هل آن الأوان لأوروبا أن تستعيد بوصلتها ومكانتها في العالم؟!
تاريخ النشر: 19th, February 2025 GMT
تقدم أوروبا نفسها على الدوام باعتبارها حاضنة القيم الديمقراطية وحقوق الإنسان، وبلاد الحضارة التي أفرزت الثورة الفرنسية ومفكرين كبارا نظروا للقيم الإنسانية وتطورها.. وهذا سياق تاريخي يمكن فهمه جدا، إلا أن مواقفها السياسية خارج القارة وبشكل خاص في أفريقيا وفي الشرق الأوسط، تضرب هذا الطرح وتشظيه إلى حد يجعل البعض يشك أن أوروبا جان جاك روسو وفولتير كانط وهيجل ليست هي أوروبا التي تدعم إسرائيل بالسلاح من أجل إبادة الشعب الفلسطيني وتصمت عن خطة ترامب لتهجير الشعب الفلسطيني.
ومع دخول الحرب الروسية على أوكرانيا عامها الثالث، وتداعياتها على المشهد الجيوسياسي العالمي، بات واضحا، أيضا، أن أوروبا ليست لاعبا رئيسيا في تشكيل مسار الأحداث في العالم حتى لو كانت هذه الأحداث تهدد القارة وجوديا.. وتظهر أوروبا بشكل جلي جدا باعتبارها تابعة للقرارات الأمريكية، حتى وإن جاءت هذه القرارات على حساب القيم التي طالما نادت بها وشكلت تاريخها خاصة إذا ما تجاوزنا الجانب العملي في السياسات الخارجية الأوروبية.
إن أوروبا أمام درس مهم جدا لا بد أن تفهمه بشكل واضح من موقف الرئيس الأمريكي ترامب تجاه أوكرانيا: على أوروبا أن تعيد النظر فورا في سياساتها الدفاعية وفي استراتيجياتها الاقتصادية أولا، أما ثانيا وهذا هو الأهم عليها أن تعيد تقييم تحالفاتها وفق مصلحتها الوطنية، وليس وفق الأوامر التي تمليها عليها واشنطن.. فحين قرر ترامب التعامل مع الحرب على أوكرانيا باعتبارها ملفا اقتصاديا محضا؛ تجاهلت أوروبا الإشارة الأوضح على أنها مجرد ورقة تفاوضية على طاولة الكبار، وأن أمريكا لن تخوض حروبها إلا حيث تكون لها مصلحة مباشرة، أما حين يصبح الأمر مكلفا، فلا بأس من البحث عن صفقة مربحة، حتى لو كان ذلك على حساب حليف تاريخي مثل كييف.. وبالتالي على حساب أوروبا كلها.. بغض النظر عن مختلف المواقف التي قد تبدو متباينة في تفاصيلها من الحرب الأوكرانية الروسية.
لكن وفق هذه الرؤية لماذا لا تنسحب هذه الفكرة على موقف أوروبا من القضية الفلسطينية؟ لماذا تواصل أوروبا تمويل آلة الحرب الإسرائيلية، وتزويدها بالأسلحة، والتغاضي عن جرائمها بحق الفلسطينيين، بينما تتحدث في الوقت نفسه عن حق الشعوب في تقرير مصيرها؟ هل باتت أوروبا غير قادرة على استيعاب أن دعمها غير المشروط لإسرائيل يعيد إنتاج نفس النموذج الذي عانت منه أوكرانيا، حيث يتم استخدام قضية عادلة لمصالح خارجية؟
إن اللحظة الراهنة تمثل اختبارا حقيقيا لأوروبا، فإما أن تستعيد توازنها الأخلاقي وتعود إلى ميثاق القوانين الدولية، التي تتشدق بها على أقل تقدير، أو أن تستمر في دعم السياسات الإسرائيلية القائمة على الإبادة والتهجير والتوسع الاستيطاني، مما يعني أن دورها في الساحة الدولية سيتقلص أكثر فأكثر، ولن تكون أكثر من تابع لرؤية أمريكية متقلبة، تعتمد المصلحة المالية كقاعدة في اتخاذ قراراتها.. وقد لا يكون نموذج ترامب هو الأخير في قيادة أمريكا.
