لجريدة عمان:
2025-05-01@09:00:38 GMT

التجديـد في الـدراسات الإسلاميـة

تاريخ النشر: 19th, February 2025 GMT

بعد ردح من الزمن طويل هيمن فيه الدارسون الغـربيـون بآرائـهـم وقراءاتهم وتصـوراتهم في ميدان الدراسات الإسلاميـة، وكـرسوا فيه تقاليـدهـم في الدرس ويـقـيـنيـاتـهم في النـظر حتى كادت أن تصير مسـلـمات أو شيئا بهـذه المثابة، شـرع ميدان الإسلاميـات في العـودة إلى أهـلـه تـدريجـيـا واتسـع لهم حتى باتت مساحـة حضورهم وفـعـلـهم فيه أرحب مـن مساحة المستـشرقيـن الذين أمـسـوا يتـنـاقـصون أعـدادا، ويتـضاءلـون قـيمة عـمـا كانت عليه أجيالهم الأولى.

بـدا هذا المسار الجديـد - الذي انطلق في سـتـيـنـيـات القـرن العشرين الماضي - وكأنـه يأخذ الفـكـر العربي والإسلامي نحو حال، ولو ابتدائيـة، من الاستـقـلاليـة المعـرفـيـة عن السلطـة المرجعيـة للاستـشـراق، ثم لم يلبث ازدياد عدد الدارسين العرب والمسلميـن في حقـل الإسلاميـات، وخاصـة أولئك المـسربـليـن منهم بالعـدد والأعـتـدة المنهجيـة الحديـثـة، أن أوحى بأنـنا ذاهبـون نحو حال من الظـفـر بالبغيـة الفكريـة الثمينة التي تأجـل تحـقـيقـها طـويلا: تـأميم ميـدان الدراسات الإسلاميـة.

ليس التـأميم هذا انشقاقـا عن الفكـر الإنساني المعاصر، الذي إليه ينتمي الاستـشراق ويحتـل في رحابه مكانا، وإنـما هـو استعادة سيادة كانت مفـقودة على ميـدان من المعرفة يـدور على الأنا الجماعيـة: على الحضارة، والموروث الديـني والثـقـافي، وعلى مشكـلات حاضر مجتمعات العرب والإسلام.

وما أغنانا عن التـنـفـيل في الكلام من أجل بيان لا مشروعيـة أن يـكـون شعب أو مجتـمع أو أمـة صورة عن نـفسها (عن ذاتـيـتها الحضاريـة، وثـقافـتها وتراثـها، وعن معـضلاتها المعاصرة) مرسـومة بريشة سواها! نعـم، ما مـن شك في أن الثـقافـة العربيـة والإسلاميـة، الحديثـة والمعاصرة، ظـلـت تعـتـاز المـوارد والأدوات التي تـتيـح لها أن تـفـك عن الوعـي شـرانـق التـقـليد والاجتـرار وأربـاقـه، وأن تـفـتحـه على أفـق جـديـد يـقـتـحـم فيـه المـجاهـل ويـضيء المـعـتـم من ماضيـها والحاضـر. وإذ قضـى الاعـتيـاز هـذا بأن يـضـرب مفـكـرو الإسلام بأيـديـهـم إلى كتـب الغـربـيـيـن ينهـلون منها ويـمـتحـون ما إليه يـفـتـقـرون، من أجل إعمـار معـرفي لثـقافـتـهم تـتـأهـل بـه هذه لأن تـقـرأ تراثـها وحضارتـها نحـوا جـديـدا من القراءة، فقـد استلـزم - عنـد حـد مـا مـن سـد نقـصـه وإشباعـه - بأن يـنـوضع حـد لـتـلـمـذة مـديـدة أوشـكـت على أن تصـير تسـولا فـكـريـا، وعلى أن تـرسـخ في نفـوس الباحثـيـن روح الكسل المعـرفي وأن تـفـضي، بالتـبعـة، إلى إنجاب نسخة جديدة من التـقـليد الرث نظيـر ذلك الذي كان، وما يـزال، مسلكا قائمـا تجاه الأقدميـن!

