في تسعينيات القرن الماضي وفي ظل انتشار موجة المفاوضات بين العدو الصهيوني وبعض الدول العربية بعد حرب الخليج الثانية وعقد مؤتمر مدريد للسلام، أطلق الإمام الراحل الشيخ محمد مهدي شمس الدين رؤية متكاملة لمواجهة تداعيات تلك المرحلة تحت عنوان: بين ضرورات الأنظمة وخيارات الأمة.

وتضمنت تلك الرؤية، التي قدمها الإمام شمس الدين خلال محاضرة له في دار الندوة في بيروت ومن ثم نُشرت في كتاب خاص، محاولة من أجل التوفيق بين حاجة الأنظمة العربية آنذاك للتفاوض مع العدو الصهيوني بعد حرب الخليج الثانية والضغوط الأمريكية لفرض السلام، وبين حاجة الأمة لمقاومة المشروع الصهيوني وحماية القضية الفلسطينية دون أن يؤدي الاختلاف بين ضرورات الأنظمة وخيارات الأمة إلى الصدام بين الأنظمة والجماهير أو قوى المقاومة.



وإضافة إلى إيجاد علاقة متكاملة بين الأنظمة والأمة لمواجهة مختلف التحديات، دعا الإمام شمس الدين في هذه الدراسة إلى التصالح بين مختلف التيارات القومية واليسارية والإسلامية والليبرالية لمواجهة مختلف التحديات ووقف الصدام بين قوى الأمة، وهذه الرؤية كانت المدخل لإطلاق المصالحة بين التيار القومي والتيار الإسلامي، والتي تبناها لاحقا مركز دراسات الوحدة العربية برئاسة المفكر الراحل الدكتور خير الدين حسيب ولاحقا المؤتمر القومي العربي، وتم عقد المؤتمر القومي- الإسلامي المستمر إلى اليوم.

نستعيد اليوم هذه الرؤية التي أطلقها الإمام الشيخ محمد مهدي شمس الدين في تسعينيات القرن الماضي في ظل التحديات التي تواجهها الأمة العربية والإسلامية اليوم بشكل عام والقضية الفلسطينية بشكل خاص، ولا سيما بعد الدعوة التي أطلقها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من أجل تهجير أبناء قطاع غزة إلى مناطق أخرى وخصوصا مصر والأردن، بحجة إعادة إعمار القطاع، وكذلك الدعوة التي أطلقها رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو لإقامة دولة فلسطينية على الأراضي السعودية كبديل عن الدولة الفلسطينية على الأراضي الفلسطينية ضمن مشروع حل الدولتين، ويضاف إلى ذلك ما يطرحه نتنياهو من إقامة نظام شرق أوسط جديد وتهجير أبناء الضفة الغربية وتوجيه ضربة عسكرية لإيران، إضافة لاستمرار الحرب على لبنان، وما تتعرض له سوريا من مخاطر وتحديات، كذلك الأزمات التي تصيب أكثر من دولة عربية وإسلامية.

نحن إذن امام تحديات ومخاطر كبرى تطال الدول العربية والإسلامية، وقد دعت بعض الدول العربية لعقد قمة مصغرة في مصر تمهيدا لعقد قمة عربية طارئة لبحث كل التطورات والتحديات.

لكن إذا كانت الدول العربية والإسلامية قد تعتمد بعض السياسات والخطط الرسمية من أجل مواجهة مشروع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ورئيس الحكومة الاسرائيلية بنيامين نتنياهو، وهذه الخطط قد تعتمد الأسلوب الدبلوماسي أو السياسي، فإنه بموازاة ذلك فإن أمام الأمة العربية والإسلامية مسؤوليات كبرى لمواجهة هذه المخاطر الكبرى. وعندما نشير للأمة العربية والإسلامية فإنها تشمل قوى المقاومة ومختلف الأحزاب والتيارات والحركات الإسلامية والقومية واليسارية، إضافة للنخب الثقافية وللمفكرين والعلماء ومؤسسات المجتمع المدني والهيئات العلمائية والمرجعيات الدينية.

والأهم في رؤية الإمام الشيخ شمس الدين؛ التكامل بين ضرورات الأنظمة وخيارات الأمة، وإذا كانت هذه الرؤية قد شهدت نقاشات وانتقادات كثيرة عندما أطلقها الإمام شمس الدين في تسعينيات القرن الماضي، فإن هذه الرؤية مطلوبة اليوم من أجل مواجهة التحديات الجديدة مع تطويرها بما يتناسب المتغيرات والتحديات الحاصلة إقليميا ودوليا.

