من بين المداخل التي يمكن أن تسهم في فهم قضية الطائرة المصرية المحتجزة في زامبيا رفقة ركابها حتى تاريخ كتابة هذا المقال؛ هي العلاقة الوثيقة بين الفساد والاستبداد التي باتت تشكل أحد الملامح الرئيسية للجمهورية الجديدة، وقد وصلت فيهما إلى مستوى فريد يخصها بمفردها ولا يمكن أن ينافسها فيهما أحد، أضف إلى ذلك مناخ التعتيم الذي تفرضه السلطة الظالمة والذي يثبت بما لا يدع مجالا للشك أن الفساد في هذا النظام هو ملمح ومكون رئيسي له منذ اليوم الأول، ولم يكن تطورا مفاجئا أو انحرافا غير مقصود، والدليل على ذلك مساعي هذه المنظومة منذ اليوم الأول لوصولها إلى السلطة إلى تأميم وتأمين الإعلام في مصر وفق أهدافها بكل الطرق الممكنة؛ سواء من حبس للصحفيين والذي تقدره بعض وسائل الإعلام الدولية وتقارير حقوق الإنسان بأنه يزيد عن 200 صحفي، أو إعادة هيكلة قيادات الصحف القومية والتلفزيون الرسمي، والسيطرة على وسائل الإعلام الخاصة الصحفية والتلفزيونية بكل الطرق الممكنة الشرعية وغير الشرعية؛ بما في ذلك حبس واعتقال أحد ملاك الصحف والتشهير به وبعائلته لإجباره على التوقيع على البيع وهو ما تم لهم.

.

هذا المناخ الذي صنعته هذه المنظومة كانت تريده للتغطية على جرائمها المستمرة، وقد يكون للصدفة دور رئيسي في الكشف عن فضيحة الطائرة لأنها وقعت في دولة خارجية، بعيدة عن سيطرتهم الإعلامية، خاصة وأنهم نجحوا في حذف الخبر من صحفهم المحلية.

ما يؤكد على مساوئ هذه المنظومة أن هذه الحادثة بمثابة قمة جبل الجليد العائم، ففي الوقت الذي تم الكشف فيه عن هذه الجريمة كانت هناك العديد من الأخبار التي ترصد عمليات النهب المستمر، ولكن لنحاج هذه المنظومة في تأميم وتكميم الإعلام وتعتيمه لم تكن هناك أي فرصة لأن نعرف حقيقة هذه الأخبار ومصداقيتها.

ولكن هذه الحادثة تؤكد لنا أن مثل هذه العمليات الإجرامية من التهريب والتفريط في مقدرات البلد وثوراتها باتت لها مؤسساتها الرسمية أو على أقل تقدير المدعومة رسميا، فالطائرة التي لم يتم الكشف عن مالكها حتى الآن تم إثبات أنها مستخدمة في رحلات كثيرة لشخصيات رسمية ومؤسسات حكومية، إضافة إلى أن من بين المتهمين على الطائرة والمحتجزين لدى السلطات الزامبية حتى تاريخه شخصيات أمنية، وشخصيات مالية تربطها علاقات وثيقة بالنظام، إضافة إلى الحديث عن وصول وفود رسمية مصرية إلى زامبيا للتفاوض بشأن المحتجزين، الأمر الذي يفند أي تشكيك في علاقة الطائرة بمنظومة الثالث من يوليو، بل ويؤكد عليها اتهامات تهريب الأموال، والسرقات والفساد وعمليات النهب المنظم الذي تتردد أصداؤها في الفضاء الالكتروني باعتباره المجال الوحيد المتاح للتعبير عما يجري في مصر.

وبطبيعة الحال هناك مبالغات واشتغالات، ولكن حادثة مثل حادثة الطائرة تؤكد على أن هذه المنظومة باتت لها صحيفة سوابق رسمية "دولية" في هذه الأعمال الاجرامية.

