الصحافي يحي العوض يكتب عن الجنيد على عمر (2)
تاريخ النشر: 21st, February 2025 GMT
عبد الله علي إبراهيم
هذا مقال بحي العوض، رحمه الله، الثاني عن صحبته للجنيد على عمر، الذي كان في وحشة التخفي عن عيون الأمن، لدور السينما في الستينات الأولى بطلب أخوي من قيادة الحزب الشيوعي. وأصاب الجنيد من ذلك ما هو معروف. وحدس الناس حدساً ما ساقه إلى سكة الصمت اختياراً، في عبارة يحي، ولقي أستاذنا عبد الخالق من لؤم الحدس والظنة ما لقي.
ليس صعباً أن تستنتج من حكاية يحي أن الحزب من كان وراء التماسه أن يصطحب الجنيد إلى دور السينما لمحبته لعالم الفيلم. ومن كان يعرف محبة الجنيد للسينما؟ ليس سوى أستاذنا عبد الخالق على التحقيق. فقد كان الجنيد سكن مع أسرة عبد الخالق بمنزلهم بالشهداء. ويذكر محمد محجوب عثمان، شقيق عبد الخالق الأصغر، ما كان يجري من نقاش بينه وبينهما بعد عودته من مشاهدة فيلم ما. وكان حدثني عن ذلك في تسجيل بالتلفون من مقامه في السويد، رحمه الله. ولم أحسن تدوين العبارة من التسجيل، ولكنكم ستجدونها مختلطة كما هي عندي وآمل أن اعود للشريط للتدقيق في نصها. خذوها على البركة على ما بين أستاذنا والجنيد وعن زمالتهما لا في الحزب وحده، ولكن في محبة السينما أيضاً:
"يذكر محمد محجوب عثمان الأستاذ الجنيد وسكناه معهم. كان محمد في أول الوسطى. جاء مرة من مشاهدة فيلم فسأله عبد الخالق عنه. فقال محمد اسمه "الفرسان الثلاثة". فسأل: أليس فيلم Limelight إنجليزياً؟ قال: نعم. قال: وما اسمه بالإنجليزية. وفي مرة أخرى كان الفيلم هو لشابلن. فسألوني، عبد الخالق وجنيد، عنه فقلت "أضواء المسرح" لأن لايم بدت لي كالمادة الجيرية. فصارت نكتة بينهما".
ول limelight هذه حكاية بيني وبين أستاذي في نحو 1970 أحكيها يوماً.
أخذت من مقال يحي ما تعلق بالجنيد وتركت بعضه الأخر الذي توسع فيه عن أستاذنا. وقال إنه سيحدثنا عن لحظة منعطف عن الجنيد في حلقات قادمة لا أعرف إن وفق إليها.
ما قبل الغياب: التوحد مع النسيان والصمت اختياراً
يحيى العوض
العطر رفيق الحياة والموت. كانت عبارة مفضلة للأستاذ الجنيد على عمر في مرحلة كمال الصحو. وعندما نتوجه لمشاهدة فيلم سينمائي سبقه احتفاء إعلامي مثل فيلم " زوربا " الذي شاهدناه معا عن رواية الاديب اليونانى نيكوس كازينتاكس وبطولة انتونى كوين وايرين باباس، كان يقول لي إنه يستحق قبل مشاهدته حلاقة الذقن وتشذيب الشارب وبخات من العطر. ورويت له ذات ليلة ونحن في طريقنا الى سينما " كولزيوم " حكاية صديقه وصديقنا الاستاذ عوض برير، رئيس تحرير صحيفة "الاسبوع " مع شاب يعمل معه في المنزل. كان من مدمنى افلام الكاوبوى التى اشتهرت بها سينما كولزيوم. وتصادف في تلك الامسية أن الأستاذ عوض برير كان يتوقع زيارة بعض الأصدقاء فطلب من الشاب أن يذهب إلى السينما في حفل الدور الثاني وليس الاول ليساعده فى خدمة الضيوف. لكن الشاب رفض بشدة وقال له: لا يا استاذ في الدور الثاني يكون البطل "تعبان". ويقصد أن بطل الفيلم سيصاب بالإرهاق من كثرة المعارك التي يخوضها في حفل الدور الأول. ولعلها مصادفة مؤلمة أن هذا الخلط بين الواقع والخيال هو النذير الصاعق لاقتراب استاذنا الجليل من مشارف برزخ الغياب. وكانت بدايته أثناء مشاهدتنا معا لفيلم "صالة الشاي في قمر اغسطس " للممثل الامريكى جلين فورد. واحبس دموعي وقلمي عن تفصيل تلك الاحداث، حتى نهاية هذه السلسلة من المقالات بقدر ما أستطيع. وما تسمح به ذكرى غالية لصديق عزيز ورمز شامخ "توحد مع النسيان اختياراً وانتسب إلى الصمت طوعاً". وهو من صفوة الصفوة التي لم تنحن أبداً إلا عند احتضان الوطن وقضاياه. ترى هل تبقى من امثال اولئك الرجال في اجيالنا المعاصرة؟
ibrahima@missouri.edu
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: عبد الخالق
إقرأ أيضاً:
د.حماد عبدالله يكتب: حتمية الإتجاه " للواحات " !!{1}
منذ أواخر السبعينيات وإهتممت بتجربة الراحل "جمال عبد الناصر" فى تنمية "واحات مصر الغربيه" ( أمل مصر فى التنميه المستدامه ) وكان إهتمامى نابعًا من قرارات وزيارات للمنطقه، ودراسة لما تم منذ عام 1958 وبالضبط مساء يوم 23 ديسمبر فى مدينة بورسعيد، وإحتفال مصر فى هذا الوقت بعيد النصر ( اليوم نسيناه !! )
حينما وجه عبد الناصر فى خطابه بهذه المناسبه نظر المصريين، والعالم إلى أن هناك مستقبل جديد للتنميه فى بلادنا فى منطقة أطلق عليها الوادى الجديد، وهى تمثل 48.6% من مساحة أرض مصر كلها ( 1000كيلو متر مربع ) !!