بهذا المعنى نفهم عبارة تأميم ميدان الإسلاميـات، أي بحسبانـه استعادة ما صادره منـا فـقـر التـقـليـد والاجتـرار معـطوفـا على تـفـوق السلطان المعرفي الغربي.

وهكذا، أيضا، نفهم هاتيك الاستعادة بوصفها تنـميـة دائبة للحقـل المعرفي المستـعاد، وتـنظـيما له من الداخل يـعاد بـه نصب القـواعـد والأسس لمعرفـة مستقـلة: تاريـخيـة ونـقـديـة، لا تستـبطـن مسـبـقات ولا تعيد لـوكها: أكانت مما خلـفـه فينا سلطان القـدماء، أو كانت ممـا ازدرعـته في هذا الحقل أعمال الغربـيـين وأطاريـحهم. وليس يخامـرنا شـك في أن ميـدان الإسلاميات في الفكـر العربي شهـد على انـتـعاشـة في الإنـتاجيـة ملحوظـة، منذ سنوات السـتيـنـيـات من القـرن الماضي، وأشبع مساحـة معتـبـرة من الحاجـة لدى المجتمع العربي القارئ رفـعت عنـه عـبء الالتـجاء إلى معارف الآخـر منظـورا إليها بما هي المعارف الحق عـن الإسلام وتاريـخـه وحضارته وتـراثـه. ونحـن، في هذا الذي نقولـه، لا نطعـن على معارف المستشرقيـن ولا نـزري بمكانـة مساهمـاتهـم، كما لا نجحـد فضـل قسـم رفـيـع ونـزيه منها، وإنـما نـنـوه بنجاح ثـقافـة - هي الثـقافة العربيـة اليـوم - في أن تـفرض مكـانا لقراءتـها وفي أن تـزاحـم قـراءة الآخـر ذلك التاريخ فـتـزحزحها، قـليلا، عن مقام الصـدارة الذي ظلـت تـتـربع عليه منـذ شـرعت في تحـويـل حضارتنا وثـقافـتـنا ومجـتمـعاتـنـا الحديثـة إلى موضوع للـتـفكيـر وإنتاج الصـور والأحكام...

يـنتمـي الباحث العـربي التـونسـي د. عبدالمجيـد الشـرفـي إلى كـوكبـة الدارسيـن الكبار لتراث الإسلام: الكـلاسيـكي والمعاصر، منـذ شـرع يـطـرق سـبيـله في البحث في الإسـلاميـات في سبـعـيـنيـات القـرن الماضي. هـو اليـوم مـن أظـهـر رمـوز الجـيل الثـاني من الباحـثيـن العرب في الإسلاميـات، بعد جـيل إحسـان عـبـاس، ومحسـن مهـدي، ومحمـد أركـون، ومحمـد عابـد الجابري، وحسـن حنـفي وآخـريـن، وقـد يكون أكـثـرهـم إنتاجيـة ومثـابـرة على البحـث والتـأليف في أغـراض متـنـوعـة من قـضايـا الفكـر والعمل الإسلاميـة.

