عمل بدون أجازة مرضية لـ20 عاما.. قصة عامل أمريكي تلهب منصات التواصل الاجتماعي.. والجمهور يكافئه بـ400 ألف دولار

من منا لم يضطر أن يأخذ أجازة طارئة مرضية، هكذا هو الشعور الطبيعي لدى البشرية حول العالم، ولكن يبدوا أن هناك من يختلف مع البشرية في هذا الأمر، إنها عمال في مطعم بيتزا في الولايات المتحدة الأمريكية، حيث فجأت قصته رواد مواقع التواصل الاجتماعي في أمريكا، وذلك بعد الإعلان على حصول أحد العمال على مكافأة زهيدة، نظير عدم حصوله على أجازة مرضية لمدة 20 عاما.

 

ولكن لم يكن هذا الشخص يملك صفات خارقة، أو شخص أحد الأشخاص الخارقين التي تتحدث عنهم أفلام السينما في هيوليود، فهذا الأمر لم يكن وليد الصدفة، ولكنها ثقافة في التربية، ونمط شخصي مكتسب، وهو ما كشفه العامل عند الحديث عن تجربته بعد انتشار واسع لها، وبدء حملة جمع تبرعات مالية له نكاية في مطعمه الذي أهداه هدية رمزية أثارت غضب الملايين في أمريكا، وما زاد من آلام القصة، هي التفاصيل التي كشف عنها وأنه كان مضطر لذلك،  وتلك هي التفاصيل.

 

مايو الماضي وهدية من فنجان قهوة وتذكرة سينما وحلوى

 

قصة هذا العامل التي نشرتها صحيفة NPR الأمريكية، اليوم الثلاثاء، كانت بداتها في العلن، في شهر مايو الماضي، وذلك حين حصل كيفن فورد على فنجان قهوة وتذكرة سينما وبعض الحلوى وبعض الأشياء الصغيرة الأخرى من مطعم برجر كينج بالولايات المتحدة الأمريكية، وذلك همكافأة له، مقابل عمله لأكثر من 20 عامًا في المطعم دون الاستفادة من يوم مرضي، مما يعني أنه لم يأخذ إجازة بشكل غير متوقع.

وقال فورد الذي يعمل في مطعم برجر كينج في مطار هاري ريد الدولي في لاس فيجاس، عن مشاعره فور تسلمه الهدية: "كنت سعيدا بالحصول على هذا لأنني أعلم أنه لا يحصل الجميع على شيء ما"، وفورد، الذي يؤمن بشدة بتقدير الإيماءات الصغيرة في الحياة، قرر عرض حقيبة الهدايا على موقع التواصل الاجتماعي  TikTok ، ولم تمر إلا أيام بسيطة، حتى انتشر الفيديو على نطاق واسع، ويرجع ذلك جزئيًا إلى غضب الناس عليه، وهو ما ظهر في آلاف التعليقات التي صاحبت إعادة نشر الفيديو نتيجة أن المكافأة لا تعبر عن حجم تضحيته وإخلاصه للعمل.

 

إبنته وحملة GoFundMe ومبلغ 400 ألف دولار

وفي حين قال الكثيرون على وسائل التواصل الاجتماعي إنهم يحترمون أخلاقيات عمل فورد وموقفه الإيجابي، ولكنهم في ذات الوقت تجادلوا أيضًا بأنه يستحق أكثر من مجرد كيس من الهدايا لإعطاء الأولوية لوظيفته على صحته، وهي القضية التي أصبحت محل جدل على نطاق واسع بمنصات التواصل الاجتماعي، وقد دفع ذلك ابنته، سيرينا، لبدء حملة GoFundMe في يونيو الماضي على أمل جمع بعض المال لوالدها لزيارة أحفاده في تكساس.

وبالفعل تمت مشاركة مقطع فيديو فورد وهو يفتح حقيبته الجيدة في برجر كنج مرات لا تحصى على وسائل التواصل الاجتماعي، ولقد حددت ابنته الهدف بـ 200 دولار، وعلى مدار الأشهر التالي، جمعت الحملة أكثر من 400 ألف دولار من التبرعات، بينما غمر الناس صندوق بريد فورد الوارد برسائل حول كيف كان يذكرهم بأبيهم أو أخيهم أو صديقهم.

 

السعادة بمكافأة الإنترنت بـ 400 ألف دولار

وحين الحديث عن تلك الميزة العملية التي جعلت له تلك الشعبية، كان رد كيفين فورد، أنه يعزو أخلاقيات عمله إلى والده الذي كان يعمل في القوات الجوية، وكذلك والدته التي قامت بتربيته وإخوته الستة، ورغم عدم قيمة الهدية التي حصل عليها من مطعمه، إلا أن طباخ برجر كنج وأمين الصندوق كيفن فورد، كان سعيدًا بتلقي حقيبة هدايا صغيرة من الإدارة كمكافأة لعدم الاتصال بالمرض مطلقًا، ولكن الناس على الإنترنت كانوا أقل سعادة، فقد اعتقدوا أن فورد يستحق أكثر من ذلك - أكثر من 400 ألف دولار.

