قال الشيخ الدكتور عبدالباري الثبيتي، إمام وخطيب المسجد النبوي ،  إن شهر رمضان ميدان سباق لمن عرف قدره، ومنبع إشراق لمن أدرك سره، وموسم عِتق لمن أخلص أمره، وروضة إيمان لمن طابت سريرته واستنار فكره. 

موسم عتق

واستشهد “ الثبيتي” خلال خطبة الجمعة الرابعة من شعبان اليوم من المسجد النبوي بالمدينة المنورة ، بقوله ـ صلى الله عليه وسلم  ـ (من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه)، منوهًا بأن هذا رمضان خيراته تتدفق، وأجوره تتزاحم وتتلاحق.

وأوصى  المسلمين بالاستعداد له استعدادًا يليق بمقامه، وسلوكًا يرتقي لنعمه وإجلاله، مشيرًا إلى أنه قد لاحت بشائر رمضان، واقترب فجره، وتاقت القلوب لنوره، هو تاج الشهور، ومعين الطاعات، نزل القرآن في رحابه، وعزّ الإسلام في ظلاله، وتناثرت الفضائل في سمائه.

وأوضح رمضان أيامه معدودة، وساعاته محدودة، يمر سريعًا كنسيم عابر، لا يمكث طويلًا، لافتًا إلى أن  الاستعداد لرمضان يكون بتهيئة النفس، ونقاء القلب، وإنعاش الروح، من خلال تخفيف الشواغل، وتصفية الذهن.

وأفاد بأن راحة البال تجعل الذكر أحلى، والتسبيح أعمق، وتمنح الصائم لذة في التلاوة، وأنسًا في قيام الليل، مشيرًا إلى أن تهيئة القلب تكون بتنقيته من الغل والحسد، وتصفيته من الضغينة والقطيعة وأمراض القلوب.

وبين أنه لا لذة للصيام والقلب منشغل بالكراهية، ولا نور للقيام والروح ممتلئة بالأحقاد،  ناصحًا المسلمين إلى تنظيم الأوقات في هذا الشهر الفضيل، فلا يضيع في اللهو، ولا ينشغل بسفاسف الأمور، وخير ما يستعد به العبد الدعاء الصادق من قلب مخبت خاشع.

شهر القرآن

ولفت إلى أن رمضان شهر القرآن، ولتلاوته فيه لذة تنعش القلب بهجةً وحلاوة تفيض على الروح قربًا، ففي تلاوة القرآن يشرق الصدر نورًا، وبكلماته تهدأ النفس سرورًا، وبصوت تلاوته يرق القلب حبًا، فتشعر وكأن كل آية تلامس روحك من جديد، وكأن كل حرف ينبض بالحياة.

وأبان أن رمضان مدرسة الإرادة وساحة التهذيب، يدرّب الصائم على ضبط شهواته، وكبح جماح هواه، وصون لسانه عما يخدش صيامه، فيتعلّم كيف يحكم زمام رغباته، ويُلجم نزواته، ويغرس في قلبه بذور الصبر والثبات، وهذه الإرادة التي تربى عليها المسلم في رمضان تمتد لتشمل الحياة كلها، فمن ذاق لذة الانتصار على نفسه سما بإيمانه وشمخ بإسلامه فلم يعد يستسلم للهوى، ولا يرضى بالفتور عن الطاعة.

قوة حية

واستشهد بقولة تعالى (وَٱلَّذِينَ جَٰهَدُواْ فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا)، لافتًا إلى أن رمضان بشعائره ومشاعره محطة ارتقاء بالإنسان، ورُقِيّ بالحياة، فهو يبني الإنسان الذي هو محور صلاح الدنيا وعماد ازدهارها، ويهذب سلوكه، ويسمو بأهدافه.

وأشار إلى أن العبادة ليست طقوسًا جامدة، بل قوة حية تغذي الإنسان ليبني المجد على أسس راسخة من الدين والأخلاق والعلم، مستشهدًا بقوله تعالى: (إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ).

ونوه بأن الله تعالى اختص المريض والمسافر برخصة، فجعل لهما فسحةً في القضاء بعد رمضان، مستشهدًا بقوله تعالى: (يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ)، مبينًا أن التشريع رحمة، وأن التيسير مقصد.

ونبه إلى أن الصيام لم يُفرض لإرهاق الأجساد، بل لتهذيب الأرواح، وترسيخ التقوى، فأوجه العطاء في رمضان عديدة، وذلك من خلال إنفاق المال، والابتسامة، وقضاء حوائج المحتاجين ومساعدتهم، والصدقة الجارية، وقد كان ـ صلى الله عليه وسلم ـ أجود ما يكون في رمضان ، عطاؤه بلا حدود، وكرمه بلا انقطاع، يفيض بالجود كما يفيض السحاب بالمطر، لا يرد سائلًا، ولا يحجب فضلًا.

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: خطيب المسجد النبوي خطبة الجمعة من المسجد النبوي إمام وخطيب المسجد النبوي المزيد ا إلى أن

إقرأ أيضاً:

دموع الفخر في ميدان السبعين .. شهادة حيّة من قلب المليونية اليمنية

مبارك حزام العسالي
لم أتمالك دموعي وأنا أعيش لحظات الحشود المليونية التي ملأت ميدان السبعين اليوم. لم تكن مجرد أعداد غفيرة رأيتها عبر الشاشات، بل كنت هناك، في قلب هذا السيل البشري الهادر، أستشعر عمق الإيمان وصلابة الموقف وعظمة الانتماء. كان مشهداً حيّاً يختزل في طياته معاني العزة والكرامة، ويؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أن من يمتلك شعباً بهذه الروح الوثابة والإرادة الصلبة، لهو عصيّ على الانكسار، مهما تكالبت عليه قوى الشر والطغيان.

