ما دلالات زيارة أمير قطر إلى طهران في ظل التطورات الإقليمية؟
تاريخ النشر: 20th, February 2025 GMT
طهران- في ظل التوترات الإقليمية المتفاقمة، قام أمير دولة قطر، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، بزيارة رسمية إلى طهران، حيث التقى الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان والمرشد الأعلى علي خامنئي.
وخلال المباحثات، أكد الأمير تميم أن "الحوار هو السبيل الوحيد لحل النزاعات"، مشددا على أهمية تخفيف التصعيد في المنطقة، خاصة في قطاع غزة، وضمان حماية المدنيين.
من جانبه، أشاد المرشد الأعلى الإيراني بالدور القطري في المنطقة، معتبرا أن "قطر تلعب دورا مهما في تعزيز الاستقرار الإقليمي". وأكد الرئيس بزشكيان أن "العلاقات القطرية-الإيرانية تشهد تطورا مستمرا في مختلف المجالات"، مشيرا إلى أن إيران تعتبر قطر "شريكا إستراتيجيا" في قضايا المنطقة. كما شدد على ضرورة تعزيز التعاون في مجالات الطاقة والاستثمار والنقل، بما يخدم مصلحة البلدين.
وكانت القضية الفلسطينية في صلب المحادثات، حيث تناولت المباحثات بشكل مكثف التطورات في قطاع غزة، وأكد الأمير تميم أن "المجتمع الدولي مطالب بوقف العدوان وحماية المدنيين"، مشددا على ضرورة إيجاد حل مستدام يضمن حقوق الفلسطينيين.
إعلانوبدوره، أكد خامنئي أن “الاحتلال الإسرائيلي يرتكب جرائم لا يمكن السكوت عنها”، داعيًا إلى “تعزيز الجهود الإقليمية لدعم القضية الفلسطينية”.
أبعاد إستراتيجية
أكد خبير القضايا الدولية أشكان ممبيني أن زيارة أمير قطر إلى طهران تحمل أبعادا إستراتيجية خاصة، لا سيما في ظل التطورات المتسارعة في غزة ولبنان وسوريا. واعتبر أن هذا التحرك يعكس الأهمية المتزايدة للعلاقات الثنائية بين إيران وقطر، فضلا عن التحديات الإقليمية التي تستوجب تنسيقا أعمق بين الطرفين.
وأوضح ممبيني، للجزيرة نت، أن التطورات الأخيرة في غزة، وتصاعد المواجهات بين حركة حماس والكيان الصهيوني، تجعل من قطر طرفا فاعلا في إدارة الأزمة، نظرا لدورها البارز في دعم حقوق الفلسطينيين والتوسط في محادثات وقف إطلاق النار.
في المقابل، أشار الخبير ذاته إلى أن إيران لطالما دعمت فصائل المقاومة الفلسطينية، مما يجعل زيارة أمير قطر إلى طهران فرصة لتعزيز التنسيق بين الطرفين فيما يتعلق بمستقبل غزة والتحديات الدولية المرتبطة بالقضية الفلسطينية.
وفيما يتعلق بالملف اللبناني، يرى ممبيني أن الأزمة المتفاقمة، خاصة مع تصاعد التوترات بين حزب الله وإسرائيل، تجعل من التقارب القطري-الإيراني عاملا مؤثرا في المشهد السياسي. وأضاف أن قطر وإيران تؤثران بطريقتين مختلفتين في لبنان، مما يجعل هذه الزيارة فرصة لتعزيز التنسيق وتجنب مزيد من التصعيد.
اجتمعت اليوم في طهران مع الرئيس الإيراني مسعود بزشکیان، في إطار سعينا المشترك إلى تشجيع المزيد من التعاون المثمر وتوسيع الشراكات القائمة بيننا في مختلف المجالات لما فيه خير ومصلحة بلدينا وشعبينا. ناقشنا أيضاً مستجدات الأوضاع الإقليمية والدولية، ونتطلع معاً إلى تكثيف الجهود… pic.twitter.com/d0lWl0yOf4
— تميم بن حمد (@TamimBinHamad) February 19, 2025
إعلانوبشأن الوضع في سوريا، أشار ممبيني إلى أن إيران تُعد فاعلا رئيسيا في المعادلة الجيوسياسية للمنطقة، مما يمنحها دورا رئيسيا في مستقبل التسويات الإقليمية. وأكد أن زيارة أمير قطر يمكن أن توفر منصة لتباحث التعاون الثنائي في مختلف القضايا الأمنية والإستراتيجية.
