العثور على عظام لحيوانات عاشت قبل آلاف السنين يحمل في حد ذاته قيمة أثرية، لكن ماذا لو أضيفت إليها قيمة أخرى تتمثل في قراءة تاريخ الطبيعة من تلك العظام؟ هذا بالضبط ما فعله فريق بحثي بريطاني من خلال دراستهم المنشورة في دورية "كواتيرناري ساينس ريفيوز"، والتي أُجريت في منطقة حوض الأزرق بالأردن.

ويقع حوض الأزرق في المنطقة الشمالية الشرقية من الأردن، وهو واحة صحراوية ذات أهمية بيئية وأثرية كبيرة، ويعد جزءا من سلسلة واحات كانت تشكل مصادر مائية رئيسية للحياة البرية والبشرية على مدار آلاف السنين، وهذه المنطقة ذات أهمية خاصة، إذ شهدت وجودا بشريا منذ عصور ما قبل التاريخ، واكتُشفت بها مستوطنات بشرية مبكرة تجعلها مثالية لدراسة تأثير الإنسان والطبيعة على الكائنات التي عاشت فيها.

وجد الفريق البحثي من جامعة لندن أن عظام الحيوانات المدفونة في رمال هذه المنطقة تحمل إشارات إلى تاريخ غني ومعقد، وتُظهر هذه الإشارات كيف انحنت الكائنات التي كانت تسير بخطى واثقة أمام عواصف التغيرات المناخية، لتنخفض أحجامها في تعبير عن الصمود والتكيف مع عالم متغير.

وخلال الفترة الممتدة من أواخر العصر الجليدي وأوائل العصر الهولوسيني (منذ 130 ألفا إلى 7 آلاف عام) حدثت تغيرات مناخية كان الباحثون مهتمين بمعرفة تأثيرها على أحجام أجسام الثدييات، ووجدوا أن منطقة حوض الأزرق بالأردن كانت مثالية لدراسة هذه الظاهرة.

إعلان

وشهد العصر الجليدي المتأخر، الذي انتهى منذ نحو 12 ألف عام، انخفاضا كبيرا في درجات الحرارة وتوسعا في الغطاء الجليدي. ومع بداية العصر الهولوسيني، الذي بدأ قبل حوالي 11 ألفا و700 سنة، شهدت الأرض تحسنا في المناخ وتراجعا للجليد، مما أدى إلى تغييرات جذرية في النظم البيئية وانتقال العديد من الأنواع إلى بيئات جديدة.

وقدمت هذه التغيرات المناخية للعلماء أدلة قوية على كيفية تأثر الأنواع، خاصة الثدييات الكبيرة، من خلال التكيف أو الهجرة أو الانقراض.

وتقول عالمة الآثار الحيوانية بجامعة لندن لويز مارتن والباحثة الرئيسية في الدراسة في تصريحات خاصة للجزيرة نت "كنا نريد الفصل بين تأثيرات هذه التغيرات المناخية والاستيطان البشري على أحجام الحيوانات، واخترنا حوض الأزرق بالأردن لأنه شهد تزايد النشاط البشري خلال الحقبة الهولوسينية، مما يسمح بفحص تداخل الضغوط البيئية والبشرية على الكائنات التي عاشت هناك".

الباحثون قاموا بجمع وقياس عظام حيوانات الغزال والأرنب والثعلب من 19 موقعا أثريا في حوض الأزرق (نيب وايلدلاند) استبعاد تأثير الصيد البشري

قام الباحثون بجمع وقياس عظام حيوانات الغزال والأرنب والثعلب من 19 موقعا أثريا في حوض الأزرق، وشملت القياسات كل أجزاء الهياكل العظمية لهذه الحيوانات، بما في ذلك العظام الصغيرة كعظام الكاحل والأصابع.

ووجد الباحثون انخفاضا ملحوظا في أحجام الثدييات خلال فترة الحقبة الهولوسينية، خاصة بين 9 آلاف إلى 7,500 سنة مضت. وعن هذا التراجع تقول مارتن "أخذنا في الاعتبار مجموعة عوامل لفهم هذا التغير الطويل الأمد. ففي البداية، وضعنا فرضية أن الصيد البشري استهدف الذكور الكبيرة مثل الغزلان، بينما تُركت الإناث الأصغر حجما، والفكرة هنا هي أن الصيد الانتقائي للذكور الكبيرة قد يؤدي إلى تراجع عام في حجم الحيوانات بمرور الوقت. ومع ذلك، من خلال التحليلات القياسية للعظام، تمكنا من استبعاد هذه الفكرة".

