حصل الباحث سالم بن سعيد بن مسعود الكندي على درجة الدكتوراه في اللغة والآداب والحضارة العربيّة تخصص "أدب" حيث حازت الأطروحة على أعلى مستوى بملاحظة "مشرّف جدّا" من جامعة منّوبة بالجمهوريّة التونسيّة، وجاءت ضمن برنامج المنح الدوليّة المقدّمة من الجمهوريّة التونسية لطلبة سلطنة عمان حيث جرت جلسة مناقشة الأطروحة بحضور سعادة الدكتور هلال بن عبدالله السنانيّ سفير سلطنة عمان لدى الجمهوريّة التونسيّة.

وجاءت الأطروحة تحت عنوان الزمن بين التاريخ والمتخيّل في الملهاة الفلسطينيّة لإبراهيم نصر الله، إذ ركّز الباحث على البحث في الحدّ الفاصل الذي يجعل من نص ما نصا أدبيّا وليس نصاً كتابيا تاريخيا توثيقيا صرفا؛ وفي ضوء البحث المتعلّق بالرواية وحضور التاريخ فيها سعى الباحث للإجابة عن السؤال الرئيس: كيف يتشكلّ الزمن الروائيّ في ضوء التنازع بين حضور الوثيقة التاريخيّة والمتخيّل الروائيّ في الملهاة الفلسطينيّة لإبراهيم نصرالله؟

وللإجابة عن هذا السؤال المركزيّ اختار الباحث المجموعة الروائيّة "الملهاة الفلسطينيّة" للروائيّ والشاعر الفلسطينيّ إبراهيم نصر الله، وجاء اختياره لهذه المجموعة، لأنّها تجسّد مشروعا روائيّا متكاملا يحكي من خلاله الكاتب حكاية فلسطين عبر تنقّله في مساحة زمنيّة روحيّة ووطنيّة وإنسانيّة على مدى مئتين وخمسين عاما من تاريخ فلسطين الحدّيث، ولكلّ رواية في هذه المجموعة فضاؤها الروائيّ المستقل، إذ تضمّنت المجموعة الروائيّة أربع عشرة رواية حتى الآن.

وفي هذه الأطروحة درس الباحث إشكاليّةَ الزمن بين التاريخ والمتخيّل في خمس روايات من مجموع روايات الملهاة الفلسطينيّة الأربع عشرة، وهي روايات "زمن الخيول البيضاء، قناديل ملك الجليل، ثلاثيّة الأجراس: سيرة عين، ظلال المفاتيح، دبابة تحت شجرة عيد الميلاد" إذ جاء اختيارُه لهذه الروايات إلى تجلّي الخلفيّة التاريخيّة التي استند إليها الكاتب في بناء فضائها الروائيّ بما اعتمد عليه من وثائق تاريخيّة مكتوبة، وشهادات شفهيّة عديدة، ومن جانب آخر يبدو الزمن التاريخ الخارجيّ في بقيّة روايات المجموعة قريبا جدا من زمن القارئ.

ولقد سعى الباحث إلى أن تكون دراسته لهذه المدونة الروائيّة مستنيرة بالمنهج الإنشائي المساعد على تبين خصائص النصوص وما تثيره من إشكاليّات فحاول الإجابة عن الإشكاليّة الرئيسة، المتمثّلة في السؤال: كيف يتشكلّ الزمن الروائيّ في ضوء التنازع بين حضور الوثيقة التاريخيّة والمتخيّل الروائيّ في الملهاة الفلسطينيّة لإبراهيم نصرالله؟

والبحث في هذه الإشكاليّة تناول الرد على جملة من التساؤلات من أهمها كيّف تجلّت العلاقة بين الرواية والتاريخ؛ وكيف وظّف الروائيّ الزمن في الرواية؟ إضافة إلى أهمية أن تحافظ الروايات على بنائها الفنّيّ وهي تكتب التاريخ؟ وفي مستهل الأطروحة درس الباحث تطور الأدب السرديّ الفلسطينيّ من حيث موضوعاته، وخصائصه وسماته الفنيّة وأبرز أعلامه في العصر الحدّيث كذلك حياة الروائيّ إبراهيم نصر الله وتجربته الشعريّة والروائيّة وتفاصيل المجموعة الروائيّة الملهاة الفلسطينيّة وإشكاليّات الزمن والتاريخ والمتخيّل في الرواية من خلال الوقوف على مصطلح الزمن في اللّغة والفلسفة والسرد ومفهوم الرواية التاريخيّة وتطوّر هذا النوع الروائيّ.

