صحيفة البلاد:
2025-03-29@16:36:55 GMT

مجد متجدد وعز لا يزول

تاريخ النشر: 22nd, February 2025 GMT

مجد متجدد وعز لا يزول

في كل عام، ومع بزوغ شمس الثاني والعشرين من فبراير، نعيش لحظة فخر لا تضاهيها لحظة، لحظة تعيدنا إلى جذورنا العريقة، وتروي لنا قصة شعب ووطن بدأ معا من قلب الصحراء القاحلة، فتحولا إلى أعظم شعب وأعظم دولة على وجه الأرض.
يوم التأسيس ليس مجرد ذكرى تروى، بل هو رمز لتاريخ مجيد يتجدد، وحكاية شعب عظيم قادته قيادة استثنائية نحو الوحدة والعزة.

نستشعر فيه نحن السعوديين أصالة ماضينا، ونستلهم منه طموحا لا حدود له لمستقبلنا.
في عام 1727م، كانت شبه الجزيرة العربية تعيش في خضم الانقسامات والنزاعات، فنهض من بيننا رجل ذو رؤية عظيمة لتوحيد صفوفنا، وإقامة دولة تعيد لنا الأمن والاستقرار.
من الدرعية، تلك المدينة الصغيرة التي أصبحت فيما بعد مهد مجدنا، انطلقت شرارة التأسيس على يد المؤسس الأول محمد بن سعود، فاجتمعت الحكمة السياسية بالإرادة الشعبية القوية، ليعلن بعد ذلك بداية مسيرة الدولة السعودية.
لا يمكن أن يمر يوم التأسيس دون أن نستحضر قيمنا العظيمة التي قامت عليها دولتنا، كالوحدة والتوحيد، والشجاعة والإيمان، والعدالة. فهو بالنسبة لنا ليس مجرد مناسبة وطنية، بل هو درس يعيد إلينا شعورنا بالانتماء إلى وطن لا يتوقف عن كتابة مجده وتاريخه، وطن يمتلك جذورا تمتد في أعماق الأرض، وأجنحة تحلق عاليا في سماء المجد.
إن الدرعية ليست مجرد اسم يمر سريعا على مسامعنا كسعوديين، بل هي ذاكرة الوطن التي بدأت منها حكايتنا. فكل حجر في هذه المدينة الوادعة يحمل قصة إصرارنا وطموحنا، وكل شارع فيها يروي كيف حولناها من العدم إلى واقع تتمنى الشعوب الأخرى أن تكون جزءا منه.
اليوم، عندما أزورها، أشعر وكأنني أعود إلى لحظة البداية. فهي ليست مجرد مدينة تاريخية، بل رمز لهويتنا الوطنية، ومكان يجعلنا نستشعر عظمة الماضي، وندرك أنها الأساس الذي بني عليه ماضينا وحاضرنا ومستقبلنا.
وفي كل عام نحتفل بيوم التأسيس، نجد أنفسنا محاطين بروح تراثية أصيلة تذكرنا بجمال ثقافتنا، فعروضنا الفلكلورية، وأهازيجنا الشعبية، وحرفنا التقليدية، كلها تنقلنا إلى زمن أجدادنا، وتجعلنا نفتخر بثقافتهم التي نمتلكها.
ما يميز هذا اليوم أنه ليس مجرد احتفال عابر، بل هو يوم للتعبير عن حبنا للوطن بطريقة تمتزج فيها الأصالة بالحداثة. يوم غير عادي يجعلنا نرفع رؤوسنا عاليا، ونشعر بأننا جزء من قصة عظيمة تمتد فصولها لثلاثة قرون من الصبر والمعاناة، والإنجاز والبناء.
هو أكثر من مجرد ذكرى، إنه درس عظيم يتكرر في كل عام ليعلمنا أن النجاح لا يأتي بسهولة، بل يحتاج إلى رؤية واضحة، وإيمان قوي، وعمل دؤوب. نشعر فيه أنه لا شيء مستحيل أمام شعب حافظ على دولته طوال هذه المدة.
هذا اليوم يذكرنا بأن وحدتنا هي سر قوتنا، وأننا إذا تمسكنا بقيمنا وعملنا معا، سنظل في مقدمة الأمم. وهو لحظة تأمل في تاريخنا، وفخر بحاضرنا، وطموح لمستقبلنا. ومجدنا هنا لا يزال يكتب بأيدينا.
في هذا اليوم، لا نرى فقط تاريخا عريقا، بل نرى مستقبلا أكثر إشراقا، مبنيا على رؤية واضحة وطموحات كبيرة، وجيلا شابا واعيا يحمل مشعل التطوير بكل فخر، ويستلهم من إرث أجداده إصرارهم وقوتهم، ووعدا بأن يسير على خطى من سبقوهم.
في هذا اليوم العظيم، تتجدد في قلوبنا مشاعر الفخر والاعتزاز، إذ لا يمكن أن نمر بيوم التأسيس دون أن نستذكر التضحيات التي بذلت، والبطولات التي سطرت، والرجال الذين وضعوا اللبنات الأولى لدولة أصبحت اليوم نموذجا يحتذى به في الأمن والاستقرار والازدهار.
إن يوم التأسيس ليس مجرد ماض مضى، بل هو حاضر نعيشه ومستقبل نعمل لأجله، فهو يجسد معاني العزم والإصرار، ويرسخ في وجداننا حقيقة أن الأمم العظيمة لا تبنى بين ليلة وضحاها، بل تبنى بسواعد أبنائها وتضحيات رجالها وإخلاص قادتها.
عندما نستحضر مسيرة ثلاثة قرون من الصمود والإنجاز، ندرك أن دولتنا لم تمنح لنا على طبق من ذهب، بل جاءت نتيجة كفاح طويل، وإيمان راسخ بأن هذه الأرض تستحق أن تكون وطنا عظيما لأبنائها.
من صحرائنا القاسية، ومن سهولنا وجبالنا، ومن كل شبر في هذه الأرض الطاهرة، خرجت إرادة لا تنكسر، وعزيمة لا تضعف، ورسالة لا تحيد عن الحق، فكان لنا هذا المجد الذي نعيشه اليوم.
إن أعظم ما يميز هذا اليوم أنه يعيد إلينا معاني الهوية الوطنية في أبهى صورها، فهو يوم نشعر فيه بأننا امتداد لأولئك الأبطال الذين صاغوا مجد هذه البلاد، وكتبوا أولى صفحات العزة في تاريخها. ولا نحمل فقط أسماءهم، بل نحمل وصاياهم، ونستلهم من إرثهم دروسا تعيننا على بناء المستقبل. وقيم الوحدة والعزيمة التي قامت عليها هذه الدولة لا تزال هي ذاتها التي تحركنا اليوم، وهي التي ستبقى ركيزة لمستقبلنا. فنحن لا نحتفي بالماضي فحسب، بل نبني على أساسه ونرسم به ملامح الغد.
فلهذا، في هذا اليوم، يحق لنا أن نفخر، يحق لنا أن نرفع رؤوسنا عاليا، يحق لنا أن نقول للعالم أجمع:
هذه بلادنا، وهذه هويتنا، وهذا مجدنا، وهذه عزتنا، باقية ما بقينا و بقيت السماوات و الأرض.
• رئيس تحرير صحيفة آخر أخبار الأرض الإلكترونية