لا يحتاج الأوروبيون إلى دليل إضافي ليعرفوا أن إسرائيل ليست شريكا استراتيجيا، بقدر ما هي عبء سياسي وأخلاقي واقتصادي يجر أوروبا إلى صراعات لا ناقة لها فيها ولا جمل.. فالمعادلة التي يفرضها الدعم غير المشروط لإسرائيل واضحة: أوروبا تخسر نفوذها في العالم العربي والإسلامي، تفقد فرصها الاقتصادية في المنطقة، وتعاني من تداعيات داخلية من خلال تصاعد التوترات العرقية والدينية، فيما تستمر إسرائيل في استغلال هذا الدعم لتحقيق أجندتها التوسعية دون أن تقدم أي ضمانات لأمن أوروبا أو استقرارها.
والعرب الذين يطلبون من أوروبا الانحياز إلى القيم التي طالما دافعت عنها، من حق تقرير المصير إلى احترام القانون الدولي، لا يطالبونها بالضرورة أن تكون معادية لإسرائيل لكن على أقل تقدير تتوقف عن تزويدها بالسلاح الذي ترتكب به المزيد من المجازر بحق الفلسطينيين واللبنانيين وأن تضغط من أجل حل عادل وشامل للقضية الفلسطينية، يضمن إقامة دولة مستقلة قابلة للحياة.. لا أن تصمت وربما تتواطأ مع ترامب الذي يريد تهجير الفلسطينيين من أرضهم.
على أن أوروبا في أمس الحاجة اليوم لعلاقات قوية مع العرب قبل أن تجد نفسها تشرب من الكأس نفسها التي شرب منها الفلسطينيون.
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
الحرب عبثية.. ترامب يدعو روسيا إلى التحرك نحو تسوية في أوكرانيا
دعا الرئيس الأمريكي دونالد ترامب موسكو إلى "التحرك" للمضي قدمًا نحو تسوية في أوكرانيا.
جاء ذلك في أعقاب لقاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في سان بطرسبرغ يوم الجمعة، مبعوث الرئيس الأمريكي، ستيف ويتكوف.
ووفق وكالة "فرانس برس"، اعتبر ترامب على منصته الاجتماعية "تروث سوشيال" أن "على روسيا التحرك"، مشيرًا إلى أن الحرب التي شنتها موسكو على أوكرانيا مطلع عام 2022 "عبثية" و"كان يجب ألا تقع".
ويضغط ترامب لإنهاء الحرب في أوكرانيا، ما يثير مخاوف كييف من إرغامها على قبول تنازلات قاسية، خصوصًا أن ترامب يبعث إشارات متناقضة.
وتجري إدارة ترامب محادثات منفصلة مع كبار المسؤولين الروس والأوكرانيين، لكنها لم تسفر عن وقف شامل لإطلاق النار، ولا تزال المفاوضات مستمرة.
من جهته، أكد الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، يوم الجمعة، أن "مئات" المواطنين الصينيين يقاتلون لحساب روسيا في أوكرانيا، متهمًا موسكو بمحاولة "إطالة أمد الحرب، حتى من خلال استغلال أرواح الصينيين"، بعد أيام على اتهامه إياها أيضًا بجرّ بكين إلى النزاع.
وجاء تصريح زيلينسكي من مسقط رأسه بمدينة كريفي ريج في وسط أوكرانيا، خلال اجتماع عبر تقنية الفيديو مع القادة العسكريين لحلفاء أوكرانيا الرئيسيين المجتمعين في بروكسل، والذين طلب منهم تزويد بلاده عشرة أنظمة دفاع جوي إضافية من طراز باتريوت أمريكية الصنع.
وكان زيلينسكي اتهم بكين بأنها على علم بأن مواطنيها يُجنَّدون في الجيش الروسي، وهو تصريح اعتبرته الصين "غير مسؤول".
كذلك، دعا الرئيس الأوكراني الغرب إلى المضي في إنشاء قوة عسكرية لنشرها في بلاده في حال توقف الأعمال القتالية، لردع روسيا عن مهاجمتها مجددًا.
وقال زيلينسكي: "نحتاج إلى تحديد تفاصيل واضحة فيما يتعلق بحجم هذه الوحدة الأمنية في أوكرانيا وبنيتها ونشرها ولوجستياتها ودعمها ومعداتها وتسليحها".
وكانت روسيا رفضت هذا المقترح في أوائل مارس الماضي، قائلة إنه "ليس ممكنًا التوصل إلى أي تسوية" فيما يتصل بنشر قوات حفظ سلام أوروبية في أوكرانيا.