وإلى ذلك فـقـد ظل مهـتجـسا، في التـفـكير والكتابة، بأسئـلة الحياة الديـنيـة أو، قـل، الحياة التي تحياهـا الجماعة الإيـمانيـة الإسلاميـة في عصـر جـديـد مزدحـم بالتـحولات الهائلة في الأفكـار والقيـم والمعاييـر وأنماط المعيش الاجتـماعي؛ وهي التـحولات التي مـا ونـت تعـصـف بتوازن تلك الجماعـة لـما ألـقـتـه على وعـيها وسلوكـها من تحـديات تـعـتاص على المواجهة والتـذليـل. ولقـد انـفـرد د. عبد المجيد الشرفي، من دون أكـثـر أتـرابـه، بمجالـدة تلك الأسئلـة بالنـظر والافـتحـاص ملـتمـسا إجـابـات عنها مقـنـعة، صادرا، في ذلك، عـن قاعـدة فكـريـة لم يـحـد عنها؛ هي نبـذ التـمسـك بحـرفـيـة النصوص وأحكامها المتـعلقة بأزمـنـتها التي وردت فيها، والانـتباه - بـدلا من ذلك - إلى روحيـة النصوص والمقـصديـة فيها ثـم تأولـها على هذا المقـتـضى الذي يـعيـد التـوازن المفـقـود، ويعـيـد مصالحة المـؤمن مع زمنـه ومنـطـق زمنـه من غير أن يـفـقـره ذلك من أي مخـزون إيـمانـي أو روحي.

يـقـبـع في خـلـفـيـة هذا المنحى في الدرس والبحـث في أسئـلة الإسلام اليـوم منـزع إلى إعادة فهـم نصوص الديـن في التـاريـخ وإحـسـان النـظـر إلى مـوقـعـيـتها في السـياق الديـنـي العام. لقـد حـذق د. عبدالمجيد الشـرفي حـذقـا ملحـوظا في النـظر إلى نصوص الإسلام بمنـظار تاريـخي يضعها حيث ينـبـغي لها أن تـوضع في مجـرى الشـروط الحافـة. هكذا نجح في تهـوية التـفـكير في نصوص الدين من الاختـناق والهـواء الاجتـراري الفاسـد، وحـرر النـظـر إليها مـن التـحنيط والتـنميط ومن نـزعة التـعالي بها عن الشرط الإنسانـي والتـاريـخي، فكـرس بذلك منحـى في البحـث العلـمي مـداره على النـقـد التاريـخي للموروث الثـقافي الإسلامي محـاذرا، في ذلك، أن تـزل قـدمـه إلى حيث تـطـأ أرض العـدميـة؛ حيث كـل أثـر يصـير، باسـم النـقـد، في خبـر كان ساعيـا - في مقابـل هذا - في إقامة الدليل على مقـدار ما تـوفـره النـظرة التـاريخيـة إلى التـراث مـن إنصـاف لذلك التـراث ومـن إنزاله المنازل التي يستحـق.

ولعمـري إنـه الرجـل بات لدى كـل منـصف عنـوانا للنـزاهة العلميـة في مضـمار البحث في مشـكلات عـادة ما كان الجـدل فيها ينـتهي بأصحابـه إلى مضاربـات إيـديـولوجيـة لا حـدود للغـوها وبؤسـها.

حين كان القسم الأعظـم من الباحثـين في تـراث الإسـلام - مـن مـفكـري الحـداثـة العـرب - منـصرفا إلى دراسة العلوم العـقـليـة والتـصوف والكـلام، ظـل د. عبد المجيد الشـرفي ضمن زمـرة قـليلة من الدارسيـن منـشغـلا بالعـلوم الشـرعيـة: علـوم القـرآن، والتـفسيـر، والحـديث، والفـقـه وأصول الفـقـه؛ وهـذه - من غير جـدال - المياديـن الأشـد صعوبـة في البحـث والمحـاطة بجـدران سميكـة من التـأويلات التـقـليديـة المحافـظة التي تمنـعها من تـدخـل جراحـي علمي.

