بقلم : اللواء الدكتور سعد معن الموسوي ..

هناك قوى خفية تحرك الجماهير دون أن يدركوا، تدفعهم نحو ما لم يكن يومًا مقبولًا، حتى يصبح المرفوض مألوفًا، والمستنكر والمستهجن أمرًا عاديًا. هذه القوى ليست وليدة اللحظة، انما تمتد جذورها في أعماق النفس البشرية، حيث يسهل العبث بالمفاهيم حين يُعاد تشكيلها ضمن قوالب جديدة.

الفكرة السيئة لا تُطرح دفعة واحدة، بل تُمرر على دفعات وجرعات ، كسم خفيف لا يقتلك لكنه يغيّرك، وكلما تكررت، فقدت غرابتها، وكلما سُمعت، تجذّرت حتى تتحول إلى قناعة راسخة.

“وَزَيَّنَ لَهُمُ ٱلشَّيْطَٰنُ أَعْمَٰلَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ ٱلسَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ” (النمل: 24).

الخوف هو أقدم الأدوات، فحين يشعر الإنسان بالتهديد، يكون مستعدًا للتنازل عن أي مبدأ مقابل الشعور بالأمان، حتى لو كان الثمن هو التخلي عن الحق والقبول بالباطل. والعقل حين تحاصره العواطف يفقد صلابته، يصبح هشًا، سهل التوجيه، يصدق ما يريحه، وينفر مما يزعجه، حتى لو كانت الحقيقة ذاتها. وحين يُعاد تعريف الأخلاق وفقًا للمصلحة، يصبح كل شيء قابلًا للتبرير، وما كان عيبًا بالأمس، قد يصبح شجاعة اليوم، وما كان جريمة، قد يُبرَّر تحت مسمى الضرورة.

قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام):

“إنّما بَدءُ وقوعِ الفِتَن أهواءٌ تُتَّبَع، وأحكامٌ تُبتَدَع، يُخالَفُ فيها كتابُ اللهِ، ويَتَوَلَّى عليها رجالٌ على غيرِ دينِ اللهِ، فلو أنّ الباطلَ خَلَصَ من مِزاجِ الحقِّ لم يَخفَ على المُرتادين، ولو أنّ الحقَّ خَلَصَ من لَبسِ الباطلِ لانقطعت عنه ألسنُ المعاندين، ولكن يُؤخَذُ من هذا ضِغثٌ، ومن هذا ضِغثٌ، فيمزجانِ، فيجيئانِ معاً، فهنالك يستولي الشيطانُ على أوليائه، وينجو الذين سبقت لهم من اللهِ الحُسنى.”

(نهج البلاغة، الخطبة 50)

المعضلة ليست في تمرير الباطل، بل في تحويله إلى حق، في جعله قاعدة اجتماعية يتبناها الجميع دون تفكير. يتم ذلك حين تتحول القيم إلى شعارات جوفاء، وحين يصبح الإنسان مجرد مستهلك للأفكار، لا صانعًا لها، يردد ما يسمع، ويعتاد ما يُعرض أمامه، حتى يُخدّر حسه النقدي، فلا يرى سوى ما يُراد له أن يراه. عندها، يفقد المجتمع مناعته الفكرية، يصبح هشًا أمام أي موجة جديدة، فيتبناها دون وعي، ويقاوم من يعارضها وكأنها الحقيقة المطلقة.

المعركة ليست في إقناع الإنسان بالخطأ، بل في جعله يراه صوابًا، في جعله يدافع عنه دون أن يدرك أنه ضحية، في جعله يردد المقولات التي وُضعت له، دون أن يسأل: من وضعها؟ ولماذا؟ وهنا، يكون الانتصار الأكبر للقوى الخفية التي لا تحتاج إلى فرض أفكارها بالقوة، بل يكفيها أن تجعل الناس يطالبون بها بأنفسهم، ويتحركون نحوها وهم يظنون أنهم أحرار.

