رسائل ترمب للعرب من قرار التهجير.. هل تُمررها الأنظمة والشعوب؟!
تاريخ النشر: 20th, February 2025 GMT
أحمد عبدالله الرازحي
هناك مثل عربي شهير يقول: “خوّفه بالموت يقبل بالحمى” وهكذا تبدو بعض الأمور والأحداث مشابهة ومطابقةٍ تمامًا عندما تُريد فرض قرار ما أطلب فرض قرارات أكبر من القرار الذي تُريد فرضه وهذا هو الأُسلُـوب الأمريكي الحديث مع صعود ترمب.
هنا نريد التطرق لحديث ترمب وقراره الذي يهذي به ويريد تطبيقه وهو تهجير أبناء غزة كما قال سابقًا بدواع إنسانية، ثم تحدث بعدها يقول إنه يمكن شراء غزة!! وممن يشتريها!؟ ثم بعدها يقول إنه لا يوجد في غزة ما يمكن شراؤه ويجب تهجيرهم بطريقة همجية لم يسبق لها في التأريخ مثيل…
بهذا التصريحات غير المسؤولة والتي هي بعيدة حتى عن استيعاب المنطق لها يُريد ترمب من خلف هذه التصريحات والتهديدات فرض قرارات أُخرى يمكن أن نتحدث عن بعضها بأُسلُـوب مُختصر:
أولًا: إيصال فكرة أن احتلال غزة بقية فلسطين واردة وأن هذه البداية فهذا مشروع يجري العمل عليه منذُ تأسيس الكيان الإسرائيلي الصهيوني وإنما تختلف قرارات واشنطن من رئيس إلى آخر، ويبدو أن ترمب لم يسبقه أحد في الهمجية والاستفزاز المارق جِـدًّا عن القوانين والأعراف الدولية وحقوق الإنسان وأن “إسرائيل” يجب أن تهيمن على فلسطين وتتوسع فهي قطعة صغيرة في منطقة الشرق الأوسط التي تبدو كمكتب ترمب بينما “إسرائيل” تبدو كالقلم على رف مكتبه هكذا يصفها ترمب، وهذا يوضح أن الاحتلال لديه أهداف يعمل عليها وسيحتل ليس غزة فقط وإنما سيشمل المنطقة العربية إذَا لم تتحَرّك الدول والشعوب العربية لإخراس هذا المجنون والصمود ومواجهة مشروع أمركة المنطقة العربية والإسلامية.
ثانيًا: إعادة أمريكا إلى الواجهة مجدّدًا في ظل أفولها وتغيبها أمام الحضور الروسي الصيني في المنطقة سواءً في الجانب الاقتصادي أَو السياسي فلدى هذين القطبين علاقات جيدة ومميزة مع معظم دولنا العربية والإسلامية بل ودول العالم، بينما هناك رفض وعدم تقبل للأمريكي ومشاريعه التخريبية والاستعمارية للمنطقة والعالم أجمع فهذا الأُسلُـوب الاستفزازي لن يجعل من أمريكا المتهالكة قوة عظمى مجدّدًا فقد فات الأوان وتكشف الزيف واتضحت الحقائق للشعوب..
ثالثًا: إذَا لم ينجح قرار التهجير لأبناء غزة وبالتأكيد لن ينجح ولن يمُر، أراد ترمب أن يُوصل للدول أن مواجهة والتصدي لـ “إسرائيل” هو مواجهة وتصد لأمريكا وهذا ما غُيب في الفترة الأخيرة والدور البارز هو لمحور المقاومة والواقف في وجه مشروع أمريكا و”إسرائيل” وإنما توسع وازداد قوة وأشعل جذوة الشعوب وجعلها تتوق للحرية واليمن مثل شاهداً وحاضراً حقيقيًّا في مناهضة أمريكا و”إسرائيل” ومشاريعهم في تهجير غزة واحتلال فلسطين..
رابعًا: وهو المؤكّـد أن يدفع ملوك العرب والأنظمة الخانعة والمطبعة إلى بناء غزة وبناء “إسرائيل” المحتلّة وتعويضها ودفع المليارات للمحتلّ والكيان الإسرائيلي الغاصب للأراضي الفلسطينية، وهذا مثال بسيط إذَا دفعت الأنظمة وملوك العرب ١٠ مليارات دولار لفلسطين فستدفع مرغمة ومُجبرة لدفع أكثر من ١٠٠ مليار دولار للكيان الإسرائيلي وهذا كأقل تقدير..
