلك الوقت، ظن كثيرون أن الجنوب سينفصل دون أن تتأثر بقية البلاد، وأن استقرار السودان سيظل مضمونًا، لكن الحقيقة جاءت بعكس ذلك. فقد أدى الانفصال إلى تدهور اقتصادي حاد، وفتح الباب أمام مزيد من الأزمات السياسية والأمنية، وأصبح السودان أضعف مما كان عليه.
واليوم، وبعد أكثر من عقد على ذلك الحدث، نجد أنفسنا في مواجهة تحدٍّ مشابه، وربما أشد خطورة، إذ تتكرر السيناريوهات نفسها، من النزاعات المسلحة، إلى التدخلات الخارجية، إلى صمت النخب التي كان يجب أن تكون صوت العقل والحكمة.
أمثلة تاريخية من العالم: كيف ضاعت الدول بسبب الانقسامات؟
إن التاريخ الحديث مليء بأمثلة لدول تفككت بسبب الصراعات الداخلية، ولم تعد كما كانت بعد ذلك:
تفكك يوغوسلافيا: كان هذا البلد موحدًا لعقود، لكن الحروب الأهلية والانقسامات العرقية والسياسية قادت إلى انهياره وتفتيته إلى دول صغيرة، بعضها لم ينجُ من الحروب حتى بعد الاستقلال.
تفكك الاتحاد السوفيتي: رغم كونه قوة عظمى، إلا أن الصراعات الداخلية والضعف السياسي ساهم في انهياره إلى مجموعة دول مستقلة، مما أدى إلى تغير جذري في الخارطة السياسية العالمية.
سوريا وليبيا واليمن: لم تنقسم رسميًا، لكنها تحولت إلى كيانات متصارعة ضمن الدولة الواحدة بسبب الحروب الأهلية والتدخلات الخارجية.
المسؤولية الأخلاقية والوطنية على النخب والمثقفين
من الغريب أن نرى بعض ممن يدّعون المعرفة والعلم يسيرون في طريق يهدد وحدة السودان، وكأنهم لم يدركوا دروس التاريخ. إنهم يتحملون مسؤولية أخلاقية جسيمة لأنهم لم يستغلوا مكانتهم في توجيه الرأي العام نحو الحلول التي تحفظ البلاد من التفكك. إن الانحياز الأعمى لأي طرف على حساب مصلحة الوطن، أو الصمت في اللحظات التي تتطلب موقفًا واضحًا، ليس مجرد خطأ سياسي، بل هو جريمة تاريخية لن تُمحى من ذاكرة الأجيال القادمة.
هذا التخوف لم يأتِ من فراغ، بل هو نتيجة قراءة متأنية لواقع مأزوم، تشكل عبر عقود من الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية. إن عقلية النخب التي قادت البلاد لم تكن يومًا بعيدة عن النزعات العنصرية والجهوية، حيث ظل تكالبها على السلطة والثروة هو المحرك الأساسي لصراعات السودان المتكررة. لم يكن هدفها بناء دولة عادلة للجميع، بل كانت ترى في البلاد غنيمة تُقسَّم بين مكوناتها المتصارعة، غير آبهة بمصير العامة والبسطاء الذين دفعوا وحدهم ثمن هذه النزاعات من دمائهم وأرزاقهم وأحلامهم.
إن هذه النخب لم تكتفِ بإشعال الفتن، بل استغلت بساطة الناس وجهلهم السياسي لتجنيدهم في معارك لا ناقة لهم فيها ولا جمل، بينما تظل قياداتها في مأمن، تتفاوض وتتقاسم النفوذ على حساب الوطن والمواطن. هذا الواقع، بكل تعقيداته، يجعل من خطر التقسيم تهديدًا حقيقيًا، وليس مجرد فرضية نظرية أو دعاية تخويفية، لأن البلاد تسير بالفعل نحو سيناريوهات مشابهة لما حدث في دول فقدت وحدتها بسبب الطمع السياسي والفساد الفكري لنخبها.
التحدي الذي يواجه الجميع: هل سيكتب التاريخ خيانة هذا الجيل لوطنه؟
إن السودان اليوم في اختبار حقيقي، والجميع معنيٌّ بالنتائج. فإذا استمرت البلاد في هذا المسار، فسيكتب التاريخ بأحرف من خزي أن هذا الجيل لم يكن على قدر المسؤولية، وأن قادته لم يرتقوا لمستوى الأخلاق والإنسانية والوطنية التي تتطلبها هذه المرحلة الحرجة.
إن الصمت ليس خيارًا، والانحياز الأعمى ليس حلًا، والوقوف ضد المصلحة الوطنية لا يمكن تبريره. الخيار الوحيد هو الانتصار لوحدة السودان، والعمل على إنهاء النزاع، وتوحيد الجهود لإنقاذ البلاد قبل فوات الأوان.
zuhair.osman@aol.com
المصدر: سودانايل
إقرأ أيضاً:
مبعوث الأمم المتحدة يحذر: الوضع "المزري" في جنوب السودان ينذر بتجدد الحرب الأهلية
وقال رئيس بعثة حفظ السلام في البلاد إنه يجب على الرئيس سلفا كير ونائب الرئيس رياك مشار وضع مصالح شعب جنوب السودان في المقام الأول.
حذر نيكولاس هايسوم، الممثل الخاص للأمم المتحدة ورئيس بعثة حفظ السلام في جنوب السودان، من أن البلاد تواجه خطر الانزلاق مجددًا نحو حرب أهلية، وذلك في أعقاب قرار الحكومة المفاجئ تأجيل الجولة الأخيرة من محادثات السلام.
