شفق نيوز/ رسمت صحيفة "لوس انجلس تايمز" الأمريكية صورة قاتمة للأوضاع التي تسببها ظاهرة الارتفاع غير المسبوق بدرجات الحرارة في أنحاء الشرق الأوسط، واحتمال وصولها إلى مرحلة "اللا مقبول" بشرياً، حيث تتزايد المخاطر السياسية والاقتصادية في دول بينها العراق، مع تعثر معادلة الهدوء العام مقابل الخدمات الرئيسية الرخيصة.

وذكّر التقرير الأمريكي الذي ترجمته وكالة شفق نيوز، بارتفاع درجات الحرارة في بعض أنحاء المنطقة مؤخراً إلى مستوى 50 درجة مئوية، وإغلاق إيران المدارس والمصارف والمؤسسات العامة لمدة يومين، للتخفيف من العبء الملقى على شبكة الكهرباء المتعثرة، وهو ما جرى في العراق أيضاً في المناطق الجنوبية، بينما أمر الأردن بوقف العمل خلال ساعات الذروة، في حين طلبت السلطات المصرية من موظفي القطاع العام، العمل من المنزل يوماً واحداً في الأسبوع حتى حلول أيلول/ سبتمبر المقبل، وقننت الحكومة الكهرباء منذ تموز/ يوليو الماضي، في ظل الانقطاع المتكرر للكهرباء.

الكهرباء "المستعصية"

ورأى التقرير أنه في ظل تزايد حرارة العالم وتحول أيام الصيف الملتهبة إلى روتين طبيعي، فإن مهمة تأمين الكهرباء أصبحت مشكلة مستعصية بشكل متزايد في أنحاء الشرق الأوسط كافة، حيث يتزايد الإقبال على مكيفات الهواء والثلاجات بما يثقل كاهل الشبكات الكهربائية التي تعاني منذ فترة طويلة من أضرار الحرب وسوء الإدارة والفساد.

ولفت التقرير إلى أنه من المتوقع تزايد سوء الوضع واحتمال وصوله إلى حدود تفوق قدرة الإنسان على التحمل، بينما يتوقع العلماء أنه بحلول العام 2050 ستعاني معظم المنطقة من الحرارة الشديدة حيث خلصت دراسة حديثة في مجلة "لانسيت بلانيت هيلث" العلمية إلى أنه من بين كل 100 ألف شخص في المنطقة، سيعاني 123 شخصاً من وفيات مرتبطة بالحرارة سنوياً، أي أكثر من 60 ضعف المعدل الحالي.

ونقل التقرير عن الطباخ العراقي صالح العبيدي المقيم في بغداد، والذي اضطر إلى إغلاق مطعمه مؤخراً بسبب الحرارة، قوله إن "الناس يختبئون داخل منازلهم من الحرارة".

واعتبر التقرير أنه حتى الدول التي لديها القدرة على توفير المزيد من الطاقة تحجم عن تحمل التكاليف المرتفعة أو تجبر على التعامل مع البنية التحتية غير المصممة للتعامل مع الضغط المتزايد والعمل لفترة أطول في ظل ظروف أكثر حرارة.

إلا أن التقرير حذر من أن الفشل في تأمين الكهرباء يتضمن مخاطر اقتصادية وسياسية، وخصوصاً بالنسبة للدول التي حكمت أنظمتها الاستبدادية وفقا لقاعدة بسيطة: تقديم الخدمات الأساسية الرخيصة في مقابل الهدوء العام، مذكّراً بأنه خلال السنوات الأخيرة، شهدت إيران والعراق ولبنان وسوريا تظاهرات كانت تشتعل حول قضايا تتعلق بتوفير الطاقة.

الخدمات مقابل السكوت

ونقل التقرير عن الخبير الاقتصادي العراقي أحمد الطبقجلي قوله، إن "جانباً من العقد الاجتماعي مع الحكومة كان يتمثل في تقديم الخدمات للناس، لإسكاتهم".

ولفت التقرير إلى أنه في ظل حرارة الصيف الاستثنائية، فإن العديد من دول الشرق الأوسط لجأت بدلاً من ذلك إلى منح إجازات العمل الإلزامية أو قطع التيار الكهربائي، مما أدى إلى إضعاف أجزاء من اقتصاداتها من أجل توفير الطاقة والمال.

وأشار التقرير إلى أن مصر تعتبر مثالاً رئيسياً على ذلك، إذ كان من المفترض ألا تكون الدولة العربية الأكبر سكانياً لديها أي مشاكل تتعلق في تلبية الطلب المتزايد، إذ أن مصر بالإضافة إلى أنها دولة مصدرة للغاز، فإنها حققت الاكتفاء الذاتي من الكهرباء قبل بضع سنوات بعد استثمار نحو 11.5 مليار دولار وبناء أكثر من 30 محطة كهرباء، بما في ذلك مشروع لشركة "سيمنز" الألمانية العملاقة.

