بتوقيت واشنطن آن الأوان لنزول قسد عن شجرة الحكم الذاتي
تاريخ النشر: 22nd, February 2025 GMT
برزت القوات الكردية المتمركزة في سوريا على مدى أكثر 12 عاما كلاعب رئيسي، ولد مع إعلان وحدات حماية الشعب المعروفة بصلاتها بتنظيم حزب العمال الكردستاني عن تأسيس إدارة ذاتية في المناطق ذات الغالبية الكردية في شمالي وشمالي شرقي البلاد عام 2013.
ومع سقوط نظام الأسد، يجد الأكراد أنفسهم عند مفترق طرق إستراتيجي -وفق مقال نشرته مجلة فورين أفيرز- قد يعني التخلي عن الحكم الذاتي الكامل مقابل ضمانات بحقوق ثقافية محدودة أو تمثيل سياسي في سوريا موحدة.
قبل الوصول إلى هذه النتيجة، لا بد من الإشارة إلى مسيرة قوات سوريا الديمقراطية (قسد) عبر سنوات الثورة وحتى سقوط نظام الأسد.
في السنوات الأولى التي تلت انطلاق الثورة السورية في 2011، توسعت رقعة سيطرة الوحدات الكردية تدريجيا من خلال المعارك التي خاضتها ضد فصائل المعارضة السورية، لتتوج رحلة صعودها العسكري والأمني مع انطلاق التحالف الدولي لمحاربة تنظيم الدولة بقيادة الولايات المتحدة في 2014، معلنة عن تأسيس قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، لتكون شريكا رئيسيا لواشنطن في القضاء على تنظيم الدولة.
بموجب هذا التعاون، كرّست الوحدات الكردية إدارتها لمناطق واسعة شمالي شرقي سوريا، وهي منطقة غنية بالنفط والموارد الزراعية وتشكّل نحو ثلث الأراضي السورية، ولم تخف طموحاتها للانفصال تارة، وتأسيس فدرالية داخل سوريا تارة أخرى.
لكن هذا الصعود أصبح معرضا للخطر مع انهيار النظام السوري، وصعود حكومة جديدة في دمشق تتمتع حتى الآن باحتضان إقليمي وقبول دولي حذر، حيث باتت خياراتها للحفاظ على بعض مكاسبها محدودة.
تمكنت الوحدات الكردية من تثبيت دعائم حكمها لمنطقة الجزيرة السورية من خلال تحالفات معقدة، فقد كانت تتجنب منذ البداية المواجهة المباشرة مع قوات النظام المخلوع.
إعلانويرى محللون أن النظام المخلوع تحالف ضمنا معها مفسحا لها المجال للسيطرة العسكرية على مناطق الثقل الكردية، للتركيز على سحق الثورة السورية وفصائلها المتمركزة في غربي وشمالي البلاد.
كما أثار تحالف الولايات المتحدة معهم غضب تركيا، العضو في حلف شمال الأطلسي (ناتو)، إذ تصنف أنقرة وحدات حماية الشعب منظمة إرهابية بوصفها امتدادًا لحزب العمال الكردستاني.
في النصف الثاني من عمر الصراع السوري، شنت تركيا عمليات عسكرية متكررة عبر الحدود للحد من توسع سيطرة الوحدات الكردية، ووجهت لها ضربات متتالية لا سيما في عملية غصن الزيتون التي أدت إلى طردها من عفرين عام 2018، ثم عملية نبع السلام التي أخرجتها من منطقتي رأس العين وتل أبيض عام 2019، وفي كل مرة كانت واشنطن تمارس ضغوطا على حليفتها أنقرة لمنعها من سحق "قسد".
ومع شن فصائل إدارة العمليات العسكرية عملية ردع العدوان في حلب في ديسمبر/كانون الأول الماضي، شنت فصائل الجيش الوطني المتحالفة مع تركيا عملية موازية باسم فجر الحرية، تمكنت خلالها من طرد الوحدات الكردية من عدة مناطق أبرزها تل رفعت ولاحقا منبج، حيث لا تزال تجري بعض المناوشات حتى الآن، في ظل اتفاق هدنة هش توسطت فيه أيضا الولايات المتحدة.
