رباح الصادق المهدي: ميتة وخراب ديار
تاريخ النشر: 20th, February 2025 GMT
1/ أما الميتة فهي دق مسامير نعش وحدة السودان في نيروبي، ١٨ فبراير ٢٠٢٤م.
السودان الذي أهرق أجدادنا الدماء في تثبيت وحدته، وبعضهم كما روى لي بعض أحفاد السلطان دوسة سلطان الزغاوة، حددوا بقبورهم حدود السودان في معارك وطنية ضد المحتل، رسموا حدود السودان بدمائهم حرفيا. ويمكن للمستزيد أن يراجع الدكتور عبد الحليم عيسى تيمان Abdelhalim Eisa Timan.
قرأت في كتاب (الإرث الشعبي لقبيلة التعايشة) للفولكلوري المجد فرح عيسى رحمه الله أن التعايشة أخذوا على خليفة المهدي أنه حينما أتوا له بنسبهم العربي مكتوبا ليردوا على تفاخرات القبائل النيلية أخذ الوثيقة ورماها في البحر (النيل) وقال لهم ماذا تريدون من النسب القبلي أنا أمكم وابوكم المهدي، أي أن الرباط العقدي والقومي الجديد لا يقوم على قبيلة،
بينما خطاب نيروبي كان موغلا في إحلال سودان جديد تنقلب فيه الموازين القبلية وتصير قبائل معينة هي العليا، مما يهزم الرسالة التي قامت عليها أول حركة قومية سودانية بتعبير الكاتب البريطاني فيرغس نيكول في كتابه (المهدية سيف النبي) وكانت تسعى لتخلق قومية موحدة لوجدان السودانيين على النحو الذي نظر له المهدي وخليفته عليهما السلام ووصفه روبرت كريمر في كتابه (أم درمان مدينة مقدسة على النيل) حيث كانت القرابة لدى أولئك القوم لا تعني قرابة الدم بل العقيدة والروح..
دك القوم في نيروبي رسميا تلك الأحلام.
ودشنوا الانقسام الثاني للسودان إذا لم يتدارك الناس هذا المخطط ويجهضونه لصالح سودان موحد عادل ينهي المظالم التاريخية ويبنى على المضيء في تجربتنا السابقة ويصحح أخطائها،، بعيدا عن شعار مؤتمر نيروبي العدمي (سودان جديد يتقدم، سودان قديم يتحطم) فالسودان الذي يحاك نسجه الآن ليس جديدا، هو فقط (عفريتة) للمظالم لا تعديلا للصورة.
2/
أما خراب الديار، علاوة على تنصيب المخرب الاول بحسب سجلات انتهاكات الحرب المعتمدة، ومحاولة شرعنته إقليميا ودوليا، فهو التعامل المكشوف مع أسرة دقلو والاشتراك معها في حكومة، وثلاثة منها (عبد الرحيم ومحمد والقوني حمدان دقلو) فرضت عليهم عقوبات دولية أمريكية وكندية واوربية مختلفة. كان المقرر أن يكون التعامل معهم محصورا في الوصول إلى حل وليس التحالف معهم أو الدخول في معاملات مالية أو إدارية.
ولكن تبرع السيد اللواء برمة في كلمته امام مؤتمر نيروبي بالقول:
(والشكر موصول للأخ عبد الرحيم الذي استجاب لطلب الأخ الحلو ووفر كل الإمكانيات لنقل اخواننا في الحركة الشعبية في مجاهل كردفان .. وفر كل وسائل المواصلات حتى إن شاء الله يتمكنوا من المجيء في الوقت المناسب).
هذا مع وجود عقوبات أمريكية على عبدالرحيم دقلو فرضت في (٦/٩/٢٠٢٣) بسبب علاقته بالانتهاكات في الحرب ضد المدنيين (شملت أعمال عنف وانتهاكات لحقوق الانسان ومذابح للمدنيين وقتل عنصري وعنف جنسي).
