شبكة انباء العراق:
2025-03-25@17:40:34 GMT

قيود الحقد وحرية التسامح

تاريخ النشر: 20th, February 2025 GMT

بقلم : اللواء الدكتور سعد معن ..

لم يكن الصراع بين التسامح والحقد يومًا صراعًا خارجيًا بين الإنسان وخصمه، بل هو صراع داخلي، معركة تدور في أعماق النفس بين الأنا المتعطشة للانتقام ، وبين العقل الذي يدرك أن الاستمرار في الحقد لا يفضي إلا إلى مزيد من المعاناة. فالإنسان يعيش ممزقًا بين غريزته الأولى التي تدفعه إلى رد الإساءة بمثلها، وبين وعيه الذي يفرض عليه التفكير بما هو أبعد من اللحظة الآنية.

وبين هذين القطبين، يجد نفسه أسيرًا لصراع لا ينتهي إلا بقرار حاسم: إما أن يتحرر أو أن يبقى عالقًا في دوامة الغضب.

يرى علي الوردي أن الإنسان كائن تحكمه التناقضات، فهو يقدّس الانتقام باسم الكرامة، لكنه في الوقت ذاته يعظّم قيم العفو والتسامح. هذه الازدواجية ليست وليدة العقل، بل هي نتاج بيئة اجتماعية زرعت في الأفراد فكرة أن التسامح ضعف، وأن المسامح يُنظر إليه على أنه منهزم حتى لو كان يملك القوة على الرد. وهكذا يتحول الحقد إلى أداة لإثبات الذات، لا لأن صاحبه بحاجة إليه، بل لأنه يخشى أن يظهر متسامحًا فيُساء تفسير موقفه. وهذه العقدة ليست فردية، بل هي جزء من النسيج الثقافي الذي يُطبع به الإنسان منذ صغره، حيث يتعلم أن القوة في التشبث بالأذى، لا في التخلي عنه.

علم النفس يرى أن الحقد ليس مجرد مشاعر، انما هو منظومة عقلية وسلوكية تنمو داخل الفرد بفعل التجارب المتكررة……وفقًا لنظرية سيغموند فرويد، فإن الإنسان عندما يتعرض للأذى ولا يجد طريقة فورية للانتقام، فإنه يكبت غضبه ليعود لاحقًا في شكل كراهية عميقة تجاه المعتدي، وأحيانًا تجاه العالم كله. هذه الكراهية تتحول إلى نمط تفكير، حيث يصبح الدماغ مبرمجًا على استدعاء الألم كلما فكر في الشخص الذي أساء إليه. في المقابل، التسامح ليس مجرد قرار أخلاقي، بل هو عملية عقلية تحتاج إلى جهد واعٍ لإعادة برمجة العقل ليكفّ عن استرجاع الإساءة وكأنها حدثت للتو.

علم الأعصاب يؤكد أن الدماغ البشري يتأثر بالحقد كما يتأثر بالخوف، فاستمرار الشعور بالغضب يحفز اللوزة الدماغية، مما يؤدي إلى زيادة إفراز هرمونات التوتر كالكورتيزول، والتي تؤثر سلبًا على صحة الإنسان الجسدية والنفسية. الإنسان الحاقد يعاني من توتر دائم، من تراجع في جودة النوم، من ضعف جهاز المناعة، وحتى من اضطرابات القلب، بينما الشخص المتسامح يتمتع بقدرة أكبر على التعامل مع ضغوط الحياة، لأن ذهنه غير مثقل بالمشاعر السلبية التي تستنزف طاقته.

التسامح ليس استسلامًا، هو قرار يتطلب قوة داخلية هائلة. مصطفى محمود يرى أن التسامح ليس فضيلة أخلاقية فحسب، بل هو فلسفة حياة، حيث يدرك الإنسان أن الانتقام لا يغيّر الماضي، وأن أفضل انتصار على الظلم هو أن يواصل المرء حياته دون أن يسمح للأذى بأن يعيد تشكيله وفق مقاييس المعتدي. الحاقد يظن أنه يمتلك زمام الأمور لأنه لم ينسَ الإساءة، لكنه في الحقيقة أسيرها، بينما المتسامح هو من يكسر القيد ويمضي خفيفًا، لا يحمل أعباء لا حاجة له بها.

حين يتصارع العقل والقلب، يكون القرار بين أن يغفر الإنسان ليحيا، أو أن يحتفظ بحقده ويموت ببطء. الأنا تحب الحقد لأنها تراه وسيلة لحماية كرامتها، لكنها لا تدرك أنها بهذا الحقد ترهن نفسها لمن أساء إليها، وكأنها تمنحه سلطة مستمرة عليها. في حين أن القوة الحقيقية ليست في الانتقام، بل في القدرة على التجاوز دون أن يفقد الإنسان كرامته أو ذاكرته. التسامح ليس نسيانًا، لكنه قرار بأن لا يكون الماضي قيدًا يكبّل الروح، خاصة وان كل الأشياء في هذه الدنيا هي افتراضية و وهم زائل من المال والمنصب والجاه وغيرها ،وأن لا يتحوّل الإنسان إلى صورة مشوهة ممن أساء إليه. ففي النهاية، لا ينتصر في هذه المعركة إلا من امتلك القدرة على التحرر وادرك ان متغيرات الحياة كثيرة ومستمرة وداوم الحال من المحال.

