وابتدأ المشوار.. رسالة مع التحية
تاريخ النشر: 22nd, August 2023 GMT
د. سليمان بن خليفة المعمري
بعد أيام معدودات ينطلق قطار العلم والتعلم مؤذناً ببدء مشوار عام دراسي جديد، إذ سيبدأ أكثر من نصف مليون طالب وطالبة عامًا دراسيًا جديدًا ملؤه الطموح والأمنيات بأن يكون عامًا مكللا بالنجاح والتفوق زادهم لذلك الجد والعزم والمثابرة للتحصيل العلمي والمعرفي، وستعود صباحات المدارس الجميلة لتملأ هامات السماء بتحية العلم وبالتحايا والدعوات لهذا البلد العزيز وسلطانه المُفدى بدوام الأمن والأمان والعز والسداد، وستصدح قاعات الدرس بنغمات العلم وسيمفونيات المعرفة فهنيئًا للأساتذة الأجلاء وللطلبة الأعزاء انطلاق عامهم الدراسي الجديد.
والحق أن العلم يحتل مكانة سامقة في ديننا الإسلامي الحنيف، إذ جاء التوجيه الإلهي الكريم لنبيه صلى الله عليه وسلم بالاستزادة من معين العلم الذي لا ينضب" وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا" (سورة طه: 114) ونوه جلَّ شأنه بمكانة العلم والعلماء" يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ" (سورة المجادلة: 11)، وغيرها الكثير من المواضع والآيات الكريمة التي وردت فيها الإشادة بالعلم وأهله بين دفتي الكتاب العزيز، كما جاء الحض على التعلم في الكثير من الأحاديث النبوية الشريفة إذ جاء عنه صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه أبو هريرة رضي الله عنه أنه قال: "من سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا سهل الله له به طريقًا إلى الجنة"(رواه مسلم)، وما فتئ العلماء والمصلحون والأدباء والمبدعون يعددون مآثر العلم ومحامده ويجلون حملة العلم وطلبته، ولطالما دبج الشعراء القصائد العصماء في مدح العلم وأهله، وكثيرا ما تضمنت ثقافات الشعوب وأمثالهم الدارجة الإشارة لأهمية العلم كقولهم" من جدَّ وجد ومن زرع حصد"، وقولهم "اطلبوا العلم من المهد إلى اللحد" و"العلم في الصغر كالنقش في الحجر" وغيرها، وحق للعلم أن يتبوأ هذه المنزلة الرفيعة وأن يحتل تلك المكانة العالية إذ إنه أس كل تحضر وتقدم، وأن كل ما نعيشه اليوم من مظاهر التطور إنما هو نتاج المسيرة العلمية للبشرية وكفاحها الطويل عبر التاريخ.
على أن تحصيل العلم وجني ثماره من أجل خلق العقول الحرة المتصفة بالفهم والمعرفة المستنيرة والتحليل العميق للأمور والقضايا الحياتية لا يتأتى إلا بالجد والاجتهاد و"المثابرة التي تفل الحديد" على رأي المثل الياباني، وأول السبل الموصلة لذلك هي القراءة، إذ إنها الأمر الرباني الأول في هذا الدين الحنيف" ٱقرَأ بِٱسمِ رَبِّكَ ٱلَّذِي خَلَقَ" (العلق: 1)، لذا لابد من إيجاد فلسفة وخلق وعي لدى الطلبة للقراءة والنقد والتحليل لأبعاد ومضامين ما يقرأونه وما يتعلمونه، وأن تجعل المدارس شعارها "القراءة للجميع مثل الخبز للجميع"؛ فتعزز القراءة الواعية التي تتسم بالفهم العميق والإدراك الحصيف لما يقرأه الطلبة بين سطور ومواضيع الكتاب المدرسي، وأن يحتضنوا الكتاب كما يحتضنون الأجهزة الإلكترونية والألعاب، وتشير الدراسات في هذا المجال إلى أن الأطفال الذين يقرأون مبكرا أو يقرأ لهم تكون نفسياتهم وسلوكياتهم أفضل من غيرهم، فالقراءة حصانة من القلق وهي الأداة الأنجع للتحصيل الدراسي والمعرفي، ولله در الشاعر حين قال:
