تعويلٌ على تشييع نصرالله... هل بدأت إيران بخسارة لبنان؟
تاريخ النشر: 22nd, February 2025 GMT
شكّلت الحرب الأخيرة على لبنان ضربة لإيران، بسبب نتائجها السلبيّة على "حزب الله" الذي خسر أمينه العام حسن نصرالله، إضافة إلى قيام إسرائيل بتدمير أنفاق عديدة في الجنوب، والسيطرة على أعتدة عسكريّة تعود لـ"الحزب". وأتى إتّفاق وقف إطلاق النار ليمنع "المقاومة" من شنّ هجمات ضدّ المواقع الإسرائيليّة، على الرغم من أنّ الجيش الإسرائيليّ لا يزال يحتلّ 5 تلال لبنانيّة استراتيجيّة ولا يزال يستهدف البلدات الجنوبيّة ويقوم بعمليّات إغتيال في العمق اللبنانيّ.
كذلك، فإنّ سيطرة "هيئة تحرير الشام" على سوريا، قطعت خطوط الإمداد بين إيران و"حزب الله"، وبات الأخير مُحاصراً وغير قادر على إدخال السلاح إلى لبنان. أمّا سياسيّاً، فلم يستطع "الثنائيّ الشيعيّ" انتخاب مرشّحه سليمان فرنجيّة، كما أنّه شارك في حكومة لم يُسمّ فيها رئيسها ولا أغلبيّة الوزراء التابعين له، وأصبح مضطرّاً للسير مع رئيسيّ الجمهوريّة ومجلس الوزراء لترجمة خطاب القسم والبيان الوزاريّ، عبر دعم الجيش وحده لحماية سيادة البلاد، والعمل ديبلوماسيّاً من أجل الضغط على العدوّ الإسرائيليّ للإنسحاب الكامل من الأراضي اللبنانيّة في الجنوب.
ولعلّ السياسة الجديدة المتّبعة في لبنان، ساهمت كثيراً في تراجع ليس فقط نفوذ "حزب الله"، وإنّما إيران أيضاً، فقد تمّ تعليق الرحلات الجويّة من طهران وإليها، بينما أمست الطائرات المدنيّة الإيرانيّة تخضع لتفتيش دقيق، خوفاً من إدخال الأموال إلى "الحزب"، وتهديد العدوّ بأنّه سيستهدف مطار بيروت الدوليّ إنّ استمرّ تدفق المال إلى "المقاومة".
وكانت حركة الإحتجاج والشغب على طريق المطار لا تُعبّر فقط عن الرفض القاطع لإملاءات إسرائيل على الدولة اللبنانيّة، وإنّما على الخطوات التي استهدفت إيران وتحدّ من نفوذها في لبنان. فبعد سوريا، تخشى طهران بشدّة خسارة لبنان إنّ لم تستطع إعادة تنظيم حليفها الشيعيّ في بيروت عبر إيصال السلاح والمال له لينهض من جديد، ويُشكّل تهديداً لامن تل أبيب.
من هنا، أتت إحتجاجات المطار التي قد تُستأنف بعد تشييع نصرالله وهاشم صفي الدين إنّ استمرّ تعليق الرحلات والتضييق على الخطوط الجويّة الإيرانيّة، لتُعبّر عن الغضب الشيعيّ من مُقاطعة إيران، الراعي الرسميّ لـ"محور المقاومة" في الشرق الأوسط. وبحسب أوساط سياسيّة، فإنّ تلك التظاهرات تحمل في طياتها خشية من أنّ ينجر لبنان إلى المحور الغربيّ، وإضعاف "حزب الله" في الداخل غبر الضغط سياسيّاً عليه، كما عبر قطع الأوصال بينه وبين طهران.
ويجد "حزب الله" نفسه بعد الحرب وبعد انتخاب رئيس الجمهوريّة وتشكيل الحكومة الجديدة في موقعٍ ضعيفٍ، وقد تُؤثّر الإنتخابات النيابيّة المُقبلة كثيراً عليه إنّ لم يستطع مع الدولة إعادة بناء القرى الجنوبيّة، وإنّ لم يتبدلّ المشهد في المنطقة لصالحه. فهناك رغبة في تهجير سكان قطاع غزة إلى دول مُجاورة بهدف القضاء على حكم "حماس" في القطاع، وإبعادها عن الحدود الإسرائيليّة، كما أنّ هناك مُخططا لضرب النوويّ الإيرانيّ، الأمر الذي سيُشكّل إنتكاسة كبيرة للنظام في طهران ولكلّ "محور المقاومة".