على الصعيد الاقتصادي، يرى ممبيني أن تعزيز التعاون بين الدوحة وطهران، خاصة في قطاع الطاقة، قد يعزز من نفوذ البلدين في الأسواق العالمية. وقال إن إيران وقطر تمتلكان أحد أكبر احتياطيات الغاز في العالم من خلال حقل الغاز المشترك فارس الجنوبي (حقل غاز الشمال) وأي زيادة في مستوى التعاون بينهما قد تؤثر على توازنات سوق الطاقة الدولية.
كما أشار إلى أن العقوبات الغربية على إيران دفعتها إلى البحث عن مسارات جديدة لتعزيز تجارتها الإقليمية، وهو ما يمكن أن تلعب قطر دورا مهما فيه.
أما في الشأن الأمني، فقد لفت ممبيني إلى أن منطقة الخليج تمر بمرحلة حساسة، حيث تسعى إيران وقطر إلى الحد من التوترات عبر تعزيز التعاون الأمني. وأضاف أن رغم استضافة قطر للقواعد العسكرية الأميركية، فإنها حافظت على علاقات إيجابية مع إيران، مما قد يساعد في تقليل احتمالات التصعيد العسكري في الخليج ووضع آليات جديدة لإدارة الأزمات الأمنية.
وفي الختام أكد ممبيني أن زيارة أمير قطر تتجاوز تعزيز العلاقات الثنائية، إذ تحمل تداعيات مهمة على موازين القوى في المنطقة. وقال إن قطر لعبت دورا محوريا كقناة دبلوماسية في العديد من القضايا الإقليمية، وهذه الزيارة قد تعكس سعيها للحفاظ على هذا الدور، وربما تمهّد الطريق لجولات جديدة من المفاوضات، سواء بشأن الملف النووي الإيراني أو قضايا أخرى ذات أبعاد إستراتيجية.
وفي السياق ذاته، رأى خبير الشؤون الإقليمية محمد رضا مرادي أن هذه الزيارة تكتسب أهمية خاصة، إذ إنها “تنسجم مع السياسة القطرية المتوازنة على الساحة الدولية، حيث تسعى الدوحة إلى لعب دور الوسيط الفاعل في حل الأزمات الإقليمية والدولية”.
إعلانوحول ارتباط الزيارة بملف غزة، أشار مرادي، في حديثه للجزيرة نت، إلى أن المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار، الذي لعبت قطر دورا رئيسيا في تحقيقه، تقترب من نهايتها، مما يثير مخاوف من احتمال عرقلة إسرائيل لتنفيذ المرحلة الثانية. ورأى أن زيارة أمير قطر إلى طهران قد تكون جزءا من مشاورات دبلوماسية تهدف إلى ضمان استمرار الاتفاق وتخفيف التوترات المحتملة في المرحلة المقبلة.
وأضاف مرادي أن الخطة، التي يُقال إن الرئيس الأميركي دونالد ترامب يروج لها، والتي تتعلق بتهجير سكان غزة قسرا، أثارت قلقا واسعا في الدول العربية والإسلامية، رغم أنها على الأرجح لن تُنفذ بالكامل. ومع ذلك، فإنه يرى أن أي تصعيد في هذا الاتجاه قد يؤدي إلى زيادة معاناة الفلسطينيين، ومن هنا تأتي أهمية الجهود القطرية للتخفيف من تداعيات هذه القضية.
أمير قطر يتباحث مع الرئيس الإيراني ويؤكد أهمية الحوار لحل نزاعات المنطقة
للمزيد: https://t.co/8aTbO3xpAD pic.twitter.com/y58VGUSl1w
— Aljazeera.net • الجزيرة نت (@AJArabicnet) February 19, 2025
وفي الجانب الاقتصادي، أوضح مرادي أن العلاقات التجارية بين إيران وقطر شهدت نموا ملحوظا خلال العام الأخير، حيث بلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين خلال الأشهر التسعة الأولى من عام 2024 نحو 265 مليون دولار، مسجلا ارتفاعا بنسبة 53% مقارنة بالفترة نفسها من العام السابق. ورأى أن هذه الأرقام تعكس رغبة البلدين في تعزيز التعاون الاقتصادي، كما أن زيارة أمير قطر قد تأتي في إطار الرد على زيارة رئيس البرلمان الإيراني مسعود بزشكیان إلى الدوحة في أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
وأضاف أن الدوحة أعلنت دعمها الصريح للحكومة السورية الجديدة، بينما تبنت طهران موقفا معارضا لها، وهو ما قد يشكل تحديا آخر تسعى قطر للوساطة فيه، في إطار جهودها لتعزيز الاستقرار الإقليمي.
