خطة ترامب بالتهجير بدت غير قابلة للتطبيق على الأرض، ومع الإفراط في تداولها بدت كأنها خطة تمويه لأمر آخر لم ينكشف للكثيرين. القائلون بجهل ترامب بالتاريخ يغفلون علمه بالتجارة وهو يفكر كتاجر، لذلك لا نراه يعرض في السوق سلعة غير قابلة للبيع، أو على الأقل هناك صاحب سلعة لا يشاركه الصفقة وأعني الفلسطيني صاحب الأرض وموضوع التهجير، لقد دفع ثمن الأرض دوما وفضل الموت فوقها على الهجرة إلى أمكنة قد يكون فيها رفاه كبير.
خطة التهجير تمويه لأمر أهم من التهجير ولترامب فيه شركاء ما زالوا يواصلون الكذب على الجمهور الطيب. هناك انتصار عظيم في غزة والمنتصرون يستعرضون قوتهم بما يعني أنهم مستعدون للمزيد من المواجهة، أي أن عدوهم يفكر ألف مرة الآن في العودة إليه محاربا، لكن لا يجب أن يتمتع الفلسطيني بنصره ويجب إذلاله وتجريده من سلاحه. كيف يمكن تفريغ الانتصار من زخمه ليثقل بهزيمة نفسية؟ ومن سيتكفل بالمهمة القذرة؟
ترامب وشركاؤه
ترامب لا يتحرك وحده بل له شركاء، وقد سماهم وهو في وضع الإملاء عليهم. وفي ظني أن قدرته على الإملاء لا تأتي من أن له عليهم يد وفضل مالي فحسب، بل لأنه أعرف منهم بأن الفلسطيني المنتصر يشكل وحيا للجمهور في دول هؤلاء الشركاء
ترامب لا يتحرك وحده بل له شركاء، وقد سماهم وهو في وضع الإملاء عليهم. وفي ظني أن قدرته على الإملاء لا تأتي من أن له عليهم يد وفضل مالي فحسب، بل لأنه أعرف منهم بأن الفلسطيني المنتصر يشكل وحيا للجمهور في دول هؤلاء الشركاء. انتصار الطوفان وقد كملته حماس باستعراض قوة؛ حسّن المزاج النفسي للشعوب وحرّض خيالها على أمر، فإذا كان جيش العدو قابلا للهزيمة فإن شرطة هؤلاء أهون وأقل تسليحا. إن ترامب وشريكه العربي يعرفان أن عروشهم على فوهات براكين، والطوفان أيقظ كل البراكين.
لقد ناصروا العدو لكي لا تصلهم أمواج الطوفان أو نيرانه، لكن رغم ذلك انتصرت حماس والمقاومة (الأطروحة والأشخاص)، وشركاء ترامب العرب الآن واقفون في صف المهزوم ويحتاجون غسل العار، وهذا ما يعرفه ترامب. كيف نقلل من حجم النصر فتظهر حماس قاصرة وعاجزة فيثور عليها جمهورها (ثم تقول الأنظمة لشعوبها انظروا إن حماس فاشلة ولا يمكن الاقتداء بها أو إن رجال حماس شجعان لكنهم عاجزون عن الإدارة فلا تتبعوهم)؟
خطة ترامب بالتوافق مع الأنظمة نرسل تهديدا بالتهجير، ولا نتابع التهديد بأي إجراء ميداني كنقل قوات عسكرية. نمنح فرصة للأصدقاء (وبرقابهم عار غزة) ليتسلطنوا بالتهديدات التي نعرفها ولا تزعجنا، نغطي في مرحلة أولى الحديث عن بقعة الضوء الكبيرة التي أرسلها الطوفان إلى كل مكان. هكذا ننقل الحديث بسرعة عن مفاعيل الطوفان إلى كيفية التصدي للتهجير (هذا جزء من الخطة)، وصار الحديث عن كرم السيسي أهم من معاناة من يتلقى المساعدة (حتى الآن تم التنظيف بنجاح، فالسيسي صار بطلا قوميا بمال قطري).
هاتوا المال وانسوا التهجير
هذا جانب آخر من رسائل التهديد بالتهجير؛ الآن وقد خفتم من الفلسطيني عليكم القيام بأمور مهمة وإلا.. (نعود إلى التهجير).
المال مقابل عدم التهجير هذا حديث التاجر وهو موجه للسعودية بالخصوص، فهي ليست عند ترامب أكثر من "كدس فلوس" يمكن له أن يغرف منه بقدر ما يشاء.
يمكن أيضا التخفف من عبء مساعدات مصر والأردن، فلا شيء يلزم ترامب بمساعدة جيش لا يحارب أو ليس له عدو ولا معركة. ليس لإسرائيل عدو في مصر (وفي الأردن) غير شعب مصر، وهذا تتكفل به شرطة مدربة ومسلحة تسليحا كافيا، ولو بدون مساعدة أمريكية. لقد وضع ترامب وعلى طريقة قائد عصابة؛ المسدس على بعض الجماجم وليس في نيته قتلها لأنه يعرف أن لها في جيوبها ما به تفتدي وستفتدي، وتظن نفسها غنمت سلامتها من فلسطيني مهاجر.
