جنوب أفريقيا تتقرب من أوروبا وسط تراجع العلاقات مع أميركا
تاريخ النشر: 21st, February 2025 GMT
مع تصاعد التوترات الجيوسياسية، تراجعت العلاقات بين جنوب أفريقيا والولايات المتحدة بشكل ملحوظ، بعد أن فرضت إدارة الرئيس دونالد ترامب سياسات عقابية تجاه بريتوريا.
وفي المقابل، يبدو أن الاتحاد الأوروبي قد استغل الفرصة لتعزيز علاقاته مع جنوب أفريقيا، في خطوة تؤكد الدور الأوروبي المتنامي في القارة الأفريقية وسط تراجع النفوذ الأميركي.
وجاء التحرك الأوروبي بعد سلسلة من التوترات بين بريتوريا وواشنطن، حيث قررت الأخيرة تعليق بعض برامجها الاقتصادية مع جنوب أفريقيا، مع انتقادات علنية من جانب مستشاري ترامب، بمن فيهم إيلون ماسك الذي زعم أن حكومة جنوب أفريقيا تمارس "إبادة جماعية" ضد المزارعين البيض.
وقد زادت هذه التصريحات من حدة التوتر، خاصة مع سياسات ترامب الحمائية التي فرضت رسومًا جمركية عالمية متبادلة، مما أثار استياء الاتحاد الأوروبي ودفعه إلى البحث عن شركاء اقتصاديين جدد، من بينهم جنوب أفريقيا.
وفي هذا الإطار، كثّفت الدول الأوروبية جهودها لتعزيز التعاون مع بريتوريا، حيث شهدت الأسابيع الأخيرة اجتماعات دبلوماسية مكثفة بين الطرفين، كان آخرها في 19 فبراير/شباط الحالي، حيث التقى دبلوماسيون أوروبيون مسؤولين من جنوب أفريقيا لمناقشة سبل توسيع التعاون الاقتصادي والسياسي.
ووفقًا لمصادر مطلعة، شدد الطرفان على أهمية تعزيز التعاون في مجالات التجارة والاستثمار والطاقة المستدامة.
إعلان استثمارات أوروبيةمن المتوقع أن تُتوَّج هذه الجهود بالقمة الثنائية المرتقبة في 13 مارس/آذار المقبل، حيث تخطط بروكسل للإعلان عن استثمارات جديدة في قطاع الطاقة النظيفة في جنوب أفريقيا، في إطار مبادرات الاتحاد الأوروبي لتعزيز الشراكات الخضراء حول العالم.
وتتضمن المفاوضات بين الطرفين استثمارات في الطاقة المتجددة، إضافةً إلى مشاريع لاستخراج المعادن النادرة التي تعد جنوب أفريقيا أحد أكبر منتجيها عالميًا.
ويأتي هذا الاهتمام الأوروبي مدفوعًا بالحاجة إلى تقليل الاعتماد على الصين، خاصة في ظل تنامي أهمية هذه الموارد في التحول العالمي نحو التكنولوجيا النظيفة.
ويأتي هذا في وقت يواجه فيه الاتحاد الأوروبي تحديات في تأمين إمدادات المعادن الحيوية، بديلا عن الصين التي تهيمن على سوق هذه المعادن عالميًا.
وفي هذا السياق، يمكن أن تلعب جنوب أفريقيا دورًا إستراتيجيًا كبديل موثوق، مما يعزز شراكتها الاقتصادية مع أوروبا.
الاتحاد الأوروبي وترامبمن جانب آخر، أعرب مسؤولون أوروبيون عن قلقهم المتزايد من القرارات التجارية الحمائية لإدارة ترامب، وخاصة الرسوم الجمركية التي قد تعرقل التجارة مع أميركا.
ففي عام 2024، بلغ إجمالي حجم التجارة بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي 975.9 مليار دولار، مع تسجيل عجز تجاري أميركي بقيمة 235.6 مليار دولار لصالح الاتحاد الأوروبي.
وقد دفعت هذه الإجراءات بروكسل إلى إعادة النظر في إستراتيجياتها التجارية، مما يفسر جزءًا من توجهها نحو تعزيز العلاقات مع جنوب أفريقيا وشركاء آخرين في قارتي أفريقيا وآسيا.
مجموعة العشرين وتوجهات بريتورياعلى الصعيد الدبلوماسي، افتتح رئيس جنوب أفريقيا، سيريل رامافوزا، اجتماع وزراء خارجية مجموعة العشرين في جوهانسبرغ بدعوة إلى "التعاون والتعددية" في مواجهة التحديات الجيوسياسية المتزايدة.