د. سعد معن

المصدر: شبكة انباء العراق

كلمات دلالية: احتجاجات الانتخابات البرلمانية الجيش الروسي الصدر الكرملين اوكرانيا ايران تشرين تشكيل الحكومة تظاهرات ايران رئيس الوزراء المكلف روسيا غضب الشارع مصطفى الكاظمي مظاهرات وقفات التسامح لیس

إقرأ أيضاً:

جلسة حوارية: التسامح الإماراتي نموذج عالمي مُتوارث

رأس الخيمة - عدنان عكاشة

أكدت جلسة حوارية بعنوان «التسامح وعام المُجتمع»، نظمها مركز هيئة الهلال الأحمر الإماراتي برأس الخيمة، بمُناسبة يوم زايد للعمل الإنساني، أن التسامح الإماراتي نموذج عالمي رائد وهو ليس وليد اليوم، بل موروث شعبي وثقافة مُتوارثة عن الآباء والأجداد.
حضر الجلسة، راشد الكعبي، مدير مركز الهلال الأحمر برأس الخيمة، وأحمد الشحي، العضو السابق في المجلس الوطني الاتحادي ود. خالد الشحّي، المدير التنفيذي لقطاع السكك الحديدية في شركة الاتحاد للقطارات وجاسم الدبل، مدير إدارة مراكز الشباب وتحدث فيها المستشار راشد النعيمي، من وزارة التسامح والتعايش ومريم الشحي، مديرة مفوضية مرشدات رأس الخيمة، وأدارتها مريم الكاس، سفيرة الهوية الوطنية.
تناول راشد النعيمي، ثقافة التسامح الإماراتي، التي تتجلى في القدرة على الحوار بثقة وهدوء، مع الاستناد على إنجازات الدولة ومكتسباتها في مختلف المجالات ومن أهمها أن الإمارات هي الأولى في الأمن والأمان والنمو الاقتصادي وما حظيت به الدولة من اختيار الشعوب كوُجهة أولى للعيش والعمل وهي مؤشرات حية على قيمة التسامح في الإمارات.
وأكد النعيمي أن الدولة تعمل على تعزيز قيم التسامح بين الموظفين وكافة الشرائح الاجتماعية ودعم دور المؤسسات والجهات الحكومية في مجال التسامح في المجتمع وإطلاق مبادرات حكومية للتسامح، أن 66 جهة انضمت للمبادرة الوطنية (الحُكومة حاضنة للتسامح)، فيما أطلقت لجان التسامح في تلك المؤسسات والجهات الحكومية 1659 مبادرة للتسامح حتى الآن وتم تأهيل أكثر من 1800 «فارس تسامح» ضمن مبادرة فرسان التسامح.
نجاح عالمي
قال النعيمي: إن ربنا، رزقنا قيادةً حكيمة، تسعى لأن يكون مجتمع الدولة أكثر مجتمع ازدهاراً في العالم، والإمارات، ممثلةً بوزارة التسامح، أطلقت برنامجاً لنقل تجارب التسامح الإماراتي إلى العالم، استفادت منه 24 دولة حول العالم، حتى الآن.
قالت مريم الشحي، نفخر بأننا أبناء الإمارات ونحن نحظى بهدية ربانية وعلينا أن ننقل للعالم صورة وقيم والدنا الشيخ زايد، طيب الله ثراه وأن نحترم ديننا وقيادتنا ووطننا، مؤكدةً أن الإمارات مركز إشعاع حضاري في العالم.
فيما اعتبرت مريم الكاس، أننا مطالبون بأن نزرع في أبنائنا قيمة التسامح، ليس بالكلام فقط، بل بالتطبيق العملي والسلوك والإنسان يتعلم بالمحاكاة والتقليد ولابد أن نكون قدوةً لأبنائنا.

مقالات مشابهة

  • الأمم المتحدة تحذر: قيود الدعم السريع على تسليم المساعدات قد تؤدي إلى أسوأ أزمة إنسانية في السودان
  • أمين كنيسة القيامة: "القدس ما زالت مهد التسامح والوحدة بين الأديان"
  • جرائم الاحتلال ضد الصحفيين انتهاك صارخ للقانون الدولي وحرية الإعلام
  • حيث الإنسان يبعث الحياة في سكن الطالبات بجامعة تعز ويتكفل بكل إحتياجاته حتى  زهور الزينة .. تفاصيل العطاء الذي لن يندم عليه أحد
  • رئيس مدينة كرداسة يتهم شخصا بالإساءة إليه عبر فيسبوك
  • كيف يحرر التفكير النقدي عقولنا من قيود الجهل والتبعية؟
  • الإبداع.. جسر إنساني يعيد تشكيل الجمال
  • جلسة حوارية: التسامح الإماراتي نموذج عالمي مُتوارث
  • عاجل.. الرئيس اليمني يكشف أدلة وحقائق عن الحوثيين وإيران وعلاقتهم مع القاعدة ومن أين تأتي الأسلحة المتطورة؟ وما الهدف الذي يسعى إليه عبدالملك بعد مقتل نصر الله؟
  • بعد 25 يوما.. وفاة ربة منزل طعنها زوجها لرفضها العودة إليه في المنوفية