سفارة سلطنة عُمان في نيودلهي تنظم ندوة حول العلاقات التاريخية مع الهند
تاريخ النشر: 19th, February 2025 GMT
العُمانية: نظّمت سفارة سلطنة عُمان في نيودلهي -بمناسبة مرور 70 عامًا على إقامة العلاقات الدبلوماسية بين سلطنة عُمان وجمهورية الهند- ندوة ثقافية تاريخية تطرقت إلى الروابط التجارية والثقافية الممتدة لأكثر من 5000 عام بين البلدين.
وسلطت الندوة -التي أُقيمت بالتعاون مع الجامعة الملية الإسلامية- الضوء على دور الموانئ العُمانية مثل مسقط وصحار وقلهات في التجارة البحرية، بالإضافة إلى تأثير التبادل الثقافي على اللغة والفنون والعمارة، ودور الجاليات الهندية في تعزيز التعددية والتسامح الديني.
وتطرق سعادة السفير أشوك كومار أتري إلى تجربته في العيش بسلطنة عُمان، وأسباب استقرار العائلات الهندية فيها، وفترة رئاسته للبعثة في مسقط، بالإضافة إلى مدى متانة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين.
من جانبه أكد سعادة براشانت بيسيه، المدير العام للمجلس الهندي للشؤون العالمية على الثراء التاريخي بين البلدين، مشيرًا إلى أن العلاقات الدبلوماسية قائمة على الصداقة والمنفعة المتبادلة والتعايش.
وقدّم سعادته ورقة عمل بحثية بعنوان "تاريخ العلاقات العُمانية-الهندية وأثر التعددية وثقافة الاختلاف في التعددية الدينية والتفاهم الحضاري"، فيما استعرض الدكتور سعود بن عبدالله الزدجالي ورقة عمل بعنوان "الأسباب التاريخية لقوة العلاقات من وجهات نظر غربية وشرقية"، تطرق فيها إلى الدور الاستراتيجي للهند كشريك دائم للخليج العربي، وعلاقتها مع الشعوب المبنية على التباين الذي يحقق المصالح والتواصل الحضاري.
وشهدت الندوة حضور عدد من المسؤولين من الجانب الهندي، وعدد من السفراء السابقين للهند لدى سلطنة عُمان والأكاديميين، بالإضافة إلى عدد من الطلبة المهتمين بالعلاقات الثقافية والتاريخية بين البلدين.
وأكدت الندوة في ختام أعمالها على أهمية استمرار الحوار الثقافي والعلمي بين البلدين، وتعزيز التعاون في المجالات الاقتصادية والتعليمية، بما يسهم في ترسيخ العلاقات التاريخية وفتح آفاق جديدة للتعاون المستقبلي بين سلطنة عُمان والهند.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: بین البلدین
إقرأ أيضاً:
الصناعات الحِرفية العُمانية
تعد الصناعات الحِرفية أحد أركان الصناعات الإبداعية التي برزت خلال التطورات التقنية والإبداعية الحديثة، وقدَّمت دورا مهما في التنمية الاجتماعية والاقتصادية؛ فهذه الصناعات ترتبط بالمجتمع وحياة مواطنيه، كونها جزءًا من الممارسات اليومية التي تفتح مجالات الإبداع والابتكار والتعبير عن التراث الثقافي وتربط بينه وبين القطاعات التنموية الأخرى، لما لها من دور في فتح فرص عمل إبداعية، وتعزِّيز الإنتاج المحلي، وزيادة التبادل التجاري والسياحي وغيرها.
لذلك فإن المؤسسات الحرفية تفتح مجالًا واسعًا للتطوُّر التكنولوجي لاعتمادها على الإبداع والابتكار في صناعاتها، وقدرتها على التطوير والاستثمار التنموي في الموارد الثقافية المتنوِّعة، إضافة إلى أهميتها في تلبية حاجة الأسواق المحلية والإقليمية من المنتجات ذات القيمة المضافة، والتي تتخذ أنماطا جديدة من الإنتاج اعتمادا على التطوُّرات التقنية وآفاق الابتكار، وسعة التنوُّع الثقافي وتعدده، وإمكانات إعادة إنتاجه وتوظيفه في المجالات الاقتصادية والسياحية.
