■كل تلك الوجوه التي تسلقت سيقان البلاهة العجفاء اليوم في نيروبي ، جاءت لتكتب شهادة وفاة لمشروع بائس ، قميء الملامح ، باهت الوجه ، صفيق الجبين ، أبرز ما فيه إصفرار الموت ، لقد جمعوا له أصحاب العاهات السياسية ـالصدئة ونفايات الاحزاب المنبوذة ، وقطاع الطرق و السابلة الهائمين علي درب السياسة اللزج بوحله وطينه وروثه وقاذوراته والدماء .

.
جاءت وجوه أياديها ملطخة بالعار ، تمتد الأظافر كالخناجر ، وتلتقي الحوافر بالسوافر بالنصال ، جاءوا ولم تزل محاجرهم وأصابعهم و أكفهم السفلي ، تقطر من دم النساء والأطفال والرجال والشيوخ من أهل بلادنا ، من ضحايا حربهم الملعونة ، ألم ترهم يتلفتون وهم بالقاعة البكماء في وجل وخوف وإرتعاش ، أرواح البسطاء الضحايا والشهداء في الفاشر والقطينة وود النورة ومعسكر زمزم وكل مكان نازف ، تلاحقهم تركض خلفهم ، و تمد حبالها المنسوجة من الدم المسفوح حول رقابهم المغموسة في الذل والمال الحرام ، وتغوص أرجلهم في قعر الخيانة المعتم … لتدوس وجوههم الخائبة المرتعدة سنابك النصر المتوالي لجيشنا الباسل في مسارح العمليات كل صبح ومساء .
■ تجمعوا في نيروبي كبغاث الطير ،تكاد تقفز قلوبهم من بين أضلعهم وهم يتصنعون الإبتسامات الخادعة اللئيمة ، في القاعة المزخرفة يشعرون في دواخلهم الخواء أنهم داخل قفص حديدي مزركش ، أحاطتهم المليشيا بجراب مالها وقبله بحرابها المسننة المدببة ، جلسوا كالببغاوات الثرثارات يحملقون في السقف المزين بالهزيمة ، ويرددون نشيد الإنشاد تملقاً و تقرباً زلفي لقادة المليشيا ، وصديد الخيانة يلامس الأنوف والشفاه الذاهلة الذابلة ..
■ شاهدنا الحلو … يحمل عاره الأبدي .. يدخل القاعة كالملدوغ ، قبض الثمن ولم يقبض الوطن ، ضاعت نظراته التائهة بين ضحاياه وهزائمه وأحلامه المهيضة الجناح منذ تمرده الأول وسيره في ركاب قرنق ، فهو لم يحقق شيئاً وقد أفني عمره متمرداً مدحوراً يسكن كالخفافيش بين صلد الصخور ، فبالأمس إتكأ علي عكازة المليشيا اليابسة ، أقعي أمام مصاصي الدماء ، ينشد مجداً لا يأتي ابداً ،و لم يصنعه يوماً ، فتوهمه بالأمس وظن غافلاً أنه سيجده في مكب النفايات ذاك ، وسيصعد به من سفح الخيبة ، فإذا به يدخل أحشاء الأفعي الشرهة ..
■ وجاءت حفنة من تراب السياسة النجس ، يتامي مطرودين من أحزابهم وحركاتهم ، فضل الله برمة ناصر ، جاء فقط ليدنس ثياباً ما كانت يليق به أبداً ، ثوب الجندية السابق ، و جلباب حزب الأمة الذي صنع الاستقلال لدولة 56 ، فألقي بالثوبين وبنفسه في نار المليشيا غير المقدسة ، كما الفراشة العمياء فأحرق تاريخ الثوبين و أحترق ..
