برلين- تسعى الأحزاب الألمانية إلى تقديم برامج انتخابية تتماشى مع اهتمامات مواطنيها وتطلعاتهم للمستقبل، وكما هو معتاد، طرحت قضايا إشكالية شغلت الرأي العام خلال فترة الائتلاف الحكومي، محاولةً تقديم حلول للمسائل التي أثارت جدلا سياسيا وإعلاميا قبل الانتخابات.

وبرزت سياسة اللجوء كقضية رئيسية في مواقف أبرز الأحزاب الألمانية المتنافسة في انتخابات 23 فبراير/شباط الجاري، إلى جانب التحديات الاقتصادية في ظل التباطؤ الاقتصادي الملحوظ خلال السنوات الأخيرة، على الرغم من أهمية الصراعات المسلحة والحروب وتأثيرها على السياسة العامة.

محور رئيسي

اكتسبت قضية الهجرة واللجوء أهمية متجددة في الحملة الانتخابية الألمانية الحالية، حيث أصبحت محورا رئيسيا في برامج الأحزاب السياسية، خاصة بعد سلسلة من الهجمات التي نفذها أشخاص من أصول مهاجرة، مما أثار مخاوف لدى المواطنين، استغلتها معظم الأحزاب الألمانية في حملاتها، معتمدةً على خطاب يركز على الأمن والترحيل.

ولطالما كان حزب "البديل من أجل ألمانيا" اليميني المتطرف في طليعة الأحزاب التي استثمرت في قضية اللجوء والهجرة غير الشرعية لحشد الدعم الشعبي، إلا أن معظم الأحزاب الأخرى تبنت مؤخرا جزءا كبيرا من هذا الخطاب، فقد ركز حزب البديل على رفض سياسة اللجوء الحكومية، داعيا إلى ترحيل أكبر عدد ممكن من المهاجرين غير النظاميين، لا سيما مرتكبي الجرائم.

إعلان

ترى الباحثة الاجتماعية كاميلا مولينبيرغ أن حزب البديل استغل الهجمات التي نفذها مهاجرون، وحوّلها إلى محور أساسي في خطابه السياسي، مما أسهم في تعزيز حضوره الإعلامي والسياسي، مستفيدا من فشل الحكومة في التعامل مع هذه القضايا بسرعة وفعالية.

وقد تمكن الحزب من تحقيق نجاحات كبيرة في العديد من الولايات الألمانية، وأصبح القوة السياسية الثانية بعد الاتحاد المسيحي الديمقراطي، حيث تشير استطلاعات الرأي إلى أنه قد يحصل على أكثر من 20% من أصوات الناخبين في الانتخابات المقبلة.

ويعتمد حزب البديل في حملته على نقاط رئيسية مثل:

معالجة طلبات اللجوء خارج ألمانيا. رفض استقبال اللاجئين دون إثبات هوية وجنسية واضحة. إلغاء حق اللجوء لمن يقدم معلومات كاذبة. إيقاف تمويل المنظمات غير الحكومية العاملة في مجال اللجوء. تبسيط إجراءات اللجوء القانونية داخل المحاكم الإدارية.

تنافس

لاقت هذه المواقف من قضية الهجرة صدى لدى الاتحاد المسيحي، الذي تبنى سياسات مشابهة، مشددا على ضرورة نقل طالبي اللجوء إلى دول ثالثة آمنة لمعالجة طلباتهم هناك، كما دعا إلى تشديد الرقابة الحدودية، وتسريع إجراءات اللجوء، وتعليق لمّ شمل الأسر لطالبي الحماية الفرعية.

ورغم تراجع شعبيته في السنوات الأخيرة، فإن استطلاعات الرأي تشير إلى أن الاتحاد المسيحي سيحصل على أكثر من 30% من أصوات الناخبين.

بدوره، تبنى الحزب الاشتراكي الديمقراطي مقاربة وسطية، إذ وعد بتسريع إجراءات اللجوء لكنه رفض تحويلها إلى الخارج، مشددا على ضرورة التزام ألمانيا بتعهداتها الإنسانية ضمن الاتحاد الأوروبي.

أما حزب الخضر، فقد ركز على الجانب الإنساني، مؤكدا ضرورة مراعاة الفئات الضعيفة مثل النساء والأطفال وذوي الإعاقة في إجراءات اللجوء، وفي المقابل، تبنى الحزب الليبرالي موقفا مشابها للاتحاد المسيحي وحزب البديل، مطالبا بإجراء طلبات اللجوء في دول ثالثة.

إعلان

وفي ظل وصف الاتحاد الحاكم الحالي بـ"أفشل حكومة في العقود الماضية"، تراجعت شعبية كل من حزب الخضر والحزب الاشتراكي لتصل إلى 15% لكل منهما حسب استطلاعات الرأي الأخيرة.

وكانت إحدى المفاجآت الكبرى هي موقف الاتحاد الذي تقوده سارة فاغنكنيشت، فرغم بداياته اليسارية الرافضة لتصدير الأسلحة، فقد صوّت لصالح تشديد قوانين الهجرة، مما أثار استياء المهاجرين.