وإذا كان هذا الاستعصاء سبـبا لأن تكـون تلك العلـوم الديـنيـة مياديـن غيـر مأبـوه بها عنـد بعـض، فهـو علـة اهـتجاس د. عبد المجيد الشرفي بها وحـرصـه على فحـص نـقـدي للكـثـير من مقالاتـها؛ إذ فيهـا - لا في غـيرها - يقـيم ذلك الذي أسماه محمـد أركون بالعقـل الأورثـوذكسي المسؤول عن حالة الانسـداد المعرفي أو الانـغلاق. وليس معنى ذلك أن عمـل عبد المجيد الشـرفي تـكـرس لـدحـض ما تركـه الأقـدمون من أئـمـة المذاهـب وأصحاب المقالات، بل كثيـرا ما أضاء جـوانب من الاجتـهـاد فيها، أو من الفائـدة وتعظيـم المنفعـة منها في زمنها، منـبـها إلى أن مـوطن الإعـضال ليس دائـما في مـواريث القـدماء، التي تـنـتمي إلى تاريخها وتـنـحـكم بأحكـام الأفـق الذهـنـي الذي كان متاحـا لهم، بـل في نزعـة الاتـباع والتـقـليد التي تـمـسك بخـنـاق المعاصـرين، من المحافظيـن فتجعلهم يـمـددون إقامـة أفكـار الأقـدميـن في وعـيـهم وكأنـها حقائـق مطلـقـة!

يطـول الكـلام على عـظـم صنـيع د. عبد المجيد الشـرفي ونـفـيـس ما قـدمـه في مجال الدراسات الإسلاميـة من أعمـال مرجعيـة تنـاولت مـروحـة واسعـة من الموضوعات، تـمتـد من مناظـرة الفـكر الإسلامي للنـصرانيـة إلى إعادة عـرض عـلوم القـرآن والتـفـسير عـرضا منـظومـيـا شامـلا، مـرورا بنـقـد هـادئ للـفكـر الإسلامي الكلاسيـكي والمعاصر، وللاستـشـراق، وللحـركات الإسلاميـة السياسيـة. لكـن واحـدة من أنـفـس نفـائـس مسـاهمـاته هي تلك التي تمـثـلت في تـكريسـه تقالـيد العـمـل الجماعـي في ميدان البحـث العـلمي في الإسلاميـات، والإشـراف على مشاريع بحـوث جماعيـة في مسائـل فـكريـة مختـلفة آخـرها ما قـام بـه مع جمـهـرة من الباحثـيـن على صعيـد الدراسات القـرآنيـة، وصـدر في سـفـر كبـيـر، من خمسـة مجـلـدات، حاملا عـنـوان المصحف وقـراءاتـه.

وعندي أن هذا الصـنيع العلـمي الرفيـع يـفصـح عن وعـي عـميـق لـديـه بمعـنى البحث العلـمي، اليـوم، الذي أضحى يـفـرض الحاجـة إلى جـهـد مـركـب تـتـضافـر كـفاءات عـدة في بـذلـه قصـد اجتـراح نـتائـج وثـمـرات من المعـرفة أجـزل مما يسـع النـفـر الواحـد مـنـا أن يـنـتـهي إليه بإمكاناتـه الفرديـة. ويـكـفـي الرجـل أنـه أنجب مـدرسـة تونسيـة للبحـث في ميـدان الدراسـات الإسلاميـة نشهـد، اليـوم، على طـيـب ثـمـار أقـلامها وعلى ألـمـعيـة الكثـيـر من أسمائـها.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: عبد المجید

إقرأ أيضاً:

بعد تعيين حامد باتيل.. تعليم الإسلام في بريطانيا يواجه العاصفة

أثار قرار الحكومة البريطانية تعيين شخصية إسلامية مرموقة على أعلى سلطة تعليمية في البلاد مكلفة بمراقبة المناهج ومعايير الجودة، جدلا واسعا في بريطانيا، وزادت من حدة الجدل مزاعم بفرض تدريس الإسلام في المراحل الابتدائية والثانوية.

فقد شن سياسيون وإعلاميون بريطانيون حملات على مواقع التواصل الاجتماعي متهمين الحكومة بالعمل على "أسلمة التعليم" في البلاد، خصوصا في ظل تزايد الإقبال على الإسلام والاهتمام بدراسته.