وفي تصريح أدلى به يوم الاثنين 24 آذار/ مارس، وصف هايسوم الوضع الحالي في البلاد بأنه "مزرٍ"، مشيرًا إلى أن الجهود الدولية الرامية لدعم السلام والاستقرار لن تؤتي ثمارها إلا إذا أظهر الرئيس سلفا كير ونائبه رياك مشار استعدادًا حقيقيًا للمشاركة بشكل بناء.
وشدد المسؤول الأممي على ضرورة أن يضع القائدان مصالح الشعب فوق مصالحهما الشخصية لتحقيق السلام المستدام.
وحصل جنوب السودان، أصغر دولة في العالم، على استقلاله عن السودان في عام 2011 بعد عقود من الصراع الطويل والمعقد. ومع ذلك، لم يدم الاستقرار طويلاً، حيث انزلقت البلاد في ديسمبر 2013 إلى حرب أهلية مدمرة، تميزت بانقسامات عرقية عميقة. اشتبكت القوات الموالية للرئيس سلفا كير، الذي ينتمي إلى قبيلة الدينكا، مع أنصار نائبه رياك مشار، المنتمي إلى قبيلة النوي.
وأدى هذا الصراع المدمر إلى مقتل أكثر من 400,000 شخص وتشريد الملايين، قبل أن يتم توقيع اتفاقية سلام في عام 2018 بهدف وضع حد للعنف وإرساء الأساس لحكومة وحدة وطنية.
وعلى الرغم من هذه الجهود، تواجه البلاد تحديات مستمرة، حيث كان من المقرر إجراء الانتخابات في عام 2023، لكنها تأجلت مرتين بسبب الظروف السياسية والأمنية غير المستقرة. ومن المتوقع الآن أن تُجرى الانتخابات في عام 2026.
Relatedأوغندا تنشر قوات خاصة في جنوب السودان وسط تصاعد التوترات السياسية والعسكرية جنوب السودان على صفيح ساخن: الجيش يحاصر منزل نائب الرئيس ويعتقل حلفاءه.. بداية أزمة جديدة؟واشتعلت التوترات مؤخرًا في شمال جنوب السودان، حيث اندلعت مواجهات بين القوات الحكومية وميليشيا تُعرف باسم "الجيش الأبيض"، التي يُعتقد على نطاق واسع أنها متحالفة مع نائب الرئيس رياك مشار.
في 4 مارس/آذار، أفادت التقارير بأن الجيش الأبيض شن هجومًا على حامية عسكرية في مدينة الناصر، مما أثار ردًا حكوميًا قويًا. تضمن هذا الرد محاصرة مقر إقامة مشار في العاصمة جوبا، إلى جانب اعتقال عدد من حلفائه.
وفي حادثة لاحقة، تعرضت مروحية تابعة للأمم المتحدة كانت تقوم بمهمة إجلاء لجنود الحكومة في الناصر لإطلاق نار. أسفر الحادث عن سقوط عدد من القتلى، من بينهم جنرال من جنوب السودان، مما زاد من تعقيد الوضع الأمني المتدهور في المنطقة.
تصاعد التوترات السياسيةوحذّر نيكولاس هايسوم، الممثل الخاص للأمم المتحدة في جنوب السودان، من تصاعد التوترات والعنف مع اقتراب موعد الانتخابات، مشيرًا إلى أن المنافسة السياسية بين الخصمين التاريخيين، الرئيس سلفا كير ونائبه رياك مشار، قد تصبح أكثر حدة.
وأوضح، أن كير ومشار يفتقدان الثقة المتبادلة اللازمة لإظهار القيادة الحازمة التي تتطلبها عملية إنفاذ اتفاق السلام الموقع عام 2018، والتي من شأنها أن تقود البلاد نحو مسار مستقر وديمقراطي.
وتابع، "في ظل هذا الوضع القاتم، لم يعد أمامنا خيار سوى الاعتراف بأن جنوب السودان يقف على حافة العودة إلى الحرب الأهلية".
وأشار إلى أن أي انهيار جديد في الأمن سيؤدي إلى تكرار الكوارث الإنسانية التي شهدتها البلاد خلال أعوام 2013 و2016، عندما دمّر العنف المجتمعات المحلية وأسفر عن تشريد الملايين.
وفي إطار الجهود الرامية إلى تهدئة الأزمة المستمرة في جنوب السودان، تُجري بعثة الأمم المتحدة لحفظ السلام (UNMISS)، التي تضم نحو 18,000 فرد، سلسلة من المباحثات الدبلوماسية المكوكية المكثفة. وتتعاون البعثة بشكل وثيق مع الأطراف الدولية والإقليمية المعنية، بما في ذلك الاتحاد الأفريقي، بهدف تعزيز فرص السلام والاستقرار في البلاد.
وأكد نيكولاس هايسوم أن الرسالة الموحدة التي يتم توجيهها للرئيس سلفا كير ونائبه رياك مشار هي ضرورة الاجتماع مجددًا والتزامهما بمبادئ اتفاق السلام الموقع عام 2018. وأشار إلى أهمية الالتزام بوقف إطلاق النار، والإفراج عن المسؤولين المحتجزين، وحل الخلافات القائمة "عبر الحوار بدلاً من اللجوء إلى المواجهة العسكرية".
Go to accessibility shortcutsشارك هذا المقالمحادثة مواضيع إضافية فضيحة أمنية.. خطط عسكرية أمريكية ضد الحوثيين تصل إلى صحفي من "ذي أتلانتيك" عن طريق الخطأ تصعيد عسكري في الجنوب السوري: قتلى وجرحى بقصف إسرائيلي على بلدة كويا أوغندا تنشر قوات خاصة في جنوب السودان وسط تصاعد التوترات السياسية والعسكرية جنوب السودانسلفا كيرريك ماشار