إعلان

وتوضح مارتن أنه "عند مراجعة حجم الحيوانات المختلفة التي عثر عليها، لاحظنا أن الانخفاض في الحجم لم يكن مقتصرا على نوع واحد فقط من الثدييات مثل الغزلان، بل ظهر أيضا في الثعالب والأرانب، وهي حيوانات غير مستهدفة بشكل رئيسي من قبل الصيد البشري، فلو كان الصيد البشري هو السبب الرئيسي لكان من المفترض أن يتأثر حجم الحيوانات المستهدفة فقط (مثل الغزلان)، ولكن وجود اتساق في الانخفاض بين أنواع متعددة يشير إلى وجود عوامل بيئية أوسع تؤثر على هذه الأنواع بشكل عام".

التغيرات المناخية والبيئية خلال فترة الهولوسين المبكرة لعبت دورا أكبر في انخفاض أحجام الحيوانات (الجزيرة) إزاحة الصفات والفرضية البديلة

وتضيف مارتن أن "الفرضية البديلة التي دعمها الفريق هي أن التغيرات المناخية والبيئية خلال فترة الهولوسين المبكرة لعبت دورا أكبر في هذا الانخفاض، فقد هيأت التغيرات في المناخ ظروفا أكثر دفئا وجفافا أدت إلى تغييرات في توزيع الأنواع والتنافس بينها، وهو ما يُعرف بإزاحة الصفات".

وتحدث "إزاحة الصفات" عندما تعيش أنواع متقاربة في البيئة نفسها وتتنافس على الموارد المتاحة، ومع الوقت يؤدي التنافس المستمر بين الأنواع إلى تغيير في خصائص أحد الأنواع أو كليهما لتقليل هذا التنافس، مما يزيد من فرص بقاء كلا النوعين.

وفي سياق هذه الدراسة، وجد الباحثون أن التغيرات المناخية وزيادة الجفاف أدت إلى منافسة أكبر بين الأنواع تسببت في إزاحة صفات مثل حجم الجسم لتناسب الظروف البيئية المتغيرة والموارد المحدودة.

وعن دقة القياسات العظمية التي اعتمدت عليها الدراسة في تفسير التغيرات في أحجام الحيوانات، أوضحت مارتن أن الفريق استخدم قياسات دقيقة للغاية للعظام، إذ تم قياس عرض العظام التي تمثل الأجزاء الحاملة للوزن، وقد أثبتت الأبحاث الحديثة أن هذه القياسات ترتبط بشكل كبير بحجم الحيوان ووزنه.

إعلان

وأضافت "نحن نستخدم أجهزة دقيقة لقياس العناصر العظمية الأثرية إلى عُشر المليمتر، ولدينا مستويات عالية من الدقة والقابلية للتكرار بفضل سنوات من الخبرة في التحليلات القياسية".

التأثيرات المستقبلية

وعن كيفية الاستفادة من نتائج الدراسة في تحليل هجرة الأنواع الحيوانية وتوزعها، أكدت مارتن أن "المنطقة الشرق أوسطية والعربية شهدت تغيرات كبيرة في توزيع الحياة البرية بسبب التأثيرات البشرية، مثل الصيد المفرط والمنافسة مع الماشية وفرض الحدود بين الدول، وهذه العوامل أدت إلى تقليص نطاق انتشار الحياة البرية، وأصبحت العديد من الأنواع البرية اليوم محصورة في المحميات والمناطق المحمية التي تعمل على حفظ بقاء بعض الأنواع، لكنها لا تعكس الوضع الطبيعي الذي كان موجودا في الماضي".

وتبرز مارتن أهمية الأبحاث الأثرية مثل تلك التي أُجريت في منطقة حوض الأزرق بالأردن، التي أظهرت أن هذه المنطقة كانت غنية بالحياة البرية حتى القرن العشرين.

ورغم أن الحيوانات تتكيف مع التحولات المناخية والبيئية، فإن التأثيرات البشرية مثل الصيد والتدخلات البيئية الأخرى ألحقت أضرارا جسيمة بتلك الحياة البرية وأثرت على نمط وجودها وهجرتها الطبيعي.

وتقول "نتائجنا يمكن أن تسهم في فهم أفضل للتحديات التي تواجه الأنواع الحيوانية اليوم، وتقديم معلومات قيمة لتحديد إستراتيجيات مستقبلية لحماية هذه الأنواع وإدارة الموارد الطبيعية في المنطقة".

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات التغیرات المناخیة الحیاة البریة

إقرأ أيضاً:

وزير التعليم: دمج مفاهيم الحفاظ على المياه والتغيرات المناخية ضمن المناهج الدراسية

وقّع محمد عبد اللطيف وزير التربية والتعليم والتعليم الفني، والمهندس هاني سويلم وزير الموارد المائية والري، بروتوكول تعاون مشترك، وذلك خلال فعاليات اليوم العالمي للمياه، التي نُظمت بالتعاون مع الاتحاد الأوروبي.