وسنحاول في هذا التقرير استعراض أسباب هذا الجدل والتعرف على الشخصية الإسلامية التي عيّنت، وواقع الوجود الإسلامي في المدارس البريطانية وعلاقة هذه الحملة الجديدة بظاهرة الإسلاموفوبيا المتصاعدة في بريطانيا والغرب عموما.

المدارس الإسلامية في بريطانيا تحصد نتائج أكاديمية مميزة وضعتها في صدارة أفضل المدارس في المملكة المتحدة (غيتي) أسلمة التعليم في بريطانيا

وتتحدث حملة واسعة على مواقع التواصل الاجتماعي البريطانية عن محاولة "الإسلاميين" السيطرة على التعليم في المملكة المتحدة، وأن الحكومة تساعد في ذلك بقرارات تجبر الأطفال في المرحلة الابتدائية والثانوية على دراسة الإسلام كإحدى المواد الدراسية الرئيسية.

وذكر تقرير للصحفي في وكالة يورونيوز، جيمس توماس، نشر في الأول من أبريل/ نيسان الجاري أن الحملة تحذر من أن تدريس الإسلام سيحل محل المسيحية والهندوسية في البلاد، ويرى بعض هؤلاء، أن نظام التعليم البريطاني قد سقط في يد الإسلاميين ويبرهنون على ذلك بتعيين حامد باتيل رئيسا لهيئة "أوفستد" (Ofsted) المسؤولة عن تقييم ومراقبة المدارس في المملكة المتحدة.

وقد عنونت مواقع بريطانية وفرنسية خبر تعيين حكومة لندن حامد باتيل بعبارة "إسلامي رئيسًا للمؤسسة التعليمية الرئيسية في بريطانيا".

إعلان

واعتبر تقرير لصحيفة تلغراف، أن حامد باتيل يعتبر أول قائد مدرسة دينية يُعيّن في هذا المنصب، فقد كان يشغل منصب الرئيس التنفيذي لمؤسسة "أكاديميات ستار" (Star Academies) التي تدير ما يقرب من 40 مدرسة ابتدائية وثانوية معظمها مدارس إسلامية ومنها مدارس مسيحية.

وقد حصلت العديد من المؤسسات التي كان يديرها باتيل على تقييم ممتاز من هيئة "أوفستد"، كما مُنح شخصيا لقب فارس على خدماته المتميزة في مجال التعليم ضمن قائمة تكريمات عيد ميلاد الملكة عام 2021.

وشغل حامد عضوية مجلس إدارة "أوفستد" منذ عام 2019، وقاد مجموعة "أكاديميات ستار" منذ إنشائها عام 2010، وكان سابقًا مديرًا لمدرسة توحيد الإسلام الثانوية للبنات في بلاكبيرن.

حامد باتيل رئيسا لهيئة "أوفستد" المسؤولة عن تقييم ومراقبة المدارس في المملكة المتحدة (مواقع التواصل) هجوم مركّز

حسب صحيفة تلغراف فإن مدرسة توحيد الإسلام التي كان يديرها باتيل كانت من أوائل المدارس في بريطانيا التي حثت البنات على ارتداء الحجاب خارج المدرسة، كما أصدرت توجيهات للتلاميذ بـ"تلاوة القرآن الكريم مرة واحدة على الأقل أسبوعيًا" و"عدم إحضار أدوات مكتبية إلى المدرسة تحتوي على صور غير إسلامية"، مثل صور نجوم البوب.

ونقلت تلغراف عن متحدث باسم حملة مناهضة معاداة السامية، "إنه من الواضح أن يشعر اليهود البريطانيون بالقلق عندما يكون أحد الإسلاميين مسؤولاً عن تقييم أداء المدارس".

وقالت الجمعية الوطنية العلمانية "في وقتٍ يتزايد فيه تأثير الأصولية الدينية على المدارس، نحث حامد على ضمان التزام مكتب معايير التعليم "أوفستد" بألا يعيق الدين المعايير التعليمية أو يقوض الحق الإنساني الأساسي للأطفال في تعليم شامل ومتوازن".