إن الصناعات الحرفية اليوم تكشف المكانة الحضارية للدولة، ووعي المجتمع بتلك المكانة من خلال إحياء تراثها الثقافي، ومساهمتها في تحقيق العدالة التنموية والتوازن الجغرافي في الدولة، لما تتميَّز به من مرونة في الانتقال بين محافظة أو منطقة وأخرى، وقدرتها على (التوطُّن الصناعي)؛ الذي يقلِّل تكاليف النقل والعمل والإنتاج الحرفي والإبداعي، وإمكانات دعم المواهب والمبدعين العاملين في هذا المجال، من خلال التدريب والتأهيل والتمكين الصناعي.
فلقد تمكَّن قطاع المؤسسات الحِرفية من خلال المدخلات (المبدعين، ورأس المال، والأجهزة، والمهارات، والخبرات، والإبداع والتسويق)، من تشكيل صورة ذهنية عن المنتج الحرفي المحلي، الذي نجده اليوم يقدِّم أفضل المنتجات وأجودها قيمة وفنًا وجمالية، بناء على المعطيات الاجتماعية والاقتصادية، التي تتميَّز بها المنتجات المحلية، ولهذا فإن تلك المدخلات تحتاج على الدوام إلى تعزيز ودعم قادر على تمكينها ليس من أجل صمودها في السوق وحسب بل لكي تتطوَّر وفق أفضل الأنظمة والمعايير.
إن هذا القطاع يمثِّل قوة اقتصادية داعمة للاقتصاد الوطني، لما يقدِّمه من دعم لتنمية دخل الأفراد، وزيادة الصناعات الإبداعية، ولهذا فإن العمل على رفع مستوى قدرات المبدعين والعاملين في هذا القطاع ضرورة ملِّحة كي لا تكون المؤسسات الحِرفية صورة مكرورة من الإنتاجات التقليدية التي لا ترتقي إلى مستوى الإبداع بل تستقر في مستوى الصور النمطية المنتجة في التراث الثقافي المتوارث دون الالتفات إلى التنوُّع الثقافي والفرص الاستثمارية التي يوفِّرها.
ولأن القطاع الحِرفي ركن أساسي في الاقتصاد المعرفي، والعمل الحر، فإن ريادة الأعمال في هذا القطاع تُعَّد من السمات الأساسية في الاقتصاد على المستوى العالمي؛ إذ أصبحت هناك مشروعات رائدة في المجال لما تُسهم به في فتح فرص عمل جديدة متسمة بالابتكار والاستدامة، ومواكبة التطلعات المستقبلية القائمة على الجودة والقدرة على المنافسة محليًا وإقليميًا، بُغية تحقيق الأهداف المؤسسية والوطنية.
ولقد اعتنت عُمان بالحرف التقليدية عناية فائقة منذ القدم، لما مثَّلته من مكانة اقتصادية واجتماعية؛ فالمجتمع بكافة أطيافه شارك في دعم الحرف والمهن التقليدية، من خلال العمل الجماعي من ناحية، ثم تأسيس المؤسسات الحِرفية التي أسهمت في بناء الوعي المجتمعي بتلك الحِرف، وتمكين الأجيال من الاستفادة منها عبر حقب تاريخية كثيرة، إضافة إلى تلك العناية الخاصة التي حظيت بها المؤسسات العاملة في القطاع الحِرفي، والسعي إلى توسعة آفاقها وحفظ حقوقها وتمكين مكانتها الاقتصادية والاجتماعية من خلال التشريعات والسياسات المنظمة لعملها والميسِّرة لها.
تمثِّل الصناعات الحِرفية العمانية أصلًا من أصول الصناعات المرتبطة بالتنمية والاستثمار من ناحية، وبالمجتمع وحالات تشكلاته وتطوره عبر الحقب التاريخية من ناحية أخرى، ولهذا فإن نجاح هذا القطاع لا يعتمد فقط على قدرته الإنتاجية، بل على جهود تطوير أداء المبدعين والعاملين فيه، بوصفهم أساسًا للإبداع والابتكار، وتحقيق الأهداف، ومواجهة المتغيرات المتزايدة التي قد تشكِّل تحديًا أمام استدامتها، والأمر هنا لا يتعلَّق برؤوس الأموال وكيفية إدارتها منظومتها الإدارية وتطويرها فقط، بل أيضا بالاهتمام بالمبدعين وتأهيلهم.
