كسرت سلسلة تسجيلات مصورة انتشرت عبر مواقع التواصل الاجتماعي حالة من الصمت لطالما خيّمت على مناطق الساحل السوري خلال سنوات الحرب الماضية، ورغم أن الكثير من السوريين أطلقوا العبارات التي احتوتها ورددوها مرارا، بدت مختلفة و"استثنائية" في شكلها الجديد، وفق مراقبين، سواء من خلفية من ظهر بها أو الأوساط التي كان تؤطر فيها سابقا.

واحدٌ من هذه التسجيلات تعود لأيمن فارس من مدينة بانياس الساحلية، ووجه فيه انتقادات وكلمات لاذعة استهدفت رأس النظام السوري، بشار الأسد، بقوله: "ماذا فعلت؟ أنت وزوجتك يا بشار الأسد أفقرتم الشعب وتهرّبون الأموال للخارج. سوريا كلها عبارة عن أفرع أمنية ورؤسائها يتحدثون بالقصور والمليارات.. وروح بلط البحر".

Posted by Ayman Fares on Saturday, August 19, 2023

لم تمض ساعات على التفاعل الذي أثاره هذا التسجيل حتى خرج الناشط السوري ماجد الدواي من محافظة اللاذقية، قائلا في بث مباشر عبر "فيس بوك": "أنت يا بشار الأسد أطلقت في 2011 شعار الله سوريا شعبي وبس.. لكنك منافق وكاذب"، مردفا: "نحن الآن في 2023 والبلد تتجه إلى ثورة كرامة جديدة".

ماجد دواي من قرية عرامو التابعة لناحية صلنفة #سترحل و #سنبقى

Posted by ‎التجمع الشبابي- حركة الشغل المدني‎ on Monday, August 21, 2023

وأضاف الداوي: "لن أصف الثورة الماضية بالعمالة ولكن سأختصر عليك (موجها حديثه للأسد) كل التهم التي تم توجيهها لثورة 2011 من عمالة وغيرها، لأنه لا يوجد الآن لا داعش ولا جبهة النصرة ولا عرعور آخر في السعودية يستنفر الشعب. الآن هناك حقيقة واحدة فقط هي أن (البلد قامت ورح نكسر راسك)"، وفق تعبيره.

ويأتي تعالي هذه "الأصوات والصرخات الاستثنائية"، حسب تعبير مراقبين وصحفيين تحدثوا لموقع "الحرة" في وقت تدخل فيه المحافظات السورية الخاضعة للنظام السوري أزمة معيشية غير مسبوقة، ووصلت آخر تداعياتها بتدهور سعر صرف الليرة إلى حد 16 ألف مقابل الدولار الأميركي الواحد.

كما تأتي في أعقاب قرارات أصدرتها حكومة النظام، وقضت برفع الدعم عن المحروقات، وهو ما انعكس على قطاع النقل، وأسفر عن حالة شلل كامل دفعت السكان في محافظتي درعا والسويداء للخروج بمظاهرات شعبية، وإعلان حالة "الإضراب العام".

متظاهرون يحتجون على قرار الحكومة السورية رفع أسعار المحروقات في السويداء

وما تزال المظاهرات و"الإضراب" يحكم مشهد السويداء في جنوب سوريا لليوم السادس على التوالي، في وقت لم يصدر أي تعليق من جانب النظام السوري بشأن الهتافات التي تعلو ضده، سواء في المحافظة المذكورة أو عبر مواقع التواصل من قبل أشخاص يحسبون على "الحاضنة الاجتماعية للأسد"، والموجودين في مناطق الساحل السوري.

"لن تخمد بسهولة"

وفي تسجيل ثان لأيمن فارس أشار إلى أن الأجهزة الأمنية حاولت اعتقاله بعدما هاجم الأسد، وعاد ليكرر القول يوم الاثنين: "بشار الأسد وزوجته هما المسؤولان عن إفقار الشعب"، معتبرا أن "المساعدات التي جاءت إلى مناطق الزلزال بيعت للتجار الكبار والمافيا وتم دفنها ورميها دون أن تحصل عائلات الشهداء على أي مساعدة".

من جهته أثنى ماجد الداوي عبر البث الذي نشره في "فيس بوك" على الحراك الحالي في مدينة السويداء، مؤكدا أن "مدن الساحل السوري ستنضم إلى الاحتجاجات، وستخلع بشار الأسد من السلطة".

