عربي21:
2025-02-21@17:23:11 GMT

حسام أبو صفية.. غزة إذ تنتظر أحد جبالها الراسخات!

تاريخ النشر: 20th, February 2025 GMT

تقول الجغرافيا إن غزة لا جبال فيها، فهي قطاع ساحلي منبسط وسهل تماما، ولكن الحقائق التاريخية تقول إن الجغرافيا كاذبة. فغزة العظيمة، امتلكت عددا لا نهائيا من الجبال، من رجالها ونسائها، "السهلين" على أحبائهم، صعبي المراس على عدوهم، أولئك الذين سطروا تاريخا من الصمود والأساطير، وكانوا وكنّ أشد رسوخا من الجبال الطبيعية.

فهل نصدق التاريخ أم الجغرافيا؟

هل نصدق الكتب العلمية "الباردة" أم حكمة التاريخ الساخنة كمياه المتوسط في تموز؟ هل نصدق "حسّاسات" الجيولوجيا المعدنية أم "مجسّات" القلب التي لا تخطئ أبدا؟ هل نصدق بلدوزرات كيان الإبادة الجماعية أم سمّاعات طبيب الأطفال "حسام أبو صفية"؟ 

هذه الحرب العدوانية على غزة منذ بدايتها وحتى توقف السلاح، مؤقتا، هي حرب الصورة. حاولت ماكينة الإبادة الجماعية أن تنشر صورا لتحقيق أهدافها في كسر الروح المعنوية للشعب الفلسطيني، ولكنها كانت دائما تفشل، وكانت الصورة تفعل العكس تماما. يحصل هذا لأن هذا المحتل لا يفهمنا.

يملك الاحتلال تاريخا طويلا من "العلاقة" مع الفلسطيني -علاقة الاحتلال بالشعب المحتل-، ويملك مئات الخبراء "بالشؤون الفلسطينية" والمستشرقين ومراكز التفكير والدراسات، ولكنه يفشل بعد أكثر من ستة وسبعين عاما من الاحتلال في فهم الشعب الفلسطيني، ولهذا فإن كل محاولاته في ربح معركة الصورة تخسر دائما. 


قد يستطيع الاحتلال تسجيل نقاط في هذه الحرب عند جمهوره المتعطش للدماء والقتل والمذبحة، وقد يكسب من يحكم هذا الكيان قليلا في معاركه السياسية ضد خصومه الداخليين من خلال هذه الصور، لكنه لا يربح أبدا في معركة الصورة مع الشعب الفلسطيني، لأنه باختصار لا يفهمه، ولا يدرك أنه يقدس "الصمود" حتى لو تبعه سجن أو موت، وأنه يتبتل في حضرة الشهداء والمعتقلين الذين "يمضون إلى حتفهم باسمين"، وأنه يقتات عزة وأنفة من رجاله ونسائه الذين يثبتون كالجبال ولا يمنحون عدوهم، رغم الحزن والألم، "نشوة" الانتصار. 
تقول بعض المصادر إن "أبو صفية" سيفرج عنه يوم السبت المقبل ضمن دفعة التبادل الأخيرة في المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار.
في هذه الحرب، حفظ الفلسطينيون وأحرار العالم صورا كثيرة خسر فيها كيان الإبادة الجماعية أمام الفلسطيني الأعزل إلا من كرامته وأسطورته. بعض هذه الصور سيستمر لأجيال طويلة بدون شك، وسيكتب عنها صحفيون وشعراء وناثرون مجدّون سيأتون بعد عشرين أو مئة أو ألف عام، وكأن قدرك أيها الفلسطيني أن تكون صانعا للمجد، وصانعا للتاريخ، وصانعا للمادة التي سيعتاش عليها صنّاع الأدب والثقافة والصحافة إلى أبد الآبدين!.