وقد جاءت الدراسة في أربعة أبواب فالباب الأوّل تطرّق لـ" المكان والشخصيّات في الملهاة الفلسطينيّة" أما الباب الثاني فقد جاء عنوانه " خصائص الخطاب السرديّ في الملهاة الفلسطينيّة"؛ فيما تناول الباب الثالث "التفاعل النصّيّ والانفتاح على التاريخ" أما الباب الرابع والأخير فقد جاء تحت عنوان "الزمن التاريخيّ والزمن المتخيّل في الملهاة الفلسطينيّة" ولقد توصّلت الدراسة إلى أنّ المكان مسرحا لأحداث الرواية قد تباينت صوره بين التاريخيّ الموثّق، والمتخيّل المستند إلى التاريخ وأن الروايات تضمّنت ملاحظات الكاتب في الهوامش والمتون التي تؤكد استناده إلى الوثائق التاريخيّة والأبحاث الموثوقة، والشهود لإعطاء المكان مصداقية أكبر عند القارئ، حتى تلك الفضاءات المتخيّلة كانت تعبّر عن أماكن لها وجودها الموثوق، ولقد استكمل الكاتب الفراغات بأسلوبه الإبداعي الخاص لإنشاء مشهد مستند إلى الواقع التاريخيّ؛ إضافة إلى تنوّع أصناف الشخصيّة في الروايات الخمس حيث كان للتاريخ والعناصر المتخيّلة تأثيرها الخاص على تشكيل الشخصيّات الروائيّة وفي الروايات الخمس شخصيّات نسائيّة فلسطينيّة رئيسة حمّلها الكاتب دلالات رمزيّة مرتبطة بحركة النضال الفلسطينيّ تجاه أرضه وقضيّته، وقد تميّزت هذه الشخصيّات بقوة الإرادة والعزيمة في تغيير الواقع بصورة مباشرة، أو في دعم الشخصيّات المحوريّة على التغيير، كما ظهرت المرأة وهي تقود الثورة ضد الاستعمار، وتكافح من أجل الحرية والعدالة؛ كما ساهم توظيف إبراهيم نصر الله لتقنيات التفاعل النصّي والتداخل الأجناسي في إبراز مجموعة من القيم الفنيّة التي أثرت الأبعاد التاريخيّة ودعمت مشروعه في روايات الملهاة الفلسطينيّة حيث كان للكاتب رؤية واضحة حول ما يتعلّق بتوظيف الوثيقة التاريخيّة التي عمد إلى توظيفها لأجل نبش الذاكرة الفلسطينيّة بعيدا عن سطوة الفهم العام للحكاية الفلسطينيّة.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: ة التاریخی ة بین التاریخ الروائی ة الشخصی ات نصر الله

إقرأ أيضاً:

لذا لزم التنويه: الزمن في السجن (4-8)

"أضعُ علامة جديدة على الحائط، لأنهي شهرا بانتظارٍ آخر
في الحائطِ متسعٌ لمنتهى العمر.. عاما بعد عام
الحوائط -أصلا- لا تعبأ بالحياة، تماما كما لا يعبأ السجان
أما النفسُ فقد ضاقت بالعلاماتِ.. بالحوائط.. وبالانتظار"

ليس أحمق من بدء رحلتك السجنيّة بحساب الوقت، تلك العلامات على الحائط ستبقى ندوبا في روحك، حتى بعد خروجك، وإلى أن تموت، لن تنصلح علاقتك بالوقتِ وقد ظللت تحسبه يوما فساعة فدقيقة، بانتظارِ أن تخطّ خطا جديدا على حائط زنزانتك، لن تسامحه و-ربّما لن تسامح نفسك.

وليس أحمق كذلك من التخلّي عن الانتباه للوقتِ والوعي به، حفرةٌ هائلةٌ تترقّب ابتلاعك حينها، في لحظتك المناقضة لكلّ ما هو حيّ/حيوي أو إنساني، عليكَ أن تنتبه دون أن تسقط، عليكَ أن تعي -ربّما- حتى تستطيع التحايل. فالزمن السجنيّ ليس مجرّد معيار، إنّما معركة قائمة/مستمرّة بين حفرة اللحظة، وبين الماضي ذاكرة والقادمُ أحلاما، وكلّ احتيالٍ تقوم به سيكون جسرا يعبر بك إلى العالم والحياة والحريّة ولو لـ لحظات.

