د. عبدالله الغذامي يكتب: الوعي والتجييش
تاريخ النشر: 22nd, February 2025 GMT
إذا استحضرنا كلمة الوعي، فنحن بالضرورة نلغي كلمة الهيمنة، فالوعي نقيض التسلط، وهو الذي ينقذنا من مغبة تسليم عقولنا لغيرنا، والتسلط في أصله يبدأ ذهنياً، ثم يتحول لجسدي حين تعجز العقول عن الصمود في وجه المعتدي على أذهاننا أو على نفسياتنا، وأول عمل يعمله المؤدلجون هو تحييد العقول ونزع سمة الواعي الذي من خاصيته أنه يطرح السؤال، ولا يبلع حبة الدواء حتى يعرف وظيفة هذه الحبة، وسبب دخولها لجسده، وكذلك حين يسأل عن سبب تقديم فكرة لنا، وهل هي فكرة صحية أم تشوبها شوائب؟، وهنا نمارس الوعي ونقاوم التسلط.
أما وسائل التواصل العامة فهي (الكاشفة المكشوفة) كما وصفتها في كتابي (ثقافة تويتر)، أي أنها لا تصنع أمزجتنا ولا تنمط تفكيرنا، هي فقط تكشف ما هو فينا، وتمدنا بوسيلة لكشف مضمرنا الذي كان مستوراً فجاءته فرصٌ كي يتكشف خاصة في لحظات رد الفعل المتبادل بين المتابعين، وهذه أخطر لحظات وسائل التواصل المفتوحة. وفي هذا الجو تتوافر سبل انتهاز الفرص من حيث تحريك المشاعر تجاه أمرٍ ما قد يكون طرأ مصادفةً، فيجري توظيفه لنبش بواطن الأمور، خاصةً إذا كان الحدث يلامس المشاعر العميقة الحسن منها أو الخبيث، ونحن مكونات ذهنية فيها الطيب، وفيها غيره، وأي حدث يتفجر في منصة (X) مثلاً يتعرض الوعي للغياب بسبب قوة جاذبية الحدث، وهنا تتقافز فرص الاستثارة غير المتعقلنة لأن تسارع ردود الفعل يصنع خطاباً له قدرةٌ على عزل الحدث نفسه وعزل ظرفه، وعزل مسبباته، ثم يشرع في بناء حدث افتراضي يتصنع عبر المنشورات المتوترة أصلاً بسبب وقع الحدث ولكنها تتجاوز الحدث كي تبتكر جوها الخاص، ولا يجري استحضار الوعي إلا بعد أن يكون التجييش قد بلغ مداه. وهنا نلحظ كيف يجري إلغاء الوعي أولاً، ثم حشو فضاء الاستقبال بالمواد السامة المستوردة من مخازن الضغينة والتجييش الجاهلي.
كاتب ومفكر سعودي
أستاذ النقد والنظرية/ جامعة الملك سعود - الرياض أخبار ذات صلة
المصدر: صحيفة الاتحاد
كلمات دلالية: الغذامي عبدالله الغذامي
إقرأ أيضاً:
مبارك اردول: تعليقا على حوار الحلو في قناة العربية الحدث
تعليقا على حوار الحلو في قناة العربية الحدث…
استمعت لحوار لقائد الحركة الشعبية عبدالعزيز الحلو على قناة العربية الحدث ظهر أمس، حاولت اتفهم وجهة نظره من خلال هذا الحوار خاصة بعد ان تمرغ يداه في حلف مع مليشيا الدعم السريع، بكل تاريخ انتهاكاتها الحديثة، وهو بكل الحسابات السياسية والأيدلوجية والعسكرية ابعد شخص وتنظيم كان من ان يتقارب معها.
كان الحوار طوله حوالي نصف ساعة تقريباً، أحصيت انه خلال الحوار ذكر اسم حركته التي ورث قيادتها عن القائد يوسف كوة مكي منذ ما يقارب ال(٢٢) عام في مرات معدودة ، بينما ذكر الدعم السريع في معرض حديثه (١٩) مرة وكان في حالة دفاع وتبرير للخطوة التي اقدم عليها، كاد ان يكون الحوار محاولة تبييض وجه الدعم السريع الملطخ بدماء والالام وأنين الابرياء، ولم يكن لاستعراض سياسي لشخص قليل الحديث مثله.
النقطة المركزية التي حاول التمسك بها هي ان الدعم السريع فوق كل الذي قام به انه بمجرد ان وقع معهم على (وثيقة التأسيس) التي احتفى بها منحته صك الانتماء الى صفوف من يناضلون من اجل قضايا عادلة امتدّت لعقود من الزمان، بل يجلوسوا في الصفوف الأمامية!! ويجلس شخص مثل القائد جقود مكوار خلفهم!!!.