فقد دعت رئيسة الحزب إلى تعديل القوانين، وحتى تغيير الدستور إذا لزم الأمر، لضمان ترحيل اللاجئين الذين يرتكبون جرائم، ومنع الأشخاص القادمين من "دول ثالثة آمنة" من تقديم طلبات لجوء في ألمانيا، ورغم ذلك أعطتها استطلاعات الرأي نسبة 5%، وهي النسبة المؤهلة لدخول البرلمان.

ألمانيا تعاني من أزمة اقتصادية تعد الأعمق منذ تأسيس الجمهورية الاتحادية (الجزيرة) تحديات الاقتصاد

وإلى جانب الهجرة، تحتل القضايا الاقتصادية مكانة بارزة في البرامج الانتخابية للأحزاب، حيث تسعى كل منها لتقديم حلول للأزمة التي تعاني منها البلاد، وسط ارتفاع أسعار الطاقة، وتراجع الاستهلاك، وهجرة العديد من الشركات إلى الخارج.

ويقترح الحزب الاشتراكي الديمقراطي خفض أسعار الكهرباء، وتقديم إعفاءات ضريبية للطبقات المتوسطة، ورفع الحد الأدنى للأجور لتحفيز الاقتصاد، كما يدعو إلى استمرار فرض سقف على الإيجارات لمواجهة أزمة السكن.

من جهته، يركز الاتحاد المسيحي على خفض الضرائب وإلغاء ضريبة التضامن، إلى جانب تخصيص ميزانيات إضافية للدفاع وتعزيز الأمن، كما يطالب بتخفيف القيود البيئية، بما في ذلك إعادة النظر في خطط إغلاق محطات الطاقة النووية.

بينما يسعى حزب الخضر، إلى تخصيص ميزانيات لدعم الأسر ذات الدخل المنخفض والمتوسط، وزيادة الضرائب على الأثرياء، فيما يدعو الحزب الديمقراطي الحر إلى تخفيضات ضريبية واسعة النطاق، وتشجيع الاستثمار من خلال تقليل الأعباء المالية على الشركات.

إعلان

بينما على النقيض، يدعو حزب البديل من أجل ألمانيا إلى سياسات اقتصادية راديكالية، تشمل الخروج من الاتحاد الأوروبي، وإلغاء اليورو، والعودة إلى المارك الألماني. كما ينكر الحزب أي علاقة للبشر بتغير المناخ، ويطالب بإعادة تشغيل محطات الفحم والطاقة النووية، ورفع العقوبات الاقتصادية المفروضة على روسيا.

أما تحالف سارة فاغنكنيشت، فيتبنى مواقف مشابهة، حيث يدعو إلى إعادة شراء الغاز الروسي، ورفض العقوبات على روسيا والصين، وإلغاء القوانين البيئية التي يرى أنها تضر بالاقتصاد.

وتأتي هذه الانتخابات في وقت تعاني فيه ألمانيا من أعمق أزمة اقتصادية منذ تأسيس الجمهورية الاتحادية عام 1949، ويرى الخبير الاقتصادي فولف شويبرت أن "ألمانيا لم تحقق أي نمو منذ 5 سنوات"، مشيرا إلى أن المشكلات الاقتصادية ليست فقط نتيجة الأزمات العالمية، بل تعود أيضا إلى سياسات حكومية غير فعالة.

ويؤكد شويبرت أن "غياب التحول الرقمي، وضعف التعليم، وعدم استقطاب الكفاءات من الخارج، كلها تعد عوامل تعيق الاقتصاد الألماني، مما يجعل الانتخابات المقبلة ذات أهمية استثنائية في تحديد مسار البلاد خلال السنوات المقبلة" حسب قوله.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات الاتحاد المسیحی استطلاعات الرأی إجراءات اللجوء حزب البدیل

إقرأ أيضاً:

عُمان والاقتصاد البنفسجي

 

 

خلفان الطوقي

 

 

قسَّم المتخصصون الاقتصاد إلى عدة ألوان، ومن هذه الألوان الاقتصاد البنفسجي والذي يُعتبر فيه العامل الإنساني عاملا وعنصرا جوهريا، والذي بدوره يكون قيمة مضافة للاقتصاد الوطني والناتج المحلي لأي دولة، ويتقاطع هذا النوع من الاقتصاد في كثير من الأحيان مع بقية أنواع الاقتصادات ومع بقية الألوان.

ولتسهيل فهم مصطلح الاقتصاد البنفسجي، يمكن عرض نماذج تدل على تدخل العامل الإنساني كالصناعات الحرفية واليدوية التقليدية، والألعاب الشعبية، والأكلات المحلية، والنزل التراثية، والأحياء التاريخية، والأزياء القديمة الزاهية، والمخطوطات النادرة، والقلاع والحصون والأبنية الهندسية التاريخية، وغيرها من مكنونات لعب الإنسان فيها دورًا جوهريًا.