الزمنُ في السجن أزمانٌ، أو على الأقلّ هو زمنٌ مركّب: زمنٌ مسلوبٌ وآخر داخليّ مقاوم أو منكسر، وثالثٌ كنصٍّ يُعاد تأويله بعد قراءته مع كلّ رسالةٍ أو زيارةٍ أو خبر
الوقت في السجن ليس محايدا، بل هو سلطة، أداةُ قمع، ومعركةٌ دائمة. ويكفي -بحسب فوكو- أن يُنتزع منك الحق في إدارة وقتك حتى تُنتزع إنسانيّتك بالتدريج، لا يحتاج الأمر إلى أسوار وأبواب ليحدث، فما بالك وكلاهما واقعٌ في حياتك السجنيّة؟ بين عشرات الجدران الأسمنتيّة الخرساء، وعشرات الأبواب الحديديّة الصدئة، تحدّد السلطةُ -حسب قوانينها أو حسب مزاج المختلّ صاحب القرار- متى تستيقظ ومتى تأكل ومتى تنام ومتى تتحرّك و-ربّما- متى تموت.

هي لا تسجن جسدكَ وحده حين تفعل، إنّما زمنك كذلك، وسجن الزمن ليس فقط أشدّ قسوة، إنّما أكثر قدرة على الإرباك، وإحداث الزلزلة فيما رسخ بنفسك وذهنك.

في السجن ليس ثمّة زمنٌ واحد، هناك زمنٌ آخر تحت الجلد وفي الدماغ أو الروح، زمنٌ داخليٌّ أشدّ بطئا وثِقلا من ذلك الآخر الدائر في تعاقب الليل والنّهار. إنّه ذلك الزمن الحيويّ الذي لا يدور مع عقارب الساعة أو يُنزع مع أوراق التقويم، بل تقيسه دقّات قلبٍ وتخلّجات جلد وتقلّباتُ نفس، دقيقةُ الانتظار تمتدُ فيه عمرا، ولمسةٌ في الزيارة تطولُ لتملأ أسابيع ما بين زيارتين.

والزيارةُ ليست ذلك اللقاء الذي يجرب تحت أعين الضباط والمخبرين وأجهزة التسجيل فحسب، بل هو نصٌّ مليءٌ بالعلامات وكل نصّ يفتح أبوابا للمعنى تمتد بعيدا عن الحوائط والقضبان: كلّ كلمة عابرة، نَفَس روتينيّ، رعشة شفاة، أو تشتّت فكرٍ ونظر.. يُعاد رسم الزمن حولها -كما الأفكار والهواجس- فتطول وتقصر حسب ما تحمله من أملٍ أو خيبة.وسطر في الرسالة قادرٌ على "شقلبة" عالمك لأيّام: تؤوِّلُ الكلمات، تستنبط النبرة والصوت، تفتّش عمّا لم يُقل وتفسّر ما لم يُبيّن، تقرأ الفراغات بين السطور قبل أن تقرأ الكلام المكتوب ذاته.

والزمنُ في السجن أزمانٌ، أو على الأقلّ هو زمنٌ مركّب: زمنٌ مسلوبٌ وآخر داخليّ مقاوم أو منكسر، وثالثٌ كنصٍّ يُعاد تأويله بعد قراءته مع كلّ رسالةٍ أو زيارةٍ أو خبر.

هكذا تصبح الرسالةُ براحا متحايلا، وشعاع حريّةٍ أو جسر عبورٍ مؤقّت إلى رحابة العالم من ضيق الزنزانة، وإلى الوقت الحيّ من مواقيت السجّان القسريّة.

والزيارةُ كذلك لا تعودُ مجرّد لقاءٍ جسديّ مؤّقت، بل طقسُ مقاومة، و"وعاء ادّخار" للمشاعر كما للجسد وللذاكرة كما للروح، يتجسّد فيها زمنك الداخليّ: عناق لحظةٍ يروي عطش أسابيع الحرمان، ونظرة واحدة تختزنُ عونا على ألف يومٍ من الغياب؛ الزيارةُ تعيد تشكيل الزمن، وتكسر إيقاع السجن المفروض.