وأكد رامافوزا أهمية دعم المؤسسات الدولية مثل الأمم المتحدة ومنظمة التجارة العالمية، مشددًا على ضرورة تعزيز الشراكات الاقتصادية العادلة.
إعلانومع استمرار التغيرات في المشهد الدولي، تتجه جنوب أفريقيا نحو شراكة إستراتيجية أعمق مع الاتحاد الأوروبي، في خطوة قد تعيد رسم خريطة التحالفات العالمية.
ويعكس هذا التحول ابتعاد العديد من الدول عن السياسات الأحادية التي تنتهجها إدارة ترامب، لصالح شراكات أكثر تعددية وتوازنًا، بما في ذلك مع القوى الصاعدة في أفريقيا وآسيا.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات الاتحاد الأوروبی جنوب أفریقیا
إقرأ أيضاً:
الدرس الكبير لأوروبا: ترامب يتراجع تحت الضغوطات
ترجمة: بدر بن خميس الظفري -
خالص التعازي لكل من أمضى أيامًا يحاول أن يفكك «لعبة الشطرنج» التي افتعلها دونالد ترامب في فوضى الرسوم الجمركية التي فجرت الأسواق. فحين يكون ترامب طرفًا في المشهد، يهيمن غماما من الفوضى، وتنتشر عمليات الاحتيال وسط هذا الضباب. وإذا وُجد هناك «أساتذة كبار» حقًا، فإنهم بالتأكيد أساتذة في فنون التحايل لا أكثر.
عندما تخسر الأسواق 10 تريليونات دولار خلال ثلاثة أيام، ثم تستعيد تريليونات أخرى في ظهيرة واحدة بناءً على قرارات شخص واحد مشكوك في نزاهته، يمكنك التأكد أن هناك قلة من الناس حققت أرباحًا ضخمة من هذا التقلّب الجنوني. فهل كان أولئك الذين ضخّوا استثمارات كبيرة فجأة، عبر شراء خيارات مالية على مؤشرات وصناديق استثمارية صباح الأربعاء، وقبل الإعلان عن تخفيف الرسوم بعشرين دقيقة، محظوظين إلى هذا الحد؟ أم أنهم كانوا ضمن مجموعة «سيجنال» السرية؟ أم ببساطة كانوا يتابعون ترامب على منصته «تروث سوشيال»، حيث كتب: «هذا هو الوقت المثالي للشراء!!! قبل ساعات من إعلانه نوعا من التراجع؟».
أول ما يجب أن تستوعبه أوروبا، بخلاف «نصائح الاستثمار» المحتملة، هو أن ترامب يتراجع عندما يُواجه ضغوطا، فلا داعي للتذلل. فالرسم الجمركي الشامل بنسبة 10% لا يزال قائمًا، إلى جانب رسوم الشهر الماضي على الصلب والألمنيوم، فلماذا تراجعت أوروبا من جانب واحد عن رسومها الانتقامية دون خطوة مقابلة من واشنطن؟
ترامب، بطبيعة الحال، يحاول أن يُسوّق تراجعه الجزئي على أنه ثمرة لمكالمات الدول الأخرى وتوسلاتها، كما تباهى أمام الجمهوريين في الكونجرس قائلاً: «يتصلون بي ويتوسلون إلي». ولا شك عندي أن ترامب، الذي وصفه مئات الأخصائيين في الصحة النفسية علنًا بأنه يعاني اضطراب النرجسية الخبيثة بدرجة بالغة، يتمنى أن يكون هذا التفسير صحيحًا. لكن، دعوني أجازف وأقول إن السبب لم يكن «التوسّل»، ولا «الصفقات»، بل كان أن المستثمرين وصناديق المال حول العالم بدأوا يفرّون من كل ما له علاقة بالولايات المتحدة، بما في ذلك سندات خزينتها.
هناك ظاهرة مزمنة مفادها أن أوروبا تبالغ في تقدير قوة الولايات المتحدة، وتقلل من شأن قدراتها الخاصة. لم «تتوسّل» أوروبا، ولم تنتقم بسبب رسوم «يوم التحرير» الجمركية، بل راقبت بصمت الفوضى السوقية التي أحدثت صدعًا في فكرة أن الاقتصاد الأمريكي محصن لا يُقهر.