لكن الصحيفة علقت، "إن العارفين بحامد باتيل يُدركون أنه كان عضوا متوازنا في مجلس إدارة هيئة التعليم، ولم يعارض محاولات تنظيم المدارس الدينية الأكثر تشددًا".

إعلان

وقد قال كبير مفتشي المملكة مارتن أوليفر إن "حامد باتيل يدير بعضًا من أفضل المدارس في إنجلترا، إنه قائدٌ محترمٌ للغاية في مجال المدارس والأكاديميات، وقد مُنح لقب فارس لأدائه في التعليم".

واعتبر تقرير لصحيفة "لوجورنال دي جدي" الفرنسية أنه على الرغم مما تزعمه لندن من محاربة الإسلام المتطرف، فإن إحدى أهم ركائز البلاد في التعليم أصبحت الآن في عهدة باتيل الذي يخدم مشروعا إسلاميا منظما.

ونقلت الصحيفة عن عضو البرلمان الأوروبي فرانسوا كزافييه بيلامي -معلقا على تعيين باتيل- قوله إن "المشروع الإسلامي يسعى إلى السيطرة على المؤسسات، بدءًا من المدارس"، مضيفا: "لقد انقلبت ديمقراطياتنا على نفسها، يجب على أوروبا أن تخرج أخيرًا من سذاجتها".

ومن جانبه رأى الكاتب الفرنسي دانييل كوسون أن تعيين باتيل يمثل إحدى النقاط العديدة المرئية من جبل الجليد في "الصحوة الإسلامية المعاصرة" وجزءا من "إستراتيجية الفتح من خلال "أسلمة المعرفة".

ويضيف كوسون، أن المدرسة بعد أن دمرها "التربويون اليساريون" باتت مركزا لحركة تبشيرية تهدف إلى إقامة خلافة عالمية توحد بين عدة اتجاهات سياسية إسلامية.

مارتن أوليفر: حامد باتيل قائد محترم للغاية في مجال المدارس وقد مُنح لقب فارس على أدائه المميز في التعليم (الصحافة البريطانية) هل حقا يفرض تدريس الإسلام؟

حاول تقرير لوكالة رويترز نشر بتاريخ 28 مارس/آذار 2025 استقصاء حقيقة الادعاءات التي تتحدث عن فرض الإسلام في المدارس البريطانية، ونقل التقرير عن متحدثين باسم إدارات التعليم في إنجلترا وويلز وأسكتلندا، أن تدريس الإسلام ليس إلزاميًا على مستوى البلاد، ولم تقدم حكومة إيرلندا الشمالية إجابة في الموضوع، وتُدير كل من الولايات الأربع أنظمتها التعليمية بشكل منفصل.

لكن التقرير أكد أن إنجلترا تفرض توفير التعليم الديني في المدارس، فالمادة 375 من قانون التعليم لعام 1996 تنص على ضرورة أن "يعكس المنهج الدراسي التقاليد الدينية لبريطانيا العظمى، وهي في الغالب مسيحية مع مراعاة تعاليم وممارسات الديانات الرئيسية الأخرى الممثلة في بريطانيا العظمى".

إعلان

وأشار التقرير إلى المدارس المستقلة عن سيطرة السلطة المحلية، مثل الأكاديميات، حرة في تحديد مناهجها الدراسية الخاصة.

ونقلت رويترز عن متحدث باسم الحكومة الويلزية، أنه في ويلز يُعد الدين جزءًا إلزاميًا من المنهج الدراسي، لكن الإسلام لا يُعطى أهمية خاصة فوق أي من الديانات الأخرى، أما المتحدث باسم الحكومة الأسكتلندية فقد أكد أن أسكتلندا لا تطبق منهجًا دراسيًا إلزاميًا.