حتى التريّض (ساعةُ الشمس في السجن) التي رأى درويش استحقاقها لأن تُذكر ضمن ما تستحقّ الحياة لأجله على هذه الأرض، يتحول إلى فسحة دلالية: خطى قليلة بين جدارين قريبين، تصبح إبحارا كاملا إلى ذكريات العمر جميلها وثقيلها، أو إلى مستقبلٍ تخلقه متجاوزا لإمكانات الواقع والجسد في خيالك الذي لا يُسجن.

هكذا يصبح السجن ليس موتا للزمن بالضرورة، كما يريد منه أن يكون، بل مولدا لأزمنةٍ جديدة: زمن الذاكرة، زمن الحلم، زمن التأويل، زمن الحب.. والوقت الذي كان سلاحا بيد السجّان، نصنع منه نحن جسورا صغيرة، ضيقة، لكنها تقود إلى عالم كامل من الحياة والحريّة
في مواجهة زمننا السجنيّ، نبتكرُ جسورا أو ثغرات "ربّما ننفق العمر كي نثقب ثغرة ليمرّ النور للأجيال مرّة"، لكنّنا نفعل هذه المرّة ليمرّ النور والحريّة والحياة -ولو مؤقّتا وجزئيّا- لنا نحن.. جسور من أحلام مؤجّلة، من رسائل سوّد الكثير من سطورها حبرُ الرقيب، من زيارات تخرقُ الزمن ولو خرقتها أعين الضبّاط والمخبرين، من تريّضٍ يُستعاد فيه الجسد ولو لدقائق، ولو في الخيال المتفلّت من الرقابة والقمع.

ولأن فوكو علّمنا أن الزمن المراقب يخلق أجسادا طيّعة، فإن جسورنا ليست مجرد عزاء، بل مقاومة.. ولأن برغسون أهدانا فكرة الزمن الحي، فإن كل لحظة أملٍ -مهما خفت نورها- تمتد كالعروق تحت تراب الأسى.. ولأن بارت نبهنا إلى أن كل نصّ مفتوح على تأويلات لا نهائية، فإن كل رسالة وزيارة تصبح وثيقة حرية مكتوبة بالحبر الخفي للصبر.

هكذا يصبح السجن ليس موتا للزمن بالضرورة، كما يريد منه أن يكون، بل مولدا لأزمنةٍ جديدة: زمن الذاكرة، زمن الحلم، زمن التأويل، زمن الحب.. والوقت الذي كان سلاحا بيد السجّان، نصنع منه نحن جسورا صغيرة، ضيقة، لكنها تقود إلى عالم كامل من الحياة والحريّة.

سيأتي يومٌ -ولو بعُد-

تعالجُ ضمتُنا فيه كلَّ ما اعتَرَانا،
تسيلُ دمعاتُنا المؤجلات، وداعا لمن فُقد،
ننتشي بالشعر، بالأمنيات، بالحياة.

أنشغلُ عنها بصحبةِ موسيقاي وكتبي،
وتنشغلُ عني بتخيّل طفلٍ تأخرَ مجيئه.

ننحشرُ في مطبخٍ صغير، نعدُّ وجبة نحبها،
ولا يفيقنا من (قبلةٍ اعتراضية) إلا رائحة الشوّاط.

ننتفضُ في حضرةِ فلسطين، بتوقٍ وحنين.
نتأسّى على ثورتنا المغدورة،
نرفضُ الكراهيةَ والقبح،
نُكملُ الحلم، ونُكملُ الحياة.

مقالات مشابهة

  • الدكتوراه للباحث سمير الحيدري من كلية العلوم جامعة صنعاء
  • ماك شرقاوي يكشف مفاجأة عن صراع ترامب مع الصين ومفاجأة عن قرارته الجديدة
  • تطبيقات الذكاء الاصطناعي في تحسين الخدمات التأمينية رسالة دكتوراه بجامعة حلوان
  • الشيخ الباحث والأمانة التاريخية
  • باحث يمني: صمت رسمي يهدد آثار لحج بالاندثار
  • لذا لزم التنويه: الزمن في السجن (4-8)
  • سلطان يوجه بالبدء في الطبعة الثانية من المنجز التاريخي «البرتغاليون في بحر عُمان»
  • شرطة أبوظبي: المصادر السرية توفر أهم المعلومات الأمنية لكشف الجريمة
  • مدرب ليفربول يعلق على الإنجاز التاريخي
  • سلوت يعلق على الإنجاز التاريخي ويكشف ما دار في الحافلة