جاء ذلك بحضور المستشار عدنان الفنجري وزير العدل، والدكتور أسامة الأزهري وزير الأوقاف، والمستشار محمود فوزي وزير شئون المجالس النيابية والاتصال السياسي.

ويهدف البروتوكول إلى دمج مفاهيم التوعية المائية والحفاظ على الموارد الطبيعية في المناهج الدراسية، بما يعزز إدراك الأجيال القادمة لأهمية المياه كعنصر أساسي للحياة والتنمية المستدامة في مصر.

وفي كلمته، أكد وزير التربية والتعليم والتعليم الفني، أن هذا اليوم لا يمثل فقط مناسبة للاحتفاء بالمياه، بل هو لحظة حاسمة لمواجهة أزمة عالمية متزايدة تتمثل في الاختفاء السريع للأنهار الجليدية وعواقبه الكارثية، ورغم أن هذه الأزمة قد تبدو بعيدة عن مصر، إلا أن تأثيراتها تطال الجميع.

وأعرب الوزير، عن تقديره العميق لوزارة الموارد المائية والري ولوفد الاتحاد الأوروبي في مصر على تنظيم هذا الحدث الهام، وعلى التزامهم الثابت بأمن المياه وتعزيز المرونة المناخية.

وأوضح أن موضوع هذا العام، حماية الأنهار الجليدية، يمثل تذكيرًا حيويًا بهشاشة النظم البيئية حول العالم، فعلى الرغم من أن مصر لا تمتلك أنهارًا جليدية، إلا أن ذوبانها السريع بفعل التغير المناخي يؤدي إلى ارتفاع مستوى سطح البحر، مما يهدد دلتا النيل ذات الكثافة السكانية العالية، حيث يعيش ما يقرب من ربع سكان مصر، وتواجه هذه المجتمعات الساحلية مخاطر متزايدة من الفيضانات وفقدان استقرار التربة، مما يؤثر على سبل العيش والأمن الغذائي.

كما أشار وزير التعليم، إلى أن التغيرات المناخية تؤثر على تدفق مياه نهر النيل، حيث تتوقع الدراسات انخفاض منسوب المياه بنسبة تصل إلى 13% بحلول عام 2050، مما يزيد من تحديات ندرة المياه في مصر.

وشدد على أن هذه الأزمة تتطلب تحركًا فوريًا من خلال تبني سياسات فعالة، وتعزيز الابتكار، والاستثمار في التعليم لضمان مستقبل مائي مستدام.

وزير التعليم: التعليم أقوى أداة لمواجهة هذه التحديات

وأكد الوزير، أن التعليم هو أقوى أداة لمواجهة هذه التحديات، حيث يساهم في تشكيل وعي الطلاب بأهمية الموارد الطبيعية، ويدفعهم نحو تبني سلوكيات مسؤولة تسهم في حمايتها.

وأشار إلى أن وزارة التربية والتعليم والتعليم الفني، بالتعاون مع وزارة الموارد المائية والري، تعمل على إدماج تعليم المياه والمناخ بشكل شامل في المناهج الوطنية، بهدف تزويد الطلاب بالمعرفة والقدرة على الابتكار والتكيف والقيادة في هذا المجال.

وأضاف أن الوزارة بدأت بالفعل في دمج مفاهيم التوعية المناخية، والحفاظ على المياه، ومبادئ الاستدامة في مناهج العلوم والجغرافيا والتربية الوطنية، لضمان أن يدرك الجيل القادم أهمية هذه القضايا وتأثيرها العاجل.

وأكد أن التعليم لا يجب أن يقتصر على الكتب الدراسية، بل يجب أن تتحول المدارس إلى مراكز للابتكار، حيث يشارك الطلاب في أبحاث وتجارب ميدانية ومبادرات لحل المشكلات البيئية.

وزير التعليم: ندعم المبادرات العلمية التي تهدف لتطوير حلول مستدامة لإدارة الموارد المائية

وأوضح في هذا السياق، دعم الوزارة بقوة لمشاريع العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات (STEM)، بالإضافة إلى المسابقات الابتكارية والمبادرات العلمية التي تهدف إلى تطوير حلول مستدامة لإدارة الموارد المائية، ومن خلال هذه البرامج، يتم تمكين الطلاب ليس فقط لدراسة التحديات البيئية، بل للعمل بفاعلية على إيجاد حلول حقيقية لها.

وأضاف عبد اللطيف، أن هذا اليوم يشهد لحظة فارقة بتوقيع مذكرتي تفاهم بين وزارة الموارد المائية والري، ووزارة التربية والتعليم، ووزارة الأوقاف، وهو ما يمثل نقطة تحول حقيقية.