في التاريخ السياسي شخصية ممتهنة للقتل والانتقام مثل قادة الدعم السريع ورغم انتماءهم من حيث الطبقة والإثنية والجهة لصفوف المقهورين ولكنهم قام بدور الاذلال والتنكيل كانت موجودة، فمثلما فعل حميدتي قام بوتوليزي في السابق في جنوب إفريقيا إبان عهد نضال الزعيم مانديلا بنفس الدور في اقليم كوازولونتال تمثلت في انتهاكات ومجازر ضد السود الذين كانوا يناضلون ضد نظام الفصل العنصري، لم يقبل ام يفكر قادة الموتمر الوطني الأفريقي ولاحقا حركة الشاب جوليوس معلما حتى اليوم بان يتواجدوا في سقف واحد مع بوتوليزي، ولا ان يضموا بوتوليزي الي صفوفهم ورغم انتماءه لنفس اقليم الرئيس الأسبق للمؤتمر الوطني الأفريقي جاكوب زوما،.
الهامش الرث لا يمكن أن يكون ضمن صفوف الثورة كتنظيم او مجموعات او تمتد يد التحالف معه، فالثورة رأسمالها النبل واستمراريتها تكمن في التضحية من أجل المهمشين، ليس الانتقام الإثني وسياسة العقاب الجماعي والقتال بسياسة الارض المحروقة، لايمكنك غسل يد الدعم السريع بكل مساحيق الغسيل في العالم ولايمكنك أن تقدم حجج مقنعة إذا كتبت مجلدات بلماذا وضعت يدك معهم او سعيت لتحسين صورتهم؟
إذا تركنا كل الذي حدث قبل ١٥ أبريل ٢٠٢٣م جانبا وركزنا فقط على ما حدث وشاهدنا بانفسنا ما حدث بعدها، كان الأفضل لك اتخاذ موقف الرفيق عبدالواحد الذي نأى بنفسه وتاريخه وحركته ووفر عبارات التبرير التي كان سيبذلها إذا وضع يده مثلك معهم امام الخطاب السياسي والحشد التحاجج التي ظل يرددها عن اغتصاب الارض والمستوطنين الجدد في إقليم دارفور طيلة الثلاث عقود الماضية.
الحوار برغم انه ظل مرتبكا ومحتشدا بعبارات التبرير واتخاذ موقف اسقاط سيف الإدانة مقابل التوقيع على وثيقة نيروبي، فات على الحلو أن الوثيقة هي مجرد ورقة سيحتفي بها هو وجوقته المحدودة وستطلع عليها بقية النخبة السياسية بفتور وستقابلها بعدم قبول وعدم تصديق طالما سبقت ممارسات شريكه الجديد كل ما سيكتبه من مثالية وتظاهر بالتوقيع وقبول قضايا معقدة وصعبة البت فيها لفترات، فقد وصل الحال انه إذا وقع الدعم السريع على وثيقة استسلام فان درجة قبوله معدومة والتفاعل معه ستكون مشكوك فيها.
المعارك العادلة لا تخاض بالأدوات الصدئة ولا يحتاج اغلب مواطني السودان ان يخبرهم أحد قائداً كان او سياسي عن الدعم السريع ومايمكن أن يفعله، فقد ظلت المناطق التي وصل اليها شاهدة وحاكية بنفسها عن ما فعله منسوبوها ، بل الشعب انت محتاج ان تسمع له ويقودك بسردياته للوجهة السياسية ويرسم برأيه العام خارطة التحالفات، فمقام هؤلاء ليست قاعات التحالف السياسي ومشروعات النضال من أجل الحرية والكرامة لا يمكن أن يكونوا جزءا منه.
اخيرا تحالف المعسكرين الاشتراكيين في روسيا والصين مع الغرب رغم تنافرهم من أجل القضاء على النازية ووهم التفوق العرقي والفاشية وبربرية اليابان ورغم العداء التاريخيّ بينهم ولكنهم قدروا ان بقاء هؤلاء يهدد الجميع ، ليت من قدموا لك النصح بالتحالف مع هـؤلاء ان يطلعوا على التاريخ ويقرأوا ويفككوا تعقيدات مثل هذه .
اعلم أن الحركة الشعبية يمكن أن تكسب سلاح مادي لتحقق بها بعض المكاسب الميدانية بعد هذا التحالف الذي لوث شرف القضية وعدالتها، ولكنها خسرت سلاح معنوي وهو السلاح الأقوى ، وهو الموقف الأخلاقي السليم (High Moral Ground) الذي تميز بمناهضة الظلم والاستبداد والتي خرج الملايين لاستقبال قرنق في الخرطوم رغم حملات التشويه الممنهجة ضده، ظل المناضل أيقونة في مناهضة الظلم واحترام حقوق الإنسان وهذا اكبر دافع الإستمرارية الطويلة في النضال رغم كل الظروف ، فليس بالسلاح وحده استدام النضال وانتصرت القضايا.
مبارك اردول