ووجهت الدوله إهتماماتها إلى هذه المنطقه ( القديمه فى التاريخ المصرى ) حيث كانت هى هدف للإستعمار سواء كان الفارسى أو القادم من غرب البلاد ( ليبيا ) أو من الجنوب ( السودان ).
وكانت واحات مصر الغربيه تقع على أهم طرق التجاره العالميه القديمه، وهى ما تعرف بإسم ( درب الغبارى ) ( من الخارجه إلى سيوه شمالًا ) مرورًا بالواحات الداخله وواحة الفرافره، ثم إلى سيوه ) حيث تلتقى القوافل القادمه من شمال غرب إفريقيا وتلك القادمه من شمال شرق إفريقيا وهو ما كان يعرف " بطريق الحرير العظيم " الناقل للتجاره من جنوب شرق أسيا مرورًا بالشام ثم ينتهى للتبادل فى أكبر مركز للقوافل " واحة سيوه "، وكان الطريق الناقل للقوافل من الجنوب ياتى من(دنقله ) فى السودان إلى منطقة جنوب مصر( والمعروفه) اليوم ( بتوشكى ) ثم "دوش، وباريس"، وهى قرى أخذت أسمها من قائد فارسى إسمه ( قمبيز ) إنفصل عن جيش ( داريوس الأول ) وإتجه جنوبًا، وقتلته وجيشه، العواصف الرمليه وسميت الواحه بإسمه ( بيريز ) ثم ( باريس ) كما تعرف اليوم !!
وهذا تاريخ مسجل فى موسوعات مختلفه، تعرضت للمنطقه، وأهم من بحث فيها الأثرى العظيم المرحوم الأستاذ الدكتور "أحمد فخرى"، ومعه العالم المعمارى المرحوم " الدكتور حسن فتحى".ونعود لبرامج التنميه التى نفذها المرحوم "جمال عبد الناصر" فى الوادى الجديد، حيث حُفِرتْ الأبار، وأنشِئَتْ القرى التى "هُجِرَّ" إليها الفلاحون من صعيد مصر، وأهمهم ( عمال التراحيل )، وهم هؤلاء الذين لا يمتلكون أراضى ويعملون كأجراء فى الزراعه، ذهبوا إلى هناك فى معسكرات ومن ثم تملكوا منازلهم فى قرى سميت كلها بأسماء دول ومدن عربيه، إيمانًا من "جمال عبد الناصر" بالقوميه العربيه، وأنها هى الحل الأمثل لإستغلال موارد الدول العربيه من أجل تنمية الوطن العربى، لكن للأسف الشديد !! سقطت تلك النظريه بسقوط "جمال عبد الناصر يوم 5 يونيو 1967 "حينما تأمرت " الدول الغربيه مع إسرائيل " للقضاء على ظاهرة "جمال عبدالناصر" فى الوطن العربى، ورغم أن الوفاة الحقيقية للزعيم "عبد الناصر" كانت مساء يوم 28 سبتمبر 1970، إلا أنه فى الحقيقه كانت هزيمة 5 يونيو 1967، هى الضربه القاضية للبطل، ومع ذلك ومع تنحيه عن السلطه بإراده منفردة، فقد أعاده الشعب المصرى " بإراده شعبيه حره " وجارفه إلى قيادة الدوله، وإعادة بناء القوات المسلحه وإعادة الروح للوطن، وخوضنا لحرب إستنزاف عظيمه سجلها التاريخ الحربى فى العالم، إلى أن إنقض جيش "مصر" بقيادة المرحوم أنور السادات على الضفه الغربيه للقناه وقطع الذراع الطولى للعدو الإسرائيلى فى 6 أكتوبر 1973 !!بدأت جحافل الفلاحون المصريون مع البطل الموكل اليه قيادة التنميه فى الوادى الجديد ( اللواء الجغيلى ) وكانت قرى بغداد وفلسطين والمنيره، والمحاريق وأبو طرطور والزيات، وباريس، فى واحة الخارجه وحفرت الأبار فى واحات تنيده وبلاط وسمنت والباشندى، وموط، والقصر، والمزوقه والراشديه عشرات من القرى إنشئت، وبدأت الأرض تنتج أعظم المحاصيل الإستراتيجيه ( قمح وأرز ) وبصل، وقطن، بالإضافه إلى المحصول الرئيسي "البلح"، فكان أن أنشىء مصانع لتجفيف البلح والخضروات وأنشىء مصنع للزجاج والفخار، ولم يأخذ المشروع أنفاسه الأولى فسرعان ما وقعت الحرب فى يونيو 1967 كى تقف كل مخططات التنميه، المستدامه ، ولنعيد بناء القوات المسلحه وكان شعار المرحلة ( يد تبنى ويد ترفع السلاح ) !!