دمشق– يواجه قطاع التجارة الداخلية في سوريا تحديات متعددة في ظل التغيّرات الاقتصادية والسياسية المتسارعة، التي أثرت على مختلف قطاعات اقتصاد البلد بعد سقوط نظام بشار الأسد في الثامن من ديسمبر/كانون الأول الماضي.

يأتي تذبذب سعر صرف الليرة أمام العملات الأجنبية، والفجوة بين سعره في المصرف المركزي وسعره في السوق الموازية في مقدمة تلك التحديات، ويليه شلل حركة الاستيراد على خلفية تعليق البنوك والمصارف إصدار الاعتمادات البنكية، إلى جانب انتشار البضائع الأجنبية في الأسواق ومنافستها البضائع المحلية المرتفعة الأسعار.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2عزم ترامب فرض رسوم جمركية يسرع التضخمlist 2 of 2ارتفاع سعر صرف الليرة السورية مقابل الدولار اليوم الأربعاءend of list

ووسط هذا الركود التجاري، تسعى الإدارة السورية الجديدة إلى ضبط المشهد عبر مجموعة من الإجراءات، منها توحيد الرسوم الجمركية، وتقليل تدخل الدولة في الأسواق، والعمل على إعادة هيكلة النظام الاقتصادي.

تآكل الأرباح

يشكو تجار وصناعيون في أسواق دمشق وريفها من تآكل أرباحهم بسبب التقلبات الحادة في سعر صرف الليرة خلال الأسابيع القليلة الماضية، وضعف حركة الاستيراد.

ويقول جمال حمد تركمان، صاحب معمل لتصنيع الحجر في منطقة عدرا الصناعية في ريف دمشق، إن الاعتمادات المصرفية متوقفة منذ الثامن من ديسمبر/كانون الأول الماضي، وعليه فإن حركة الاستيراد متوقفة كذلك.

إعلان

ويضيف تركمان، في حديث للجزيرة نت، أن الهبوط المفاجئ بسعر صرف الدولار مؤخرًا كان له أثر سلبي على تجارته، لأن بضاعته جلها كانت من "الحجر المستورد" بالدولار، مما أدى إلى تآكل أرباحه.

ويشير إلى أنه بالرغم من ارتفاع قيمة الليرة فإن أسعار الطاقة وأجور العمال لا تزال ثابتة على السعر القديم، مضيفا: "كنت أسدد الأجور الأسبوعية لعمالي في مقالع الحجر بـ500 دولار، أما اليوم فأحتاج إلى ضعف هذا المبلغ، ناهيك عن فواتير الكهرباء المرتفعة".

صعوبات مضافة

ويعاني تركمان من تحديد البنوك والمصارف سقف السحب اليومي بمبالغ قليلة لا تكفيه لتسديد الأجور وتغطية تكاليف الإنتاج.

ويقول إن لديه أرصدة في المصرف التجاري والبنك الإسلامي، لكن السحب محدد بسقف 500 ألف ليرة (39 دولارا تقريبا)، لذا لم يعد بإمكانه دفع أجور جميع العمال، الأمر الذي اضطره إلى تسريح 10 منهم بشكل مؤقت الأسبوع الماضي، مضيفا أن ثمة إمكانية لتسديد الفواتير عبر التحويلات البنكية.

وقال مصدر في المصرف الدولي للتجارة والتمويل في دمشق للجزيرة نت إن البنوك متوقفة عن إصدار الاعتمادات البنكية وتقديم القروض، وتعمل فقط على تسيير عمليات السحب والإيداع.

وأضاف المصدر -الذي رفض نشر اسمه- أن البنوك تحصل على النقد من المصرف المركزي، لكن المركزي اليوم يتبع سياسة حبس السيولة، ولذا فإن سقف السحب منخفض، لأنه مرتبط بالنقد المتوفر.

تذبذب سعر الصرف

أما عن أثر تذبذب سعر صرف الليرة على تجارته، فيؤكد فادي الأمير، صاحب متجر عالم الحجر في منطقة الأزبكية في دمشق، أن له أثرا كبيرا، قائلا: "قد يأتيني زبون ويطلب 100 متر من الحجر، ويعطيني عربونا، لكن ريثما أنهي عملية القصّ والتحضير التي تحتاج إلى 20 يوما، يكون سعر الصرف اختلف، وبالتالي ارتفعت كلفة البضاعة، لكن الزبون يسدد لي حسب السعر المتفق عليه، مما قد يعرضني للخسارة".