لكن تقرير يورونيوز الذي سعى هو الآخر إلى التحقق من شائعة إلزام تدريس الإسلام في المدارس، ينقل عن تقرير صدر في يناير/كانون الثاني 2024 عن مجلس اللوردات (الغرفة العليا للبرلمان البريطاني)، أن تعليم التربية الدينية إلزامي في جميع المدارس التي تمولها الدولة في إنجلترا، لكنه قد يختلف من مدرسة إلى أخرى.

ويوضح تقرير اللوردات، أنه يجب توفير التربية الدينية في المدارس ذات الطابع الديني وفقًا لمعتقدات الدين أو الطائفة المحددة في المرسوم الذي يعرف المدرسة على أنها ذات طابع ديني.

وجاء في تقرير منفصل صادر في أبريل/نيسان 2024 عن هيئة التفتيش التعليمية الحكومية في إنجلترا، أن الديانتين الأكثر شيوعًا في المدارس، هما المسيحية والإسلام.

التقرير أكد أن إنجلترا تفرض التعليم الديني في المدارس (شترستوك) تصاعد حملات الإسلاموفوبيا

يعتبر المحللون أن الحملة الحالية على ما يسميه أصحابها سيطرة الإسلام والإسلاميين على التعليم في بريطانيا ذات علاقة وثيقة بتصاعد حملات الإسلاموفوبيا، وما تمثله من كراهية للإسلام، خصوصا وأن هذه الحملة تقودها شخصيات إعلامية وسياسية معروفة بعدائها لكل ما هو إسلامي وحملاتها للتخويف من المسلمين.

ومن ذلك ما كتبه الصحفي الإيطالي جوليو ميوتي الذي عنون تقريرا له على صحيفة "ميدل إيست فوروم" بعبارة: "هل تصبح إنجلترا دولة إسلامية بأسلحة نووية"؟ واعتبر أن تعيين حامد باتيل رئيسًا لهيئة معايير التعليم (أوفستد) كأول قائد ديني في التاريخ لهذه الهيئة يُثير مخاوف من "الأسلمة" ومستقبل التعليم البريطاني، متسائلا، "لماذا لا يكون ذلك استباقا للأحداث، فعدد المسلمين الملتزمين سيفوق قريبا عدد المسيحيين في إنجلترا".

إعلان

ورأى ميوتي أن "وجود إسلامي على رأس الهيئة التعليمية الرائدة في المملكة المتحدة يأتي ثمرة لاسترضاء الإسلام السياسي والإخوان المسلمين تحديدا، فلم يعد نفوذ الإسلاميين على عتبة دارنا فحسب، بل أصبح الآن داخل منظومتنا".

ويضيف أنه كلما نظر إلى صورة باتيل ظن الأمر مزحة: "مُفت ذو لحية سلفية وزي إسلامي يُعيَّن لرئاسة أهم هيئة تعليمية في المملكة المتحدة!!.. قد تقع إذن المملكة المتحدة في أيدي الأصوليين الإسلاميين وتصبح دولة إسلامية تمتلك أسلحة نووية، هذا ليس كلامي، هذا ما تقوله سويلا برافرمان، وزيرة الداخلية البريطانية السابقة".

أعداد المسلمين في بريطانيا

وفقًا لتعداد عام 2021 في المملكة المتحدة فقد ارتفع عدد المسلمين من 4.9% عام 2011، إلى 6.5% ويعتبر 84.5% منهم دون سن الخمسين، مقارنةً بـ 62% فقط من إجمالي السكان، وهو ما يعني زيادات كبرى في أعداد المسلمين في بريطانيا مستقبلا.

ويستعرض الكاتب الإيطالي ميوتي ما يصفه ببعض التحولات في المجتمع البريطاني، تعكس سيره نحو "الأسلمة"، حيث يشير إلى تزايد المحاكم الشرعية وأن لندن أصبحت عاصمة العالم للاستثمار الإسلامي، وأن الصلاة صارت تقام داخل منطقة وستمنستر السياحية، وأن كنائس اليوم ستكون مساجد الغد، معتبرا أن المسيحيين -ولو بالتسمية فقط- لن يكونوا أغلبية في غضون عشر سنوات، حيث سيتضاعف عدد المسلمين.