من ناحية أخرى فإن تعامل الأجهزة الرسمية المصرية مع هذا الحادث لم يختلف عن أي تعامل سابق نفس السياسات والإجراءات من المنع والحذف والترويع والحبس، وصولا إلى الضغط والإجبار وعقد الصفقات المشبوهة. فنحن لا نتفق كثيرا مع من هاجم صفحة "متصدقش" لنشرها تقريرا يحاول أن يبيض صورة رئيس منظومة الثالث من يوليو بشأن دوره في أزمة سد النهضة، ومحاولة اتهام جماعة الإخوان المسلمين والإعلام المعارض بتشويه صورته ودوره في هذا الملف. فهذا الأمر في هذا التوقيت هو دليل إدانة سيخلده التاريخ، وسيبقى في سجلات المصريين ووعيهم أن هذا النظام أجبر صفحة "متصدقش" على نشر هذا التقرير ثمنا للإفراج عن الصحفي المحتجز على خلفية نشره لأخبار ومعلومات تخص طائرة النظام المصري في زامبيا المحجوزة على ذمة تورط ركابها في أعمال غير مشروعة في حكم القانون الزامبي، وارتكابها جرائم السرقة والنصب والاحتيال في عرف القانون المصري، حتى يأتي اليوم الذي ينظر بها القانون المصري ويكشف حينها عن تفاصيلها، بما في ذلك تفاصيل صفقة تقرير تبيض وجه السيسي بشأن سد النهضة.

إن هذا النظام لا يتوقف عن ارتكاب الكوارث في كل اتجاه وكأنه مسلط على نفسه، ومثل هذه الإجراءات والسلوكيات ستبقى في رصيد هذا النظام وستكون وبالا عليه في الوقت المناسب الذي يقدره الله لرحيل هذا النظام وانتهاء فترته التعيسة من التاريخ المصري.

لم يسبق أن تولى حكم مصر من يكافئ هذا النظام في استبداده وفساده وفجوره وجوره على مصر والمصريين، فهو قد جمع خصال نظام عبد الناصر والسادات ومبارك، وصنع طبعته الخاصة من الاستبداد مشمولة بخصائص وسمات النظم الاستبدادية الثلاث السابقة عليه.

فمن ينظر إلى هذا النظام تجده لا يقدم أي خدمات للمواطنين، فما يشغله هو صورته، ولعل التصريحات التي نشرتها صحيفة الشروق مؤخرا للأكاديمي فاروق الباز بخصوص حديثه مع رئيس منظومة الثالث من يوليو بشأن مشروع قومي في بداية اغتصابه للحكم؛ تؤكد أن رئيس هذه المنظومة لم ينشغل إلا بالصورة واللقطة والروح المعنوية، وقد كان الثمن يزيد عن 14 مليار دولار.

هذا النظام لا تشغله مصر أو المصريون، فهو يتفاخر بالطرق والكباري ولا يهتم بالمصريين -بحسب أحد مقاطع الفيديو المنتشرة- يهتم بكيلو الطرق ولا يهتم بكيلو البصل، أو كيلو الطماطم، أو كيلو البطاطس، يهتم ببناء أكبر وأعرض وأثقل وأطول مسجد، طريق، نجفة، برج.. ولا يهتم ببناء الإنسان المصري أو دعمه في المحن التي يمر بها.

وهناك الكثير من الوقائع غير قابلة للحصر التي تثبت هذه الرؤية في الواقع، والمصريون يلمسون هذا بشكل واضح في حياتهم اليومية ولن تكون طائرة زامبيا آخرها؛ فهي كما أكدنا من قبل هي قمة جبل الجليد الغارق، فنهب المصريين مستشرٍ في هذه المنظومة بطولها وعرضها، وكأن عمليات النهب والنصب والتهريب هو برنامجها الانتخابي الوحيد وهدفها الأساسي الذي تعمل من أجله، فهذه المنظمة يلزمها أن تستكمل شعارها الناقص ليكون "الجمهورية الجديدة للنهب والسرقة والقتل والتعذيب".