إعلانوفي ختام حديثه، أكد مرادي أن قطر تُمثل شريكا إقليميا مهما لإيران، فعلى الرغم من أن طهران شهدت توترات حادة في علاقاتها مع بعض دول الخليج في السنوات الأخيرة، فإن علاقتها مع الدوحة ظلت مستقرة وإيجابية.
ورأى أن البلدين، رغم اختلاف وجهات نظرهما بشأن بعض الملفات الإقليمية، تمكنا من إدارة هذه التباينات بوعي، مع الإبقاء على مسار التعاون والتفاهم المشترك.
وختم بالقول إنه يبدو أن قطر وإيران تنظران إلى بعضهما البعض كشريكين إقليميين يسعيان إلى تحقيق نوع من التوازن الإستراتيجي، وهو ما يحمل دلالات مهمة في المشهد السياسي الإقليمي، خاصة في ظل مساعي الدوحة لتعزيز حضورها وتوسيع تحالفاتها.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات الرئیس الإیرانی الإیرانی مسعود تعزیز التعاون إیران وقطر إلى أن
إقرأ أيضاً:
هل تعقد إيران صفقة مع أمريكا أم تمضي في طريق صنع أول قنبلة نووية؟
هل ستتمكن إيران من صنع أول قنبلة نووية أم ستنجح في التوصل إلى اتفاق مع الغرب وتحت أي ظرف؟ أسئلة نحاول الإجابة عليها في هذا التقرير
بدأ النشاط النووي الإيراني في خمسينيات القرن الماضي، بدعم أمريكي ضمن برنامج "الذرة مقابل السلام". وقامت البلاد تحت حكم الشاه بتركيب مفاعل أبحاث بقدرة 5 ميغاوات في جامعة طهران عام 1967، عبر استخدام وقود يورانيوم مخصب بنسبة 93% تم توريده من الولايات المتحدة.
انتقلت طهران في السبعينيات إلى التعاون مع الدول الأوروبية لاستكمال برنامجها النووي، حيث وقعت عقدًا مع شركة سيمنز الألمانية لبناء محطة بوشهر للطاقة النووية، وهو مشروع أكملته روسيا بعد قيام الثورة الإيرانية عام 1979.
وحين كشفت الجمهورية الإسلامية عام 2002 عن منشآت ناتانز وآراك، فرض الغرب المزيد منالعقوبات واشتدت الضغوط على إيران.إلى أن جاء عام 2015، عندما نجحت المفاوضات في التوصل إلى الاتفاق النووي المسمى بخطة العمل الشاملة المشتركة، الذي تم توقيعه بين إيران ومجموعة ال5+1 المؤلفة من الدول الكبرى الدائمة العضوية في مجلس الأمن بالإضافة إلى ألمانيا.
لكن مع تغير الإدارة الأمريكية ومجيئ الرئيس دونالد ترامب إلى السلطة، انسحبت واشنطن من الاتفاق في مايو أيار 2018، مما دفع إيران إلى تقليص التزاماتها النووية والاقتراب أكثر من القدرة على إنتاج قنبلة نووية.
وبينما تقول طهران إن برنامجها النووي "سلمي"، تتزايد المخاوف الغربية من تحوله إلى طموحات نووية عسكرية. ومع سعي ترامب إلى ممارسة مزيد من الضغط، تبقى خيارات الجمهورية الإسلامية متنوعة، حيث يمكنها اللجوء إلى المفاوضات أو التصعيد العسكري.