واتبع الناشط أحمد إبراهيم إسماعيل من محافظة اللاذقية ذات المسار الانتقادي والهجومي عبر وسائل التواصل، قبل أيام، لكن الأمر كلفه الاعتقال على يد "فرع الأمن العسكري"، بحسب ما تحدثت ابنته في فيديو، وطالبت بأن "يتم تحويل الحادثة إلى قضية رأي عام، لتتمكن العائلة من الاطمئنان عليه، ومساعدته على تأمين أدويته وطعامه".

Posted by ‎أحمد ابراهيم اسماعيل‎ on Sunday, August 20, 2023

ومنذ عام 2011 كان ينظر إلى مناطق الساحل السوري بعين تشوبها الحساسية، ورغم أنها شهدت خروج مظاهرات شعبية في الأيام الأولى للثورة واعتقل ناشطون فيها، خفت صداها شيئا فشيئا، ولم تواكب الحالة التي شهدتها مدن سورية أخرى، كدرعا وحمص وإدلب وحلب وأرياف دمشق، وصولا إلى الشرق في دير الزور والرقة والحسكة.

وقدمت مناطق الساحل عدد لم يتم إحصاؤه من القتلى الذين انخرطوا في صفوف قوات النظام السوري، الأمر الذي دفع معارضين لوصفها واعتبارها بأنها "الخزان الأساسي ومركز الثقل الاجتماعي المؤيد للأسد".

ولذلك يرى صحفيون ومراقبون أن الصرخات الخارجة منها الآن "استثنائية ونادرة" لاعتبارات تتعلق بموقعها الخاص بالنسبة للنظام السوري أولا، والذي لم يكن كفيلا على مدى سنوات يإبعاد السكان فيها عن "حد الجوع والفقر" و"شبح فساد المنظومة الحاكمة".

ومن غير الواضح حتى الآن المسار الذي ستكون عليه هذه الانتقادات والعبارات اللاذعة ضد الأسد ومسرحها وسائل التواصل الاجتماعي، وما إذا كانت ستنعكس على الأرض، في ظل دعوات وجهها صحفيون من مناطق الساحل بأنفسهم، قبل أيام.

محتجون في السويداء يغلقون الطرقات احتجاجا على سياسات النظام السوري

كنان وقاف أحد هؤلاء الصحفيين كان قد اعتاد في أثناء وجوده بسوريا على انتقاد الفساد الكامن في الحكومة والسلطة، ما عرضه للاعتقال من قبل الأجهزة الأمنية لأكثر من مرة.

ويوضح وقاف في حديث مع موقع "الحرة" أن "الأصوات التي تخرج في الساحل السوري والذي يعتبر الخزان البشري الأهم والبيئة الخاضنة للنظام لا يمكن اعتبارها حالة فردية قام بها بعض الأشخاص فقط".

على العكس "هي حالة استياء عامة، بدليل حجم التأييد لها على منصات التواصل الاجتماعي والصفحات من الساحل السوري نفسه".

ويقول الصحفي: "يمكن وصف ما يحصل بكلمة استياء عام لم يرق ليصل إلى حالة ثورة. ولكنه ذو تأثير شديد الخطورة على النظام".

وتكمن هذه الخطوة بأن "الاستياء يهدد وجود النظام بمعنى الكلمة، لاعتبار أن أجهزة النظام القمعية تنحدر من هذه البيئة المستاءة".

. — فشة انتباه — ( خطة النظام ) النظام أوعز لمطبليه الفيسبوكيين مع...

Posted by Kenan Wakkaf on Tuesday, August 22, 2023

وفي حين "تبدو الأصوات التي تعلو فردية إلا أنها تعبر عن حالة عارمة من الاستياء، نتيجة الظروف الحياتية والمعيشية اليومية التي وصل إليها السوريون في مناطق سيطرة النظام السوري"، بحسب ما تقول المهندسة والناشطة الحقوقية، هنادي زحلوط.

وتوضح الناشطة لموقع "الحرة" أن "حالة الاستياء تتمثل بالضرورة بأصوات فردية نتيجة أجواء القمع المستمرة منذ عام 1970"، وأن هذه "الأجواء حولت سوريا لمملكة رعب، لكن سوء الأوضاع المعيشية دفعت الناس للصراخ".