أَعَزُّ مَكانٍ في الدُنى سَرجُ سابِحٍ
وَخَيرُ جَليسٍ في الزَمانِ كِتابُ
وحيث إنه لا يستقيم الظل والعود أعوج، وحتى يكون جيل الغد المنتظر سليما صحيحا معافى من أية عقد أو تشوهات أو عاهات سلوكية ومعرفية فإن على المعلمين الأعزاء- وهم كذلك بإذن الله- أن يجعلوا من أنفسهم الأنموذج فيحرصوا على القراءة والتزود من المعارف لمواكبة كل جديد في الحقل التربوي والتعليمي، وأن يغرسوا في الناشئة حب الكتاب وأن يجعلوا من المكتبات ومصادر التعلم عتبات مقدسة تحظى بهالة من التكريم والتبجيل، وأن تكون طريقتهم المثلى في التعليم والتدريس المشاركة والتفاعل أخذا بالقاعدة "قل لي وسوف أنسى، أرني وربما أتذكر، أشركني وسوف أحفظ"، وأن يسلكوا في تبسيط المعلومة مقولة العالم الكبير اينشتاين" ينبغي أن نبسط كل شيء بقدر الإمكان ولكن دون أن نفرط في تبسيطه"، كما إن على المعلمين أن يكونوا القدوة التي تحتذى في التفاؤل وأن يشيعوا بين طلبتهم أجواء الأمل والثقة والإيجابية؛ فالواقع إن "الخائف لا يهب السكينة" فالمعلم المتشائم لا يمكن أن يزرع الطمأنينة لدى طلابه بل إنه في الواقع يحقنهم بـ"إبرة التشاؤم" الذي يعانيه فيصبحوا وقد ارتدوا ثوب الكسل واللامبالاة ويخرجوا للحياة والمجتمع بدمغة السلبية والاضطراب يصدق عليهم وصف "ولدوا في قماط من قلق"، وعلى المعلم أن يعتز بمهنته وأن يسلك وفق ما تقتضيه أمانة وكرامة وظيفته النبيلة التي هي وظيفة الرسل والأنبياء والمصلحين على مر التاريخ، وكم أصاب أمير الشعراء حين قال:
أَعَـلِـمتَ أَشرَفَ أَو أَجَلَّ مِنَ الَّذي
يَبني وَيُنشِئُ أَنفُسًا وَعُقولًا
وختامًا.. فإنَّنا نهيب بأبنائنا الطلبة أن يشحذوا الهمم ليعبوا من معين العلم ويأخذوا من مناهل المعرفة ما يعينهم على خوض غمار الحياة متسلحين بالمعرفة والمهارة اللازمتين لكل نجاح وسؤدد، وأن يجعلوا احترام المعلم وتقديره نصب أعينهم وأن يعكسوا ما تلقوه من علم وأدب وتربية في أفعالهم وسلوكياتهم، وأن ينتموا لهذا الوطن قلبا وقالبا فيعتزوا بهويتهم الوطنية ويحافظوا على موروثات مجتمعهم العماني الأصيل وتعاليم وقيم دينهم الإسلامي الحنيف، وأن يتعاملوا مع تطورات العصر وتقنياته المتسارعة بروح وثابة للخير والحق والعدل والإنسانية والفضيلة فيأخذوا ما ينفعهم وما يجعلهم وأهليهم فخورين بهم وأن يربأوا بأنفسهم عن كل ما يشينهم ويخدش سمعتهم وأخلاقهم، وأن يبدأوا عامهم الدراسي بكل شغف وطموح نحو معالي الأمور ليكونوا رجالًا يُعتد بهم ويعتمد عليهم في حاضر عُمان ومستقبلها المشرق بإذن الله تعالى، مستعينين ومتوكلين على الله العلي القدير أن يكتب لهم كل توفيق وسؤدد متذكرين على الدوام أنه:
إذا لم يكن عَوْنٌ من الله للفتى // فأوَّلُ ما يجني عليه اجتهادُهُ
وكل عام والجميع بخير.
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
الحاج حسن الإسكندراني.. المجذوب الذي فقد عقله نتيجة غدر الصحاب
على مقهى المحروسة بشارع خالد بن الوليد، القتينا نحن الثلاثة، يحاوطنا الليل على مقربة من منتصفه لبدء يوم جديد، فيما رائحة اليود تنعش الأجساد بروية فتطرد النعاس من العيون، أما عبده الإسكندراني رحمه الله، يحاصرنا بصوته ويأسرنا ببحة طربه وتنغيم المقام وتنويعه وتمويجه كأنما تسبح في الصوت لا تسمعه فقط ثلاثتنا.