لذا فإن الدولة اهتمت بتنمية المؤسسات الصغيرة والمتوسطة المتخصصة في المجالات الحِرفية، واعتنت في ذلك بالكوادر البشرية المؤهَّلة القادرة على ريادة الأعمال، فعملت على تدريبهم وتأهيلهم من خلال مجموعة من البرامج والمبادرات الفنية والاستشارية والتمويلية، التي تُسهم في تمكين هذه المؤسسات ومبدعيها تحت شعار الهُوية البصرية الخاصة بالمنتج الحِرفي العماني (حِرف عُمان)، بُغية تسويقها محليًا وإقليميًا بل وحتى عالميًا، وضمان جودتها وقدرتها على المنافسة في هذه الأسواق.
ولقد مثَّلت العديد من المواقع التراثية منافذ لبيع وتسويق المنتجات الخاصة بتلك المؤسسات، كما أسَّست بعضها منافذ خاصة بها سواء أكانت مفردة أو مشتركة، إضافة إلى تدشين عدد من المنافذ التي تعرض تلك المنتجات وتسوِّقها في المحافظات، بُغية دعمها وتمكينها وتعزيز استدامتها، وقد تم إطلاق منصة (البيت الحرفي العُماني) قبل أيام قليلة، التي تُعنى بـ(عرض وتسويق وبيع منتجات المؤسسات الصغيرة والمتوسطة والحرفيين ... بحيث يمكنهم عرض منتجاتهم والترويج لها عبر هذا المنفذ، كما تتيح إمكانية الشراء المباشر من المنصة).
إن إطلاق هذه المنصة توفِّر فرصًا لأعمال المؤسسات من أجل تسويقها وفق مقتضيات حديثة قادرة على توسعة آفاق التعريف بمنتجاتها وتكوين صور ذهنية جديدة عن المنتج المحلي الحِرفي، كما أن اشتراط (عرض المنتجات ذات الجودة العالية والتغليف المميَّز)، يدفع هذه المؤسسات إلى المنافسة في إثبات القدرة على التطوير والابتكار وتقديم الأفضل، فالجودة هي المعيار الأساسي الذي يغيِّر الصور الذهنية النمطية عن المنتج المحلي الحِرفي ويخرجه من بوتقة التكرار والتقليد القائم على المسارات السوقية التي لا تعتمد الابتكار بقدر ما تعتمد على بُعد الشراء العام، ما تسبَّب في التركيز على بعض المجالات بل حتى المنتجات المتشابهة المتكررة، الأمر الذي جعل الإبداع والابتكار في تراجع لدى بعض تلك المؤسسات.
فالجودة والقدرة على المنافسة هما الأساس الذي يجب أن يتوفَّر لدى المؤسسات الحِرفية، بوصفها قطاعًا واعدًا له أهميته وقيمته الاقتصادية والاجتماعية، وله قدرته على توفير فرص عمل إبداعية ليس للحرفيين والمبدعين وحدهم بل أيضًا للكثير من الوظائف المساندة، التي تدعم هذا القطاع وتفتح له آفاق الإبداع؛ فالتقنية والابتكار تحتاج إلى الخبراء والمصممين والفنيين الذين يتولُّون مع المبدعين مهام تقديم منتجات قادرة على الصمود في الأسواق والمنافسة على المستوى الإقليمي والعالمي.
إن الاهتمام بالصناعات الحِرفية ومؤسساتها، يرتكز على تلك المنافذ التسويقية من ناحية، وضبط جودتها الإنتاجية، وقدرتها على التطوير من نفسها من ناحية أخرى، ولهذا فإن تقديم الفرص الاستثمارية في التراث الثقافي عمومًا وما يمكن لتلك الصناعات أن تتبناه، يمكِّنها من تقديم منتجات محلية رائدة ومتفرِّدة، لا تعتمد على ما هو متوفِّر في السوق بل على ما يحتاجه السوق من منتجات جديدة تتكامل مع ذلك المتوفِّر وتمنح فرصًا لتوسعة السوق المحلي ومجالات رائدة للأعمال الحرة.
عائشة الدرمكية باحثة متخصصة فـي مجال السيميائيات وعضوة مجلس الدولة