#شاهد: من بلدة ملح التي تشهد انتفاضة اليوم الثلاثاء، حرة من حرائر البلدة: نحنا مش جوعانين، ومطالبنا سياسية pic.twitter.com/WL8FIlXvwK

— السويداء 24 (@suwayda24) August 22, 2023 "تغيّر كل شيء إلا الأسد"

وطوال 12 عاما لم يتبق في سوريا أي شيء على حاله، وبينما تدمرت معظم المحافظات السورية بفعل القصف والمعارك وقتل مئات الآلاف وتهجّر ونزح الملايين، بات من بقي على قيد الحياة في صدارة البيانات التي تصدرها الأمم المتحدة وبرنامج الغذاء العالمي عن "الجوع والفقر".

في المقابل بقي شيء وحيد لم يتغير، حسب سوريين وهو السياسة الخاصة بالنظام السوري سواء فيما يتعلق بالانخراط في الحل السياسي في البلاد أو على مستوى العقلية الأمنية التي يحكم من خلالها البلاد، منذ عقود.

وما يزال النظام السوري يتهرب من الخوض بمسارات الحل السياسي، وأبرزها ما ينص عليه القرار الأممي 2254، الصادر من مجلس الأمن في عام 2015، فيما استبعد رئيسه بشار الأسد مؤخرا في مقابلة تلفزيونية مع قناة "سكاي نيوز عربية" أي نية لترك الحكم.

واعتبر الأسد أن المظاهرات التي خرجت في 2011 "لم يتجاوز أفرادها في أحسن الأحوال مئة ألف ونيف وفي كل المحافظات السورية"، وقال إن "العدد الأكبر من الشعب يدعم القضايا التي يدعمها الرئيس".

وفي مارس الماضي كان "برنامج الأغذية العالمي" قال إن حوالي 12.1 مليون شخص في سوريا، أي أكثر من نصف عدد السكان، يعانون من انعدام الأمن الغذائي.

وتجعل هذه الأرقام من البلاد من بين البلدان الستة التي تعاني من أعلى معدلات انعدام الأمن الغذائي في العالم. ويتوقع مراقبون أن تزداد الأوضاع المعيشية سوءا، ولاسيما بعد القرارات الأخيرة التي رفعت الدعم عن المحروقات، ما انعكس على أسعار الكثير من السلع التي تحتاجها العوائل يوميا.

"لن تخمد بسهولة"

وكان الممثل السوري، بشار إسماعيل، قد انضم إلى موجة الانتقادات، ووجه سؤالا قاصدا فيه بشار الأسد في "فيس بوك": "ماذا تحتاج البلاد من الحاكم؟ - توفير المال العام للإنفاق على إصلاح شأن البلاد وشأن ساكنيها من الوجوه جميعا، وإدارة أحوال الناس جميعا بالعدل والإحسان وبأفضل السبل والوسائل، الاعتناء بتنمية البلاد عمرانيا، وحماية حدودها من الأعداء والطامعين بها".

وتابع: "هذا ما تحتاجه البلاد من الحاكم وهو الذي قال: الله سوريا شعبي وبس
ونحن ننتظر..."، ومن ثم أضاف نجله حسن في منشور منفصل: "وجبة العبد الأخيرة.. لحم سيّده".

ماذا تحتاج البلاد من الحاكم ؟؟؟ ١- توفير المال العام للإنفاق على إصلاح شأن البلاد وشأن ساكنيها من الوجوه جميعا ٢- إدارة...

Posted by ‎بشار اسماعيل‎ on Wednesday, August 16, 2023

ويرى الكاتب والناشط السياسي، بسام يوسف، أنه "من الطبيعي أن تخرج هكذا أصوات في الوقت الحالي"، ويعتقد أنها "ستتصاعد في المرحلة المقبلة، بسبب الحالة المأساوية التي وصلت إليها النسبة الساحقة من الشعب السوري، في مقدمتها أبناء الساحل".

ويقول يوسف لموقع "الحرة": "الحالة تدفع الناس لكي يصرخوا. أكثر المناطق فقرا هي الساحل، والصرخات التي تخرج منه هي انعكاس لموقف عام هناك يدور في نفوس الغالبية".

ورغم أن "الأصوات من الساحل لها أهمية استثنائية وما تزال فردية وغير منظمة" فإنها "تمثل الرأي العام"، وبالتالي تلقى ارتياح أو موافقة ضمنية من معظم الناس.

ويضاف إلى ذلك أنها "تكسر جدار الخوف"، ويرجح الكاتب يوسف أن "تكون متتالية وتجتاح مدن الساحل".