محاصرة الطوفان
الطوفان لا يخيف ترامب بقدر ما يخيف الجوارَ العربي، إن لديه علما بعمق الموجة التحررية التي أطلقها الطوفان، وقد عمل الجوار أثناء المعركة على قهر الشعوب فلا تتعاطف ولا تشارك، ولكن الفكرة لا يمكن حصارها. إنه يتخيل الصورة التالية؛ حماس منتصرة وباقية في غزة فاعلا وحاكما، أي نجاح في القتال ونجاح في الحكم وبمال يرسلونه للتغطية على خيانة المعركة. وترجمة هذه الصورة أن نصر الطوفان سيتوسع ويمتد بالقوة إلى الشعوب المقهورة، متى وكيف؟ هذه أسئلة تشغل الجوار، لذلك يحتاط لها بتفريغ النصر من قوته بوضع مطلب نزع سلاح المقاومة على طاولة تفاوض وتهجير المقاتل، كما حصل لقوات فتح من بيروت العام 1982.
التهجير لم يكن هدفا حقيقيا لترامب، كان الهدف إعادة تدوير الأنظمة وقد حصل، وتهيئة الأرض لطمس النصر بحديث اليوم التالي، حيث يمكن لمن خان المعركة أن يدس أنفه في الحكم بعدها. هذه معركة أخرى سيفوز بها الفلسطيني الذي دفع ثمن حريته
إن مقاومة أثر الطوفان وتقليل مكاسب المقاومة أو محوها نهائيا، مطلب يلتقي فيه العدو مع النظام العربي الرسمي. وهذا ليس جديدا، فقد كان الفلسطيني وقضيته مزعجا لهذه الأنظمة، إنها لا تفلح في تجاهل الفلسطيني لأن الشعوب متعاطفة معه ولكنها لا تريد له أن ينتصر لأن نصره يمتد لها فيسقطها، فضلا على أنه ما دام الملف مفتوحا فيمكنها العمل دوما مثل نظام البعث السوري وإن بمفردات مختلفة (تحقيق التوازن الاستراتيجي مع العدو).
يوشك نصر الطوفان أن يقلب المعادلة، فلا تجد هذه الأنظمة ذريعة لقمع شعوبها باسم المعركة القومية، وتوشك أن تفقد سبب وجودها القائم على خدمة العدو وحمايته من هزيمة.
لقد اتضحت صورة المستقبل بنصر الطوفان؛ العدو قابل للهزيمة وتغيير المنطقة ممكن جدا، بما يعني نهاية الأنظمة العربية التي عاشت من كسر جناح الفلسطيني خدمة للعدو حتى صار بقاؤها مرتهنا ببقاء العدو. هذه حقيقة قديمة ظهرت في كل معارك الفلسطيني، ولكن الطوفان جلّاها وأخرجها إخراجا قويا ومقنعا وواعدا بأمل حقيقي.
التهجير لم يكن هدفا حقيقيا لترامب، كان الهدف إعادة تدوير الأنظمة وقد حصل، وتهيئة الأرض لطمس النصر بحديث اليوم التالي، حيث يمكن لمن خان المعركة أن يدس أنفه في الحكم بعدها. هذه معركة أخرى سيفوز بها الفلسطيني الذي دفع ثمن حريته.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه ترامب الفلسطيني التهجير غزة الطوفان فلسطين غزة تهجير طوفان ترامب مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة اقتصاد سياسة سياسة رياضة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة
إقرأ أيضاً:
محافظة صنعاء تشهد مسيرات ووقفات حاشدة نصرة للشعب الفلسطيني وتأكيدا على الجهوزية
يمانيون/ صنعاء شهدت محافظة صنعاء اليوم، مسيرات ووقفات حاشدة تحت شعار” وإن عدتم عدنا”، استمرارًا في نصرة الشعب الفلسطيني، وتأكيدا على الجهوزية لمواجهة العدو الأمريكي الصهيوني.
ورفع المشاركون في المسيرات والوقفات التي أقيمت عقب صلاة الجمعة في مديريات المحافظة، العلمين اليمني والفلسطيني، ورددوا الشعارات المنددة بالتهديدات الصهيونية والأمريكية لشعوب المنطقة.. مؤكدين الاستعداد والجهوزية لخوض المعركة المباشرة معهم.
ونددوا باستمرار العدو الصهيوني في خروقاته واعتداءاته في الضفة الغربية وقطاع غزة ما أدى إلى ارتفاع حصيلة الضحايا إلى 48 ألفا و319 شهيدا، و111 ألفا و749 مصابا منذ بداية العدوان على غزة.
وأكد المشاركون أن هذه الجرائم والمجازر الوحشية لم تكن لتحدث لولا الدعم الأمريكي لكيان العدو الصهيوني وتخاذل الأنظمة العربية والإسلامية.
وجدد بيان صادر عن المسيرات والوقفات، التأكيد على الوقوف إلى جانب الشعب الفلسطيني حتى تحرير أرضه وطرد المحتل.. محذرا المجرم ترامب من محاولات تهجير الشعب الفلسطيني.
وأدان تهديدات المجرم نتنياهو لأهل الضفة الغربية.. مؤكدا أن أي تصعيد سيعود عليه بالنكال.
ودعا البيان القادة العرب إلى اتخاذ مواقف حازمة لرفض مشروع التهجير بحق الشعب الفلسطيني والمبادرة إلى دعم صموده وثباته من خلال إعادة إعمار قطاع غزة وتقديم كافة المستلزمات الحياتية لأهالي القطاع.
واستنكر تعاون السلطة الفلسطينية مع العدو الصهيوني في استهداف المجاهدين بالرغم من معرفتها بمخططات ضم الضفة الغربية والتهويد والاستيطان.