رمضـان علـى الأبـواب.. فمـا أشبـه اليـوم بالبارحـة!
تاريخ النشر: 22nd, February 2025 GMT
أيام قليلة وتشرق شمس أول يوم في شهر رمضان المبارك، أيام وتبدأ معها دورة حياة أخرى لطالما انتظرناها عامًا كاملًا. ستأتي ليالي النور والضياء والخير والبركة، شهر يذكرنا بما قد مضى من أيامنا الخوالي، أيام تقربنا أكثر من الله تعالى عن غيرها من أيام الله وشهوره العظيمة. في هذا الشهر الفضيل عبر لا تُحصى، وموعظة ورثاء لأيام قد مضت من أعمارنا دون أن ندرك كيف تمضي الأيام سريعًا وتذهب بلا عودة.
إذا كان طرفة بن العبد هو أول القائلين عبارة «ما أشبه اليوم بالبارحة»، فإنها أيضًا مقولة شهيرة يرددها الكثير منا على ألسنتهم، لا سيما عندما تتشابه الحوادث وتتكرر المواقف وتتبدل الآراء والمبادئ. فمنذ شهور قليلة ماضية، كان هناك رمضان ثم ارتحل بكل ما فيه من أحداث وخصوصية لهذا الشهر العظيم، وها نحن اليوم نعد أيامًا أخرى ليعود إلينا من جديد، فما أسرعها من أيام!
ما نحن فيه اليوم هو حال ما سبق توديعه، وكأن الأيام تعيد نفسها، لكنها ليست بنفس الحال الذي تركتنا عنده، فمن لحظة إلى أخرى هناك عالم يأتي وآخر يرحل نحو الغياب، وليس للإنسان قدرة على إيقاف ساعة الزمن أو توالي الأيام.
رمضان ليس مجرد شهر هجري يأتي إلينا زائرًا كل عام، وإنما هو ناقوس يذكرنا بما قد نسيناه من حقوق وواجبات كتبها الله تعالى علينا، فهو أيضًا يزكي النفوس، ويعيد العقول إلى رشدها وصوابها، وهو فانوس مضيء يوقد شعلة الإيمان في قلوب الناس. في كل عام يأتي إلينا، يطرق أبواب قلوبنا الوجلة من خطوب الزمن، ويغرس في عقولنا خيم الذكريات التي ربما قد نسينا فصولًا منها. فرمضان وهج يجعلنا نتذكر من كانوا إلى جانبنا في رمضان السابق، وهذا العام يأتينا وقد أصبحت أماكنهم خالية من وجوههم المختفية في ثرى الأرض البعيدة.
رمضان هو أيضًا ضياء رباني ينير العقول بشعاع العلم والإيمان، ويقربنا نحو الخالق عز وجل في السماوات العلا. ففي كل ليلة من ليالي رمضان الفضيل تتجلى الخيرات، وتتنزل الرحمات، وتفيض البركات على العباد، وتُقضى الذنوب، وتُغفر الزلات، ويعتق الله عز وجل برحمته رقاب العباد.
إذا كانت البيوت قد استعدت لاستقبال شهر رمضان بإعداد قائمة عريضة من النواقص التي تشتمل عليها المائدة الرمضانية، فإن ما نصنعه بهذا يُعد عبئًا ماديًا تتحمله الأسر، ومع ذلك أصبح ضمن أولويات الشهر الفضيل، ومهمة لا بد من إتمامها بكل تفاصيلها. وهنا يظهر لنا كيف يمكن أن يكون هذا الشهر الفضيل فاتحة خير وثواب عظيم عندما نحس بما يحتاجه الآخرون من عطاء، وهم يتعففون عن مدّ أيديهم إلى الناس.