المؤكّـد أن كُـلّ ما يعمل عليه ترمب ومشروع الصهاينة في احتلال غزة وضم الضفة الغربية وتهجير أبناء غزة فإن هذه المشاريع ولدت ميتة؛ لأَنَّها وجدت في الوقت الذي يقاوم فيه أبناء فلسطين وهم الأحق والأكثر تأثيراً في إفشال هذا المشروع، وَأَيْـضًا وجود محور المقاومة الرافض لتهجير أبناء غزة واحتلال فلسطين فالقضية واحدة من اليمن إلى العراق ولبنان وفلسطين، وأجزم أنه لو لم يكن مع فلسطين إلا اليمن بدوره الكبير والبارز والمؤثر في نصر أبناء فلسطين والوقوف معهم فدور اليمن كفيل بإفشال مشروع التهجير والاحتلال لغزة والضفة، والدور اليمني معروف على مدى ١٥ شهرًا بإسناده لغزة والوقوف مع فلسطين حتى يومنا هذا؛ فاليمن حاضر في الميدان والأيدي على الزناد والصواريخ الفرط صوتية مُشرعة والمُسيّرات في كُـلّ جبال وشواطئ اليمن تنتظر الإشارة من القائد اليمني العظيم، الذي بدوره يُنادى من إخوته القادة في كتائب القسام والفصائل الفلسطينية، وأعتقد أن الأيّام بلا شك حافلة بالمفاجآت، واليمن هو صانع المستقبل للمنطقة وسيكون المُحرّر للقضية الفلسطينية، وما ذلك ببعيد.
المصدر: يمانيون
كلمات دلالية: أبناء غزة
إقرأ أيضاً:
الإغواء المتبادل بين ترمب وبوتين
المكالمة الهاتفية بين الرئيسَين الأميركي والروسي، دونالد ترمب وفلاديمير بوتين، بشأن أوكرانيا اكتسبت أهميةً جدليةً واسعةً بين الترحيب والرفض والاستنكار بفعل شخصية ترمب، وما جسَّدته من تحولات خطيرة وغير مسبوقة في السياسات الأميركية تعيد تعريف موازين القوى الإقليمية والدولية معاً. سياسات تتميز بقطيعة واضحة مع التقاليد الأميركية التي لطالما زعمت أنها ترتبط بالدفاع عن القيم الليبرالية العالمية، مثل الديمقراطية وحقوق الإنسان، لصالح نهج قائم على المصالح الاقتصادية المباشرة، حتى وإن كان ذلك على حساب استقرار النظام الدولي.
على الرغم من أن هذه المكاملة تسعى إلى وقف الحرب الأوكرانية، وهو مطلب لا خلاف بشأنه، فإن مضمونها الذي وصل إلى الإعلام يُشكِّل مصدر قلق لمنطقة الشرق الأوسط في هذه المرحلة التي تختلط فيها نتائج ما رست عليه الحرب في غزة ولبنان، والحدث السوري الشديد الأهمية، مع ما بدأ يحضّر لمواصلة المرحلة الثانية منها لاستكمال النتائج، واستهداف إيران، حسبما يرشح من تهديدات ترمب وتصلب مواقف طهران في أكثر من مكان وفي تصريحات قادتها.
مصدر القلق بالمنطقة، خصوصاً لدى الفلسطينيين، أن مكالمة ترمب وبوتين ساوت بين المعتدي والمعتدى عليه في أوكرانيا، ما يحاكي موقف ترمب من غزة، ناقلاً الضوء البرتقالي الذي أعطته إدارة جو بايدن لبنيامين نتنياهو للقضاء على «حماس» وطوقته بالوقت نفسه بضرورة السير بحل الدولتين سبيلاً وحيداً للسلام، إلى ضوء أخضر فاقع نسف هذا الحل من أساسه ليصل إلى تهجير الفلسطينيين من القطاع برؤية صفقاتية مقيتة اسمها سلام «الريفييرا». تجددت الحرب الشعواء على غزة وطالت سوريا وربما لبنان في إطار انتهاج سياسة تفكيك الاجتماع لصالح تحالف الأقليات وغير ذلك من المشاريع الانتحارية. الموقف الأميركي غير المسبوق تجاه أوكرانيا تعدّه قوى أميركية رئيسة خيانةً للقيم التي وسمت السياسة الأميركية منذ انتهاء الحربَين العالميَّتين، وهي الدفاع عن الحرية ضد الطغيان.