ومن الملاحظ أن "الحراك غير منظم وغير منضبط كما يدعي النظام السوري، فالأصوات التي انطلقت من الساحل كانت من مستويات ثقافية متعددة"، ويعتقد الصحفي وقاف أنها "لن تخمد بسهولة"، لاعتبار يتعلق بمستوى الانتقاد "الذي يطال منذ البداية رأس النظام".

"الأصوات تعبر عن انكشاف ادعاءات الأسد السابقة، وتكشف حجم الخديعة التي مارسها على بيئته الحاضنة ليزجهم في أتون حرب طاحنة جعلتهم يخسرون خيرة شبابهم".

ويضيف وقاف: "هذا ينبئ بتطور الحراك بشكل حتمي".

"مرحلة جديدة"

وتواصل الأوضاع في سوريا التدهور باتجاه "الأسوأ"، ولا توجد أي بوادر للحل السياسي أو ضوء في آخر النفق، وكذلك الأمر بالنسبة للوضع المعيشي، الذي وصل إلى مستويات "خطيرة"، حسب منظمات دولية.

وكان الأسد وزوجته أسماء قد اعتادوا خلال السنوات الماضية إجراء زيارات إلى مدن وقرى وبلدات الساحل السوري ذات الغالبية العلوية، ووجهوا سلسلة رسائل مؤخرا تتعلق بالوضع المعيشي، والعمل من أجل تحسينه.

لكن لم يترجم ذلك على الأرض، وعلى العكس جاءت القرارات الأخيرة برفع الدعم وما تلاها من شلل حالة النقل والتهاب الأسعار، لتزيد من حالة الانسداد على نحو أكبر،  فيما أسفرت عن انفجار شعبي تتصدره الآن مدينة السويداء، ذات الغالبية الدرزية.

وتعتقد الناشطة، هنادي زحلوط، أن "الحراك الذي يبنى من تسجيلات معينة ويثير جدلا سياسيا داخل وخارج سوريا سيتحول بالضرورة إلى حراك حقيقي، لأن عجلة التاريخ والصيرورة التاريخية تمضي للأمام دائما".

وتقول: "الناس في الفترة الأولى بحاجة إلى التنفيس عن الواقع والحديث عن المعاناة، ومن ثم هناك درجة من الوعي لتشخيص المشكلة وأسباب الجوع والغلاء".

حالة من الغضب بسبب تضييق النظام السوري على المواطنين في البلاد

"الناس يتحدثون عن النظام في دمشق بأنه سبب الأزمة على كل المستويات، والسوريون في الداخل على ثقة أنهم سيخرجوا بحلول تناسب وضع البلد وخصوصيته وتاريخيه".

وتضيف الناشطة: "تعلمنا من التجربة السورية أنه لا يمكن التنبؤ بكيف ستسير الأمور، لكني لدي رهان على السوريين الذين خاضوا تجربة قاسية لم يخضها أي شعب منذ الحرب العالمية الثانية".

وتتابع: "السوريون اختبروا كل القناعات والأفكار، ووصلوا في الداخل والخارج إلى قناعة أنه يجب العمل معا من أجل مستقبل بلد لا يمكن العيش فيه دون النهج التشاركي"، وأنه "لا يمكن أن تقوم سوريا دون المشاركة من الجميع وبأفكار وجهد الجميع".

ويوضح الكاتب السوري يوسف أن "النقطة الأهم في الوقت الحالي هي ضرورة تنظيم هذا الجهد وعدم تركه بشكل فردي"، في إشارة منه إلى الأصوات المنتقدة لسلطة الأسد في الساحل.

ويضيف أن "كل الأصوات تنطلق من هدف واحد ولو أنها غير منسقة، وقد يكون التنسيق مرحلة تالية سيكون للنخب السياسية والثقافية دورا وأهمية فيها".

"السوريون في كل البلاد وخاصة في مناطق سيطرة النظام والساحل في مرحلة جديدة، ويجب عليهم دراستها بدون انفعال وبهدوء"، ويتابع الكاتب السوري: "يوجد بناء شعبي يتزامن مع بدء انهيار النظام، ويجب على كل السوريين المساعدة في تأسيسه في المرحلة المقبلة".

المصدر: الحرة

كلمات دلالية: النظام السوری مناطق الساحل بشار الأسد من الساحل البلاد من لا یمکن

إقرأ أيضاً:

ما الرسائل التي حملها ممثل الرئيس الروسي للجزائر؟

الجزائر– حملت زيارة نائب وزير الخارجية والممثل الخاص للرئيس الروسي للشرق الأوسط وأفريقيا ميخائيل بوغدانوف إلى الجزائر دلالات عدة عن طبيعة العلاقات الثنائية بين البلدين، خاصة مع ظهور مؤشرات توتر غير معلن خلال الأشهر الماضية على خلفية وجود قوات فاغنر الروسية ونشاطها في مالي.

