من ملامح الشخصية المصرية التعقيد، وامتزاج التناقضات فيها، تجد الألوان تتداخل وتخلق إعجازاً لونياً، هكذا الشخصية المصرية تتعاطى المتناقضات، وتستسيغ المتنافر، وتجذب الحر وتمطر فى الجدب، وتروى السراب وتستحضر الغيابات، لذلك تجمع الرضا بالشكوى والمرونة بالنفاق، والعبقرية بالجهل والأمل بالإحباط.

وهنا نستحضر تفاعلاً جديداً، مزيجاً آخر، وتلويناً بالرمال، وجمعاً بين التواطؤ وبين العشم.

قدَر الشخصية المصرية أن تكون وسط المتناقضات، وسط الأطراف، وبين طمع وغل، بين خيال ووهم، المركّب الحاصل بين التواطؤ وبين العشم، مركّب مصرى بامتياز، تتعايش معه الشخصية المصرية بسلاسة واعتياد.

التواطؤ تفصيلة مصرية قديمة من ملامح الشخصية المصرية القديمة، ظهرت بجلاء وسُجلت فى القرآن، ففى قصة سيدنا «يوسف» تتجلى ملامح الشخصية المصرية، فى صفة قديمة تسمى بالتواطؤ، والتواطؤ هو ما جعل الملوك على مر الأزمان يستفيدون منه، ويجعل حكمهم على الشعب بتغذية التواطؤ بين الناس، ففى قصة سيدنا «يوسف» تأكد الحكم ببراءته، لكن تواطأ الجميع مع زوجة العزيز التى فضحت المدينة كلها بنسائها ورجالها وحكامها بأن أشهدتهم وجه الجمال فى سيدنا يوسف، ليشهد الكل فى تواطؤ علنى بالبراءة، ورغم ذلك يُسجن بالتواطؤ.

التواطؤ جعل الكل يقرأ الخرطوش المزور ويصمت، عندما يمحو ملك إنجاز غيره ويكتب اسمه بدلاً من الملك الذى سبقه فهذا تواطؤ من الكهنة ومن المهندسين ومن الكُتاب ومن كل قارئ للاسم المزور. التواطؤ يتجلى فى حفر قناة السويس بأيدى الفلاحين، يُقتلون فى رمال الحفر، والعمال حول المقتول، تواطؤ بفعل الخوف.

التواطؤ تتوارثه الأجيال على مر الأزمان، وصل إلى المواصلات والأوتوبيسات، وصل داخل الأوتوبيس، حيث يتحرش رجل بامرأة والجميع فى تواطؤ، ليس الخوف وحده من يفرز التواطؤ، بدليل أنه فى كل مكان وزمن وفى كل تفصيلة وحالة، التواطؤ يغلب على الطابع، بسبب رغبته فى العيش، تجد السائق يقود «ميكروباص» وهو يتحرش بمن تجلس جانبه، تجد السائق يدخن المخدر والناس فى سوبيا التواطؤ لأجل وصولهم للموقف.

التواطؤ يجعل الموظف يتواطأ فى وظيفته وهو يعلم أن المدير مع سكرتيرته، التواطؤ يجعل المواطن يدفع ويدفع ويدفع، تواطؤ الناس رغبة منهم للفوز بمرادهم.. تواطؤ الطلبة مع المدرس حتى لا يُنقص درجاتهم، التواطؤ يجعل الدائرة تدور بغضّ النظر عن الثور، الزوجة تتواطأ على زوجها وتتواطأ من أجل بيتها، كل من فى مطبخ المطعم يتواطأ وهو يعلم بأن الطعام فاسد وأن الصلاحية انتهت وأن وأن وأن.