اللواء الدكتور
سعد معن الموسوي

د. سعد معن

المصدر: شبكة انباء العراق

كلمات دلالية: احتجاجات الانتخابات البرلمانية الجيش الروسي الصدر الكرملين اوكرانيا ايران تشرين تشكيل الحكومة تظاهرات ايران رئيس الوزراء المكلف روسيا غضب الشارع مصطفى الكاظمي مظاهرات وقفات فی جعله

إقرأ أيضاً:

تدشين فعاليات الذكرى السنوية للصرخة بمربع مدينة الحديدة

يمانيون/ الحديدة دُشنت بمدينة الحديدة اليوم فعاليات الذكرى السنوية للصرخة في وجه المستكبرين، بندوة توعوية ثقافية نظمها قطاع الإرشاد والعلماء بالمحافظة.

ركزت الندوة بحضور وكيلي المحافظة محمد حليصي وعلي كباري وقيادات محلية، على مدلولات الشعار وأبعاده الإيمانية، وما يتضمنه من مبادئ وقيم تعكس هوية الأمة واستقلال قرارها، باعتباره سلاحًا وموقفا في مواجهة قوى الطغيان والاستكبار.

وتطرقت الندوة إلى أن الشعار لم يقتصر تأثيره على الداخل، بل أصبح صداه يتردد في أوساط حرة على امتداد الأمة، كعنوان للموقف الجريء في زمن الصمت.

وتحدث في الندوة مسؤول قطاع الإرشاد عبدالرحمن الورفي، ونائب رئيس جامعة دار العلوم الشرعية الشيخ علي عضابي، والشيخ يحيى الحجاجي، ومدير مديرية الميناء عبدالله الهادي.

وأكدوا أن الشعار انطلق من منطلق قرآني أصيل، يعكس الموقف الحق في إعلان البراءة من أعداء الله، ويمثل صرخة وعي وشجاعة في وجه قوى الظلم والاستكبار.

وأشاروا إلى أن الشعار كان ولا يزال مصدر إزعاج لأعداء الأمة، لما يحمله من مضامين تحررية وموقف مبدئي يتجذر في الوعي الشعبي ويكسر حاجز الصمت والخوف.

ولفتوا إلى أن المشروع القرآني الذي أطلق الشعار، يمثل ركيزة أساسية في بناء أمة قوية متحررة من التبعية، تدرك عدوها وتتحصن من الاختراق الثقافي والسياسي.

وأكد المتحدثون أن المرحلة تتطلب المزيد من التوعية بخطورة الحرب الناعمة، وتعزيز الوعي المجتمعي بمضامين الشعار كجزء من معركة الوعي والسيادة.

كما شددوا على ضرورة ترسيخ مفاهيم الصرخة في أوساط الشباب، وتحويل الشعار إلى سلوك عملي وموقف مستمر في مواجهة مشاريع العدو على مختلف الأصعدة، لافتين الى أن الصرخة ستظل شعارا وموقفا يعبر عن الهوية الإيمانية والانتماء لمشروع التحرر والكرامة، في معركة فاصلة بين الحق والباطل.

مقالات مشابهة

  • ‏«الحق أشتري».. سعر الذهب اليوم الأربعاء يواصل ‏الانخفاض
  • أسامة نبيه يعلن تشكيل منتخب الشباب أمام سيراليون ببطولة أمم أفريقيا
  • أسامة نبيه يعلن تشكيل منتخب مصر تحت 20 سنة أمام سيراليون
  • قضية طفل دمنهور.. وزيرة التضامن: قضاء مصر أنصف الحق في اغتيال البراءة
  • تدشين فعاليات الذكرى السنوية للصرخة بمربع مدينة الحديدة
  • كوناتي يشيد بصلاح: قائد حقيقي وقد يصبح أسطورة الدوري الإنجليزي
  • الحق اشتري .. خصم كبير على حاسوب MacBook Air M4
  • مندوب مصر بمجلس الأمن: دعواتنا للسلام من منطلق قوة وثقة في الحق العربي والفلسطيني
  • اجتماع للجنة دراسة ظاهرة هجرة العقول والكفاءات اليمنية برئاسة الوزير باجعالة
  • الساعة الأخيرة للجنجويد: حين يصبح الهروب هو المصير الوحيد