نحن اليوم بحاجة لرؤية متكاملة قادرة على مواجهة مختلف التحديات بعد أن نجحت معركة طوفان الأقصى في تقليص الخلافات والصراعات الحزبية والمذهبية، وأعادت التركيز على القضية الفلسطينية على الصعيد العربي والإسلامي والدولي، ورغم كل ما ادت إليه هذه الحرب من دمار وسقوط هذا العدد الكبير من الشهداء ورغم نتائج الحرب على لبنان وما أدت إليه من تحديات كبيرة، فإننا اليوم أمام مرحلة جديدة على صعيد القضية الفلسطينية والمطلوب التركيز على النقاط الإيجابية ومعالجة الثغرات التي برزت، والأهم أن ما يطرحه المسؤولون الأمريكيون والإسرائيليون من مشاريع وطروحات مستفزة لا ينال فقط قوى المقاومة، بل هو يستهدف الأنظمة العربية والإسلامية كلها والأمة كلها، وليس فقط القضية الفلسطينية.

ومن هنا أهمية العودة للرؤية التي طرحها الإمام الشيخ محمد مهدي شمس الدين أو غيرها من الطروحات القادرة على مواجهة مختلف التحديات والتي يمكن أن تجمع الأمة ولا تفرقها.

فهل تؤدي التحديات الجديدة إلى توحيد الأمة وتعاونها؟ أو سنظل غارقين في الصراعات والازمات وتضيع القضية الفلسطينية وتنهار الدول العربية والإسلامية أمام الجبروت الأمريكي والاسرائيلي؟

x.com/kassirkassem

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه العربية الأمريكية التحديات القومية الإسرائيلية الأزمات إسرائيل تحديات أمريكي أزمات حوار مقالات مقالات مقالات رياضة عالم الفن سياسة سياسة سياسة اقتصاد سياسة سياسة رياضة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة مواجهة مختلف التحدیات العربیة والإسلامیة القضیة الفلسطینیة الدول العربیة هذه الرؤیة شمس الدین من أجل

إقرأ أيضاً:

خبير إسرائيلي: اتفاق نووي أميركي إيراني يتشكل ونتنياهو ينتظر

حذر البروفيسور إيتان جلبوع -وهو أحد أبرز الخبراء الإسرائيليين في الشؤون الأميركية- من أن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو يواجه اليوم مأزقا إستراتيجيا فيما يتعلق بالملف النووي الإيراني بعدما تقلص مجال تأثيره على المفاوضات النووية الأميركية الإيرانية رغم ما يعتبره إنجازات إسرائيلية في تقويض النفوذ الإيراني بالمنطقة.

وكتب جلبوع -وهو باحث أول في مركز بيغن- السادات للدراسات الإستراتيجية في جامعة بار إيلان- في مقال بصحيفة معاريف أن نتنياهو لا يملك اليوم سوى الانتظار بصمت لنتائج المفاوضات بين إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب وإيران بعدما أصبح خارج دائرة التأثير على هذا المسار رغم اعتراضه الصريح عليه.

نفوذ مفقود

وأشار الباحث الإسرائيلي إلى أن المفاوضات التي أجراها ستيف ويتكوف مبعوث ترامب مع وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي أظهرت جدية متبادلة بين الطرفين، إذ قال ترامب آنذاك "نحن في وضع جيد جدا، ستكون هناك صفقة قريبا، أريد إنهاء هذا الملف من دون الحاجة إلى قصف إيران".

بدوره، عبّر عراقجي عن رضاه عن سرعة وتيرة التقدم، مؤكدا وجود إرادة متبادلة للتوصل إلى تفاهمات.

ووفقا لجلبوع، فإن هذه التصريحات تثير قلقا شديدا في مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي، فقد رفض نتنياهو تماما أي مفاوضات مع إيران، سواء تلك التي قادها الرئيس الديمقراطي باراك أوباما في السابق أو تلك التي باشر بها ترامب، ويعتقد أن طهران تستغل التفاوض فقط لكسب الوقت، وأن أي اتفاق يبرم سيبقي تحت يدها بنية تحتية نووية يمكن إعادة تشغيلها في أي وقت.

إعلان

ويرى نتنياهو -حسب المقال- أن السبيل الوحيد لوقف البرنامج النووي الإيراني هو عبر ضربة عسكرية مكثفة تدمر معظم المنشآت النووية، وبما أن إسرائيل لا تملك القدرة العسكرية الكافية لإحداث ضرر طويل المدى بمفردها فقد راهن على تدخل عسكري أميركي مباشر أو على الأقل بالتنسيق مع إسرائيل.