المصدر: صحيفة البلاد

كلمات دلالية: محمد الفريدي هذا الیوم لیس مجرد

إقرأ أيضاً:

الانتصار: هل يُعيد تشكيل الوعي لمستقبل واعد، أم مجرد فصل جديد في رواية لم يتغير سياقها؟

د. الهادي عبدالله أبوضفائر

فرحة الانتصار، التي وقف فيها الجيش والقوات المساندة له صامدين كالجبال، مُقدمين الغالي والنفيس، ليس مجرد واجب، بل كعهدٍ خالدٍ لا ينكسر. لم يكن هذا الفداء إلا انعكاساً لروحٍ، لا تعرف الانحناء، وعزيمةٍ تتحدى المستحيل، حيث امتزجت الدماء بالحلم، والتضحية بالمجد. إنها فرحة لم تكن مجرد نشوةٍ لحظية أوفرحة خاطفة، بل كانت ذروة ملحمة إنسانية، تماهت فيها دموع الشعب مع دماء الأبطال، لينسجوا معاً رايةً لا يطويها النسيان. ففي كل قطرة دمٍ سُكبت، وفي كل صرخة ألمٍ علت، كان هناك وعدٌ يولد، بأن هذا الوطن لن يكون إلا حراً، عزيزاً. أنها ملحمة إنسانية خُطّت بمداد التضحية، حيث التقى الألم بالأمل، والفقد بالمجد.