ماذا سيكتب الشعراء عن صورة "حسام أبو صفية" وهو يمشي بمريوله الأبيض نحو دبابات القتلة الذين سيعتقلونه؟ كان يمشي رافعا رأسه للسماء، كأنه يستمد القوة والعزيمة من قوة إلهية أكبر من كل القتلة، ظهره لم ينحن تماما رغم أنه يمشي بين الركام الذي خلفه القصف. يمشي تاركا وراءه مستشفى "كمال عدوان" التي ظل فيها حتى آخر نفس ولكن قلبه ظل معلقا فيها رغم مغادرته للمكان.

ماذا سيكتب الشعراء عن "جبل" مشى نحو حتفه دون أن يهتز، وعن أمة تملأ أعدادها عين الشمس ولكنها لم تستطع أن تملأ عين كيان الإبادة الجماعية لتمنعه من اعتقال هذا الجبل؟ وكيف سيفسر علماء "الواقعية السياسية" و"تقدير الموقف" المبني على موازين القوى هذا المشهد؟ وأي قوة جعلت هذا الرداء الأبيض يواجه الموت الأسود الذي يمارسه القتلة لأسابيع ضد المستشفى، قبل أن تأتي لحظة الاعتقال؟ 

لم يكن اعتقال "حسام أبو صفية" في الثامن والعشرين من كانون أول/ ديسمبر الماضي هو الأول خلال هذه الحرب. ولم يكن هذا الاعتقال هو صورة الصمود الوحيدة للطبيب الغزاوي في مواجهة تنكيل الاحتلال. اعتقل أبو صفية لفترة قصيرة في شهر تشرين الأول/ أكتوبر 2024. وبعد أن أفرج عنه، لجأ الاحتلال للانتقام منه عبر اغتيال أحد أبنائه، وهذه كانت إحدى "صور" أبو صفية التي خسر فيها الاحتلال، حين ظهر صامدا -وإن كان حزينا كما يليق بأب شهيد- أثناء إمامته لصلاة الجنازة على ابنه الصغير. في تلك الصورة، لم يجهش أبو صفية، "وكم صعب أن لا يجهش (أب) شهيد" كما قال مظفر النواب مرّة عن أمهات الشهداء.  


لم يكتف القتلة السفلة -وكل احتلال هو بالضرورة قاتل سافل- بقتل ابن "حسام أبو صفية"، بل وجهوا له طائرة "كواد كابتر" غادرة مثلهم في المستشفى، حيث قصفته وأصابته عدة إصابات في 24 تشرين ثان/ نوفمبر الماضي. في هذا القصف، خسر الاحتلال "حرب الصورة" مرة أخرى، فقد أرادت أن تضعف معنوية الفلسطيني وخصوصا من أبناء القطاع الطبي من خلال هذا الاستهداف، ولكن "الجبل" أبو صفية كان له رأي آخر عندما قال بعد الإصابة وجسده مكلل "بالشاش " الأبيض: إصابتي شرف لي. فأي جبل أنت يا حسام؟ وأي نوع من البشر أنت؟! 

لا يكل الاحتلال ولا يمل من معركة الصور مع الفلسطيني رغم خسارته الدائمة فيها.

حوّل ما يسمى بالقضاء -وهو شريك أساسي بالإبادة والجريمة- أبو صفية للمحاكمة بصفة "مقاتل غير شرعي"! فأي مقاتل أنت يا صاحب الرداء الأبيض وأنت لا تملك سلاحا سوى "سماعة" الأذن و"قسم أبوقراط" وعزيمة لا تلين؟ 

أثناء المحكمة- المهزلة، نشر الاحتلال مقاطع فيديو مجتزأة للدكتور أبو صفية أرادوا فيها هز صورته، كان يمشي بيدين ورجلين مكبلتين، يبدو عليه التعب، ولكن والله ما بدت عليه إلا علامات الكبرياء والشموخ والصمود. أرادوا إهانته بهذه المقاطع المصورة، ولكن الفلسطيني وغيره من أحرار العالم يعلمون أن جبلا مثل أبو صفية لا يهان، وأنه -حتى عندما يفقد حريته- يبقى حرا، وأنه هو من يقود سجانيه الجبناء -حتى إن كان مثقلا بالقيود-!  