إيران والقنبلة النووية: ثلاثة سيناريوهات محتملةالسيناريو الأول - الأكثر احتمالاً: إيران على وشك بناء قنبلة نووية، لكن لا يوجد قرار حاسم في هذا الاتجاه حتى الآن. إذ تقوم بتخصيب اليورانيوم بنسبة 60٪، وهو ما يمكن أن يصل سريعًا إلى 90٪ وهي النسبة اللازمة لصناعة الأسلحة النووية. ويؤكد المسؤولون الإيرانيون أن استراتيجيتهم هي خلق نفوذ من خلال التخصيب لزيادة الضغط في المفاوضات والردع دون تجاوز الخط الأحمر. لكن تشير مصادر الاستخبارات الغربية إلى أن طهران قد تكون على "حافة الحصول على القدرة النووية".السيناريو الثاني - احتمال قوي: إيران قد تكون قد قررت بناء قنبلة نووية، لكنها لم تبدأ التنفيذ الفعلي بعد. فإذا اختارت التوجه نحو اقتناء السلاح النووي، فيمكنها الحصول على اليورانيوم المخصب اللازم لإنتاج قنبلة في غضون "بضعة أيام". علاوة على ذلك، فإن إيران لا تواجه تحديات كبيرة في بناء رأس حربي أو منصة إطلاق، حيث تمتلك صواريخ باليستية مثل خرمشهر وساجيل التي تستطيع حمل رؤوس حربية.السيناريو الثالث - الأقل احتمالاً: طهران قد تكون قد أكملت بالفعل بناء القنبلة النووية، ولكن هذا يبقى السيناريو الأقل احتمالاً. إذ لا توجد أدلة قاطعة من أي وكالة استخبارات تدعم هذا الادعاء، ويبدو أن القيادة في طهران تدرك أن مثل هذا التصرف قد يؤدي إلى تفكيك النظام الحاكم. مقارنة بالوضع في الهند وباكستان أو كوريا الشمالية، لا ترغب إيران في أن تصبح في وضع كالذي تعيشهبيونغ يانغ، حيث سيؤدي ذلك إلى عزلة شديدة وغير محتملة على مستوى الشعب والحكومة.Relatedإيران تفرج عن الفرنسي أوليفييه غروندو بعد 900 يوم سجنإيران في مواجهة العقوبات: دعم الصين وروسيا يفتح الباب للحوار النوويخامنئي يرد على ترامب: التهديدات الأمريكية ضد إيران لن تجدي ولن تحقق أي نتائج التريث و"الفحص الكامل" سيدا الموقف .. كيف ردّت إيران على رسالة ترامب؟إيران تحت نير العقوباتتعد إيران ثاني دولة في العالم بعد روسيا من حيث عدد العقوبات المفروضة عليها. وعلى الرغم من مرور 46 عامًا على العقوبات التي فرضت عليها، فإن الجمهورية الإسلامية والشعب الإيراني قد اعتادا على العيش في ظل هذه القيود. ورغم ما يُسمى بـ"الصبر الاستراتيجي"، الذي يوشك على الانهيار، تمكنت طهران دائمًا من إيجاد طرق للاستمرار، من خلال توسيع علاقاتها مع الصين وروسيا، فضلاً عن إيجاد طرق مبتكرة ووسطاء لبيع نفطها الذي يخضع للعقوبات.
لكن الوضع أصبح أكثر صعوبة، حيث أدى ارتفاع التضخم، وتدهور قيمة الريال، والسخط العام، والعقوبات المشددة إلى وضع اقتصادي صعب للغاية. وتذكر هذه الضغوط الجميع بالظروف التي دفعت طهران لقبول الاتفاق النووي"خطة العمل الشاملة المشتركة" في عام 2015، لكنها اليوم أشد وطأة. فالجمهورية الإسلامية تصارع من أجل ضخ دماء جديدة في اقتصادها المتعثر وهي تُدرك أنه لا يمكنها العيش في عالم اليوم دون أن تكون لها علاقات وتفاعل مع دول أخرى.
بين الاتفاق أو الحرب مع إسرائيل والولايات المتحدةتتبنى إسرائيل، التي تمتلك أسلحة نووية ولم توقع على معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، "عقيدة بيغن" التي تتعهد بموجبها بعدم السماح لإيران أو لأي دولة مجاورة بامتلاك أسلحة نووية. وقد كانت هذه العقيدة أساسًا للهجمات الإسرائيلية الاستباقية على مفاعل أوزيراك العراقي عام 1981، وأيضا على المنشآت النووية السورية عام 2007.
من جانبها، لا ترغب الولايات المتحدة، ولا الاتحاد الأوروبي، ولا حتى حلفاء إيران الاستراتيجيين مثل روسيا في اقتناء طهران أسلحة نووية. تظل هذه القضية محط اهتمام كبير على الصعيدين الدولي والإقليمي. كما أن الجيران العرب، مثل السعودية والإمارات، يعتبرون هذه المسألة في غاية الأهمية، لما لها من تأثير مباشر على أمن المنطقة واستقرارها.