وسط قرع طبول الفرح، وفي غمرة الزهو بالنصر المستحق، يلوح في الأفق سؤال أشد عمقاً، يتجاوز لحظة النشوة ويخترق حجاب المستقبل: ماذا بعد؟ هل الانتصار خاتمة المسير، أم أنه أول الخُطى على درب لا يقل وعورةً عن دروب القتال؟ وهل النصر مجرد احتفاء بلحظة الفوز، أم يمكن تحويله إلى بذرة تُغرس في تربة المجد، فتنمو وتزدهر، لا لتذبل مع مرور الزمن، ولا لتبهت تحت وطأة الاندثار؟ إن الانتصار ليس راية تُرفع في يوم الفوز ثم تُطوى مع تعاقب الأيام، إن أعظم الانتصارات لا تُقاس فقط بما يُكتسب من أرض أو يُحقق من غايات، بل بما يُترجم إلى وعي حضاري قادر على اجتثاث أسباب الفرقة والشتات. فالشعوب التي لا تعي أن قوتها الحقيقية تكمن في وحدتها، تظل أسيرة دوائر الصراع، تتكرر أخطاؤها بأسماء مختلفة، وتتعثر خطواتها على الطرق ذاتها. أكتوبر، تفتحت فيها أزهار الحرية حينما أعلن الشعب عن رغبته في حياةٍ كريمة، لا يطالها الاستبداد ولا تُغشيها ظلال الفقر. وفي أبريل، ارتسمت ملامح التجدد بجرأة الأمل والإصرار على التغيير، حيث صار الحلم واقعاً يستحق النضال. وفي ديسمبر، ترددت أصداء الثورة لتحكي قصة شجاعة لا تعرف الاستسلام، قصة شعب أضاء درب الحرية بكفاحٍ لا يلين. ولكن، يبقى السؤال: هل لدينا الاستعداد أن نحافظ على النصر؟ هل نحن مستعدون للوقوف أمام اختبار الزمن، وحماية النصر حتى لا يصبح سراباً يذبل مع مرور الأيام؟ هل سنكتفي بظل وهج لحظي، أم سنغرس بذور هذا النصر في تربة الاستمرارية، ليرتقي من مجرد لحظة انتصار إلى مسيرة حضارية تُخلّد في صفحات التاريخ.

حينما يصمت أزير البنادق، هل ذلك إعلاناً للانتصار المطلق، وضماناً لسلام دائم وتعايش بين المكونات، أم أنه بزوغ فجر أشد تعقيداً، معركة إعادة البناء واستعادة التوازن؟. الهزيمة العسكرية، مهما بدت ساحقة، ليست سوى سطر في فصل طويل من التاريخ، فالتحدي كيف نعيد ترميم مجتمع أرهقته الحروب ومزقه خطاب الكراهيه، وأُنهكته دوامة الصراعات؟ إن سقوط الميليشيات لا يعني بالضرورة سقوط الأفكار التي أنجبتها، ولا يمحو الخراب الذي خلّفته في بنية الدولة والمجتمع. فالنسيج الاجتماعي الذي أصابه التمزق لا يلتئم تلقائياً، بل يحتاج إلى وعي عميق وإرادة سياسية صلبة لترميم الهوية الوطنية، وردم الفجوات التي تسللت منها، وبناء أسس لدولة لا تقوم على أنقاض الأزمات، بل تتجذر في العدل والاستقرار. فالانتصار ليس إسقاط كيان مسلح، بل في تأسيس نظام يحول دون ظهور كيان مماثل، وفي بناء وطن محصّن ضد التميز، عصيّ على التصدع، لا تتغذى مؤسساته على الصراعات، بل ترتكز على سيادة القانون، وتُعلي قيم المواطنة، حتى لا تتكرر المأساة في دورة أخرى.