ووصف بوغدانوف علاقات بلاده بالجزائر بالجيدة وعلى مستوى إستراتيجي، مؤكدا أن اللقاء الذي جمعه رفقة نائب وزير الدفاع الروسي إيونوس بيك إيفيكوروف، بالرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، ورئيس أركان الجيش الفريق أول السعيد شنقريحة، ووزير الخارجية أحمد عطاف، لم يناقش فقط العلاقات الثنائية بل الأحوال في المنطقة ومنطقة الساحل إلى جانب تبادل الرؤى والنصائح، مشيرا إلى استعداد روسيا لمواصلة اللقاءات والتعاون مع الجزائر بما في ذلك النقاش السياسي.

وتأتي زيارة المسؤول الروسي إلى الجزائر بالتزامن مع تقارير إعلامية حول سحب روسيا عتاد عسكري متطور من قواعدها في سوريا ونقله إلى ليبيا بعد أيام من سقوط نظام الرئيس بشار الأسد، وعقب تجديد الجزائر دعوتها بمجلس الأمن إلى انسحاب القوات الأجنبية والمقاتلين والمرتزقة الذين يفاقم وجودهم حدة التوترات ويهدد سيادة ليبيا.

الجانبان الجزائري والروسي ناقشا العلاقات الثنائية وعددا من الملفات الإقليمية والدولية (الخارجية الجزائرية) تنشيط بعد فتور

يقول أستاذ العلاقات الدولية والخبير في القضايا الجيوسياسية محمد عمرون إن زيارة ممثل الرئيس الروسي إلى الجزائر تُعد "مهمة" إذا ما وضعت في سياقها الإقليمي والدولي الذي يشهد عدة تطورات، منها سقوط نظام الأسد، والأوضاع في غزة، والحرب الأوكرانية الروسية المتواصلة، إلى جانب الوضع المتأزم في منطقة الساحل الأفريقي.

ويؤكد عمرون، في حديثه للجزيرة نت، أن الزيارة تعد مهمة أيضا بالنسبة للعلاقات الثنائية بين البلدين كونها اتسمت بالفتور الأشهر الماضية لاعتبارات عديدة، من بينها وجود قوات فاغنر الروسية في شمال مالي.

وتطرق إلى العلاقات التاريخية التقليدية بين الجزائر وروسيا في جميع المستويات السياسية والدبلوماسية وحتى العسكرية، مما يجعل روسيا "بحاجة إلى التشاور مع شركائها الموثوقين مثل الجزائر بخصوص التطورات في سوريا، وهو ما سيرفع حالة البرودة والفتور عن العلاقات الجزائرية الروسية".

إعلان

واعتبر أن انعقاد الدورة الرابعة للجنة المشتركة الجزائرية الروسية فرصة لترميم الثقة بين الجانبين بعد فترة من الفتور، والتباحث حول واقع منطقة الساحل، ورفع التنسيق والتشاور وتبادل الرؤى في ما يتعلق بمجمل الملفات.

رسائل وتوضيحات

وأشار أستاذ العلاقات الدولية والخبير في القضايا الجيوسياسية إلى أن ممثل الرئيس الروسي قد حمل دون شك مجموعة من الرسائل من الرئيس بوتين إلى الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، تضاف إلى قضايا التعاون وكيفية تقريب وجهات النظر، وتتعلق بتقديم تفسيرات وتوضيحات من الجانب الروسي، خصوصًا فيما يتعلق بمنطقة الساحل، والاستماع للرؤية الجزائرية في هذا السياق.

وبخصوص إذا ما حملت هذه الزيارة تطمينات للجزائر، يقول إن الجزائر أثبتت عدة مرات أنها قادرة على حماية أمنها القومي بنفسها، مما يجعل مسألة التطمينات الروسية فيها نوع من المبالغة.

وأشار إلى أن الجزائر لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تُستبعد من ترتيبات منطقة الساحل لاعتبارات كثيرة، كما أن الرؤية الجزائرية القائمة على ضرورة الحوار والتعاون، ورفض التدخلات العسكرية، ورفض اللجوء إلى القوة لحل الأزمات، تعتبر في كثير من الأحيان رؤية صائبة، مما يجعل روسيا مطالبة بالتنسيق بشكل أكبر مع الجزائر.