رسالة ترامب لخامنئي: التفاوض أو التصعيدالرسالة الآن في يد الشخص الذي أمر يوما باغتيال الجنرال الإيراني قاسم سليماني، أحد أقرب مستشاري الزعيم الإيراني علي خامنئي وأكثرهم تأثيرًا، بالقرب من مطار بغداد. وقد أصبحت الكرة الآن في ملعب مرشد الثورة، مما يفتح المجال أمام احتمالات تحول كبير في سياسة إيران تجاه الولايات المتحدة، رغم أن خامنئي كان قد صرح في وقت سابق قائلاً: "أنا لا أتفاوض معك، إفعل ما تريد، بحق الجحيم".
وعلى الرغم من ذلك، يبدو أن خامنئي لم يغلق الباب تماما أمام المفاوضات. إذ ثمة إشارات تدل على أن إيران قد تكون مستعدة لاستئناف التفاوض بشرط تقديم ضمانات معينة، خصوصًا إذا تم تقديم هذه الضمانات عبر قنوات دبلوماسية قبل بدء المحادثات الرسمية.
في السابق، كان خامنئي قادرًا على إلقاء اللوم على الحكومة الإيرانية الحالية بشأن إخفاقات المفاوضات مع الغرب، ولكن اليوم، بعد انسحاب ترامب من الاتفاق النووي، يواجه مرشد الثورة تحديًا أكبر. لا يمكنه تجاهل دوره في تعميق الأزمة الراهنة والمعاناة التي يعيشها الشعب الإيراني. ومع ذلك، يعرف خامنئي أن استمرار سياسات المواجهة مع واشنطن قد يؤدي إلى تقليص قاعدة دعمه في الداخل الإيراني وفي المنطقة، ما يضعه أمام خيارات صعبة ومعقدة.
هل تنجح المباحثات الموازية بين إيران وأوروبا في منع اندلاع الحرب؟انخرطت إيران في أكبر حرب تشهدها أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية من خلال الزج بمسيراتها من نوع شاهد، وهي خطوة جريئة لم يكن هدف طهران منها إلا إرضاء موسكو وتقديم الدعم لها على الساحة الدولية وهي أيضا خطوة لتخفيف الضغوط العالمية عليها. لكن الثمن كان غاليا وهو الدخول في مواجهة أكثر حدة مع الغرب والاتحاد الأوروبي. وقد بررت طهران موقفها ذاك بأن الأوروبيين كانوا دائما يصطفون إلى جانب الولايات المتحدة وضد إيران وأنه كان عليها أن تختار انطلاقا من مصالحها الوطنية.
ولا يقل توجس المرشد الإيراني من أوروبا عن توجسه من أمريكا. إذ صرح مؤخرا: "قولهم إن إيران لا تفي بالتزاماتها قائم على منطق القوة، وهذا واضح جدا. أنتم وعدتم بأنكم ستعوضون الأضرار الناجمة عن انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي بشكل أو بآخر، بعدها قلتم شيئا آخر وقدمتم وعدا ثانيا".
وبدءا من تاريخ 18 أكتوبر 2025، فأن بريطانيا وفرنسا وألمانيا باعتبارها الدول الموقعة على الاتفاق النووي، لن يكون بإمكانها تفعيل ما يسمى بآلية "الزناد" “snapback” أو آلية إعادة فرض العقوبات الدولية على إيران. فعند ذلك التاريخ، سينتهي مفعول تلك العقوبات التي نص عليها القرار الأممي رقم 2015.
وكانت دارت مناقشات في الأشهر الأخيرة حول احتمال تفعيل تلك الآلية قبيل انتهاء المهلة. وفي حال عدم التوصل إلى اتفاق أو التمكن من تمديد القرار الأممي رقم 2231 بحلول ذلك التاريخ، فمن المحتمل أن تعيد الدول الغربية فرض العقوبات. وسيكون يوم ال17 أكتوبر هوآخر يوم لاستعمال الآلية وإلا فتصبح غير قابلة للاستخدام.
ورغم أن ترامب لا يعول كثيرا على دور بروكسل، يمكن للأوروبيين أن يلعبوا دورا مؤثرا في الوساطة بهدف التتوصل إلى اتفاق نووي جديد من خلال من خلال منح حوافز اقتصادية لطهران. إذن أن التوتر وعدم الاستقرار في الشرق الأوسط يؤثران على أمن أوروبا واقتصادها وبالتالي فإن دولا مثل فرنسا وألمانيا معنية بإقامة علاقات اقتصادية مع إيران إذا ما كان هناك تفاهم وتحسن في العلاقات الثنائية.