يصعب فهم موقف ترمب من بوتين بشأن أوكرانيا وتوقيته، والذي يعدّ بمثابة هدية لروسيا دون مبرر سياسي ولا حتى تفاوضي لإنهاء الحرب، لا سيما أن روسيا ورغم سيطرتها على مناطق واسعة من أوكرانيا، تعدّ بكل المعايير أنها خسرت الحرب أمام دولة صغرى كبَّدتها مئات آلاف من الضحايا وآلاف الدبابات والآليات العسكرية حتى عدّها كثيرون قوةً إقليميةً كبرى. لماذا يريد ترمب دخول مفاوضات رامياً كل الأوراق الرابحة؟ ما الهدف من إبعاد الحلفاء الأوروبيين عن المفاوضات مع بوتين، الذين قدَّموا مجتمعين مليارات الدولارات والمعدات الحربية والدعم للاجئين الأوكرانيين، أكثر مما قدَّمته أميركا رغم ما يعلنه ترمب، وما زالوا على تصميمهم الدفاع عن أوكرانيا؟ لماذا عدم الإفادة من الاندفاعة الأوروبية لتدعيم قوة بلاده؟
التقارب بين ترمب وفلاديمير بوتين قد يفتح المجال أمام تفاهمات ضمنية بين موسكو وواشنطن حول إعادة توزيع النفوذ في مناطق التوتر، لا سيما في الشرق الأوسط، تظهرها رسالة بوتين للرئيس السوري. روسيا، التي لطالما صعّدت خطابها ضد التمدد الأطلسي، وجدت في ابتعاد واشنطن عن الغرب فرصةً تاريخيةً لإعادة فرض نفوذها التقليدي في مناطق مثل أوكرانيا بعد أن قضمت القرم، بحجة أن أميركا نفسها لا تحترم سيادة الدول، كما ظهر من خلال رغبة ترمب في ضم كندا أو السعي للسيطرة على غرينلاند وقناة بنما.
يصعب توقع سياسات ترمب، ولا يمكن وصفه والمجموعة المحيطة به بالعقائديين، بل هم أقرب لحركة شعبوية غير متدينة رغم ادعائهم التدين. لديهم مروحة من آراء وأفكار في الاقتصاد والأعمال والأخلاق والاجتماع يترجمونها مواقف سياسية. من أخطر ما يقوم به ترمب اليوم هو ضرب جوهر «العقيدة الأميركية التقليدية» التي تقوم على مزيج من الدفاع عن الديمقراطية الليبرالية، والالتزام بتحالفات استراتيجية مثل «الناتو»، ودعم النظام الدولي القائم على القواعد والمؤسسات، واحترام السيادة الوطنية للدول الأخرى بتحويله الأولوية إلى الصفقات قصيرة الأمد والمصالح التجارية البحتة. يفرّغ ترمب هذه العقيدة من مضمونها، ولا يفتح فقط المجال أمام القوى الاستبدادية لإعادة رسم حدود النفوذ بالعالم، بل ينذر بتمدد حالة «التوحش» إلى الداخل الأميركي نفسه، حيث تنمو الاستقطابات على أنقاض الديمقراطية التي لطالما وحَّدت الأميركيين في لحظات الخطر.
ملامح ما سوف يحصل في أوكرانيا مؤشرات لمستقبل الخريطة السياسية والأمنية لمنطقتنا التي باتت متروكة بعد اقتراب الموقف الروسي، حليف إيران الاستراتيجي والحليف التقليدي للعرب، من الأميركي بشأن «ألا تكون إيران في وضع يسمح لها بتدمير إسرائيل». ما يجعل السؤال مشروعاً عن الموقف الروسي من فلسطين وحقوق الفلسطينيين وممارسات إسرائيل المريبة والمخربة في لبنان وسوريا.
مهما بلغ التطابق الأميركي – الإسرائيلي، والتفاهمات الأميركية - الروسية حول الشرق الأوسط، ينبغي أن تبقى الخطوط الحمر العربية صامدة: «لا تهجير من غزة»، و«حل الدولتين سبيل السلام الدائم والشامل»، ومن دونه سيبقى سلام بوتين وترمب الذي وصفاه بأنه يستجلب استثمارات كبيرة، بعيد المنال.