النهب الطائر والفساد الفاجر والنظام الجائر.. مفاهيم ملتبسة (65)
تاريخ النشر: 22nd, August 2023 GMT
من بين المداخل التي يمكن أن تسهم في فهم قضية الطائرة المصرية المحتجزة في زامبيا رفقة ركابها حتى تاريخ كتابة هذا المقال؛ هي العلاقة الوثيقة بين الفساد والاستبداد التي باتت تشكل أحد الملامح الرئيسية للجمهورية الجديدة، وقد وصلت فيهما إلى مستوى فريد يخصها بمفردها ولا يمكن أن ينافسها فيهما أحد، أضف إلى ذلك مناخ التعتيم الذي تفرضه السلطة الظالمة والذي يثبت بما لا يدع مجالا للشك أن الفساد في هذا النظام هو ملمح ومكون رئيسي له منذ اليوم الأول، ولم يكن تطورا مفاجئا أو انحرافا غير مقصود، والدليل على ذلك مساعي هذه المنظومة منذ اليوم الأول لوصولها إلى السلطة إلى تأميم وتأمين الإعلام في مصر وفق أهدافها بكل الطرق الممكنة؛ سواء من حبس للصحفيين والذي تقدره بعض وسائل الإعلام الدولية وتقارير حقوق الإنسان بأنه يزيد عن 200 صحفي، أو إعادة هيكلة قيادات الصحف القومية والتلفزيون الرسمي، والسيطرة على وسائل الإعلام الخاصة الصحفية والتلفزيونية بكل الطرق الممكنة الشرعية وغير الشرعية؛ بما في ذلك حبس واعتقال أحد ملاك الصحف والتشهير به وبعائلته لإجباره على التوقيع على البيع وهو ما تم لهم.
هذا المناخ الذي صنعته هذه المنظومة كانت تريده للتغطية على جرائمها المستمرة، وقد يكون للصدفة دور رئيسي في الكشف عن فضيحة الطائرة لأنها وقعت في دولة خارجية، بعيدة عن سيطرتهم الإعلامية، خاصة وأنهم نجحوا في حذف الخبر من صحفهم المحلية.
ما يؤكد على مساوئ هذه المنظومة أن هذه الحادثة بمثابة قمة جبل الجليد العائم، ففي الوقت الذي تم الكشف فيه عن هذه الجريمة كانت هناك العديد من الأخبار التي ترصد عمليات النهب المستمر، ولكن لنحاج هذه المنظومة في تأميم وتكميم الإعلام وتعتيمه لم تكن هناك أي فرصة لأن نعرف حقيقة هذه الأخبار ومصداقيتها.
ولكن هذه الحادثة تؤكد لنا أن مثل هذه العمليات الإجرامية من التهريب والتفريط في مقدرات البلد وثوراتها باتت لها مؤسساتها الرسمية أو على أقل تقدير المدعومة رسميا، فالطائرة التي لم يتم الكشف عن مالكها حتى الآن تم إثبات أنها مستخدمة في رحلات كثيرة لشخصيات رسمية ومؤسسات حكومية، إضافة إلى أن من بين المتهمين على الطائرة والمحتجزين لدى السلطات الزامبية حتى تاريخه شخصيات أمنية، وشخصيات مالية تربطها علاقات وثيقة بالنظام، إضافة إلى الحديث عن وصول وفود رسمية مصرية إلى زامبيا للتفاوض بشأن المحتجزين، الأمر الذي يفند أي تشكيك في علاقة الطائرة بمنظومة الثالث من يوليو، بل ويؤكد عليها اتهامات تهريب الأموال، والسرقات والفساد وعمليات النهب المنظم الذي تتردد أصداؤها في الفضاء الالكتروني باعتباره المجال الوحيد المتاح للتعبير عما يجري في مصر.
وبطبيعة الحال هناك مبالغات واشتغالات، ولكن حادثة مثل حادثة الطائرة تؤكد على أن هذه المنظومة باتت لها صحيفة سوابق رسمية "دولية" في هذه الأعمال الاجرامية.