وتابع التقرير أن العجز البالغ 6 آلاف ميغاوات في مصر، تحول إلى فائض قدره 13 ألف ميغاوات، وأنه برغم ذلك وبعد سلسلة من انقطاعات التيار الكهربائي مع ارتفاع درجات الحرارة في القاهرة في تموز/ يوليو الماضي، قامت الحكومة بقطع التيار الكهربائي لمدة ساعة.

وفي حين أشار التقرير إلى أن كثيرين في مصر يشتكون من أن التقنين غير متكافئ حيث ينشر مصريون يعيشون في المناطق الريفية والفقيرة على وسائل التواصل الاجتماعي حول انقطاع التيار الكهربائي الذي يستمر في كثير من الأحيان لأكثر من ساعة أو يحدث عدة مرات في اليوم وفق جداول زمنية غير منتظمة، نقل عن الناشط والمدون المعروف باسم "فرعون الكبير" من القاهرة قوله إنها "قضية لا تؤثر فقط على الفقراء، إذ أنهم يتعرضون لمزيد من انقطاع التيار الكهربائي، ولكنها تؤثر أيضاً على الطبقة التي تتحدث بصوت عال على وسائل التواصل الاجتماعي والتي كانت ذات يوم مؤيدة للنظام".

ولفت التقرير إلى أن مناطق الساحل المصري على البحر المتوسط والبحر الأحمر، حيث ينفق السياح والمصريون الأثرياء العملة الصعبة، فإن الدولة تمنح هذه المناطق خدمة كهربائية بلا انقطاع، في حين أن هناك شكوكاً بأن الحكومة تحد من استخدام الغاز للأغراض المحلية، من أجل تصدير الفائض إلى الخارج.

الحكومات اليائسة

ونقل التقرير عن الخبيرة الاقتصادية جيسيكا عبيد قولها إنه "في العديد من الدول، يوجد ظلم في توفير الطاقة، وتفضل الحكومات أي نوع من المنفعة الاقتصادية بدلاً من الخدمة الموثوقة لناخبيها".

كما نقل التقرير عن نائب مدير معهد التحرير لسياسة الشرق الأوسط في واشنطن، تيموثي كاداس قوله إن ما يجري يعكس "رغبة الحكومة اليائسة في حماية ما تبقى لديها من العملة الصعبة".

ولفت التقرير إلى فكرة الإغلاق والعطلات الرسمية تتسبب أيضاً بخسائر اقتصادية غير مباشرة، وتهدد بإلغاء أي فائدة، كما يؤكد الخبير الاقتصادي في "بلومبيرغ" زياد داود الذي يشير إلى أن "العطلة تعني أن الناس لا يعملون، وأنك تخسر 1/365 من الناتج المحلي الإجمالي السنوي".

وتابع قائلاً إنه حتى بالنسبة للقطاعات التي تستمر في العمل، فإن "الإنتاجية تكون أقل بالفعل في المناخات الحارة، وإذا قمت بإزالة مكيفات الهواء، فسوف تتضرر الإنتاجية بشكل كبير. هذه هي الصورة العامة".

وحذر التقرير من أن هناك خطراً آخر يتمثل في الاضطرابات السياسية والاجتماعية، حيث يشعر الناس بالإحباط في ظل عجز حكوماتهم عن توفير الطاقة.

ولفت إلى أن إيران التي تمتلك ثاني أكبر احتياطيات من الغاز في العالم، تعتبر ثامن أكبر مصدر لانبعاثات الغازات الدفيئة (حيث تحتل الصين والولايات المتحدة المركزين الأولين) وذلك بسبب دعمها السخي للوقود واعتمادهما على الصناعات التي تستهلك الكثير من الطاقة مثل تعدين الصلب والحديد والإسمنت.

وتابع التقرير أن العديد من الإيرانيين يعتبرون أن الحكومة تشعر بالقلق من عودة الاحتجاجات التي اجتاحت البلاد لعدة أشهر بعد وفاة مهسا أميني في العام الماضي بسبب الحجاب.

وتابع أن الإيرانيين يعتبرون أن موجة الحر لا تتطلب الإغلاق وأن السبب الحقيقي هو أن شبكة الطاقة التي أصبحت في حالة رديئة بعد سنوات من العقوبات الدولية، لم تعد قادرة على التعامل مع الطلب، وهي مشكلة أخرى تتحمل مسؤوليتها القيادة الإيرانية.

مشاكل متراكمة

ونقل التقرير عن الطبقجلي، الخبير الاقتصادي العراقي، قوله إنه في العديد من دول الشرق الأوسط، فإن الفشل في توفير الطاقة له جذوره في مشكلة أقدم من تغير المناخ حيث هناك انخفاض في أسعار الكهرباء تقليدياً وعدم قدرة الدولة على جباية أجور استهلاك الطاقة.