إعلان

ويضيف صاحب متجر عالم الحجر في منطقة الأزبكية في حديث للجزيرة نت: "نضطر اليوم إلى بيع بضائعنا بخسارة بعد انتشار البضائع التركية في الأسواق، والتي هي أرخص من المنتج الوطني، فقطعة الرخام في المتجر لدي كلفتها بين 70 و80 دولارا، لكنها اليوم متوفرة في السوق بسعر 25 دولارا".

وبينما يعمل عدد من الصناعيين والتجار في بيئة غير مستقرة، وظروف اقتصادية متغيرة وسط تراجع قدرتهم على المنافسة أمام المنتجات المستوردة، ثمة قطاعات تجارية لم تتأثر بشكل مباشر بهذه التغييرات.

ويقول محمود هاشم، صاحب وكالة لبيع الأجهزة الكهربائية المنزلية، للجزيرة نت: "سوقنا لا يزال متعبا، والمبيعات شبه متوقفة، ولا يوجد فائض مالي لنودعه في البنوك، وأنا تاجر موزّع لا أحتاج إلى اعتمادات بنكية".

ويضيف: "أما بالنسبة لسعر الصرف وتقلباته فأنا اشتري بضاعتي بالدولار وأضع لنفسي هامش ربح بسيطا، وبالرغم من أننا نعتمد على تسعيرة الدولار في السوق الموازي، فإن هذا لا يعني الخسارة عند البيع في حالتي، لأني حتى لو قبضت من الزبون بالعملة السورية أسارع إلى تحويل المبلغ لعملة أجنبية بما يحفظ قيمته بهذه العملة".

ويشير هاشم إلى أن الشركات الكبرى في سوريا تضع سقف حماية لسعر منتجها بالعملة السورية، الأمر الذي يضمن لها ربحا ثابتا في حال حدوث أي تذبذب بسعر صرف العملة.

مصرف سوريا المركزي يحدد سقف منخفض للسحب النقدي لقلة السيولة (رويترز) آثار عديدة

يقول الخبير الاقتصادي السوري يونس الكريم إن توقف الاعتمادات البنكية وصعوبة سحب السيولة من البنوك يدفع التجار والصناعيين في سوريا إلى استبدال أموالهم الخاصة (من العملات الأجنبية أو المحتجزة بالبنوك) في السوق.

لكن المشكلة أن هذه الأموال تُصرّف بسعر أقل بنسبة 40% عن النشرة الرسمية، مما يجبر التجار والصناعيين على تعويض خسائرهم عبر رفع الأسعار، مما يؤدي في النهاية إلى تحميل المستهلك هذه التكاليف الإضافية.

إعلان

وحسب كريم، فإن غياب القروض المصرفية أدى إلى ارتفاع التكاليف، فعادة ما يحصل التجار على قروض قصيرة الأجل من البنوك لشراء السلع، مما يساعدهم في تخفيض التكاليف، لكن توقف هذه القروض في الآونة الأخيرة أجبر التجار على تمويل عملياتهم من أموالهم الخاصة أو الاستدانة من بعضهم بعضا، كما أن عدم توفر القروض يعني عدم قدرة التجار والصناعيين على شراء السلع مباشرة، مما يؤدي إلى توقف بعض المعامل أو ارتفاع الأسعار.

ويلخص الكريم آثار توقف بعض خدمات البنوك على التجارة الداخلية في سوريا في ما يلي:

عدم السماح للتجار بسحب أموالهم مما يعوق دفع الرواتب والأجور. عدم القدرة على سداد قيمة المشتريات، خاصة المشتريات الداخلية التي تتعامل بالليرة السورية، وهذا من شأنه أن يعوق استمرار أعمالهم. عدم القدرة على تقديم تسهيلات ائتمانية لبعض التجار بسبب نقص السيولة، مما يؤثر على عمليات البيع والشراء. تراجع الثقة في النظام المصرفي، الأمر الذي يدفع التجار إلى الاحتفاظ بأموالهم خارج البنوك، مما يؤدي إلى نقص السيولة في الجهاز المصرفي، ويجبر الحكومة على طباعة مزيد من الأموال، الأمر الذي يسهم في انخفاض قيمة العملة.