إن الجمهورية الجديدة التي تتسول من الدول الأخرى ضروراتها اليومية -اتفاقية الحبوب التي وقعتها الإمارات مع الحكومة المصرية- لا تحمل لمصر والمصريين إلا الخراب والدمار والذل والهوان. فهذه المنظومة تتعامل وكأنها في مهمة مقدسة لتخريب مصر وإذلالها بأي طريقة كانت، ولا تتورع في ذلك عن ارتكاب كل الموبقات والجرائم، ولا تخشى أحدا في ذلك ولا تتوقف عن النهب ليل نهار، ولا تقّرب منها إلا المجرمين ومحترفي الإجرام، وتعمل على حمايتهم وتوفير كل ما يلزمهم من مال وأعمال، وحماية وإفراج رئاسي وتأمين رسمي، واتصالات دبلوماسية.

إن تأمل المحيطين بالنظام لا يحتاج إلى دليل لنعرف طبيعته وطبيعة أعماله الإجرامية، فنظام أفرج عن قاتل وشريكه لأنه صاحب استثمارات، ومنح الصلاحيات لقاتل وتاجر ممنوعات، وفتح الأبواب مشرعة لتاجر آثار ومتهم بالاستيلاء على أراضي الدولة.. لن يكون بعيدا عن التورط في طائرة التهريب المحتجزة في زامبيا والتي يعمل المستحيل لإنهاء قضيتها، بما في ذلك اتصالات دبلوماسية على أعلى مستوى.

إن متلازمة الفساد والاستبداد هي العنوان الرئيس والملمح المركزي لهذا النظام الجائر والفاجر، الذي لا يدخر جهدا في الترويع والترهيب والإفقار والقتل والإخفاء القسري والتعذيب والقتل خارج نطاق القانون باسم مصر وحماية الوطن.

twitter.com/Saif_abdelfatah

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه المصرية زامبيا الفساد مصر زامبيا الفساد مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات سياسة صحافة سياسة صحافة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة هذه المنظومة هذا النظام فی ذلک

إقرأ أيضاً:

التعليم العالي: إنجازات بارزة وجهود مستمرة لتطوير المنظومة التعليمية

تواصل وزارة التعليم العالي والبحث العلمي جهودها المستمرة لدعم وتطوير التعليم العالي والبحث العلمي في مصر، بما يسهم في تحقيق التنمية المستدامة وفقًا لرؤية مصر 2030. 

وفي هذا السياق، أصدرت وزارة التعلي العال والبح العلم  تقريرًا يستعرض أبرز الأنشطة والفعاليات التي شهدها الأسبوع الماضي، والتي شملت اجتماعات مهمة، مؤتمرات، وافتتاح مشروعات جديدة تهدف إلى الارتقاء بالمنظومة التعليمية والصحية.

ترأس الدكتور أيمن عاشور، وزير التعليم العالي والبحث العلمي، اجتماعًا طارئًا للمجلس الأعلى للجامعات لمناقشة تداعيات قرار تعليق برامج الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية لمدة 90 يومًا، والذي أثر على الطلاب الحاصلين على منح دراسية. وأكد الوزير التزام الوزارة بدعم هؤلاء الطلاب، بالتنسيق مع الجامعات المصرية، لضمان استكمال مسيرتهم الأكاديمية بسلاسة.

وفي إطار دعم الأنشطة الرياضية الجامعية، عقد الوزير اجتماعًا لمجلس إدارة الاتحاد الرياضي المصري للجامعات، بحضور الدكتور أشرف صبحي وزير الشباب والرياضة، حيث تمت الموافقة على دعم جامعة أسوان لتنظيم الملتقى الدولي الرابع للسياحة الرياضية، المقرر انعقاده في فبراير 2025 تحت شعار "آفاق وطموحات علوم الرياضة في التعلم الإلكتروني والذكاء الاصطناعي".