وبالنسبة إلى الأردن، ذكر التقرير أنه يحتفظ بالخدمة الكهربائية طوال الـ24 ساعة ولكنه يتقاضى بعضاً من أعلى الأسعار في المنطقة، مضيفاً أنه في ظل درجات الحرارة القياسية هذا الصيف وزيادة الطلب، فإن الحكومة كانت مجبرة على التوصل إلى طرق، مثل التسعير المتغير على أساس الوقت من اليوم، لضمان عدم ارتفاع التكاليف بشكل كبير.

وحول لبنان، قال التقرير إن انقطاع التيار الكهربائي صار حقيقة من حقائق الحياة لعقود من الزمن، مما يجبر الناس على الاعتماد على موفري الخدمة من القطاع الخاص كمولدات الكهرباء العاملة بالديزل التي توفر الكهرباء في أحياء من العاصمة، لكن هذا الصيف شكل تحدياً أكبر من المعتاد بسبب درجات الحرارة المرتفعة التي تتسبب باشتعال الشرائط الكهربائية ما يجبر موفري الخدمة على تغييرها ومراقبتها.

وحول العراق، قال التقرير إنه برغم ثروته النفطية الهائلة، ما يزال يواجه مشاكل مماثلة، حيث ما تزال الكهرباء التي يفترض أن تؤمنها الدولة بشكل مستمر، غير مؤمنة بعد أكثر من 20 عاماً من الغزو الذي قادته الولايات المتحدة، مذكّراً بأن البصرة شهدت في الشهر الماضي، حريقاً في محطة كهرباء رئيسية مما تسبب في توقف كامل للخدمة الكهربائية، وهو ما يقدم مثالاً على البنية التحتية المتداعية في البلد وعدم قدرته على تحمل العبء الثقيل المتمثل بـ32 ألف ميغاوات يومياً خلال ساعات الحرارة المرتفعة.

الصيف والحكومات العراقية

ونوه التقرير إلى أن الصيف يعتبر تقليدياً بمثابة اختبار مثير للتوتر لأي حكومة عراقية، حيث يشكل نقص الكهرباء حافزاً متكرراً للاحتجاجات.

ونقل التقرير عن الناشط المناخي نصير باقر، من محافظة ذي قار، قوله إنه على الرغم من أن المناطق الجنوبية في البلد هي الأغنى بالنفط، إلا أنها تتمتع ببعض من أسوأ الخدمات، موضحا أن "المعادلة بسيطة حيث أنه كلما زادت سخونة الجو، قل عدد ساعات الكهرباء التي تقدمها الدولة"، في وقت كان سكان ذي قار يحصلون على ما بين 8 إلى 10 ساعات من الكهرباء يومياً وبشكل متقطع.

ونقل التقرير عن العبيدي، رئيس الطهاة في بغداد الذي أغلق مطعمه مؤخراً، قوله إنه يعتمد على المولدات للتبريد، لأن الكهرباء التي توفرها الحكومة لا يمكن الاعتماد عليها على الإطلاق، موضحاً أن "المولدة شريك في عملك.. أنت تعمل وتعطيه حصة، سواء كنت تستأجر المكان أو تملكه".

ترجمة: وكالة شفق نيوز

المصدر: شفق نيوز

كلمات دلالية: محمد شياع السوداني السوداني العراق نيجيرفان بارزاني بغداد ديالى الحشد الشعبي تنظيم داعش النجف السليمانية اقليم كوردستان اربيل دهوك إقليم كوردستان بغداد اربيل العراق اسعار النفط الدولار سوريا تركيا العراق روسيا امريكا مونديال قطر كاس العالم الاتحاد العراقي لكرة القدم كريستيانو رونالدو المنتخب السعودي ديالى ديالى العراق حادث سير صلاح الدين بغداد تشرين الاول العدد الجديد العراق الشرق الاوسط الطاقة الكهربائية التغير المناخي ارتفاع الحرارة التیار الکهربائی درجات الحرارة توفیر الطاقة الشرق الأوسط التقریر أن العدید من إلى أنه أکثر من

إقرأ أيضاً:

الخارجية التركية ترد على اتهام الحكومة بالفشل في الشرق الأوسط

أنقرة (زمان التركية) – ردت وزارة الخارجية التركية على اتهام حزب الشعب الجمهوري المعارض، لحكومة الرئيس رجب طيب أردوغان بالفشل في تطبيق سياستها بالشرق الأوسط وسوريا.

وقالت وزارة الخارجية في بيان إن “السياسة الخارجية لتركيا تستند على مصالح الدولة وشعبها، وأن تركيا تهدف بهذا المفهوم لترسيخ السلام والاستقرار والرفاهية بالشرق الأوسط الذي تجمعها به علاقات تاريخية وثقافية قوية.