هذه الحرب -في أحد وجوهها المهمة- كانت حربا إجرامية ضد المستشفيات والقطاع الطبي. بدأت باستهداف المستشفى الأهلي/ المعمداني، ثم باقتحام وإحراق درة مستشفيات غزة "مستشفى الشفاء" مرتين، قبل أن يتم قصف واستهداف كل المستشفيات والمراكز الصحية. 

لم يكن حسام أبو صفية وحيدا في مركز هذه الحرب، بل كان جنبا إلى جنب مع الطبيب العظيم مروان البرش الذي اغتاله الاحتلال تحت التعذيب في السجون، ومع محمد أبو سلمية الذي ناله نصيب من الاعتقال، ومئات الأطباء والممرضين والمساعدين وعاملي النظافة في المستشفيات الذين تصدوا للموت والقتل ولمهمتهم العظيمة في علاج المصابين والجرحى والمرضى حتى آخر رمق. 

تقول بعض المصادر إن "أبو صفية" سيفرج عنه يوم السبت المقبل ضمن دفعة التبادل الأخيرة في المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار. غزة وأحرار العالم كلهم يرجون أن يكون هذا الخبر صحيحا، فالجبل أبو صفية يليق بالحرية وهي تليق به، والإفراج عنه هو تكريم لكل شهداء وجرحى وأبطال القطاع الطبي في غزة، وهذا القطاع المنبسط الذي وهبته الجغرافيا سهولة رائقة، ينتظر على أحر من الجمر أحد جباله ورجاله الذين لا يتكررون، إلا مرة كل ألف عام!

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه غزة الإبادة الفلسطيني الاحتلال فلسطين غزة الاحتلال الإبادة حسام ابو صفية مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة صحافة سياسة سياسة اقتصاد رياضة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الإبادة الجماعیة حسام أبو صفیة هذه الحرب

إقرأ أيضاً:

بالفيديو .. شاهد الأسير الدكتور حسام أبو صفية بأول ظهور له من داخل سجون الاحتلال

سرايا - رصد - ظهر الأسير الدكتور حسام أبو صفية في أول مقطع فيديو له من داخل سجون الاحتلال الإسرائيلي، وسط توقعات بالإفراج عنه يوم السبت المقبل.

ومن اللافت في الفيديو، قيام الاحتلال بطباعة عبارة "الشعب الأبدي لا ينسى، أطارد أعدائي وأمسك بهم" باللغة العربية والعبرية داخل زنزانة الأسير أبو صفية.

 

بالفيديو.. شاهد الأسير الدكتور حسام أبو صفية بأول ظهور له من داخل سجون الاحتلال #سرايا #فلسطين https://t.co/LOWkUy86KU pic.twitter.com/fmDrsNbYNg

— وكالة أنباء سرايا الإخبارية (@sarayanews) February 19, 2025



تابع قناتنا على يوتيوب تابع صفحتنا على فيسبوك تابع منصة ترند سرايا


طباعة المشاهدات: 1625  
1 - ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه. 19-02-2025 10:43 PM