إن هذا الشعور العميق بالتأثر والفخر الذي غمرني وأنا جزء من هذا المشهد المهيب، لم يكن وليد اللحظة، بل هو نتاج إدراك عميق لدلالات هذه المليونية المهيبة التي حملت عنواناً واضحاً وصريحاً: “جهاد وثبات واستبسال.. لن نترك غزة”. لقد خرج هذا الشعب اليمني الأبيّ ليقول كلمته الفصل في وجه العدوان الأمريكي السافر على أرضه، عدوانٍ يستهدف ثنيه عن واجبه الأخلاقي والإنساني والقومي تجاه قضية فلسطين، وتجاه إخوانه المحاصرين في غزة.

إنها رسالة مدوية انطلقت من قلب اليمن الصامد، وشهدتُ بنفسي كيف ارتفعت حناجر الملايين بها، لتصل إلى أرجاء المعمورة، مفادها أن هذا الشعب، ورغم ما يعانيه من تحديات وصعاب، ورغم سنوات الحصار والعدوان، لم ولن يتخلى عن قيمه ومبادئه، ولن يتوانى عن نصرة المظلومين والوقوف إلى جانب الحق. لقد تجسدت أمامي في هذه الحشود روح التضحية والفداء، والإصرار على المضي قدماً في طريق الجهاد والثبات، مهما بلغت التضحيات.

إن خروج هذه الملايين المؤمنة في هذا التوقيت بالذات، يحمل دلالات بالغة الأهمية وشعرت بها وأنا أقف بينهم. فهو أولاً، تعبير صادق عن الغضب الشعبي العارم تجاه العدوان الأمريكي الغاشم الذي يستهدف سيادة اليمن وأمنه واستقراره. وهو ثانياً، تأكيد لمسته في عيون الحاضرين على أن هذا العدوان لن يحقق أهدافه الخبيثة في إضعاف إرادة اليمنيين أو ثنيهم عن دعم قضية غزة العادلة. بل على العكس، فإن هذه الاعتداءات لن تزيدهم إلا صلابة وعزيمة وإصراراً على مواصلة طريق المقاومة والنصرة.

إن هذا المشهد المهيب في ميدان السبعين الذي كنت جزءاً منه يبعث برسالة أمل وتفاؤل إلى الأمة العربية والإسلامية جمعاء. إنه يذكرنا بأن جذوة العروبة والإسلام لا تزال متقدة في قلوب الأحرار، وأن هناك شعوباً لا ترضى بالضيم ولا تستسلم للظلم، بل تنتفض في وجه الطغاة وتعلنها صريحة مدوية: لن نتخلى عن إخواننا، ولن نخذل قضيتنا.
إن اليمن، بهذه المليونية المباركة التي تشرفت بحضورها، يسطر فصلاً جديداً في تاريخ العزة والإباء. إنه يثبت للعالم أجمع أن لديه شعباً عظيماً، شعباً يمتلك من الوعي والإيمان والصلابة ما يجعله قادراً على مواجهة أعتى التحديات ودحر أخبث المؤامرات. شعباً كهذا، حقاً لا يمكن أن يُهزم، لأنه يستمد قوته من إيمانه بالله، ومن وحدته وتلاحمه التي رأيتها بأم عيني، ومن إصراره على الدفاع عن الحق والعدل.
فالتحية لليمن، شعباً وقيادة، على هذا الموقف الشجاع والتاريخي. والتحية لهذه الحشود المليونية التي كنت واحداً منها وأثبتت للعالم أجمع أن اليمن سيبقى سنداً وعوناً لفلسطين وغزة، وأن العدوان لن يزيده إلا قوة وثباتاً على الحق. إن دموعي التي انهمرت فرحاً وفخراً بهذا المشهد العظيم، هي دموع أمة تستمد العزيمة والأمل من صمود هذا الشعب الأبيّ. فمن يمتلك شعباً بهذه العظمة، حقاً لا يمكن أن تغلبه قوى الأرض مجتمعة.
* المقال يعبر عن وجهة نظر الكاتب

مقالات مشابهة

  • ملتقى الأزهر: بيت المقدس أرض المحشر والمنشر وموضع البعث يوم القيامة
  • خارج الأدب | علي جمعة يوجّه تنبيها مهمًا لهؤلاء الطلاب
  • 500 جنيه زيادة على بطاقة التموين لهؤلاء.. كيف تستفيد من الدعم الإضافى؟
  • رمضان عبد المعز: الأخوّة نعمة إلهية وأعظم سند وشفيع في الآخرة.. فيديو
  • رمضان عبد المعز: الأخوّة نعمة إلهية.. وهي أعظم سند في الدنيا وشفيع بالآخرة
  • تزامنًا مع شم النسيم.. الحبس وغرامة 10 آلاف جنيه لهؤلاء التجار
  • نور على نور
  • شاهد | رسائل المشاركين في ميدان السبعين ردًا على الجرائم الأمريكية
  • دموع الفخر في ميدان السبعين .. شهادة حيّة من قلب المليونية اليمنية
  • علي جمعة: التمكين الدنيوي للظالمين لا يعني رضا الله عنهم فلا تيأس وثق فى الله