 

صعود الإسلام وتراجع المسيحية

يعكس الجدل الحالي في تنامي تدريس الإسلام في بريطانيا حقيقة أن الإسلام ينمو في البلاد في اطراد، ففي تقرير لرئيسة مركز الإعلام الديني في لندن روث بيكوك نشر في سبتمبر/أيلول 2022 أوردت الأكاديمية بيكوك، أن بريطانيا تشهد تراجعًا مستمرًا للمسيحية، وصعود اللادينيين، وتنامي الإسلام.

وأشار التقرير إلى انخفاض عدد من يُعرّفون أنفسهم أنهم مسيحيون في إنجلترا من 72% عام 2001 إلى أقل من 50% عام 2021، موازاة مع ارتفاع مطرد خلال نفس الفترة في عدد من يُعرّفون أنفسهم بأنهم "لا دين لهم" من 15% إلى 33% وارتفاع نسبة من يُعرّفون أنفسهم بأنهم مسلمون من 3% عام إلى 8%.

إعلان

واعتبر التقرير، أن دراسة الاتجاهات في الحياة الدينية للناس في بريطانيا تؤكد أن مكانة المسلمين تزداد موازاة مع تراجع المسيحية، مشيرا إلى أن بعض المواقف المتعلقة بالطلاق والزواج ومساواة المرأة وحقوق مجتمع الميم نفرت من المسيحية فلم تعد الأجيال الجديدة ترغب في الارتباط بها.

كما فشلت المسيحية في تقديم إجابات موثوقة في مسائل العقيدة والإيمان، وتضاءل الالتزام الديني لدى المسيحيين، وصاروا مجرد ليبراليين لا يختلفون في أخلاقهم عن عامة الناس.

ويورد التقرير، أن الفشل الخطير في القيم، هو ما أدى إلى استمرار تراجع المسيحية، فقد فشلت الكنائس فشلاً ذريعاً كسلطاتٍ أخلاقية، ودقت فضائح الاعتداءات الجنسية المسمار الأخير في نعشها.

واعتبر التقرير، أن الإسلام فرض مكانته الآن في بريطانيا رغم أنه لم يكن له وجود يذكر حتى سبعينيات القرن الماضي، لكنه انتشر ابتداء من المساجد والمدارس ومحلات البيع الحلال، مرورا بإنشاء منظمات مجتمع مدني وجمعيات خيرية، ووصولا إلى ظهور برلمانيين مسلمين وكوادر يساهمون في تسيير التعليم العالي، وهو ما أوجد ما يمكن تسميته بالإسلام البريطاني الذي يلبي جميع المتطلبات المتعلقة بالمجتمع والمؤسسات والروحانية.

مقالات مشابهة

  • علامة في العين قد تشير إلى خطر الإصابة بالفصام!
  • سلاح المدارس الصيفية يفسد مكائد العدو
  • وكيل الأوقاف للمساجد يشارك في مؤتمر الإسلام بآسيا الوسطى وكازاخستان
  • بعد تعيين حامد باتيل.. تعليم الإسلام في بريطانيا يواجه العاصفة
  • ماذا تكشف جريمة مقتل الشاب أبو بكر في فرنسا؟
  • المجد للبندقية التي حرست المواطن ليعود الى بيته الذي كانت قحت تبرر للجنجويد احتلاله
  • القصة الكاملة للمقاتل السوري مجدي نعمة الذي بدأت محاكمته اليوم بباريس
  • من مفهوم التجديد الإسلامي إلى نقد تجاربه ومؤسساته.. قراءة في كتاب
  • الماضي الذي يأسرنا والبحار التي فرقتنا تجربة مُزنة المسافر السينمائية
  • الإسلام.. يجرّد الدين من الكهنوت