وأكد أن هذا التعاون يرسخ نهجًا شاملًا يعزز المسؤولية البيئية، حيث تتقاطع مجالات التعليم والسياسات والتوعية المجتمعية والدينية لغرس قيم الاستدامة عبر الأجيال.

وأوضح أن الجمع بين هذه القطاعات الثلاثة يضمن أن يتعلم الطلاب أهمية الحفاظ على المياه ليس فقط في الفصول الدراسية، ولكن أيضًا في مجتمعاتهم ومن خلال تعاليمهم الدينية، مما يسهم في بناء وعي بيئي راسخ ومستدام.

وأشار إلى أن مصر، التي ازدهرت حضارتها القديمة بفضل إدراكها العميق لأهمية المياه، تستلهم اليوم هذا الإرث للحفاظ على مواردها المائية والتعامل مع التحديات المناخية الحديثة بحكمة وبعد نظر، وشدد على أن اليوم العالمي للمياه ليس مجرد فرصة للتأمل، بل هو دعوة إلى العمل الجاد والمسؤول.

وأكد أن كل قطرة ماء لها قيمتها، وكل قرار يتم اتخاذه اليوم سيشكل مستقبل الأجيال القادمة، داعيا الجميع إلى الالتزام بالتحرك الفعلي، والعمل على بناء مستقبل يقوده العلم، وتحركه المعرفة، وتلهمه الأجيال الجديدة لضمان عالم آمن مائيًا للأبناء والأحفاد.

وفي ختام كلمته، أعرب الوزير عن خالص امتنانه لجميع المشاركين والمنظمين لهذا الحدث الهام، مؤكدا على أهمية تضافر الجهود بين الوزارات، والقطاعات المختلفة، والمجتمع ككل لحماية البيئة، والحفاظ على الموارد المائية، وضمان مستقبل مستدام لمصر.

وزير الري: نؤكد على التزامنا جميعا نحو المياه بالحفاظ عليها وحمايتها من التلوث

وفى كلمته، توجه وزير الموارد المائية والرى، بالتحية للإتحاد الأوروبي على التعاون البناء والمستمر مع وزارة الموارد المائية والري فى مجال المياه، مشيرا إلى اننا نحتفل اليوم باليوم العالمى للمياه لنؤكد على التزامنا جميعا نحو المياه بالحفاظ عليها وحمايتها من التلوث.

كما أكدت السفيرة أنجلينا إيخهورست، سفيرة الاتحاد الأوروبي في مصر، دعم الاتحاد الأوروبي الكامل للمبادرات التي تعزز الوعي المائي، وأهمية دمج الأجيال الشابة في الجهود الرامية لحماية البيئة، مشيرةً إلى أن التعليم هو الركيزة الأساسية لضمان مستقبل مائي آمن ومستدام

وتضمنت الفعالية أيضًا عرضًا حول أسبوع القاهرة للمياه 2025، حيث تمت مناقشة التحديات المائية العالمية والفرص المتاحة لمصر لتعزيز استدامة الموارد المائية من خلال التعاون الدولي.

اقرأ أيضاًوزير الري يتابع تطوير منظومة المراقبة والتشغيل بالسد العالي

وزير التعليم يكرم طالبة من ذوي الهمم لتفوقها دراسيا وتميزها في قراءة القرآن ببورسعيد

مقالات مشابهة

  • "النهضة للخدمات" تستثمر 580 ألف ريال في مبادرات الحد من المخاطر المناخية خلال 2024
  • الأردن: إجراءات الاحتلال التي تستهدف تهجير الغزيين باطلة
  • كيف حوّلت الحيوانات الصراع مع إسرائيل إلى حرب رمزية على السوشيال ميديا؟
  • من طهران.. شفق نيوز تكشف فحوى الرسالة التي حملها عبد المهدي للحوثيين
  • وزير التعليم: دمج مفاهيم الحفاظ على المياه والتغيرات المناخية ضمن المناهج الدراسية
  • هنادي الكندري تكشف عن الفنانة التي تفضل العمل معها.. فيديو
  • الأردن تكشف الأسباب الحقيقية لانسحاب حاملة الطائرات “ترومان” من البحر الأحمر
  • ترامب يختار بوينج بدلاً من لوكهيد مارتن لصناعة أقوى طائرة مقاتلة في العالم
  • أمريكا والحشد الشعبي.. هل يمكن أن تكشف أسرار قاعدة البيانات التي تعيق الملاحقة؟
  • أمريكا والحشد الشعبي.. هل يمكن أن تكشف أسرار قاعدة البيانات التي تعيق الملاحقة؟ - عاجل