قام الوزير بزيارة تفقدية لمستشفى الناس الخيري بمحافظة القليوبية، يرافقه المهندس أيمن عطية، محافظ القليوبية، حيث التقى عددًا من المرضى الفلسطينيين من قطاع غزة، واطمأن على تلقيهم الرعاية الطبية اللازمة، مؤكدًا دعم الدولة المصرية لهم. كما تفقد الحالة الصحية لعدد من المرضى الأفارقة والمصريين الذين يتلقون العلاج بالمستشفى، مشيدًا بالخدمات الطبية المقدمة.

وفي إطار تعزيز التعاون الدولي، استقبل الوزير السيد إيريك شوفالييه، سفير فرنسا بالقاهرة، حيث تم بحث سبل التعاون بين البلدين في المجال الأكاديمي والبحثي. وأكد الوزير أن الشراكة مع فرنسا أثمرت عن مشروعات تعليمية متميزة، مثل الجامعة الأهلية الفرنسية، كما أشار إلى تطلع مصر لتوسيع التعاون في مجال البحث العلمي والمنح الدراسية.

وخلال لقائه بالسيدة ستيفاني أورشيك، رئيسة الروتاري الدولي، ناقش الوزير فرص التعاون بين الروتاري والمستشفيات الجامعية، مؤكدًا الدور الكبير لهذه المستشفيات في تقديم الخدمات العلاجية والتدريب الطبي. كما شدد على أهمية دعم ريادة الأعمال والبحث العلمي التطبيقي لإيجاد حلول مبتكرة تساهم في دعم الاقتصاد الوطني.

وفي خطوة لتعزيز استدامة الخدمات الصحية الجامعية، اجتمع الوزير مع الدكتور هشام ستيت، رئيس الهيئة المصرية للشراء الموحد، لمناقشة تأمين احتياجات المستشفيات الجامعية من الأدوية والمستلزمات الطبية، إضافة إلى تجهيز مستشفى 500500 (مركز الأورام العالمي) استعدادًا لافتتاحه في أواخر 2025. وأكد الوزير أهمية تطوير الخدمات الصحية الجامعية لضمان تقديم رعاية طبية متميزة للمواطنين.

وخلال ورشة عمل بعنوان: "الإتاحة في التعليم في ضوء الإستراتيجية الوطنية للتعليم العالي والبحث العلمي"، شدد الوزير على أهمية التعاون مع الجامعات الدولية المرموقة لتعزيز جودة التعليم والبحث العلمي، وتقديم برامج دراسية مزدوجة الشهادة، إضافة إلى جذب الطلاب الوافدين ودعم الأبحاث العلمية التطبيقية بالشراكة مع المؤسسات الأكاديمية والصناعية.

مقالات مشابهة

  • المنظومة السلطوية في العراق والتغيير المطلوب..التغيير الجذري ضرورة اًنية وملحة
  • التعليم العالي: إنجازات بارزة وجهود مستمرة لتطوير المنظومة التعليمية
  • ضبط مخالفين للآداب والنظام العام في عدة مناطق بالمملكة.. فيديو
  • الحزب الشيوعي العراقي يندد بالقرار الجائر للسلطة الجديدة في سوريا
  • حصاد وزارة التعليم العالي في أسبوع لتطوير المنظومة التعليمية
  • أهالي حماة يحيون الذكرى السنوية الـ 43 لمجزرة حماة الكبرى التي ارتكبها النظام البائد عام 1982.
  • الشيباني: لا بد من استعادة هيبة الدولة ووقف النهب العلني للمال العام
  • بهدف مكافحة الانحراف الوظيفي والفساد الإداري .. جهاز الكسب غير المشروع يبدأ تلقى إقرارات الذمة المالية من موظفي الدولة الأحد القادم.. الفئات الثلاثة وعقوبات تنتظر المتخلفين
  • فعالية في حلب إحياءً للذكرى الثانية عشر لمجزرة نهر قويق التي ارتكبها النظام البائد
  • بالأسماء.. الفصائل المسلحة التي «حلّت نفسها» وشاركت بـ«مؤتمر النصر» في سوريا