أيضًا، من الأمور المهمة والضرورية لاستقبال شهر رمضان الفضيل هو جانب الاستعداد النفسي والفطري الذي يجب أن يستشعره الإنسان المسلم في نفسه قبل حلول أيام الشهر المبارك. وهو جانب مهم يجب أن يكون موجودًا لدى الجميع، حتى وإن اختلفت مستوياتهم العمرية. لهذا الشهر منزلة عظيمة عند جميع المسلمين، ففيه أبواب يفتحها الله لعباده التائبين العائدين إلى رشدهم، والمقلعين عن فعل المعاصي. كما أنه فرصة ذهبية لكل من يريد أن يتقرب إلى الله تعالى من خلال الصيام والقيام وتقديم أعمال الخير لوجهه الكريم، بالعطاء الذي لا تشوبه شبهة الرياء ولا تفاخر بين الناس.
يأتي رمضان ليفتح صفحات قد لا تُفتح في شهور أخرى غيره، فهناك تلاحم مجتمعي، وقرب ديني، وعطاء لا ينضب معينه، بل يزيد من الخير والثواب أكثر فأكثر.
وقد يسأل سائل منا: لماذا نحب رمضان؟
نحبه لأنه شهر يزكي نفوسنا من شوائب الذنوب والتقصير في حقوق الله تعالى. نحبه لأنه يجمعنا على المحبة الخالصة لوجهه الكريم. نحبه لأنه يغرس في قلوبنا معاني الألفة والعمل الصالح، ويطرح عن ظهورنا النزاعات والشقاق والتفرقة، وينشئ جسور الود، ويشيع بيننا مبادئ التسامح، «فمن عفا وأصلح فأجره على الله». لذا، فإن لرمضان منزلة عظيمة في قلوب الناس لا يمكن أن تتكرر كثيرًا، فالمسلم الحقيقي هو الذي يُقبل على الله طالبًا منه العفو والصفح، راجيًا أن يمنحه العفو والغفران، ويمحو عنه الذنوب والمعاصي.
كما لا ننسى أبدًا أن لرمضان خصوصية مجتمعية، سواء في المنزل أو خارجه. فهناك منازل تُزين بزينة تبعث الفرح في النفوس، سواء لدى الصغار أو الكبار، كما أن هناك التزامًا بين الأسرة وبعضها البعض بالأمور الدينية، كالصيام والقيام وقراءة القرآن. وفي ليالي شهر رمضان، نشعر جميعًا بنفحات إيمانية عظيمة تتجسد في قلوب كل الصائمين، فهو شهر عظيم بكل ما فيه من خير للبشرية.
يقول الله تعالى في كتابه العزيز:
«(شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان فمن شهد منكم الشهر فليصمه ومن كان مريضًا أو على سفر فعدة من أيام أخر يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون)» (البقرة: 185).
لقد خص الله تعالى شهر رمضان بأن جعل فيه ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر، كما أنه شهر تُفتح فيه أبواب التوبة والغفران. وشهد رمضان الكثير من الأحداث الزمنية المحورية التي لا تُنسى من صفحات التاريخ الإسلامي.
إذًا، نحن على مقربة من شهر عظيم، فيه من الخير العميم. فلنستعد له بما نستطيع حتى ننال الثواب والجزاء من الله عز وجل، ونسأله أن يتقبل منا الصيام والقيام، وأن يرحم موتانا وموتى المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها.
اللهم بلغنا رمضان، لا فاقدين ولا مفقودين، واجعلنا من أهل الجنة.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الله تعالى شهر رمضان من أیام
إقرأ أيضاً:
خطيب الجامع الأزهر: تقوى الله أقوم سبيل للطمأنينة في الدنيا والسعادة بالآخرة
ألقى خطبة الجمعة، اليوم، بالجامع الأزهر، الدكتور ربيع الغفير، أستاذ اللغويات بجامعة الأزهر، ودار موضوعها حول "الاستعداد لشهر رمضان".