وكأن التواطؤ سمة لازمة، تدير ترس الحياة فى الشخصية المصرية، فى الفن تواطؤ، عندما يصبح النجم صاحب الأمر والنهى وسبب تنفيذ العمل، عندما يصبح من حق النجم أن يغير فى النص ويغير المخرج ويغير حتى ملابس الشخصية، عندما يصبح العمل يبتغى النجم ولا يبتغى المعنى، عندما يصبح النجم بشعره وبالبوتكس وبعمليات التجميل، عندما يصبح النجم فقاعة فارغة مصنوعة، عندما يصبح النجم آخر همه الشخصية، عندما يصبح الفن ينفر من الحقيقة ومن المصداقية، ومن ملامح مجتمعة ومن هموم الناس، عندما يصبح النجم يهوى والناس تصعد به، عندما يصبح الممثل لا يجسد غير رفعة حاجبه.

عندما يُنقش التواطؤ على القلب ويخفق بأعلى صوت: تواطؤ تواطؤ تواطؤ، عندما تأكل وتشرب الشخصية المصرية بالتواطؤ، تقبض مصارفها وتمر أيامها بالتواطؤ، يصبح التواطؤ جبلاً مسيطراً، وهواء يتنفسه الناس ونهراً يروى الشخصية ويطرح بعشم تفاصيل غير مفهومة.

كيف تنسى الشخصية المصرية حادثة فتاة العتبة، التى تواطأ الناس فى صمت وهى تُغتصب؟ كيف تنسى الشخصية المصرية خلع كوبرى أبوالعلا فى التسعينات ودفنه فى طين الشاطئ؟ كيف تنسى الشخصية المصرية هدم ركام الأوبرا المصرية الآثارية فى الثمانينات، وبناء جراج أقل ما يوصف أنه دميم؟ كل ما يحدث بما فيه طمس أسوار القاهرة الفاطمية، وطمس معالمها التاريخية فى الثمانينات؟

كل ما سبق فى كل تفصيلة حياتية يؤكد أن التواطؤ يسكن فى أعماق الشخصية المصرية، ليتجلى العشم، أبوعشم، عشم لم يمت، عشم يتكاثر وينتعش، عشم تفصيلة مصرية صنع تفاصيلها ونقش ملامحها، وأنبت ثمارها الجو العام المصرى، العشم سلاح ودواء الشخصية المصرية، العشم مرض مستوطن فى تلابيب الشخصية المصرية، العشم قديم قديم من قدم الصخر فى أسوان، العشم سلاح الأم المصرية، تتزوج مَن دونها بالعشم، تتزوج مَن لا يصلح لها بالعشم، الفتاة الصغيرة تتعشم بزوج غنى ولو كان عجوزاً، والأم تتعشم بأبنائها الخير وهى غير قادرة على تعليمهم، الزوج يذهب لعمله بالعشم، يُكمل الموظف شهره بالعشم، تُخلق أبواق الأفراح بالعشم، يصنع الأطفال ألعابهم بالأوراق والنوى والكازوز بالعشم، يركب المواصلات بالعشم، يُكمل طريقه بالعشم، يزيد دخله بالعشم، يقفز فوق البرك والمستنقعات ويمسك أسلاك الكهربة، ويستمع إلى خطبة الجمعة ويشاهد مذيع التوك شو بالعشم، حتى فريقه يشجعه بالعشم.

يتحد التواطؤ مع العشم فى أنهما دعاة للأمل، وفى أنهما من مشكاة الوهم، وفى أنهما إرادة وترصد وقصدية، هكذا الوهم يخلق متناقضات، وهكذا الشخصية المصرية تتبنى المستحيلات، بالعشم وحده يبتسم وجه الشخصية المصرية، وبالتواطؤ وحده يؤجل الألم.. اللهم فاشهد.

