اعطوا الطريق حقه
تاريخ النشر: 19th, February 2025 GMT
سعيد بن سالم البادي
حثّ الإسلام على مكارم الأخلاق ومحاسن الآداب المتعلقة بكل جوانب حياة الإنسان منذ ولادته حتى موته، ومن بين تلك الآداب أدب الطريق الذي يُعبّرعن سمو المجتمع ورقي تحضّره فقد روى أبو سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم في شأن الطريق، حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إياكم والجلوس على الطُّرُقاتِ، فقالوا: يا رسولَ اللهِ، ما لنا بُدٌّ من مَجالسِنا نتحدَّثُ فيها فقال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: فإذا أبَيْتُم إلَّا المَجلِسَ فأعطُوا الطريقَ حقَّه، قالوا: وما حقُّ الطريقِ يا رسولَ اللهِ؟ قال:غضُّ البصرِ، وكفُّ الأذى، ورَدُّ السلامِ، والأمرُ بالمعروفِ، والنَّهيُ عن المنكر".
هذا الحديث النبوي الشريف يشمل بمعناه الجلوس على الطريق وفقًا لما جاء في لفظ الرواية، كذلك يشمل استخدام الطريق والسير عليه؛ حيث حث على كف الأذى أثناء الجلوس على الطريق.
وإن حق الطريق يتضمن مجموعة من الآداب والأخلاق التي يجب على مستخدم الطريق الالتزام بها عند سيره في الطريق أو جلوسه على جانبه وسواء كان ماشيًا أو راكبًا.
وهذا يهدف إلى حفظ الأمن والنظام والاستقرار ومنع الأذى والضرر عن الآخرين؛ مما يؤدي إلى رضا الله تعالى عن الشخص الذي يلتزم بآداب الطريق؛ فالالتزام بهذه الآداب عبادة يتقرب بها مستخدم الطريق إلى ربه، كما إنه يسهم بذلك في إشاعة الأمن والطمأنينة في المجتمع؛ حيث يسير الناس في طرقاتهم آمنين على أنفسهم وأعراضهم وتسود المحبة والإخاء بين أفراد المجتمع، حيث تتعزز العلاقات الإنسانية.
ومن الآداب التي يجب على مستخدمي الطريق الإلتزام بها: احترام قواعد المرور التي وُضعت للحفاظ على النظام العام، وتنظيم حركة السير، والحفاظ على حياة الناس، واحترام القائمين على تنفيذ النظام، وتقديم العون والمساعدة لهم بالالتزام بتعليماتهم أثناء تأدية مهامهم، وكذلك تقديم المساعدة في حالة الطلب منهم.
وكذلك من الآداب كف الأذى عن مستخدمي الطريق؛ سواء بالقول أو الفعل بما يزعجهم، كرفع أصوات أبواق التنبيه أو مكبرات أصوات المذياع، أو تزويد المركبات بعادم الكربون؛ بما لا يتوافق مع المواصفات الفنية ويسبب إزعاجًا للآخرين، بما يخرجه من أصوات مزعجة، علاوة على عدم مضايقة المارة بمركبته، وعدم رمي القاذورات والمخلفات في الطريق.
وللأسف الشديد يتلاحظ من البعض عدم احترام تلك القواعد بإتيانه لبعض السلوكيات المشينة أثناء قيادة مركبته؛ كالتجاوز في أماكن يمنع فيها التجاوز، أو الدخول إلى الطريق بسرعة وعدم المبالاة بأولوية السير، وكذلك التجاوز من اليمين؛ مما قد يؤدي إلى وقوع حوادث خطيرة تنتج عنها الوفيات والخسائر المادية، وما يتبع ذلك من آثار جانبية تكلف الدولة المبالغ الطائلة التي تُستنزف في العلاج والتعويض والاصلاح.
ومن الملاحظات الإتيان بسلوكيات تتنافى والعادات والتقاليد والقيم التي تربى عليها الشارع العُماني؛ مما يعكس انطباعًا لا يليق بهذه الالعادات والتقاليد والقيم، وكذلك يسبب كثيرًا من المخاطر والخطورة عليه وعلى المارة ومستخدمي الطريق.
إن عدم إعطاء الطريق حقه مما فرضه علينا الدين والقانون والقيم والعادات والتقاليد يعد استهتارًا بكافة القيم والمعايير الواجب علينا الإلتزام بها.
والالتزام بحقوق الطريق التي أقرها شرعنا الحنيف ونظامنا المروري وقيمنا العُمانية وكف الأذى بشتى أنواعه، يعكس صورة مُشرقة عن مجتمعنا، كما هو معروف به، وكل من يعيش على أرض عُمان، ويُساهم في بناء مجتمع آمن مُتحضِّر يسُودُه الأمن والاحترام المتبادل والمحبة والإخاء، كما يوفر في ذات الوقت الكثير من موارد الدولة؛ سواءً كانت موارد بشرية أو مالية التي يقوم عليها المجتمع وتقدمه وتطوره؛ فلنحافظ على تلك الحقوق والواجبات ونتمسك بالقيم والآداب لتنتشر الطمأنينة بين الناس في الطريق العُماني وليكن شعارنا "حقوق الطريق مسؤولية الجميع".