من ناحية أخرى فإن تعامل الأجهزة الرسمية المصرية مع هذا الحادث لم يختلف عن أي تعامل سابق نفس السياسات والإجراءات من المنع والحذف والترويع والحبس، وصولا إلى الضغط والإجبار وعقد الصفقات المشبوهة. فنحن لا نتفق كثيرا مع من هاجم صفحة "متصدقش" لنشرها تقريرا يحاول أن يبيض صورة رئيس منظومة الثالث من يوليو بشأن دوره في أزمة سد النهضة، ومحاولة اتهام جماعة الإخوان المسلمين والإعلام المعارض بتشويه صورته ودوره في هذا الملف. فهذا الأمر في هذا التوقيت هو دليل إدانة سيخلده التاريخ، وسيبقى في سجلات المصريين ووعيهم أن هذا النظام أجبر صفحة "متصدقش" على نشر هذا التقرير ثمنا للإفراج عن الصحفي المحتجز على خلفية نشره لأخبار ومعلومات تخص طائرة النظام المصري في زامبيا المحجوزة على ذمة تورط ركابها في أعمال غير مشروعة في حكم القانون الزامبي، وارتكابها جرائم السرقة والنصب والاحتيال في عرف القانون المصري، حتى يأتي اليوم الذي ينظر بها القانون المصري ويكشف حينها عن تفاصيلها، بما في ذلك تفاصيل صفقة تقرير تبيض وجه السيسي بشأن سد النهضة.
إن هذا النظام لا يتوقف عن ارتكاب الكوارث في كل اتجاه وكأنه مسلط على نفسه، ومثل هذه الإجراءات والسلوكيات ستبقى في رصيد هذا النظام وستكون وبالا عليه في الوقت المناسب الذي يقدره الله لرحيل هذا النظام وانتهاء فترته التعيسة من التاريخ المصري.
لم يسبق أن تولى حكم مصر من يكافئ هذا النظام في استبداده وفساده وفجوره وجوره على مصر والمصريين، فهو قد جمع خصال نظام عبد الناصر والسادات ومبارك، وصنع طبعته الخاصة من الاستبداد مشمولة بخصائص وسمات النظم الاستبدادية الثلاث السابقة عليه.
فمن ينظر إلى هذا النظام تجده لا يقدم أي خدمات للمواطنين، فما يشغله هو صورته، ولعل التصريحات التي نشرتها صحيفة الشروق مؤخرا للأكاديمي فاروق الباز بخصوص حديثه مع رئيس منظومة الثالث من يوليو بشأن مشروع قومي في بداية اغتصابه للحكم؛ تؤكد أن رئيس هذه المنظومة لم ينشغل إلا بالصورة واللقطة والروح المعنوية، وقد كان الثمن يزيد عن 14 مليار دولار.
هذا النظام لا تشغله مصر أو المصريون، فهو يتفاخر بالطرق والكباري ولا يهتم بالمصريين -بحسب أحد مقاطع الفيديو المنتشرة- يهتم بكيلو الطرق ولا يهتم بكيلو البصل، أو كيلو الطماطم، أو كيلو البطاطس، يهتم ببناء أكبر وأعرض وأثقل وأطول مسجد، طريق، نجفة، برج.. ولا يهتم ببناء الإنسان المصري أو دعمه في المحن التي يمر بها.
وهناك الكثير من الوقائع غير قابلة للحصر التي تثبت هذه الرؤية في الواقع، والمصريون يلمسون هذا بشكل واضح في حياتهم اليومية ولن تكون طائرة زامبيا آخرها؛ فهي كما أكدنا من قبل هي قمة جبل الجليد الغارق، فنهب المصريين مستشرٍ في هذه المنظومة بطولها وعرضها، وكأن عمليات النهب والنصب والتهريب هو برنامجها الانتخابي الوحيد وهدفها الأساسي الذي تعمل من أجله، فهذه المنظمة يلزمها أن تستكمل شعارها الناقص ليكون "الجمهورية الجديدة للنهب والسرقة والقتل والتعذيب".
إن الجمهورية الجديدة التي تتسول من الدول الأخرى ضروراتها اليومية -اتفاقية الحبوب التي وقعتها الإمارات مع الحكومة المصرية- لا تحمل لمصر والمصريين إلا الخراب والدمار والذل والهوان. فهذه المنظومة تتعامل وكأنها في مهمة مقدسة لتخريب مصر وإذلالها بأي طريقة كانت، ولا تتورع في ذلك عن ارتكاب كل الموبقات والجرائم، ولا تخشى أحدا في ذلك ولا تتوقف عن النهب ليل نهار، ولا تقّرب منها إلا المجرمين ومحترفي الإجرام، وتعمل على حمايتهم وتوفير كل ما يلزمهم من مال وأعمال، وحماية وإفراج رئاسي وتأمين رسمي، واتصالات دبلوماسية.