 

منافسة غير عادلة

وتشكل البضائع الأجنبية المستوردة مؤخرا والمنتشرة في الأسواق السورية تحديا مضافا للصناعيين والتجار.

وفي هذا الصدد، يقول الكريم إن وجود هذه البضائع في السوق السورية طبيعي بسبب "عدم قدرة الإنتاج المحلي على تغطية احتياجات السوق. لكن عمليات الاستيراد تمت بطريقة أضرت بالاقتصاد".

ويضيف: "رافقت هذه العمليات تصريحات حكومية تشجع على التخلي عن القطاع الحكومي، مما يعني أن الاستيراد يتم من دون دعم من مؤسسات الدولة أو البنوك. كما أن الاستيراد يركّز على السلع الفاخرة مثل السيارات، مما استنزف الدولار من السوق وأدى إلى ضغط إضافي على الاقتصاد".

ويوضح أن الاستيراد العشوائي أدى إلى منافسة غير عادلة للصناعيين المحليين، خاصة في قطاع الملابس، إذ تُفرض الرسوم الجمركية نفسها على الأقمشة المستوردة وعلى الملابس الجاهزة، مما يجعل الإنتاج المحلي أقل تنافسية.

إعلان

وأدى ذلك إلى امتناع التجار عن استيراد السلع الأساسية التي يحتاجها السوق، لأن أرباحها صغيرة وتحتاج لسيولة كبيرة، فلا أحد يستورد المنتجات الغذائية "على اعتبار أنه لا يوجد عمال، ولا يوجد موظفون، وأن القدرة الشرائية منعدمة".

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات سعر صرف اللیرة فی الأسواق للجزیرة نت الأمر الذی فی السوق فی سوریا

إقرأ أيضاً:

«المركزي»: بيع سندات حكومية يحقق 68% من السيولة المستهدفة

كشفت بيانات رسمية منشورة على الموقع الرسمي للبنك المركزي، عن نجاح الدولة المصرية في بيع سندات حكومية بعائد ثابت، وحققت مبالغ مالية جرى جمعها بنسبة 68% من إجمالي السيولة المستهدف جمعها.

قيمة السندات وصل إلى 7.15 مليار جنيه

وفقا لبيانات البنك المركزي، فإنَّه جرى بيع سندات حكومية بعائد ثابت وآجل عامين و3 سنوات، وذلك بالنيابة عن وزارة المالية، بقيمة 7.15 مليار جنيه أي ما يعادل 68% من السيولة المستهدف جمعها والبالغة 10.5 مليار جنيه.

وأوضحت البيانات أن العطاء الذي تم تنفيذه على السندات الحكومية جرى الاثنين، ذلك وسط طلبات من المستثمرين برفع أسعار العائد على السندات.

متوسط سعر العائد على السندات

وأشار «المركزي»، إلى أنَّ تكلفة متوسط سعر العائد على السندات لآجل عامين واصل الارتفاع بالعطاء ليصل لـ23.3%، مقارنة بـ23.04% خلال العطاء السابق.

وسجل متوسط سعر العائد على السندات بعائد ثابت وآجل 3 سنوات نموا، ليصل إلى 21.58% بالعطاء، مقارنة بعائد 21.36% في العطاء السابق.

قيمة عروض الشراء من المستثمرين على السندات

يشار إلى تقديم المستثمرين طلبات شراء على السندات بلغ إجمالي قيمتها 22.32 مليار جنيه، وآجالها عامين و3 سنوات والعائد 35% و36%، بالترتيب.

مقالات مشابهة

  • وزير البريد يُسدي تعليمات هامة حول السيولة والأنترنت 
  • مجلس التجديد الاقتصادي يطلق مبادرة خفض الأسعار خلال شهر رمضان
  • ضبط مئات الحقن الطبية في مطار بغداد الدولي مخالفة لشروط الاستيراد
  • إجتماع عمل لعرض المشروع التمهيدي لقانون تموين وضبط السوق الوطنية
  • قطاع التجارة السوري يعاني من حبس السيولة
  • ملتقى بتركيا يدفع نحو تدفق الاستثمارات إلى سوريا
  • «المركزي»: بيع سندات حكومية يحقق 68% من السيولة المستهدفة
  • مجلس المنافسة: الوسطاء يرفعون الأسعار
  • بنك المغرب يعلن إطلاق السوق الآجلة بين البنوك لعقود مبادلات أسعار الصرف والفائدة