المصدر: الوطن

كلمات دلالية: الشخصية المصرية الشخصیة المصریة عندما ی

إقرأ أيضاً:

كريم حسن شحاتة: المصالح الشخصية منعت المعلم من قيادة المنتخب

علق الإعلامي كريم حسن شحاتة، على عدم عودة والده الكابتن حسن شحاتة لتدريب المنتخب مرة أخرى، كشفا عن وجود ما وصفه بـ"الحرب الخفية" ضده داخل بعض إدارات اتحاد الكرة المصري، مشيرًا إلى أن بعض المسؤولين لم يكونوا يرغبون في عودته لأسباب تتعلق بالمصالح الشخصية، حيث أن التعاقد مع مدرب أجنبي كان يتيح لهم مساحة أكبر من التحكم والتأثير، كما ألمح إلى أن بعض الشخصيات التي لم تشملها اختيارات حسن شحاتة في بطولات إفريقيا السابقة سعت إلى إبعاده عن المشهد، في إطار تصفية حسابات شخصية داخل أروقة الكرة المصرية. 
وأوضح كريم خلال لقائه في الجزء الثاني من حلقته ببرنامج "خط أحمر" الذي يقدمه الإعلامي محمد موسى على قناة الحدث اليوم، أن حسن شحاتة يعد المدرب الوحيد في تاريخ مصر الذي حقق ثلاثة ألقاب متتالية في بطولة كأس الأمم الإفريقية، وهو إنجاز استثنائي لم يسبقه إليه أحد.
وأشار إلى أن والده غادر منصبه كمدرب للمنتخب المصري في أواخر عام 2011، معتبرًا أنه من غير المنطقي ألا يتم الاستفادة من مدرب بهذا الحجم، الذي قاد مصر لتحقيق نصف بطولاتها القارية في العصر الحديث. وأوضح أن مصر توجت بسبع بطولات إفريقية، منها بطولتان قديمتان عامي 1958 و1959، فيما حصل حسن شحاتة على ثلاثة ألقاب من أصل خمس بطولات في العصر الحديث، مما يعكس مدى تأثيره الكبير على الكرة المصرية.
كما لفت كريم حسن شحاتة إلى أن والده تم تصنيفه رابع أفضل مدرب في العالم من قبل الفيفا، كما حصل على جائزة أفضل مدرب في إفريقيا عام 2008، ومع ذلك، لم يتم الاستعانة به منذ رحيله عن المنتخب عام 2011، إلا عندما قرر الاتحاد المصري لكرة القدم، برئاسة المهندس هاني أبو ريدة، تعيينه رئيسًا للجنة الفنية.
وأعرب كريم عن استغرابه من عدم استمرار حسن شحاتة في تدريب الزمالك لفترة طويلة، مشيرًا إلى أنه تولى المهمة لفترة وجيزة عام 2011، إلا أن الأوضاع السياسية في البلاد حالت دون استمراره. وأضاف أن والده اتخذ قرارًا نهائيًا بالابتعاد عن التدريب منذ عام 2018، نظرًا لتقدمه في السن وشعوره بالإرهاق، معتبرًا أن الشيء الوحيد الذي كان ينقص مسيرته التدريبية هو قيادة منتخب مصر إلى كأس العالم، وهو ما كاد أن يتحقق في تصفيات 2010 قبل الخسارة أمام الجزائر في المباراة الفاصلة بالسودان.
 

مقالات مشابهة

  • حين يصبح الألم إبداعا.. سوسن شوربا التي حولت التمثيل إلى مقاومة
  • أجمل ناس.. عمرو الليثي يهدي مسنا 7 آلاف جنيه
  • ترقية اللواء الركن صالح بن عبدالرحمن بن سمير الحربي وتعيينه رئيسًا للجهاز العسكري
  • مصادر أمريكية: والتز من الممكن أن يصبح كبش فداء في فضيحة سيجنال
  • إمام الحرم عبدالرحمن السديس ودعاء للفلسطينيين ليلة 27 رمضان يثير تفاعلا
  • "التثقيف الرياضي ودوره في بناء الشخصية السوية" ملتقى الفكر الإسلامي بمسجد ناصر الكبير بالفيوم
  • خالد سرحان: لست مظلوما فنيا.. والشخص بعد سن الـ 40 يصبح أكثر إدراكا للأمور
  • كاساس يبرر الخسارة أمام فلسطين: نقصتنا الشخصية
  • كريم حسن شحاتة: المصالح الشخصية منعت المعلم من قيادة المنتخب
  • «الفن.. ذلك الجرح الذي يصبح ضوءا»