مع اكتمال سقوط نظام بشار الأسد في دمشق تغيرت قواعد اللعبة، فالحكومة السورية الجديدة أعربت عن نيتها استعادة السيطرة على كامل الأراضي السورية، بما في ذلك المناطق التي تسيطر عليها "قسد"، وسط ضغوط من تركيا لحسم الأمور سريعا.
وفي الوقت نفسه، بدأت الولايات المتحدة -التي لم يعد لديها مصلحة واضحة في البقاء بعد هزيمة تنظيم الدولة وسقوط الأسد- في الإعداد للانسحاب التدريجي من سوريا، تاركة "قسد" من دون حليف قوي.
خيارات محدودة
يرى الباحث البارز ومدير برامج سوريا ومكافحة الإرهاب والتطرف بمعهد الشرق الأوسط تشارلز ليستر، في المقال المنشور بمجلة فورين أفيرز، أن "قسد" تواجه الآن 3 خيارات رئيسية، ولكل منها مخاطره.
إعلان الخيار الأول: مواصلة التمسك بالحكم الذاتي والانخراط في قتال القوات الحكومية وبمساندة مباشرة من تركيا، مضيفا أن هذا المسار محفوف بمخاطر جمة، فمن دون الدعم الأميركي، ستكون قوات سوريا الديمقراطية أضعف بكثير. كما أن القتال قد يؤدي إلى تدمير ما قاموا ببنائه ويُعرض السكان المدنيين لخطر كبير. الخيار الثاني: البحث عن حلفاء جدد، مثل روسيا أو إيران، وكان لكليهما دور كبير في دعم الأسد، ويبقى هذا الخيار غير مرجح، بحسب ليستر.فروسيا، التي لديها قواعد عسكرية في سوريا، قد تفضل التعامل مع الحكومة الجديدة في دمشق على حساب "قسد" من أجل الحفاظ على نفوذها. أما إيران، التي تركز على تعزيز محور المقاومة الشيعي، فليس لديها مصلحة واضحة في دعم الأكراد العلمانيين. الخيار الثالث: الأكثر واقعية، على الرغم من صعوبته، فهو التفاوض مع الحكومة السورية الجديدة.
ووفقا للباحث الأميركي المتخصص بالشأن السوري، فقد يعني ذلك التخلي عن الحكم الذاتي الكامل مقابل ضمانات بحقوق ثقافية محدودة أو تمثيل سياسي في سوريا موحدة، مضيفا أن هذا لن يكون حلاً مثاليا بالنسبة لهم، لكنه قد يكون السبيل الوحيد لتجنب حرب جديدة.
صفقة محتملة
منذ سقوط الأسد، دخلت قوات سوريا الديمقراطية في محادثات مع الإدارة السورية الجديدة في دمشق بشأن صفقة محتملة قد تفضي إلى اندماجها في سوريا موحدة.
ورغم الاشتباكات المحدودة في محيط منبج والهجمات التي استهدفت المدنيين فيها، فإن الصفقة لا تزال خيارا مفضلا لجميع السوريين، رغم أن بعض الأوسط تتوقع أنه قد يكون ضروريًا في نهاية المطاف.
ويقول تشارلز ليستر، الذي زار سوريا لأيام مؤخرا، إنه علم بأن ضباطًا عسكريين أميركيين كانوا مشاركين بنشاط في تسهيل المحادثات بين دمشق و"قسد"، وحضروا اجتماعات عالية المستوى في قاعدة ضمير الجوية بالقرب من دمشق، والتي قيل إنها جمعت قائد "قسد" مظلوم عبدي والرئيس السوري أحمد الشرع قبل تعيينه في الرئاسة.
إعلانويضيف ليستر، نقلا عن مصادره، أن القيادة المركزية الأميركية أذنت بحل قواته وانضمامها إلى قوات الحكومة الانتقالية.