■و أختار قادة الحركات السابقة ( الهادي ادريس – الطاهر حجر – سليمان صندل ) المشي خلف جنازة الوطن القتيل ، حملوا هزائمهم وهواجسهم وأحلامهم الحرام ، وتقيأوا مراراتهم وسخام نفوسهم ، وربطوا أياديهم و أعناقهم بخيط مغموس في صبغة الذل ، فنبحوا كثيراً وهم يسيرون خلف قافلة المليشيا ، وعلت وجوههم أكداس من الغبار والسعال والحسرة وقلة الحيلة والطمع ، وأهاليهم يُقتلون ويُذبحون ويُقصفون ، فبئس الخيانة وبئس المسعي المقيت.
■وأختار سليل المراغنة ، أن توضع علي ظهره بردعة المليشيا المتمردة ، جعلوا علي فمه خطاماً كخطام البعير ، وزينوه بزينة برّاقة من الزيف والكذب والخداع ، وما دروا أن كان بالفعل بعيراً أجرب عندما لفظه حزبه وعافه رهطه ، فنال بجدارة لقب الأخرق المستغفل اليتيم ، فقد رضي لنفسه أن يكون ذيلاً.. فكان … وكم في السياسة من ديوث …
■ بعض رموز القبائل علي قلتهم ، لا يمثلون شيئاً غير أنهم زينة وضعوها لتجميل القاعة ، جلابيبهم الباهتة كمواقفهم مثل قشور الخديعة ، تبرق عيونهم من فرط الحيرة ، تناسلت في جنباتهم إنكسارات المواقف الهشة المهلكة ، وهم يخونون وطناً أعطاهم كل شيء ، فخانوه عندما لهثوا وراء الدرهم والدينار ، وحال بينهم وبين الوطن الموج الكاسر ، فلا شيء يعصمهم من الغرق في مستنقع المليشيا الحمضي المتلاطم، رأهم الناس بالأمس و لم تبق في الوجوه مزعة لحم ….
أما الشرفاء من قيادات الإدارة الاهلية وقيادات قبائل السودان العفيفة الشريفة ، فقد ركلت دعوات المليشيا وجفان دولة الامارات وهباتها ومالها ، فحافظوا علي الإرث والتاريخ والإسم ولم يرضوا أن يتلوث، رفضوا الدعوة وقاطعوا ، أما من ذهبوا إلي نيروبي فقد ذهبوا مع الريح …
■بقية الزعانف السياسية والناشطين ، لم نعرف أكثرهم ، لأنهم مجرد أصفار لا قيمة لها في حساب العمل العام ، وجوه لم يشاهدها من قبل أحد ، غوغاء ملأوا بهم المكان ، تراصوا كأحجار الأرصفة ، فرحين ما وجدوا في الطقس الكرنفالي البئيس ، يتصايحون كأنهم في مركب ضائع ، الملح في حلوقهم التي شرخت من الهتاف اللعين ، و السأم في عيونهم التي لم تر أفقاً في السماء ولا درباً يفضي للوطن ، فحاروا في صحراء التيه ، وهم يعبدون عجل السامري الإماراتي الحنيذ .
■ أما النور حمد ونصر الدين عبد الباري ومحمد حسن التعايشي وبقية الناشطين ، فلا شأن لنا بهم فهم يخرجون بلا أجنحة من جيفة التمرد المدحورة .. جاءوا من الفراغ وإليه سيعودوا ، فالضرب علي الميت حرام ..
■ و أخيراً …
كل الذين حضروا …كانوا يحلمون بحدث إحتفالي يرتدي عباءة مخططة بخيوط من ذهب ، فإذا بهم و إحتفالهم عرايا من كل قيمة ، فسيعودوا خلال أيام ، كلٌ إلي مكانه و مهجعه ، فمن كان في المرابض عاد لها وواصل النباح ، ومن مرقده المزابل هجع إليها يهش عن وجهه الذباب، ومن حرفته الإرتزاق تعلم فناً من فنون التسول ، ومن صنعته الإنتظار فلينتظر مع السراب ….فوفاض المليشيا خاو …