رؤوف فاضل، نصف المتصوف ونصف الارستقراطي، سليل الأسرة التي يعمل أغلبها بالسلك الدبلوماسي، هو لا يحبذ التحدث عن هذا الأمر، يقول إن الناس تنجذب لبريق السلطة، لذا يحب التخفي ضمن العوام، لكن تفضحه بعض الأفعال، رغم السبحة التي لا تترك يده، كان عائدا لتوه من أرض الأحلام "الولايات المتحدة الأمريكية "حزينا في عودته، كان يود البقاء فترة أطول، ليكمل مشروعه مع صديقه الذي انتمى لتلك البلاد وحمل جنسيتها، لكن الأقدار قالت كلمتها.
حيث استيقظ صباح يوم ليجد أن عليه التوجه لقسم الهجرة طالبا منه المسؤول الأمريكي مغادرة البلاد ثم العودة مرة أخرى بسبب خطأ في سيستم التأشيرة وبصمة العين ،لذا عليه أخذ ختم المغادرة والدخول للبلد من جديد ،فلما فعل وعاد إلى مصر ،-والله شاهد أن ما أقوله الآن عزيزي القاريء هو الصدق حيث كنت شاهدا على الواقعة أنا كاتب هذه السطور "- ،متبرما من السيستم والتأشيرة وفعل القدر ، فحاولت التخفيف عنه ،ومضينا تجاه المقهى الأحمدي عقب صلاة العشاء في مسجد شيخ العرب سيدي أحمد البدوي ،ولما جلسنا ،جاء الرجل الذي يسير حافيا ونشهد أنا وهو فقط بسره مع الله ،ثم وقف أمام رؤوف ،قال له :"انس... مافيش أمريكا تاني ..." انصرف الرجل ،بينما تملك رؤوف الغضب ،وانا لم أعط الأمر شغلا في التفكير ،وودعني رؤوف وانقطعت أخباره لمدة قاربت الأسبوعين ،وإذ أجد اتصالا يحمل كود دولة الولايات المتحدة ،أرد فيجيبني رؤوف بضحكة جهورية ،ويقول :"روح قول للراجل المجذوب أنت أونطة أنا في مطار أمريكا أهو وخلاص داخل أخد ختم الدخول "..الحق أنني اندهشت ،تحيرت ،طيلة تجاربي مع هذا الولي الخضري كانت كراماته صادقة ...مر على اتصال رؤوف ساعة ...وإذ بالرقم يتصل مرة ثانية :" الله يخرب بيت قعدتك يا رامي يامنشاوي ...روح دور على الراجل الطيب واعتذر له ...ضابط التاأشيرة رفض يدخلني البلد وانا منتظر الطائرة العائدة لمصر وقاعد زي الشحات في المطار ...أنا أسأت الأدب مع أهل الله "....
ما الذي يجعلني عزيزي القاريء أن أحكي لك هذه القصة عن صديقي رؤوف ؟ّ!..ولما انتقلت بك من مكان الحدث الحالي الأسكندرية لقصة قديمة حدثت لرؤوف وعدت بك إلى طنطا ؟...ربما أردت أن أنقل لك خلفية الحضور للأشخاص طالما شرفت باستضافتك أخي القاريء على تلك المنضدة المتواضعة بمقهى المحروسة بشارع خالد بن الوليد في الأسكندرية ...فاغفر لي إطالتي وأكرر طلبي في ما أكتبه لك دوما أن تستطيع معي صبرا.
أما صديقي الثاني فهو حسن عمران ،صديق الطفولة وقدر الرحلة ،رؤوف ليس عميق الصلة بحسن ،إذن كيف اجتمع الاثنان ؟..سأخبرك ..أما حسن فقد عاد من أسبوع من الخليج العربي ،يعمل معلما هناك ، كان لا يحمل للدنيا هما ،إذا رأيته تحسبه لا يتوقف عن الضحك ،وركز على الفعل كان عزيزي القاريء ،حسن عاد من الغربة منذ أسبوع ،أخبرني أنه أصبح مريضا بارتفاع مزمن في ضغط الدم ،حزنت له وأدركت أن لك شيء مقابلا ، رؤيتنا الآدمية دوما قاصرة طامعة غير قانعة ،الشيلة اما تقبلها كلها أو ترفضها كلها ،دوما ننظر للجزء الذي يغري العنصر الناري فينا يغري النفس، فلوس الخليج وسعر الصرف مقابل تغييره بالجنيه المصري ...طلب مني رؤوف أن يذهب لمكان بعيد لا يود الحديث لأحد، فقط يظل كعادته صامتا متأملا ،هو من أصحاب الأحوال كما لقبته منذ معرفتي به ،ملول ،سريع التغير ،مزاجي ،فجأة يقف ،فجأة ينصرف دون أن يودع أحدا ،هكذا عليك تقبله إذا التقيته ....وحسن هاتفني يخبرني أنه يشتري بعض الونس والألفة والبهجة محاولا اقناع نفسه بأن مال الخليج سيرطب على روحه ،طلب مني أن ألتقيه في الأسكندرية ،وخطط القدر لثلاثتنا ....