وأوضحت الخارجية في بيان أن المبادئ الأساسية لهذه السياسة تمحورت حول القانون الدولي والقيم الإنسانية ومفهوم العدالة الدولي مفيدة أن تركيا اتخذت موقف مبدئي منذ اندلاع الكارثة الإنسانية في سوريا ولم تتردد تركيا التي تحدث سياستها الخارجية وفقا لمصالحها القومية في اتخاذ الاجراءات اللازمة ضد التهديدات التي تستهدف أمنها القومي.

وكان الرئيس رجب طيب أردوغان، اتهم المعارضة بالمسؤولية عن وقوع  توترات في عدد من المدن التركية ضد اللاجئين السوريين، عقب واقعة تحرش لاجئ سوري بطفلة تبلغ من العمر 7 سنوات بمدينة قيصري،

وفي رد على أردوغان، قال حزب الشعب الجمهوري “انهارت سياسة تركيا الخاصة بالشرق الأوسط وسياستها المتعلقة بسوريا واللاجئين وأفلست.. أردوغان وحكومته هي المسؤول الرئيسي عن المشهد الكارثي الحالي.. الحكومة جعلت تركيا أسيرة لهذه الأزمة مثلما عجزت عن حل الأزمة السورية المتسببة بهذه الأزمة.. أردوغان تسبب بانهيار سوريا بالسياسة التي يتبعها وحول تركيا إلى مستودع عالمي للاجئين ولم يخجل من التساوم مع أوروبا على حياة هؤلاء اللاجئين”.

وأضافت الخارجية التركية أنه “بالأنظمة الديمقراطية يمكن الإسهام في السياسة الخارجية عبر الانتقادات البناء غير أنه لا يمكن ادراج الاتهامات المبنية على تشويه الحقائق والتعصب الأيديولوجي من أجل مكاسب سياسية ضمن الانتقادات البناءة مشيرة إلى أن الادعاءات المتعلقة بسياسة تركيا في الشرق الأوسط وسوريا لا تحمل أي نوعية تحليلية وتفتقر حتى إلى المعرفة التاريخية الأساسية”.

وصرحت الخارجية في بيانها أن “تركيا نجحت منذ سنوات في أن تصبح حزيرة الاستقرار والهدوء في منطقة جغرافية تحولت كليا إلى حزام ناري وأن تركيا عززت استقرار وأمن ورفاهية الشعب مثلما نجحت في البقاء خارج الحروب المندلعة بالمنطقة”.

هذا وشدد البيان على “تطوير تركيا لإمكاناتها الدفاعية خلال تلك الفترة وأصبحت قادرة على مكافحة الإرهاب على الجانب الآخر من الحدود قائلا: “لا ينبغي أن نغفل أن أولئك الذين يتجاهلون كل هذه الحقائق ويطلقون اتهامات لا أساس لها من الصحة لتحقيق مكاسب سياسية فقط، أصبحوا وكلاء للقوى المهيمنة التي تحاول اختراق منطقتنا. سنواصل اتخاذ الاجراءات بالسياسة الخارجية وفقا لمصالح دولتنا وشعبنا”.

واندلعت توترات في عدد من المدن التركية عقب واقعة تحرش لاجئ سوري بطفلة تبلغ من العمر 7 سنوات بمدينة قيصري، مما دفع عدد من الأتراك لمهاجمة وإحراق منازل ومحلات وسيارات السوريين بالمدينة ومدن أخرى، وامتدت الاضطرابات إلى شمال سوريا، حيث كان هناك رد فعل تجاه تركيا، تمثل في إنزل العلم التركي وإحراق عدد من شاحنات البضائع التركية.

Tags: ازمة اللاجئين في تركياالخارجية التركيةالسوريين في تركياحادث قيصري

مقالات مشابهة

  • حرق الحكومة الجديدة
  • الخارجية التركية ترد على اتهام الحكومة بالفشل في الشرق الأوسط
  • مجلس الامن يعقد جلسة احاطة بشأن الوضع في الشرق الاوسط
  • الأمن الوطني.. أيقونة الاستقرار
  • مجلس الأمن يعقد جلسة إحاطة بشأن الوضع في غزة
  • جلسة لمجلس الامن اليوم بشأن فلسطين
  • الكهرباء في كربلاء: كيف يغير المستثمرون مسار المشاريع لصالحهم؟
  • مصر.. ردود فعل متباينة قبيل سريان قرار غلق المحال التجارية في الـ10 مساءً
  • ارتفاع مستوى انعدام الأمن الغذائي في مناطق الحكومة اليمنية
  • رئيس غرفة الجيزة يثمن قرارات الحكومة لترشيد استهلاك الكهرباء