استقبال مواسم الطاعات بتوبة صادقةقال الدكتور ربيع الغفير، إن تقوى الله أمثل طريق وأقوم سبيل للطمأنينة في الدنيا والسعادة في الأخرة، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾، لذلك يجب على المسلم الاستعداد لشهر رمضان، وأجلُّ ما يستقبل به هذا الشهر: سلامة الصدور، وطهارة القلوب، وتزكية النفوس، والسيرة لا تطيب إلا بصفاء السريرة ونقاء القلوب، لأنه لا يوجد أجلُّ من استقبال مواسم الطاعات بتوبة صادقة نصوح لله جل وعلا، فيستقبل هذه المواسم، وقد أقلع وتخلَّى عن ذنوبه ومعاصيه التي لطالما قيَّدته، وحرمته من كثير من الطاعات والحسنات ومن أبواب الخيرات.
وأوضح، أنه يجب على كل مسلم أن يحرص على ألَّا يدخل عليه رمضان إلا وهو طاهرٌ نقيٌّ، فإن رمضان عطر، ولا يعطر الثوب حتى يغسل، وهذا زمن الغسل، فاغتسلوا من درن الذنوب والخطايا، وتوبوا إلى ربكم قبل حلول المنايا، واتقوا الشرك فإنه الذنب الذي لا يغفره الله لأصحابه، واتقوا الظلم فإنه الديوان الذي وكله الله لعباده، واتقوا الآثام، فمن اتقاها فالمغفرة والرحمة أولى به، قال تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ﴾.
خطيب الجامع الأزهروحث خطيب الجامع الأزهر المسلمين على السباق في ميادين الطاعات، ومضمار القربات؛ ليدخل شهر رمضان وقد تهيَّأ العبد تهيئةً إيمانيةً، فيدرك من حلاوة الصيام ولذة القيام ما لا يقدر قدره، فإن قلوب المؤمنين تترقب بلهفةٍ ذاك الشهرَ العظيم، والضيفَ الكريم، الذي يرونه نعمة كبرى، وهبةً عظمى من الرب الكريم، لهذا كان السلفُ -رضي الله عنهم- يجعلون دخول شهر شعبان للاستعداد المبكّر لاستقبال رمضان، حتى لا يدخل عليهم الشهرُ الفضيل إلا وقد روّضوا أنفسَهم على ألوانٍ من الطاعات والقُربات، فشهر شعبان بمثابة الفترة التدريبية التي تسبق دخول مضمار السباق، والبوابةَ الممهِّدة للدخول في السباق الأخروي، فالخيل التي لا تُضمَّر ولا تَتَدرب؛ لا تستطيع مواصلة السباق وقت المنافسة كما ينبغي، بل قد تتفاجأ بتوقّفها أثناء الطريق.
وأضاف أن العاقلُ من عرف شرف زمانه، وقيمة حياته، وعظّم مواسمَ الآخرة، واستعد لهذا الزمن العظيم من الآن، وهيأ قلبَه ليتلقى هبات الله له بقلب سليمٍ، متخفِّف مما ينغّص عليه التلذذ بالطاعات، كأن يجتهد الإنسان في إنهاء ما قد يشغله في رمضان من الآن، وأن يتدرب على بعض أعمال رمضان كصيام ما تيسر من أيام شعبان، وأن يزيد قليلاً على نصيبه المعتاد من صلاة الليل، وأن يزيد قليلاً على وِرده الذي اعتاده من القرآن.
وفي ختام الخطبة، أكد أهمية التدرب على تلاوة القرآن الكريم في شعبان، كما أن من أعظم ما يعين على تهيئة النفس لرمضان: كثرةُ الدعاء، والإلحاحُ على الله تعالى في أن يبارك له في وقته وعمره، وأن يبارك له في شعبان ورمضان، وأن يجعله في رمضان من أسبق الناس إلى الخير؛ فإن العبد مهما حاول فلا توفيق ولا تسديد إلا بعون الله وتوفيقه، والعبدُ مأمورٌ بفعل الأسباب، واللهُ تعالى كريم، لا يخيّب مَن وقف على بابه، وفعل ما بوسعه من الأسباب.