أنت الآن ضيفنا الرابع على المنضدة ،تجاوزنا منتصف الليل ،بعض الجالسين لا يبدون غرباء مثلنا ،منهمكين في لعب الطاولة وبعضهم يلعب الدومينو ،والأغلبية منهمك ومشغول ومسكون بلعنة العصر ....الهاتف الأندرويد القاتل والمحتل لآدميتنا .
رؤوف في تأمله ،حسن يضحك ثم يتناول هاتفه ويتحدث مع ابنته ،أنا غارق مع عبد ه الأسكندارني. ثم فجأة يطفأ الرجل صوت عبده الأسكندراني ،تتملكني حالة من الضيق لاستكمال الموال ،يأتي الرجل الذي يلبي طلبات النزلاء بالمقهي ،أتحدث اليه بانفعال "قفلتوا ليه موال عبده الاسكندراني ؟"...يبتسم الرجل الذي استوعب غضبتي مجيبا بتودد :"ظهر أبو الموال اللايف ...سيد الاسكندراني وهتسمع أحلى موال بس انت ركز في الحدوتة "...أتأمل يمينا ويسار ،وأخال الرجل قد استخف بعقلي ،فيظهر من خلفي ذلك الرجل ،أو قل تلك الكومة لبشرية ،ترجل خطوات بقدم حافيه ،أحاول تأمل وجهه وملامحه ،أخفاه بصبغات ورنيش الأحذية كأنما يود التنكر والهرب من شخصيته ،جلباب بني معلق في رقبته العديد من السبح الضخمة كأنما هي أغلال تعانق روحه وتكبل جسدة وتذكره بأمر ما ...الرجل يمسك في يده المظهر "الرق "...الدف بالشخاليل ...يقف أمام الجميع فيترك كل فرد ما في يده ،يقول رجل اشجينا ياحاج سيد ،من هو ذلك الرجل ...؟...تتيقظ كل حواسي فور سماع نبرة الآهة الحالمة الحزينة الشجية الوليفة العذبة الخارقة لكل حصون مشاغل الحياة ...يتحدث بل ينتحب بل يطربنا الموال :"الندل لما شبع ماعرفش مين صاحبه أما العويل لو شبع بيدوس على صاحبه ..اكمن صاحب مالية وفي البلد ماشي ..اللي يحبك يجيلك عالقدم ماشي ..مدام معاك حظ ...او تعمل من الخشب ماشي....والفقير لما يدن في مالطة مين يقول ماشي"....ضيعت مالي على الواطيين ...ضيعت مالي شمال ويمين ..معاك فلوس تلقى حبايبك ...قصاد عيونك طوالي"
الرجل الذي ترك ذقنه حتى طالت لنصف متر أو يزيد ،عم سيد الاسكندراني ....،يقول رجل ممن يجاورنا :" ياااه ياحاج سيد كان خيرك مغرق بحري للأنفوشي ربنا يلطف بيك "،التقط من الرجل كلماته ،لا يقبل عم سيد مالا من أحد ،يقول الموال وينشده ويأخذ كوب الشاي ويمضي جهة البحر ،اقفز من مجلسي للرجل الذي تحدث عن عم سيد...اقتحم الجلسة التي يجلسها مع أصدقائه أسأله بلا تأدب أو استئذان :"مين عم سيد الاسكندراني وايه حكايته ؟" فيسألني الرجل :أنت من بحري ؟ فأجيبه باني من طنطا فيقول الرجل :"شيء لله يا شيخ العرب " لكن لكي تود أن تعرف الحكاية عليك أن تتحدث مع الحاج فايز كان صاحبه وعارف قصته ،
وأين أجد الحاج فايز ؟
في مكتب العقارات الذي يجاور سيدك المرسي ،هل سيكون متاحا الآن؟،يلحظ الرجل اهتمامي فيسأل :"أنت شاغل نفسك ليه ومهتم بحدوتة الحاج سيد الاسكندراني ...؟أجيبه :"عايز اكتب قصته للناس ... "عقب اتصال من الرجل في المقهى بالحاج فايز ، قصدت المشروع "السرفيس من ناصية الكورنيش "خمس دقائق للوصول أمام ساحة سيدي المرسي ابي العباس ،كنت قد استأذنت في أدب من صديقي ،رؤوف أخرج سبحته يحوقل لمشهد الرجل ،بينما حسن شاخص بوجهه وأنا استأذنتهم عشر دقائق ريثما أعود ،ولم يطلب مني نفر منهما أن يشاركني المسير فمضيت ...