عليه، وأن أوروبا لم تلتزم بتعويض الأضرار الناتجة عن انسحاب الولايات المتحدة اتفاق عام 2018. وترى طهران أن أوروبا لم تحقق وعودها بخصوص معالجة العقوبات الأمريكية، وهو ما دفعها إلى اتخاذ خطوات بديلة تتماشى مع مصالحها الوطنية.
وفي ما يتعلق بآلية "الزناد" أو "snapback"، التي تسمح باستعادة العقوبات الدولية ضد إيران، هناك مناقشات في الأروقة الأوروبية حول إمكانية تفعيلها قبل الموعد المحدد في أكتوبر 2025. لكن إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق جديد أو تمديد قرار الأمم المتحدة بحلول ذلك التاريخ، فسيكون من الممكن للدول الغربية تفعيل هذه الآلية لاستعادة العقوبات المفروضة على إيران.
لكن الاتحاد الأوروبي الواقع تحت تأثير واشنطن، لم يكن لديه ما يكفي من استقلالية وفاعلية حتى يستطيع تقديم ضمانات من شأنها تخفيف أثر العقوبات الأمريكية. وإذا ما حدث وتعثرت المحادثات وانتهت بشن هجوم أمريكي إسرائيلي على إيران، فإن التكتل سيكتفي في أكثر الحالات تفاؤلا بالتعبير عن رفضه للجوء إلى خيار الحرب لكن لن يكون بمقدوره منع اندلاع المواجهة العسكرية.
رغم محدودية تأثير الاتحاد الأوروبي في بعض القضايا الكبرى، يمكن لدول مثل فرنسا وألمانيا لعب دور حيوي في التوصل إلى اتفاق نووي جديد من خلال تقديم حوافز اقتصادية لإيران. ومع ذلك، يظل تأثير الولايات المتحدة كبيرًا على السياسة الأوروبية، ما يعوق قدرة الاتحاد على تقديم ضمانات حقيقية لإيران بشأن تخفيفالعقوبات الأمريكية. إذا فشلت المحادثات النووية، قد يجد الاتحاد نفسه عاجزًا عن منع التصعيد العسكري إذا اتخذت الولايات المتحدة أو إسرائيل إجراءات ضد إيران.
وكلاء طهران في الشرق الأوسطيقول ترامب إنه مستعد للتفاوض مع إيران إذا تخلت عن برنامجها النووي "بشكل كامل" وأنه سيحمل طهران مسؤولية أي هجمات يشنها الحوثيون. وبناءً على ذلك، فإن أي اتفاق بينواشنطن وطهران لن يقتصر على المسائل النووية والاقتصادية فقط، بل إن قدرات إيران الصاروخية ودعمها للجماعات المسلحة في الشرق الأوسط ستكون أيضا ركنا رئيسيا في المحادثات وفي أي اتفاق محتمل.
يطالب الإيرانيون، أكانوا في أعلى هرم السلطة أو على مستوى رجل الشارع، بان يكون لهم "مكان في النظام الدولي" سواء في ظل حكم رجال الدين أو بدونه.
فمن هم في السلطة لا يزالون تحت تأثير دعاية الثورة والإسلام السياسي، أما الشارع كأمة إيرانية، فهو لا يستنكف عن التفكير في استعادة أمجاد الامبراطوية السابقة أكان ذلك عن وعي أم عن غير وعي.
وبالتالي فإنه يمكن للسلطة أن تقدم مثلا تنازلات في المجال النووي وتتوقف عن تخصيب اليورانيوم لكنها لن تمنح ترامب أوراقها الرابحة وهي قوة الردع الصاروخي وعلاقتها بحزب الله.
النفط وفوائده للاقتصاد الإيرانيلكن استمرار المثالية الإيرانية أكان في ظل نظام الملالي أو بدونه، مستحيل دون تصدير النفط، العصب الرئيس لاقتصاد البلاد. فلا صادرات الفستق ولا سجاد أباطرة المال ولا الصواريخ ولا مسيّرات شاهد بقادرة على تعويض الفراغ الذي تتركه العائدات البترولية في خزينة حكومة وشعب لا يستطيع العيش دون البنزين والخبز المدعم. وإيران لم تنجح بعد في تجاوز ما يسمى بالمرض الهولندي وهو الارتباط بين الازدهار الاقتصادي ووفرة الموارد الطبيعية. وعليه، فإن طهران قد سقطت في شرك اقتصادٍ أحادي المصدر يعتمد بشدة أساسا على الاعتماد الشديد على عائدات النفط الذي تزخر به البلاد.