تخيلوا كم كانت وتيرة الهروب من الولايات المتحدة نحو ملاذات آمنة، مثل اليورو، ستكون أسرع لو أن الاتحاد الأوروبي استخدم فورًا ما يُعرف بـ«أداة مكافحة الإكراه»، وهي تشريع جديد يسمح له باستهداف قطاعات الخدمات الأمريكية مثل البنوك والتكنولوجيا.
الدرس الثاني، أن بقية العالم مستعد لتجاوز فوضى أمريكا وعدم استقرارها، فقط يحتاج إلى أوروبا لتكون البديل.
ما لا يفهمه ترامب أيضًا هو أن الولايات المتحدة، رغم عجزها التجاري، كانت مصدر «الثقة»، حتى نسفت النظام الاقتصادي والأمني المتشابك الذي صممته وبنته وأدارت شؤونه طوال ثمانية عقود، وكانت هي المستفيد الأكبر منه.
واليوم، الرؤية من بروكسل، كما قال لي «كلاوس فيستيسن» من شركة «بانثيون ماكروإكونوميكس»، هي أن «الولايات المتحدة لم تعد تحظى بمصداقية طويلة الأمد».
في المقابل، أوروبا تلتزم بالقوانين. وعلى المدى الطويل، كلما زادت ضربات ترامب لحكم القانون، وكلما ترسخت صورة أمريكا كدولة متقلبة لا يُعتمد عليها، تعززت حجة اليورو ليحل محل الدولار كعملة احتياطية عالمية. وهذا يقودنا إلى الدرس الثالث.
الدرس الثالث، هو أنه في ظل عداء إدارة ترامب الصريح تجاه الاتحاد الأوروبي، على الاتحاد أن يتحرك بسرعة لمعالجة أضعف نقاطه المتمثلة في اعتماده على واردات الوقود الأحفوري. أحيانًا، يأخذ هذا العداء طابعًا ساخرًا، كما حدث عندما صرح وزير التجارة الأمريكي «هاورد لوتنيك» بأن الأوروبيين «يكرهون لحومنا لأنها جميلة ولحومهم ضعيفة».
وأحيانًا يكون أوضح، كما عندما قال ترامب إنه لن تكون هناك مفاوضات مع الأوروبيين إلا إذا «دفعوا لنا الكثير من المال سنويًا، أولاً عن الحاضر، وثانيًا عن الماضي»، في إشارة منه إلى صفقة وهمية تقضي بأن تشتري أوروبا غازًا طبيعيًا أمريكيًا بقيمة 350 مليار دولار سنويًا مقابل رفع الرسوم الجمركية.
في الأشهر الأخيرة، تكررت الدعوات إلى تخفيف القيود المناخية بدعوى تحفيز النمو.
وهذه ستكون خسارة كارثية، ليس فقط لأن أوروبا عرضة بشدة لانهيارات مناخية ستتفاقم كلفتها البشرية والمالية مع كل ارتفاع نصف درجة حرارة، بل لأن اعتماد الاتحاد على الوقود المستورد، من روسيا أو أمريكا، يشكّل ضعفًا استراتيجيًا واقتصاديًا صارخًا.
والمفارقة الكبرى أن أجندة ترامب الداعمة للوقود الأحفوري فجّرت عملية «إعادة التصنيع الخضراء» التي بدأت بالفعل بفضل قانون خفض التضخم الذي أقره بايدن، تاركة الباب مفتوحًا أمام منافس آخر لقيادة هذا التحول.
لذا، وبعبارة مقتبسة من رواد التكنولوجيا: إذا كان ترامب يهرول ليهدم، فلنهرول نحن لنبني.
يقول «سيمونه تالياپييترا» من مركز «بروغيل» البحثي في بروكسل: «يمكن لأوروبا أن تحول هذه الأزمة إلى فرصة لتعزيز تفوقها في مجال التكنولوجيا النظيفة». وهو يدعو إلى إنشاء بنك لإزالة الكربون، وإتمام السوق الأوروبية الموحدة كما أوصى ماريو دراجي، وإصدار سندات أوروبية جديدة.
شعار المرحلة القادمة يجب أن يكون: «مهما كلف الأمر»، يجب الوصول إلى مرحلة استبدال الوقود الأحفوري بالطاقة المتجددة بالكامل، تصميمًا أوروبيًا، وتصنيعًا أوروبيًا، حتى لا تُضطر أوروبا أبدًا إلى إنفاق 350 مليار دولار على استيراد الغاز من الولايات المتحدة أو روسيا أو أي مكان آخر.
ألكسندر هيرست هو مراسل صحيفة الجارديان فى أوروبا.
عن الجارديان البريطانية