وقال حين تلقيه الهدية: "أعتقد أنهم أرادوا فقط أن يُظهروا لصاحب العمل والرؤساء التنفيذيين الآخرين أن الأشخاص يستحقون التهنئة والمكافأة، بل وحتى الاعتراف بهم على عملهم الجاد وتفانيهم".

 

القصة لم تكن سهله .. وتلك تفاصيل المعاناة

وبصفته أبًا أعزبًا وله أربع بنات، لم يأخذ فورد أيامًا مرضية أبدًا لأنه بصراحة لم يكن قادرًا على تحمل تكاليفها، فوظيفة فورد – مثل أكثر من نصف وظائف المطاعم والإقامة اعتبارًا من عام 2020 – لا تقدم إجازة مرضية مدفوعة الأجر، مما يعني أن العمال عادةً لا يحصلون على أجر مقابل فقدان العمل بسبب المرض ما لم يقموا بتخفيض وقت إجازتهم المدفوعة الأجر.

وقال فورد إنه غاب عن العمل لأسباب طبية مرتين فقط خلال مسيرته المهنية في برجر كنج - مرة لإجراء عملية جراحية تتعلق بانقطاع التنفس أثناء النوم، وأخرى لإجراء عملية في العمود الفقري بسبب العمل لساعات طويلة على قدميه، وحتى ذلك الحين، استخدم أيام إجازته ليأخذ تلك الإجازة، وأضاف فورد: "كنت أستلقي أمام المقالي لأنني كنت أشعر بألم شديد وكان الناس يطلبون مني العودة إلى المنزل، لكنني كنت أفكر في فاتورة الكهرباء أو فاتورة المياه".

 

للتكفل بحضانة بناته .. قصة يعاني منها الكثير بأمريكا

وبحسب الصحيفة الأمريكية، فقد كان الدافع الأساسي لرفض فورد الحصول على تلك الأجازة، هي حجم المصاريف التي كان ملزم بها، خصوصا وقد حصل فورد على الحضانة الكاملة لبناته لأن والدتهما لم يكن لديها وظيفة توفر التأمين الصحي للأسرة، لذلك كان يأتي على صحته من أجل بناته، ومن أجل أن يدفع فواتير معيشته طوال الـ 20 عاما التي عمل بها بالمطعم.

وفورد ليس وحده، ففي جميع أنحاء البلاد، يتخذ العديد من العمال الاختيار الصعب بين أخذ إجازة غير مدفوعة الأجر أو العمل خلال نوبة عملهم عندما يمرضون، وتفاقمت هذه المشكلة بسبب الوباء، حيث ترك الناس وظائفهم بأعداد كبيرة بسبب نقص الإجازات المرضية مدفوعة الأجر، وقال متحدث باسم برجر كنج لإذاعة NPR: "يتم اتخاذ القرارات المتعلقة باستحقاقات الموظفين وفقًا لتقدير أصحاب الامتياز الفرديين بما في ذلك مجموعة الامتياز التي توظف كيفن فورد".

 

هكذا ندم فورد .. ورسالته "لا تكن مثلي"

وعلى الرغم من الدعم الساحق على وسائل التواصل الاجتماعي، كان فورد يستخدم منصته الجديدة لتحذير الناس: "لا تكن مثلي"، وقال إن وظيفته لا تستحق العبء الثقيل على جسده وصحته العقلية، وقد كان الأمر صعبًا أيضًا على بناته الأربع، اللاتي غالبًا ما كن يشاهدن فورد يعود إلى المنزل من العمل بعد الساعة العاشرة مساءً، وقال فورد إنه تعلم هذا الدرس بالطريقة الصعبة.

وقبل أن ينتشر على وسائل التواصل الاجتماعي، قال فورد إنه كان في أدنى مرحلة من حياته، وكان يتعامل مع الطلاق ووفاة والديه ورحيل أبنائه الذين كبروا وابتعدوا، وبعد العمل، كان فورد يقود سيارته لساعات حول الحي الذي يسكن فيه وهو يفكر في حياته وما كان سيفعله بشكل مختلف، وتابع: "لم يكن هناك شيء سوى العمل في حياتي، فإذا نظرنا إلى الوراء، لماذا كان كل هذا؟ لماذا لم أفتقد الأيام التي كان من الممكن أن أقضيها مع أطفالي وزوجتي؟".

 

جائزة الانترنت فرصة ثانية

ولهذا السبب وصف فورد حملة جمع التبرعات بأنها فرصة ثانية، فليس لديه ما يكفي من المال لتقاعده وللمساعدة في دفع تكاليف التعليم الجامعي لأحفاده فحسب، بل يمكنه أيضًا تحمل تكاليف أخذ أيام إجازة من العمل وتعويض الوقت الضائع مع أطفاله.

ويخطط لمواصلة العمل في برجر كنج، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى أنه يحب زملائه في العمل، وقال: "هذه أيضًا عائلتي، فهناك نحن مرحون ومضحكون، وعندما لا يكون الأمر كذلك، أعتقد أنني سأعتزل".

المصدر: صدى البلد