هل أمام طهران خيارات أخرى غير التوصل لاتفاق مع ترامب؟هل يمكن للنظام أن يقايض وينسى محور المقاومة وإطلاق الصواريخ مقابل ديناميكية اقتصاد النفط وتبني خيار السهولة وعدم المبالاة الذي ينتهجه الجيران العرب في الخليج الفارسي؟ هذا احتمال غير وارد في حسابات أغلب رجالات الدبلوماسية والسلطة بشكل عام فجميعهم يضع عينيْه المصير الذي لقيه العقيد الليبي معمر القذافي.
إن الحل الوحيد أمام الإيرانيين هو التفاوض والمساومة التي حشروا أنفسهم داخلها. والخيار الأفضل بالنسبة للنظام هو أن يبقى الوضع على ما هو عليه وتجنب أقصى قدر ممكن من الضغوط الأمريكية لكن القيادة في طهران ستحاول هذه المرة شراء الوقت وبأدنى جهد حتى نهاية الولاية الثانية لدونالد ترامب. أمريكا، هذه القوة العظمى والشيطان الأكبر تريد اتفاقا، وقد منح الرئيس الجمهوري طهران مهلة شهرين من أجل ذلك.
تواجه القيادةُ الإيرانية مشكلتين رئيسيتين في مواجهة واشنطن: هما الاقتصاد وعدم إشراك المجتمع والأمة ككل. فمجيء ترامب قد صعّب الأمور أمام الجمهورية الإسلامية. إيران التي ليس لديها حليف وصديق قوي يمكن الاعتماد عليه في يوم من الأيام. وهي لا تستعين بقوى أجنبية وأنها تحقق مثُل ثورتها الإسلامية وأنها أيضا تكاد تكون الدولة الوحيدة التي تقول إنها ستردّ على الحرب بالحرب.
لكن خيار الحرب ليس مصلحة إيرانية. إذ أن مزيدا من الضغوط من جانب ترامب سيفاقم الظروف الاقتصادية وإذا ما اندلعت حرب، فإن طهران لن تكون الرابحة. إذا استهدفت البوارج والقواعد الأمريكية أو الدول العربية أو إذا أقدم الحوثيون على إغلاق مضيق هرمز أو باب المندب، فإنها ستواجه ردا من العرب. كما أن النظام يدرك أيضا أن روسيا لن تستجيب لصراخه.
وعلى غرار الاتفاق النووي المعروف أيضا بخطة العمل الشاملة المشتركة، فإن طهران ستتفاوض مجددا لكن ليس كما في السابق. فهي عام 2015، قبلت بالاتفاق على أمل تحقيق انفراجة اقتصادية. لكن انسحاب الرئيس ترامب، خلق لدى إيران حالة من عدم الثقة. لذا فهي قد تقبل باتفاق محدود وعلى مراحل، بمعنى آخر أنها ستوافق على خطة لا تكبّلها ومع ضمانات أكثر قوة بأن واشنطن لن تنسحب من الاتفاق مرة أخرى والمحافظة على برنامج نووي سلمي مع مراقبة مكثفة ومشددة.
إن ما يهدد السلطة والبلد برمته ليس هجوما من الخارج قد تشنه إسرائيل وأمريكا على "النظام الثوري" الذي يفتقر للموارد المالية اللازمة والمناسبة، بل هو تهديد يأتي من الداخل ويتمثل في حالة السخط الشعبي بسبب الوضع الاقتصادي السيء الذي يواجه خطر الإفلاس.
Go to accessibility shortcutsشارك هذا المقالمحادثة مواضيع إضافية الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان لترامب: "لن أتفاوض معك وافعل ما شئت" ترامب يوجه رسالة إلى إيران: التفاوض أو التصعيد العسكري وزير خارجية إسرائيل: الوقت ينفد وإيران تمتلك ما يكفي لصنع قنبلتين نوويتين إسرائيلروسياالصينالاتحاد الأوروبيدونالد ترامببرنامج الصواريخ الإيراني