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
شخصيات إسلامية.. أم المؤمنين السيدة سودة بنت زمعة
هي أم المؤمنين: سودة بنت زمعة بن قيس القرشية العامرية رضي الله عنها، ثاني زوجات النبي صلى الله عليه وآله وسلم، كريمة النَّسب، فأمُّها هي الشموس بنت قيس بن زيد الأنصارية، من بني عدي بن النجار، وأخوها هو مالك بن زمعة.
كانت - رضي الله عنها- سيدةً جليلةً نبيلةً، تزوَّجت بدايةً من السكران بن عمرو، أخ سهيل بن عمرو العامري، وهاجرت مع زوجها إلى الحبشة فراراً بدينها، ولها منه خمسة أولاد.
كانت -رضي الله عنها- عادت مع الذين عادوا من الحبشة، إلى مكة، فعادت هي وزوجها معهم، وبينما هي كذلك إذ رأت في المنام أن قمراً انقضَّ عليها من السماء وهي مضطجعة، فأخبَرت زوجها السَّكران فقال: والله لئن صدقت رؤياك لم ألبث إلا يسيراً حتى أموت وتتزوجين من بَعدي، فاشتكى السكران من يومه ذلك وثقُل عليه المرض، حتى أدركته المنيَّة.
وبعد وفاة زوجها جاءت خولة بنت حكيم بن الأوقص السلمية، امرأة عثمان بن مظعون، إلى رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- فقالت: يا رسول الله، كأني أراك قد دخلتك خلة -أي الحزن- لفقد خديجة؟، فقال: «أجل، كانت أم العيال، وربة البيت»، قالت: أفلا أخطب عليك؟. قال: «بلى، فإنكن معشر النساء أرفق بذلك»، فلما حلَّت سودة من عِدَّتها أرسل إليها رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- فخطبها، فقالت: أمري إليك يا رسول الله، فقال رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-: «مري رجلاً من قومك يُزوِّجُك»، فأمرت حاطب بن عمرو بن عبد شمس بن عبد وُدٍّ فزوَّجها، وذلك في رمضان سنة عشر من البعثة النبوية، وقيل في شوَّال كما قرَّره الإمام ابن كثير في «البداية والنهاية».
وهي أول امرأة تزوجها رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- بعد السيدة خديجة -رضي الله عنها-، ولم يتزوج معها -صلى الله عليه وآله وسلم- نحواً من ثلاث سنين أو أكثر، حتى دخل بعائشة رضي الله عنها.
وحينما نطالع سيرتها العطرة، نراها سيدةً جمعت من الشمائل أكرمها، ومن الخصال أنبلها، وقد ضمَّتْ إلى ذلك لطافةً في المعشر، ودعابةً في الروح، مما جعلها تنجح في إذكاء السعادة والبهجة في قلبِ النبي -صلى الله عليه وآله وسلم-، ومن قبيل ذلك ما أورده الإمام ابن سعد في «الطبقات» أنها صلَّت خلف النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- ذات مرَّة في تهجُّده، فثقلت عليها الصلاة، فلما أصبحت قالت لرسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-: صليتُ خلفك البارحة، فركعتَ بي حتى أمسكتُ بأنفي، مخافة أن يقطر الدم، فضحك رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-، وكانت تضحكه الأحيان بالشيء.
وكانت زوجات النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- يمزحن معها، حتى إن السيدة حفصة والسيدة عائشة أرادتا أن توهمانها أن الدَّجال قد خرج، فأصابها الذُّعر من ذلك، وسارعت للاختباء في بيتٍ كانوا يوقدون فيه، وضحكت حفصةُ وعائشةُ من تصرُّفها، ولما جاء رسول الله ورآهما تضحكان قال لهما: «ما شأنكما؟»، فأخبرتاه بما كان من أمر سودة، فذهب إليها، وما إن رأته حتى هتفت: يا رسول الله، أَخَرَجَ الدَّجال؟ فقال: «لا، وكأنْ قد خَرج»، فاطمأنَّت وخرجت من البيت، وجعلت تنفض عنها بيضُ العنكبوت.
ومن مزاياها -عليها السلام- أنها كانت معطّاءة تكثر من الصدقة، حتى إن عمر بن الخطاب رضي الله عنه بعث إليها بغِرارة -وهو وعاء تُوضع فيه الأطعمة- من دراهم، فقالت: ما هذه؟ قالوا: دراهم، قالت: في غرارة مثل التَّمر؟ ففرقتها بين المساكين.