ويضيف الباحث والخبير الإسرائيلي أن نتنياهو أساء التقدير عندما ظن أن تهديدات ترامب باستخدام القوة -والتي ترافقت مع حشود عسكرية كبيرة في المنطقة- كانت جدية وتهدف فعلا إلى شن حرب على إيران، لكن الواقع أثبت لاحقا أن ترامب كان يهدف فقط إلى استخدام هذه التهديدات ورقة ضغط لدفع طهران إلى التفاوض.

ومع بدء المحادثات الفعلية حاول نتنياهو التأثير على مجرياتها، فأرسل رئيس الموساد ديفيد برنيع والوزير روني ديرمر إلى باريس للقاء ويتكوف لإقناعه بطرح مطلب "تفكيك كامل للبنية النووية الإيرانية"، وهو مطلب يدرك الجميع أنه سيُفشل المفاوضات، لكن الإدارة الأميركية تجاهلت هذه المواقف.

ويقول جلبوع إن نتنياهو بات عاجزا عن التأثير على مسار المفاوضات رغم أن نتائجها قد تكون حاسمة بالنسبة لأمن إسرائيل.

والمفارقة -حسب قوله- أن إيران اليوم أضعف من ذي قبل بعد أن فقدت الكثير من أذرعها العسكرية وقواعدها في سوريا ولبنان واليمن نتيجة الهجمات الإسرائيلية، لكن تلك "الفرصة الإستراتيجية" لا يمكن لنتنياهو استثمارها، لأنه لا يستطيع فرض أي شروط على المفاوضات.

ثمن الولاء لترامب

ويرى الباحث أن سبب العجز الحالي لنتنياهو هو أن رئيس الوزراء الإسرائيلي ربط نفسه سياسيا وشخصيا بترامب، واعتبره "أعظم أصدقاء إسرائيل" الذين مرّوا في البيت الأبيض، ولذلك لا يمكنه اليوم مهاجمة ترامب أو انتقاده علنا حتى عندما يتفاوض مع إيران ويقترب من توقيع اتفاق نووي.

وفي السابق، تمكن نتنياهو من الضغط على أوباما وبايدن عبر التحالف مع الجمهوريين في الكونغرس، أما اليوم فقد خسر الدعم الديمقراطي بسبب مواقفه الحادة، كما أن الجمهوريين باتوا تحت سيطرة ترامب، مما يعني أنه لا يوجد أي جناح سياسي في واشنطن يمكن لنتنياهو التحالف معه للضغط على الإدارة الأميركية.

إعلان

ويرى جلبوع أن ترامب رغم وصفه اتفاق أوباما النووي بأنه "الأسوأ في تاريخ الولايات المتحدة" سيسوّق أي اتفاق جديد مع إيران مهما كانت بنوده على أنه "الأفضل في التاريخ".

ويضيف أن الاتفاق المرتقب قد يشبه إلى حد كبير اتفاق أوباما، مما سيعني السماح لإيران بالحفاظ على بعض قدراتها النووية مقابل قيود مؤقتة وآلية رقابة دولية.

وفي ضوء كل هذه التطورات يلتزم نتنياهو الصمت ويتجنب المواجهة العلنية خوفا من تدمير علاقته مع ترامب، ولأنه لم يعد يملك أوراق ضغط داخل النظام السياسي الأميركي.

ويخلص الباحث الإسرائيلي إلى أن نتنياهو يقف اليوم في زاوية حرجة يشاهد فيها تطورات مصيرية دون أن يكون له دور فيها رغم أن عواقبها قد تكون بالغة الخطورة على إسرائيل.

مقالات مشابهة

  • التحديات التي تواجه اللاجئين السودانيين في مصر
  • السيد القائد يستنهض الأمة ويطلق صرخة الحرية في وجه مشاريع أخطبوط الشرّ الصهيوني
  • مدير عام قوات السجون يتفقد سجون ولاية نهر النيل ويتعهد بمعالجة كافة التحديات التي تواجه سجون الولاية
  • النائب حازم الجندى: عمال مصر وقود التقدم وشعلة الإنتاج في مواجهة التحديات
  • برشلونة..إرادة حديدية في مواجهة التحديات رغم كل الصعاب
  • خبير إسرائيلي: اتفاق نووي أميركي إيراني يتشكل ونتنياهو ينتظر
  • مفتي الجمهورية: الإمام البخاري أنموذج علمي فريد في تاريخ الأمة
  • مفتي الجمهورية: البخاري جمع بين الغيرة على الدين ودقة النقل وفهم الوحي
  • سفير كازاخستان: نقدر جهود شيخ الأزهر في نشر صحيح الدين وترسيخ ثقافة الأخوة والتعايش
  • محمد عيد: عمال مصر ركيزة الوطن وبناة المستقبل في مواجهة التحديات