ويُعوّل "الحزب" كما إيران على أنّ يُشارك أكبر عدد مُمكن من الجمهور في تشييع نصرالله وصفي الدين غدا الأحد ، كما مُشاركة شخصيّات بارزة من طهران ومن الدول حيث تتواجد "فصائل المقاومة" مثل العراق واليمن، لإرسال رسالة واضحة إلى الخارج من أنّ "حزب الله" لا يزال شعبيّاً يُحافظ على قوّته، وأنّه لم ينتهِ في الحرب الإسرائيليّة الأخيرة على لبنان، وأنّه سيظلّ ذراع طهران الأقوى في المنطقة. المصدر: خاص "لبنان 24"
المصدر: لبنان ٢٤
كلمات دلالية: حزب الله
إقرأ أيضاً:
هل تستعيد إيران نفوذها في سوريا؟
في المرحلة الأولى من الحرب الأهلية السورية، نفت إيران وجود قواتها على الأراضي السورية رغم الأدلة التي أثبتت عكس ذلك، قبل أن تضطر إلى الإقرار بتدخلها، مبررةً ذلك بحماية مرقد السيدة زينب في دمشق.
طهران استثمرت كثيراً من الدماء والموارد في سوريا
غير أن التغلغل الإيراني العميق في سوريا تجاوز الرمزية الدينية بمراحل؛ إذ كان بمنزلة موطئ قدم استراتيجي دافعت عنه طهران بثمن باهظ، مضحيةً بآلاف من قواتها، حسب ما أفاد د. لقمان رادبي، خبير في الشؤون الكردية والشرق الأوسط.
كان سقوط بشار الأسد في ديسمبر (كانون الأول) 2024 حدثاً مزلزلاً، وجّه ضربة قاسية لنفوذ إيران وروسيا في سوريا. وبينما تتمسك موسكو بقواعدها العسكرية في سوريا رغم حربها في أوكرانيا وتزايد العقوبات الغربية ضدها، فإن موقف إيران أكثر تعقيداً، فخلافاً لروسيا، التي تنظر إلى سوريا من زاوية المصالح الجيوسياسية والعسكرية، ترى إيران سوريا كساحة أيديولوجية واستراتيجية مركزية لطموحاتها الإقليمية.
ضعف السلطة في دمشق
وقال الكاتب في تحليله بموقع "جيوبوليتيكال مونيتور" الكندي إن النظام الفعلي في دمشق يواجه صراعاً شاقاً لبسط سيطرته على دولة ممزقة آخذة في الانهيار؛ فالأحداث الأخيرة، التي أسفرت عن مقتل أكثر من ألف شخص، بينهم مدنيون، في اللاذقية والمدن الساحلية الأخرى التي تعد معاقل تاريخية للطائفة العلوية، تعكس ضعف قبضة الحكومة على السلطة.
وأضاف أن هذه الاضطرابات، التي يؤججها فلول نظام الأسد، لا يمكن احتواؤها عبر عمليات أمنية منفصلة أو فرض حظر تجول فقط، بل تكشف عن حالة استياء أعمق لا تستطيع دمشق ولا داعمتها الخارجية، تركيا، القضاء عليها بسهولة.
Syria’s Next Chapter: Iran Reshapes its Influence https://t.co/yV7hXKwIqC
— Charbel Antoun (@Charbelantoun) March 19, 2025ورغم معارضة إيران لنظام إسلامي سُنّي في دمشق، فلا تزال تحتفظ بنفوذها داخل المجتمع العلوي، الذي كان العمود الفقري لنظام الأسد. فقد حرصت طهران على بناء تحالفات دينية وسياسية مع العلويين، بما يضمن استمرار بصمتها الأيديولوجية في سوريا، حتى في ظل التحولات السياسية.
وتابع الكاتب "يزيد الوضع تعقيداً الدستور الانتقالي الجديد، الذي يرسّخ هوية سوريا "العربية"، رافضاً الاعتراف بالهويات غير العربية، مع اعتبار الشريعة الإسلامية "مصدراً رئيساً" للتشريع. هذا الإطار الإقصائي قوبل برفض قاطع من الأكراد والدروز، الذين يرونه استمراراً لنهج الأسد بواجهة إسلامية سنية جديدة".