الصادق الرزيقي

إنضم لقناة النيلين على واتساب

المصدر: موقع النيلين

إقرأ أيضاً:

هناء ثروت تكتب: ما بين الخيانة والقيامة عندما تكون النهاية بداية جديدة

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

في حياة كل إنسان لحظة فارقة، لحظة يجد نفسه فيها واقفًا أمام مرآة الحقيقة، يرى ذاته كما لم يرها من قبل. يرى ضعفه، خوفه، وربما خيانته. لكن الأهم من ذلك، يرى احتمالية "القيامة"، أي النهوض مجددًا بعد السقوط. قصة بطرس ويهوذا في الأيام الأخيرة من حياة السيد المسيح، ليست مجرد أحداث تاريخية نرويها كل عام في ذكرى القيامة، بل هي مرآة عاكسة لما نعيشه نحن، كل يوم.
كلاهما، بطرس ويهوذا، كانا قريبين من يسوع، شاهدا معجزاته، سمعا كلماته، ولمسا حنانه وقبوله. رأوه يشفي الأبرص، ويفتح أعين العميان، ويقيم الموتى. شاركاه الطريق، والخدمة، والمائدة. لم يروا منه إلا محبة خالصة وتضحية نقية. ورغم هذا كله، في لحظة الحسم، خانه أحدهما، وأنكره الآخر. في سؤال مباشر: لماذا فعلتما ذلك؟ هل أساء إليكما؟ هل كذب أو خدع؟ كلا، بل أحب وأعطى حتى النهاية.
لكن الفارق بين الرجلين لم يكن في حجم الخطأ، بل في طريقة مواجهته. يهوذا، حين شعر بثقل ذنبه، ذهب وشنق نفسه، لم يصبر ليشهد القيامة، لم يؤمن بأن هناك فرصة للنهوض بعد السقوط. أما بطرس، فرغم ألمه وبكائه المرّ، عاد. قام من سقطته، ادرك ان ما يحدث أمامه هو فرصة للتوبة فغفر له المسيح، وأصبح أحد أعمدة الكنيسة الأولى. لأن القيامة، كما نؤمن بها، ليست مجرد حدث وقع وانتهى، بل هي حالة مستمرة من التجدد الداخلي.
القيامة ليست قصة نرويها، بل حياة نعيشها. كل موقف نتعرض فيه للضعف، للخيانة، للإنكار، هو دعوة لقيامة جديدة. ربما نخطئ، نضعف، نخذل من نحب، وربما نخون مبادئنا. لكن كل ذلك لا يعني النهاية، ما دامت هناك فرصة للرجوع، للتوبة، وللبداية من جديد.
عندما نمر بأزمة، ضيق، أو خطأ نرتكبه عن وعي أو عن جهل، فطريقة خروجنا من هذه اللحظة هي القيامة بمفهومها لدينا. هي ولادة جديدة من الألم. لقد قام المسيح، وهذه القيامة تُعاش اليوم في قلوبنا، عندما نرفض الموت الروحي، ونختار الحياة.
الفارق الكبير هو أن بطرس قبل الغفران وأكمل المسيرة، بينما يهوذا استسلم لليأس. وهنا السؤال الحقيقي الذي يجب أن نطرحه على أنفسنا: أي الطريقين نسلك عندما نسقط؟ هل نستسلم ونشنق أنفسنا باليأس؟ أم ننهض ونبدأ من جديد بقوة القيامة؟
لذلك، لا تجعل من عيد القيامة مجرد طقس موسمي. اجعل منه أسلوب حياة. عش القيامة يوميًا، وكن شاهداً على قوة الله القادرة أن تخرج الحياة من القبر. فكما تحوّل الصليب إلى رمز خلاص، يمكن لسقوطك أن يتحول إلى بداية جديدة، شرط ألا تهرب من المواجهة، وألا تفقد الإيمان في فرصة الغفران.
في النهاية، دعنا نتعلم من بطرس، لا من يهوذا. فالأول سقط، لكنه قام. والثاني سقط، لكنه قرر أن يبقى في القاع. والخيار دائمًا بأيدينا.

مقالات مشابهة

  • وكيل الأزهر يدعو للتمسك بأسباب النصر التي جاءت بالقرآن لدعم أهل غزة
  • تدخلات غير مبررة لعون سلطة تثير التوتر في قاعة مولاي رشيد بمراكش ومنظمون يطالبون بتدخل والي الجهة
  • حرب القيامة التي يُراد بها تغيير خارطة الوطن العربي
  • ذكرى الخيانة.. لماذا تمنع الكنيسة القبلات والأحضان خلال الـ3 أيام الأخيرة من أسبوع الآلام؟
  • هناء ثروت تكتب: ما بين الخيانة والقيامة عندما تكون النهاية بداية جديدة
  • تماثيل معطوبة القصيدة التي تستنطق وجعُ الوطنٍ في رحلة لعذابات الجنوب… لناظم كاطع الساعدي
  • الأمن النيابية: عودة عوائل مخيم الهول إلى العراق جاءت باتفاق حكومي سابق
  • حرب القيامة التي يُراد بها تغيير خارطة الوطن العربي 
  • الرزيقي يروي قصة طريفة: مالك باصات السفينة وحسين خوجلي والاستثمار في السودان
  • نائب رئيس حزب الامة القومي: الحرب التي شنتها المليشيا هدفت الى طمس هوية السودان