إن سقوط الميليشيا، وإن كان منعطفاً مصيرياً، لا يعني بالضرورة محو الخوف المتجذر في الذاكرة الجمعية، ولا يضمن زوال الكراهية التي تغلغلت في النفوس. فالحرب، بطبيعتها، لا تنتهي بمجرد إسكات البنادق، بل تواصل حضورها في الوعي، تفرز أسئلتها القلقة، وتفرض تحدياتها الأشد تعقيداً: العدالة والمصالحة. وهنا، تُختبر الدولة لا كسلطة قهر، بل كحكومة قادرة على إدارة مرحلة ما بعد الحرب، حتى لا تتحول الهزيمة العسكرية للميليشيا إلى مجرد محطة في دورة أزلية من الفوضى. فالتاريخ يُعلِّمنا أن الفراغ، إن لم يُملأ ببناء راسخ، صار تربة خصبة لولادة أشكال جديدة من العنف، يعيد إنتاج الخراب بأقنعة مغايرة. أخطر ما قد تواجهه أمة خارجة من نفق الاحتراب هو أن تترك جراحها مفتوحة، نهباً لرياح الضعف والانقسام التي تنتظر فرصة جديدة لتقتات عليها. لذلك، فالهدم وحده ليس انتصاراً، ما لم يتبعه بناءٌ راسخٌ يعيد التوازن، ويمنح لكل ذي حقٍ حقه. وكما أن السلاح قد يسكت صوت الفتنة مؤقتاً، فإنه لا يستطيع اقتلاع جذورها إن لم تُجتث معها أسباب الظلم، وإن لم يُسدَّ فراغ العدالة الذي تتسلل منه الفوضى.

المسألة أعمق من مجرد استرداد المدن ورسم الحدود، إنها استعادة الإنسان، وانتشاله من الأنقاض التي شوهت وعيه وأربكت انتماءه. إنها لحظة إعادة تعريف الهوية الوطنية بعيداً عن تشظيات الأيديولوجيا وضجيج الانقسامات، لحظة يُكرَّس فيها سلطة القانون ليعلو فوق همجية السلاح، الانتصار لن يكتمل إلا حين ينعكس في نفوس الأفراد قبل أن يُسجَّل على خرائط الأرض. ومهما بلغت عظمتها، تظل لحظية ما لم تتبعها انتصارات أكثر عمقاً على جبهات الفكر، والاقتصاد، والسياسة. فالحروب قد تهزم الجيوش، لكنها لا تهزم الأفكار، ولا تمحو جذور الصراعات إن لم تُجتث بأدوات أكثر حكمة ورسوخاً. تكتمل الفرحة حين حين يتحول النصر من مجرّد تفوّق عسكري إلى نهضة شاملة، تعيد صياغة الوعي الوطني، وتمنح الشعوب أسباباً حقيقية للسلام والاستقرار. وتنتقل المعركة من ميادين السلاح إلى ساحات الأفكار التي تنبذ الكراهية، وتقتلع جذورها من العقول، وتكسر الدوائر المغلقة التي تعيد إنتاج العنف بأشكال جديدة. إنها لحظة فارقة، يُختبر فيها وعي الأمة وقدرتها على تجاوز الانقسامات، وردم الفجوات، وترميم النسيج الوطني بعيداً عن ثارات الماضي. فإعادة بناء الأوطان لا تُنجز عبر ركام الحروب، بل على أسس العدل والتنمية، لا يكون السلام حقيقياً إلا إذا كان مستداماً، ولا تكون الدولة منيعة إلا إذا كانت عادلة. فالقوة وحدها قد تفرض الاستقرار، لكنها تظل هشّةً إن لم تسندها عدالة حقيقية تحفظ الحقوق وتصون الكرامة. حتى لا تجد الحرب ما تقتات عليه وتعيد انتاج نفسها. فالحروب لا تندلع من فراغ، بل تولد من رحم الظلم، وتتغذّى على الإقصاء والتهميش، وتنمو في بيئة يغيب فيها العدل ويسود فيها الفساد.

abudafair@hotmail.com  

مقالات مشابهة

  • مدينة تحت الأهرامات .. اكتشاف خطير أم مجرد وهم؟
  • التأسيس لقانون الغاب على أنقاض القانون الدولي
  • هاكرز فى الظل.. المحتال الرقمى سرقة بلا أثر
  • الانتصار: هل يُعيد تشكيل الوعي لمستقبل واعد، أم مجرد فصل جديد في رواية لم يتغير سياقها؟
  • «مجرد».. أعمال تنبض بالعاطفة وتثير التأمل
  • ليلة القدر.. نفحات إيمانية ورسائل وطنية
  • الإدارة بين الأخلاق والنجاح فن القيادة الحقيقية
  • تاريخ مصرف لبنان.. شخصيات حكمت المركزي منذ التأسيس وحتى اليوم
  • عبد المسيح: دورة الصمود التي رُقِّي بموجبها 26 رتيبًا في أمن الدولة إلى رتبة ملازم تواجه اليوم خطر إلغاء مرسومها
  • عاجل: المواقع التي استهدفها الطيران الأمريكي مساء اليوم في صنعاء