وبحسب تفاصيل تسربت حول بنود الصفقة المحتملة، وعدت الحكومة الانتقالية في دمشق الأكراد في سوريا بالحقوق المتساوية، وقالت إنها تخطط لاعتبار اللغة الكردية لغة ثانية في سوريا.
كما سيُمنح لشخصيات قوات سوريا الديمقراطية والإدارة الذاتية مقاعد وعضوية في جميع الهيئات الانتقالية في سوريا، بما في ذلك البرلمان المؤقت واللجنة الدستورية. وستُستثمر عائدات قطاعي النفط والغاز والزراعة في سوريا بشكل متناسب في شمالي شرقي البلاد، بحسب ليستر.
بعد أسابيع من المحادثات، قبلت قوات سوريا الديمقراطية الجزء الأكبر من الصفقة من حيث المبدأ، في تصريحات علنية، وذلك حسبما أكدت عقب لقاء يوم 17 فبراير/شباط الجاري بين الأذرع السياسية والعسكرية والإدارية لقسد.
وبينما قبلت "قسد" منذ أسابيع مبدأ الاندماج في القوات المسلحة السورية الجديدة، لا تزال مسألة جوهرية عالقة في المحادثات وهي كيفية حدوث ذلك.
وبعدما طالب قائد "قسد" مظلوم عبدي بأن تظل قواته كتلة متميزة ضمن القوات المسلحة السورية الجديدة، وأن تظل متمركزة فقط في مواقعها الحالية في شمالي شرقي سوريا، نقلت تقارير عن اجتماع 17 فبراير/شباط الحالي أن "قسد" تخلت مبدئيا عن الاحتفاظ بكتلة متميزة في الجيش، وقبلت دمج عناصرها أفرادا، إلا أن بيانات رسمية تحدثت عن استمرار وجود مسائل خلافية.
بالنسبة للحكومة الانتقالية، فإن هذه خطوة إلزامية تهدف إلى تجنب حكم الأمراء العسكريين وغرس شعور الخدمة الوطنية بدلاً من الولاء الجغرافي أو الطائفي أو الفصائلي. ومن دون تحرك في هذه المسألة، ستظل الصفقة بعيدة المنال.
إعلان
تكيف أميركي
يبدو أن السياسة الأميركية تجاه سوريا بدأت بالتكيف مع التغيير العميق الذي مرّت به البلاد منذ ديسمبر/كانون الأول 2024. فقد انخرطت الاستخبارات الأميركية في تبادل فعال للمعلومات مع الحكومة الانتقالية، يركز بشكل أساسي على الهدف المشترك المتمثل في مكافحة تنظيم الدولة.
وتم بالفعل إحباط عدة عمليات كان تنظيم الدولة يخطط لشنها في سوريا، وفق ما ذكرت صحيفة "واشنطن بوست" نقلا عن مسؤولين أميركيين.
وبدأ الجيش الأميركي بتشجيع قوات سوريا الديمقراطية على التوصل إلى صفقة مع دمشق، وقد أعرب عن هذا الدعم عقب بيان "قسد" يوم 17 فبراير/شباط الجاري، غير أن الوقت يمر حسب خبراء، وكلما تأخرت الصفقة أصبح من غير المرجح أن تحصل قوات سوريا الديمقراطية على صفقة جيدة.
ومن جهة أخرى، وعبر الحدود الشمالية لسوريا، تستعد تركيا لمعركة ساحقة مع "قسد" إذا انهارت المحادثات بالكامل. إذا حدث ذلك، فليس هناك ما يمنع تركيا من القيام بذلك، كما أن المكون العربي في "قسد" وأيضا العشائر العربية بدأت بالتململ وممارسة ضغوط في هذا الصدد.