تضم العقوبات على عبد الرحيم والدعم السريع:
..”أن المؤسسات المالية والأشخاص الآخرين الذين يشاركون في معاملات أو أنشطة معينة مع الكيانات والأفراد الخاضعين للعقوبات قد يعرضون أنفسهم للعقوبات، أو يخضعون لإجراءات إنفاذ”.
والحظر المفروض يشمل “تقديم أي مساهمة أو توفير أموال أو سلع أو خدمات من قبل أي شخص محدد أو إليه أو لصالحه، أو تلقي أي مساهمة أو توفير أموال أو سلع أو خدمات من
أي شخص من هذا القبيل”.
وقد اعلن اللواء فضل الله ان عبد الرحيم مول ترحيل الحركة الشعبية جناح الحلو. كما أنه ومن معه أعلنوا في المؤتمر عن تحالف جديد يضمهم مفهوم أن للدعم السريع علاقة بتمويله وكذا بتنظيمه إذ شكر اللواء فضل الله عبد الرحيم كذلك على موافقته أن يتأخر التوقيع على الميثاق حتى يوم ٢١ فبراير…
وبذلك يتعرض المشاركون في هذا المؤتمر للعقوبات الامريكية باعتبارهم مسؤولين عن انتهاكات واغتصابات وقتل الدعم السريع للمدنيين على أسس إثنية..
وهذا هو خراب الديار..
وكونها ميتة وخراب ديار لا تكفي في وصف الحالة، إذ تستتبع كذلك الارتباط بالانتهاكات الوحشية وحمل وزر تقسيم بلد أهرقت في وحدته دماء عزيزة.
مرفق الرابط عن تفاصيل العقوبات في لينك الخبر.
ملحوظة: المتعاملون ماليا وإداريا مع الجهات الخاضعة لعقوبات في بورتسودان ومنهم البرهان يعرضون أنفسهم كذلك للعقوبات، ولم أذكرهم في متن المقال لأنه ولله الحمد لم يشترك أيا من دستوريي حزب الأمة القومي في حكومة بورتسودان أو يدخلوا في تعامل يعرضهم للعقوبات.
رباح الصادق
إنضم لقناة النيلين على واتسابالمصدر: موقع النيلين
كلمات دلالية: عبد الرحیم
إقرأ أيضاً:
سهيل بن عمرو.. خطيب قريش الذي تحول إلى داعية للإسلام
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
في بدايات الدعوة الإسلامية، وقفت قريش بكل قوتها ضد النبي محمد ﷺ، وكان من بين رجالها أشد المعادين للإسلام، أبو سفيان بن حرب، وصفوان بن أمية، وعكرمة بن أبي جهل، وسهيل بن عمرو، وقد استخدم هؤلاء نفوذهم وقوتهم لمعارضة الدين الجديد، ولكن رغم عدائهم الشديد، لم يقابلهم النبي ﷺ إلا بالحلم والرحمة، وعند فتح مكة عام 8 هـ، أعلن العفو العام عنهم، فكان لهذا الموقف النبيل أثر بالغ في نفوسهم، فدخلوا في الإسلام بصدق، وتحولوا إلى مدافعين عنه، مشاركين في الفتوحات ونشر الدين الذي حاربوه يومًا.
وكان سهيل بن عمرو أحد أبرز زعماء قريش وخطبائها المفوهين، اشتهر بقوة منطقه وحكمته، وكان من أشد المعارضين للإسلام في بداياته، وكان دوره السياسي والاجتماعي في قريش كبيرًا، حيث مثلها في العديد من المواقف، وأهمها صلح الحديبية، الذي جرى بين المسلمين وقريش عام 6 هـ.