من جانبه، توقع الخبير في القضايا الجيوسياسية والأمنية وقضايا الهجرة، حسان قاسمي، أن يكون ملف فاغنر قد طوي نهائيا بعد ردود الفعل القوية للطرف الجزائري على نشاط القوات الروسية في مالي، مؤكدا أن روسيا بلد حليف للجزائر، ولو كان هناك عدم توافق في بعض الأحداث التي تطورت على حدود الجزائر.

قواعد روسية بليبيا

واعتبر قاسمي، في حديثه للجزيرة نت، أن الأخبار المتداول لوسائل إعلام غربية حول نقل القواعد العسكرية الروسية بسوريا إلى ليبيا هي محاولات مغرضة لنقل الصراع إلى ليبيا، لعدم وجود لتهديد مباشر للقواعد العسكرية الروسية في سوريا، مع إمكانية تطور الصراعات الجيوسياسية في المستقبل.

إعلان

ومع ذلك، اعتبر أن نقل روسيا المحتمل لقواعدها العسكرية من سوريا إلى ليبيا لا يمكن أن تشكل تهديدا لأمن الجزائر كونها ليست عدوا لها، مما يفرض التنسيق والتشاور مع الجزائر بالموضوع إلى جانب الأطراف الأخرى على غرار السلطة الليبية ومصر.

وقال الخبير حسان قاسمي إن التطورات التي حدث في مالي مع وجود قوات فاغنر الروسية هناك لا يمكن أن تتكرر في ليبيا.

ويرى المحلل السياسي علي ربيج أن موقف الجزائر واضح جدًا فيما يخص القواعد العسكرية في منطقة الساحل أو في منطقة المغرب العربي بشكل عام، كونها رفضت أن تكون هناك قواعد عسكرية على ترابها، أو في ليبيا أو تونس أو مالي، لتأثير مثل هذه التجارب على أمن البلدان بتحولها لمدخل مباشر للانتشار العسكري للقوات الأجنبية.

ويقول ربيج، في حديثه مع الجزيرة نت، إن موقف الجزائر ثابت فيما يتعلق بالقواعد العسكرية، مما قد يجعله أحد النقاط الخلافية بينها وبين روسيا، التي ربما ترغب في إقامة قاعدة عسكرية في ليبيا، معتبرا أن هذا قد يزيد التوتر بين الجزائر وروسيا، وبين أي دولة أخرى تريد إقامة قواعد عسكرية في المنطقة.

بالنسبة للرسائل التي قد يحملها الطرف الروسي بالنسبة للجزائر في القضية الليبية، اعتبر أنها لن تخرج عن محاولة إقناع الجزائر لتغيير موقفها، فروسيا لا يمكنها التنازل عن وجودها في ليبيا.

وأشار إلى أن الجزائر ستبقى صامدة ومتمسكة بموقفها كونها تؤمن بنظرية واحدة، وهي أنه "لا يمكن الخروج من الأزمة الليبية إلا عن طريق جلوس الأخوة الليبيين معًا، والليبيين فقط، لإجراء حوار ومفاوضات وتقديم تنازلات فيما بينهم من أجل التوصل إلى حل يفضي إلى إجراء انتخابات دون تدخل أجنبي".

مقالات مشابهة

  • سوريا تبدأ مرحلة جديدة بعد سقوط نظام البعث
  • نائب رئيس النظام السوري المخلوع يصدر أول بيان عقب سقوط الأسد.. ماذا قال؟
  • مخاوف إسرائيلية من القيادة الجديدة في سوريا
  • من نظام الأسد إلى علم الاستقلال.. الإعلام السوري يغيّر جلده في ليلة وضحاها
  • تعرف على أبرز النهايات الغامضة لأركان النظام السوري.. هل صفاهم الأسد؟ (شاهد)
  • قمر قسوم تواصل البحث عن شقيقها المفقود في سجون النظام السوري بعد سقوط الأسد
  • جمال سليمان يدعو لحوار وطني في سوريا بمشاركة كل الأطراف.. ويؤكد وحدة البلاد
  • ما الرسائل التي حملها ممثل الرئيس الروسي للجزائر؟
  • سوريا بعد الأسد.. سقوط النظام أم سقوط الدولة؟| شاهد
  • عربي21 ترصد تواصل الاحتفالات بسقوط النظام في ساحة الأمويين (شاهد)