لا تزال الولايات المتحدة تحتفظ بمصالح كبيرة في مكافحة تنظيم الدولة، الذي بدأ ينشط مرة أخرى في سوريا، ورغم سجل الحكومة الانتقالية في حربها على التنظيم، فإن افتقارها إلى القدرات الإستراتيجية اللازمة للتعامل مع نشاط التنظيم الممتد على مساحات شاسعة من البادية يدفع صانع القرار الأميركي للتأكد أن تحقيق أهدافه بات يمر عبر دمشق أيضا، مما يدفعه لتشجيع "قسد" على التوصل إلى تسوية عادلة ومستقرة مع الحكومة الجديدة.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات قوات سوریا الدیمقراطیة الحکومة الانتقالیة الولایات المتحدة الوحدات الکردیة السوریة الجدیدة تنظیم الدولة شمالی شرقی مع الحکومة فی سوریا لا تزال فی دمشق
إقرأ أيضاً:
سوريا.. الحوار الوطني يتواصل.. وروسيا تخطط لـ «اتصالات رفيعة»
البلاد – دمشق
فيما عقدت جلسة حوارية في محافظة السويداء، أمس (الأربعاء)، ضمن فعاليات التحضير لمؤتمر الحوار الوطني السوري، تبدي روسيا تصميمًا على تطبيع علاقاتها مع الإدارة الجديدة في دمشق؛ سعيًا للإبقاء على قاعدتيها العسكريتين في طرطوس واللاذقية.
وأكد المتحدث باسم اللجنة التحضيرية للحوار الوطني حسن الدغيم، على أهمية زيارة كافة المناطق السورية، “لاسيما السويداء التي آزرت الشعب السوري خلال الثورة”، منوهًا إلى الحرص على استطلاع الآراء كافة لكل مكونات الطيف السوري.
جاء ذلك خلال جلسة حوارية في محافظة السويداء، ضمن فعاليات التحضير لمؤتمر الحوار الوطني السوري، بمشاركة ممثلين عن مختلف مكونات المحافظة- بحسب التلفزيون الرسمي السوري.
وقال الدغيم: إن الجلسة تطرقت إلى عدة مواضيع مهمة؛ على رأسها العدالة الانتقالية، ومحاسبة المجرمين، والدستور، والتداول السلمي للسلطة، والمسائل الاجتماعية والاقتصادية، كما تطرقت أيضًا إلى مسألة دور الجيش والقوات المسلحة، وحصر السلاح بيد الدولة، ومنع تفلته.
وأظهرت مشاهد من داخل جلسة الحوار في السويداء اندلاع مشاحنات بين عدد من المشاركين؛ نتيجة تباين في وجهات النظر.
وأيضًا في درعا، عقدت اللجنة التحضيرية لمؤتمر الحوار الوطني السوري جلسة حوارية، أمس، بمشاركة ممثلين عن الفئات الاجتماعية المختلفة؛ تناولت قضايا تعكس تطلعات السوريين في المرحلة المقبلة.
وكانت اللجنة عقدت جلسات مماثلة في اللاذقية وحمص وحماة وإدلب خلال الفترة الماضية؛ بهدف التحضير للحوار الوطني الشامل، الذي لم يحدد موعده بعد، والرامي إلى وضع تصور لدستور جديد في البلاد، وقانون انتخابات، وغيرها من المواضيع الشائكة.
وفي سياق العلاقات السورية الروسية، أعلن وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف، أمس الأربعاء، أن روسيا تخطط لإجراء اتصالات رفيعة المستوى مع سوريا في المستقبل القريب.
وتحدث الرئيس الروسي فلاديمير بوتين هاتفيًا مع الرئيس السوري أحمد الشرع في 12 فبراير الجاري، في أول اتصال مباشر بينهما منذ الإطاحة ببشار الأسد حليف موسكو في ديسمبر الماضي.
وتأمل روسيا التي دعمت قواتها الجوية الأسد لسنوات ضد مقاتلي المعارضة، في بناء علاقات إيجابية مع حكام دمشق الجدد؛ سعيًا للاحتفاظ بقاعدتها البحرية في طرطوس، وقاعدة حميميم الجوية بالقرب من مدينة اللاذقية الساحلية.