سهيل بن عمرو قبل الإسلامكان سهيل بن عمرو من أشراف قريش، وعُرف ببلاغته وفصاحته، مما جعله المتحدث الرسمي باسم قريش في كثير من المحافل، وكان شديد العداء للإسلام، ووقف في وجه الدعوة بكل ما أوتي من قوة، مستخدمًا لسانه وسلطته لمعارضة النبي محمد ﷺ.
وكان أحد أبرز أدواره قبل إسلامه، في صلح الحديبية، حيث جاء مندوبًا عن قريش للتفاوض مع النبي ﷺ، وكان هو من أصر على حذف عبارة "رسول الله" من الوثيقة، واستبدالها بـ"محمد بن عبد الله"، وهو ما أثار اعتراض الصحابة، لكن النبي ﷺ وافق من أجل تحقيق المصلحة الكبرى، كما كان لسهيل دور في إقناع قريش بالتصدي للإسلام في مراحله الأولى.
إسلام ولديه قبله: عبد الله وأبو جندلورغم معاداة سهيل للإسلام، إلا أن ولديه عبد الله وأبو جندل أسلما قبله، وكانا من أوائل المؤمنين بالدعوة، وقد تعرض أبو جندل لتعذيب شديد من قريش، وأبقاه والده سجينًا لفترة طويلة لمنعه من اللحاق بالمسلمين، وعند صلح الحديبية، حاول الهروب والانضمام للمسلمين، لكنه أُعيد إلى قريش وفقًا لشروط الصلح، مما أثار حزن الصحابة، لكن النبي ﷺ وعده بأن الفرج قريب، وقد فرّ أبو جندل لاحقًا ولجأ إلى منطقة الساحل، حيث انضم إليه بعض المسلمين المضطهدين، حتى انتهى الأمر باندماجهم في صفوف المسلمين بعد فتح مكة.
إسلام سهيل بن عمرو بعد الفتحبعد فتح مكة عام 8 هـ، خشي سهيل على نفسه من انتقام المسلمين بسبب موقفه السابق وما ناله من رسول الله بلسانه، لكنه وجد أن النبي ﷺ قد أعلن العفو العام، فتأثر بموقفه وأسلم بعد تفكير عميق، وكان إسلام سهيل تحولًا حقيقيًا، حيث أصبح من أكثر الصحابة إخلاصًا، وساهم في نشر الإسلام والدفاع عنه.
سهيل بعد الإسلام: دور جديد في الدعوةبعد فتح مكة، خشي بعض الصحابة من مكر قريش، وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه من بين هؤلاء، خاصة تجاه سهيل بن عمرو، الذي كان من أشد المعادين للإسلام، فقال عمر للنبي ﷺ: "دعني أنزع ثنيتيه فلا يقوم عليك خطيبًا بعد اليوم"، أي حتى لا يستطيع التحريض ضد المسلمين كما كان يفعل سابقًا، لكن النبي ﷺ رفض وقال: "دعه يا عمر، فلعله يقف موقفًا يسرك". وبالفعل، بعد وفاة النبي ﷺ، عندما كاد بعض أهل مكة يرتدون، وقف سهيل خطيبًا، بثبات وقوة، يدعوهم للتمسك بالإسلام، فكان موقفه مشرفًا كما توقع النبي ﷺ، فبعد إسلامه، بدأ سهيل يعمل على تعويض ما فاته، فكان من الذين ثبّتوا أهل مكة على الإسلام بعد وفاة النبي ﷺ، عندما كاد بعضهم يرتدّ، وقد خطب فيهم ببلاغته المعهودة، مؤكدًا أن الإسلام ليس مرتبطًا بشخص النبي ﷺ، بل هو دين الله.
كما شارك سهيل في الفتوحات الإسلامية، وكان له دور بارز في معركة اليرموك ضد الروم، حيث قاتل بشجاعة، رغم تقدمه في السن، وعاش بعد ذلك بقية حياته في العبادة والجهاد، حتى توفي في الشام، تاركًا إرثًا من البلاغة والجهاد في سبيل الله.