وعند ذكر هذه الأمثلة أعلاه نجد- دون أدنى محل للشك- أن سلطنة عُمان متقدمة بمراحل عن غيرها من الدول، ليس تحيزًا وإنمّا واقعًا ملموسًا ومشهودًا له من الآخرين، وأفضل دليل على ذلك المواقع العُمانية المذكورة في قائمة التراث العالمي لمنظمة اليونسكو التابعة للأمم المتحدة مثل قلعة بهلا ومدينة قلهات التراثية ومقابر وآثار بات والخطم والعين وأرض اللبان، أنظمة الري عن طريق الأفلاج، اضف إلى ذلك إدراج الشخصيات العُمانية السبعة في برنامج اليونسكو كالفراهيدي وأحمد ابن ماجد ونور الدين السالمي وابن الذهبي والهاشمي وأبي مسلم البهلاني، كما تم توثيق رقصة البرعة، وتفاصيل الأعمال المرتبطة بالنخلة، ويمكن مضاعفة المواقع والشخصيات والفنون العُمانية بمضاعفة الجهد والتركيز.

واقعيا، فإنَّ السلطنة غنية بالعامل الإنساني والثقافي والتراثي والبيئي والتاريخي، ويتضح ذلك في صور وأشكال عديدة، وهذا هو العامل المميز لها، بمعنى أن قوتها تكمن فيما تملك، ويمكنها الاستفادة من ذلك إلى أقصى حد ممكن، وبذلك يمكن تفعيل الاقتصاد البنفسجي ليكون داعماً مؤثرًا للاقتصاد الوطني.

وعليه، لا يمكن أن نبدأ من الصفر من ناحية، ولا يمكن أن يضيع الزخم بين فترة وأخرى عن هذا الثراء الإنساني والحضاري، ولا يكون ذلك إلا بخلق سردية مستمرة لأهمية هذه العناصر المثرية، وذلك بتكامل الجهات المعنية وانصهارها مع بعضها البعض بين فترة وأخرى، خاصة وأن كل هذه العناصر متوفرة، والمسؤولية تكمن في تجميعها وإبرازها والترويج لها محليا وإقليميا وعالميا.

 لن يتأتى ذلك إلّا بوضع برنامج وطني تشارك فيه أكثر من جهة كوزارة المالية من خلال البرنامج الوطني "استدامة"، ووزارة الاقتصاد، ووزارة الثراث والسياحة وبعض الجهات الأخرى كحديقة النباتات العُمانية وشركة عمران ومركز عُمان للمؤتمرات والمعارض، ووزارة الثقافة والرياضة والشباب وأذرعها الاستراتيجية كمركز الشباب ومجمع عُمان الثقافي، ومكاتب المحافظين والبلديات، وهيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية، وشرطة عُمان السلطانية من خلال الجمعية العُمانية للسيارات ونادي عُمان للرماية، ويمكن للأكاديمية السلطانية للإدارة وجامعة السلطان قابوس تقديم الدعم من خلال تصميم مبادرات وبرامج ممنهجة جاذبة وعصرية تستطيع من خلالها تحقيق المستهدف منها، والدعم الإعلامي من وزارة الإعلام من خلال مركز التواصل الحكومي، وغيرها من الجهات الداعمة من القطاع الخاص والمؤسسات المدنية بشكل مباشر وغير مباشر.

الخلاصة.. الاقتصاد البنفسجي لا يعمل منفردًا؛ بل يحتاج التعاون والتكامل والانسجام والوعي من المسؤولين وبقية الفرق التنفيذية بأهميته، والجهد الممنهج، إلى جانب تركيز يتسم بالاستمرارية لكل نهج وثقافة ثابتة، وجهد لا ينقطع، وزخم عالٍ. وإن اجتمعت هذه العناصر، سوف نرى اقتناص مزيدٍ من الفرص، ومبادرات ثقافية وترفيهية، وعوائد مضاعفة مالية وغير مالية تدعم الاقتصاد الوطني.

رابط مختصر

مقالات مشابهة

  • الحزب الثالث
  • مراسل سانا: محافظة حلب تتسلم شحنة مساعدات إنسانية مقدمة من جمهورية أرمينيا بوزن 80 طناً تضم مواد غذائية ومستلزمات طبية
  • وزير الخارجية: أكدنا مع الاتحاد الأوروبي على أهمية معالجة الهجرة غير الشرعية
  • بولندا تعلق منح اللجوء عبر بيلاروسيا بدعم من الاتحاد الأوروبي
  • الحكم فى الطعن ضد إعلان لجنة الأحزاب خلو منصب رئيس الدستور.. غدًا
  • ترامب يستهدف محامين بسبب قضايا الهجرة
  • عُمان والاقتصاد البنفسجي
  • نظام سانت ليغو: الحل الأمثل لتقليص الفجوة بين الأحزاب الكبيرة والصغيرة
  • ياسين أقطاي لـعربي21: قضايا فساد إمام أوغلو كشفها أعضاء من حزبه (شاهد)
  • "فيفا" يستبعد ليون المكسيكي من كأس العالم للأندية والإعلان عن البديل في غضون الأيام المقبلة