سرايا

لا يوجد تعليقات
رد على :
الرد على تعليق
الاسم : *
البريد الالكتروني :
التعليق : *
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :
اضافة
خطأ شائع في الرسائل النصية يجعلك تبدو مفرطا في حدة مشاعرك اكتشاف مفاجئ لخمس عدسات لاصقة خلف عين امرأة صينية بعد تفشى إنفلوانزا الطيور .. أميركا تتجه لاستيراد البيض من تركيا غضب في سريلانكا بعد قطع "قرد" للكهرباء عن البلاد 4 اشقاء أردنيين عالقين في أنقرة منذ ثلاثة أشهر... تطورات حالة الطقس خلال المنخفض القطبي القادم للمملكة "الجرائم الإلكترونية": القبض على شخص يدير... رداً على نتنياهو .. حماس "لن نخرج من غزة ولن... بيان توضيحي من شركة صندوق المرأة للتمويل الأصغر حماس: شروط الاحتلال بنزع سلاح المقاومة وإبعاد...نتنياهو: غدا سيكون يوما صعبا وحزينا على إسرائيللماذا تأخرت بغداد في الانفتاح على الحكومة السورية...إصابات بالاختناق خلال اقتحام الاحتلال الإسرائيلي...الخيرية الهاشمية: 30 كرفانا تم إرسالها ضمن شحنة...شيخ الأزهر يطلق صرخة من البحرين عن حال العرب والمسلمين القسام تعلن اسماء قتلى صهاينة سيتمّ تسليمهم... ترامب يفتح النار على زيلينسكي ويطلق عليه أوصافا مهينةجيش الاحتلال الإسرائيلي يعلن شن غارة على جنوب لبنان إجلال زكي: تلقيت عرضا بمليون جنيه لارتداء الحجاب... تخفيف الحكم على سعد الصغير مليار مشاهدة بيوم .. مسلسل ياسمين عبد العزيز يثير... "صوت الأردن" عمر العبداللات يهدي الملك... لطيفة تكشف سر رفضها الإنجاب وتتحدث عن ندمها الوحدات يودع دوري أبطال آسيا 2 الحكم مونويرا: لدي صورة ميسي .. وعائلتي تعاني بسبب بيلنغهام مجوهرات بنصف مليون دولار .. السطو على منزل مهاجم فرنسا جوارديولا يؤكد سفر أربعة لاعبين لمواجهة ريال مدريد منتخب النشميات ينهي تحضيراته لمواجهة نظيره الهندي وديا ظنهما فلسطينيين .. جديد أميركي أطلق النار على "إسرائيليين" المغرب .. شاب يختفي في عرض البحر بعد تحدٍ خطير على "تيك توك" كيف تؤثر 20 دقيقة من الرقص يوميًا على صحتك نجاتهم كانت معجزة .. دب يهاجم عائلة مع أطفالها في سلوفاكيا "وفاة غامضة" لطالبين تهز جامعة هندية .. والسلطات تحقق "نصب واحتيال" .. فضيحة عملة مشفرة تلاحق رئيس الأرجنتين جسم امرأة في التسعينيات من عمرها يخفي ما لم يتوقعه الأطباء "اكتشاف صادم" .. حيوانات تغزو أنظمة الصرف الصحي في فلوريدا امرأة تنهي حياة شريكها بسبب رسالة على هاتفه وفاة الكيميائي الذي كان وراء اختراع "النوتيلا"

الصفحة الرئيسية الأردن اليوم أخبار سياسية أخبار رياضية أخبار فنية شكاوى وفيات الاردن مناسبات أريد حلا لا مانع من الاقتباس وإعادة النشر شريطة ذكر المصدر(وكالة سرايا الإخبارية) saraynews.com
الآراء والتعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها فقط
جميع حقوق النشر محفوظة لدى موقع وكالة سرايا الإخبارية © 2025
سياسة الخصوصية برمجة و استضافة يونكس هوست test الرجاء الانتظار ...

مقالات مشابهة

  • رفض إخلاء المستشفى.. قصة الطبيب حسام أبو صفية بعد تصدر جوجل
  • رئيس التحرير يكتب: حسام أبو صفية.. غزة إذ تنتظر أحد جبالها الراسخات
  • مقاوما مثل غزة.. يقف الدكتور أبو صفية في وجه سجانه الإسرائيلي
  • عائلته تكشف تفاصيل تعذيبه وتشويه صورته.. هل يُفرج عن حسام أبو صفية السبت؟
  • فيديو يظهر تنكيل الاحتلال بالدكتور حسام أبو صفية
  • بالفيديو .. شاهد الأسير الدكتور حسام أبو صفية بأول ظهور له من داخل سجون الاحتلال
  • أول ظهور لحسام أبو صفية منذ اعتقاله قبل شهرين
  • إعلام إسرائيلي بنشر فيديو للطبيب حسام أبو صفية داخل السجن
  • مصادر إسرائيلية: الطبيب حسام أبو صفية يعانق الحرية قريباً