إن تأمل المحيطين بالنظام لا يحتاج إلى دليل لنعرف طبيعته وطبيعة أعماله الإجرامية، فنظام أفرج عن قاتل وشريكه لأنه صاحب استثمارات، ومنح الصلاحيات لقاتل وتاجر ممنوعات، وفتح الأبواب مشرعة لتاجر آثار ومتهم بالاستيلاء على أراضي الدولة.. لن يكون بعيدا عن التورط في طائرة التهريب المحتجزة في زامبيا والتي يعمل المستحيل لإنهاء قضيتها، بما في ذلك اتصالات دبلوماسية على أعلى مستوى.
إن متلازمة الفساد والاستبداد هي العنوان الرئيس والملمح المركزي لهذا النظام الجائر والفاجر، الذي لا يدخر جهدا في الترويع والترهيب والإفقار والقتل والإخفاء القسري والتعذيب والقتل خارج نطاق القانون باسم مصر وحماية الوطن.
twitter.com/Saif_abdelfatah
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه المصرية زامبيا الفساد مصر زامبيا الفساد مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات سياسة صحافة سياسة صحافة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة هذه المنظومة هذا النظام فی ذلک
إقرأ أيضاً:
المفتي: أزمة أخلاقية لاختلاط مفاهيم الرجولة والأنوثة.. فيديو
حذر الدكتور نظير عياد، مفتي الجمهورية ورئيس الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم، من تنامي ظاهرة التنصل من المسؤولية في المجتمع، سواء لدى الأبناء أو الأزواج، مؤكداً أن هذه الظاهرة أصبحت سمة شائعة في حياتنا اليومية.
وخلال لقائه مع الإعلامي حمدي رزق في برنامج "اسأل المفتي" على قناة صدى البلد، أوضح نظير عياد أن هذه الظاهرة قد تكون ناتجة عن فقدان التربية السليمة والصحيحة التي من المفترض أن تحفظ العلاقات الأسرية والاجتماعية.
وأكد المفتي أن المجتمع يعاني من أزمة أخلاقية عميقة، حيث أصبح من الصعب تمييز ملامح الرجولة أو الأنوثة نتيجة للاختلاط والفوضى في المفاهيم، مشيرًا إلى أن السبب في ذلك يعود جزئياً إلى تأثير وسائل الإعلام الحديثة، التي على الرغم من كونها نعمة في كثير من الأحيان، إلا أنها أصبحت وسيلة لنقل أفكار غريبة وسلوكيات منحرفة.
وتابع مفتي الجمهورية قائلاً: "لقد حولنا وسائل التواصل الحديثة من أدوات للتطور والإيجابية إلى وسائل لنشر أفكار وأفعال غريبة، وهذا لم يحدث بالصدفة بل ربما كان مقصوداً"، لافتاً إلى أن بعض هذه الأفكار قد تكون موجهة بشكل غير مباشر إلى المجتمعات العربية والإسلامية، التي تتمتع بخصوصية ثقافية ودينية تحاول وسائل الإعلام الغربية إحداث تداخل معها.
وأشار نظير عياد إلى أن المجتمعات العربية والإسلامية تمتاز بوجود "الكتلة الصلبة" وهي الأسرة، التي تمثل الركيزة الأساسية في استقرار المجتمع، ورغم أن المجتمعات الغربية قد شهدت تراجعاً في دور الأسرة، إلا أن الأسرة في المجتمعات الشرقية ظلّت تعتبر مؤسسة مقدسة ومهمة.
ولفت المفتي إلى أنه حتى في الفلسفات القديمة، مثل الفلسفة المصرية والهندية، كان للأسرة مكانة عظيمة باعتبارها حجر الزاوية في بناء المجتمعات.
وشدد نظير عياد على ضرورة العودة إلى القيم الأساسية التي تحافظ على الأسرة وتدعم استقرار المجتمع، محذراً من أن غياب هذه القيم قد يؤدي إلى تفتت المجتمعات وانتشار التفكك الاجتماعي.