-أيه حدوتة عم حسن الاسكندراني يا حاج فايز ؟.
-حدوتة اسمها غدر الصحاب .
عايز اعرفها لو تكرمت ؟ وهل كل أهل اسكندرية على علم بها ؟
-كل أهل الماكس يعرفون الحدوتة لأنها لا تزال في الأذهان ،الحدوتة من 2008 ليست ببعيدة لكي ينساها الناس .
ايه الحدوتة ؟
-حسن الاسكندراني كان من أغنياء الماكس ومنطقة بحري ،كان بيتاجر في الأراضي والعقارات زي حالاتي ،بس هو ربنا فتح عليه من وسع بسبب أرض العامرية ،اشتراها في الرخص ولما دخل العمار عليها بقى من أصحاب الملايين لما كان للملايين قيمة ،وكان حسن شاطر وبيعرف يبيع ويشتري ،أخد الفلوس واشترى أراضي في العجمي بسعر رخيص وعملها عمارات والعمارات اتباعت شقق وكترت الملايين مع حسن ،لدرجة إنه كان كل يوم بيعزم صحابه في مطعم شكل ولون ،وبعدين اشترى يخت لمزاجه يطلع بيه البحر يدلع نفسه ،حسن كان وحيد وماعندهوش اخوات ،وجدع مع أصحابه ،اللي نعرفه وشفنها بعنينا ،انه اختفي أسبوعين ،وورجع ماشي حافي على شط الماكس يكلم نفسه ،والناس قالت اتهبلت ،وطبعا رحنا مكتب العقارات والعمارة للي كان فيها نسال عليه بما اننا في نفس الكار والشغلانة ،لكن لقينا طقم حراسة من اللي بتطلع في التلفزيون ،وقالولنا انه صفى املاكه وباعها ....وماحدش يجي يسأل عنه تاني ،وفجأة الأهالي اللي تعرف حسن لقيته نايم على كرتونة جمب جامع سيدي المرسي أبو العباس ،ولما الناس كانت تيجي تساله في ايه وايه للي حصلك كان يغني موال الصحاب الغدارين ويمسك صفيحة ويقعد يطبل عليها ،واستمر حاله كده سنة ورا سنة ،يختفي ويظهر في بحري ،قعدته دلوقت ما بين سيدي المرسي وبين شط الماكس الصيادين بتحبه ،يجبلهم شاي وسكر ويقعد يغني موال معاهم وبعدين يمشي في ملك الله ...
-وازاي حصل غدر الصحاب ؟
- شوف الحكايات كتير ،بس منهم حكاية هو قالها في موال مرة وما قالهاش تاني ،قال انه كان في قعدة كيف ومزاج ،وكان معاه صحابه وشربوه ومضوه وبصموه على بيع املاكه ،وفي حد من المحامين حب يتطوع ويمسك قضية حسن ويطلب باستراداد أمواله اللي اتضحك عليه فيها ،لكن حسن فقد عقله وبقى هايم في ملك الله ،ولما حد يقوله اعمل توكيل ونرفع عليهم قضية ،يشاور على السما ويقول :"انا منتظر حقي من الملك قضيتي عند الملك ,,,ويضحك شوية ويعيط شوية ...وهي دي حدوتة حسن ....ضحية غدر الصحاب والنوم عالرصيف بعد ما كان بينام عالحرير ...
- لكن لما يطلي وجهه بورنيش الأحذية ؟
- ناس تقول يمكن عشان يخبي شخصيته وماحدش يعرفه .
انصرف بأدب من ضيفي ،كأنما أجد الحاج حسن الأسكندراني يتجلى أمامي بمواله وصوت دندنته في أذني ،كأنما يهمس لي بسر ،سر طلاء الوجه بالورنيش ، كانما يود إيصال رسالة للآخر ،يخبرهم أن المال زائل والسلطة زائلة ،والملك زائل ،،،كأنما يقول أن وجهه يلطخه بالورنيش كأنما يصفع نفسه بالنعال ،ربما ندما ،ربما طلبا الغفران من الخالق ،ربما تذللا بظاهر الأمر وباطنه ...وربما للأمر تأويلات أخرى لا نستوعبها نحن من سمع مأساة هذا الرجل .