جنوب وغرب سوريا
في جنوب سوريا، يسعى الدروز، الذين طالما تحفّظوا على الفصائل السنية المتطرفة والهيمنة الإيرانية، إلى تعزيز حكمهم الذاتي. وتحت المظلة الإسرائيلية، من غير المرجح أن ينحاز الدروز إلى أي طرف بعينه، بل سيحاولون استغلال وضعهم لتحقيق مزيد من الاستقلالية.
في هذه الأثناء، تتابع إسرائيل المشهد بحذر، محافظةً على وجودها العسكري في الجنوب السوري. فمن منظور تل أبيب، يشكل نظام إسلامي متطرف في دمشق تهديداً أمنياً أكبر بكثير من حكومة تهيمن عليها إيران، مما يجعل الحسابات الإسرائيلية في سوريا أكثر تعقيداً من أي وقت مضى.
Insight from @AhmadA_Sharawi: "The idea that Iran and its proxies have vanished from Syria is pure fantasy. Tehran is actively fueling instability to claw back its influence, and Syria’s new government faces a tough battle to keep Hezbollah...at bay."https://t.co/OEruyIC5CT
— FDD (@FDD) March 18, 2025أما تركيا، فتواجه مزيجاً من الفرص والتحديات. فرغم أن أنقرة قد تجد قواسم مشتركة مع الفصائل الساعية للسيطرة على سوريا، فإنها ستظل مقيدة بالمصالح الإيرانية. فقد رسّخت إيران وجودها في المؤسسات العسكرية والاقتصادية والسياسية السورية، ولعب الحرس الثوري الإيراني دوراً محورياً في تشكيل سياسات النظام السابق.
وقدمت طهران تضحيات هائلة، شملت آلاف المقاتلين من قوات القدس وقوات الحرس الثوري، بالإضافة إلى مليارات الدولارات، للحفاظ على الأسد في السلطة، ومن غير الوارد أن تتخلى ببساطة عن استثماراتها في سوريا.
عودة النفوذ الإيراني
ولفت الكاتب النظر إلى أن إيران اتبعت هذه الاستراتيجية من قبل؛ فبعد ثماني سنوات من الحرب مع العراق وخسائر هائلة، تمكنت من توسيع نفوذها داخل القطاع الشيعي العراقي. وحتى بعد سقوط صدام حسين وصعود تنظيم داعش، نجحت إيران في تأسيس ميليشيات موالية لها، مما ضمن بقاء العراق في حالة عدم استقرار دائم.
وعبر سيطرتها على الأحزاب الشيعية، سعت إيران إلى قمع حكومة إقليم كردستان وإبقاء السُنّة في وضع ضعيف. وينبغي لمن يملكون مصلحة في مستقبل سوريا، يقول الكاتب، أن يتوقعوا تكرار إيران لهذه الاستراتيجية، هذه المرة عبر الطائفة العلوية. ولن تسمح طهران لتركيا، التي استثمرت في سوريا أقل بكثير منها، بجني الفوائد السياسية والاقتصادية على حسابها.
ساحة للصراع
وأوضح الكاتب أنه في المستقبل ستظل سوريا ساحةً تتصارع فيها القوى الإقليمية والدولية، كلٌّ وفق مصالحه وأجنداته الخاصة. فالجزء الغربي من البلاد، حيث يكافح النظام الجديد لترسيخ سلطته، سيبقى بؤرةً للاضطرابات.
في المقابل، من المرجح أن تحافظ المناطق الخاضعة للسيطرة الكردية والدرزية على استقرار نسبي، حيث استطاعت القوات الكردية، بفضل هياكلها العسكرية والسياسية المنظمة، تعزيز سلطتها وتأسيس آليات حكم مستقلة عن دمشق.
أما إسرائيل، فلا تجد دافعاً قوياً لدعم أي تغيير جذري قد يفضي إلى تمكين فصائل معادية. ولا يمكن إنكار أن النظام الجديد في دمشق يفتقر إلى القدرة اللازمة لاحتواء النفوذ الإيراني الراسخ.
وقال الكاتب إن طهران استثمرت كثيراً من الدماء والموارد في سوريا بحيث تظل قوةً لا يمكن لأنقرة ولا للحكام الجدد في دمشق تجاهلها، إذ ما يزال محور المقاومة قادراً على إعادة تشكيل نفسه، كما يتضح من الصراع الدائر بين هيئة تحرير الشام في دمشق وحزب الله، في لبنان.