أقلام مدادها السم الزعاف!!
تاريخ النشر: 19th, February 2025 GMT
أقلام مدادها السم الزعاف!!
د. مرتضى الغالي
ليس في هذه الدنيا (على مدى عِلمنا) ما هو أشد خبثاً و(أبعد جدعة في الشر) من تنظيم الكيزان وجهاز أمنهم الذي لا يزال يعمل حتى الآن.. ويجتهد في (شراء المواقف والأقلام) على مدار الساعة..!
لقد اعترف احد (التائبين حديثاً) من أعضاء هذا الجهاز سيء السمعة (أو ربما ليس الرجل بتائب وإنما غاضب لأسباب تخصّه في عمله مع هذا الجهاز المُجرِم) اعترف هذا الأمنجي السابق أن جهاز أمن الكيزان ظل يعمل على شراء بعض (الأقلام والأفواه) طوال الفترة التي سبقت قيامهم بالانقلاب ثم إشعالهم الحرب.
وينص (عقد الشراء) على تكليف كل واحد من هؤلاء المتعاقدين (السبّابة) بالتخصّص في حزب سياسي معيّن من الأحزاب السياسية، والعمل على بث الفرقة بين قياداته وكوادره وتأليب جماهيره.. ولكن ليس عن طريق الهجوم المباشر، بل عبر الأساليب التضليلية الناعمة وعبر ادعاء النصح والشفقة والغيرة على الحزب وجماهيره..!
وبطبيعة الحال لا يمكن أن يؤخذ كلام الأمنجيين السابقين أو اللاحقين في عهد الإنقاذ الأغبر مأخذ الجد… ولكن هذا الذي قاله الأمنجي ليس أمراً جديداً؛ بل هو معروف معهود عن الكيزان.. عايشه السودانيون وشاهدوه ورأوه رأي العين.. وهو لا يحتاج إلى تأكيد وأدلة من حانق أو تائب أو آبق..!
لكن من باب أن الشيء بالشيء يُذكر؛ تابعنا في الأيام الفائتة قلم أحد أصحاب الكتابات الراتبة من هذه الشاكلة الموظّفة للقيام بهذه (المهام الخسيسة).. وراقبنا ما يكتب فرأينا عجبا..!
أربع من (آخر خمس مقالات) كتبها صاحب هذا القلم المسموم ظل يؤكد فيها على هذا الدور الشيطاني تجاه حزب معيّن.. لا يفارق ساحته ولا يكف عن محاولات زرع الفتنة داخله والتشكيك في مكوّناته والعمل على تشتيت صفوفه وتوهين تماسكه بطرق ملتوية وغير مباشرة.. لكنها الخبث الذي يمشي على قدمين ..!
صاحب هذه المقالات يهاجم بعض القيادات الرافضة للحرب في ذلك الحزب.. ويقول إنه يضمر النصح ثم يسرف في الإشادة بكادر من كوادر الحزب لأن بعض تصريحاته (تروق للكيزان) وتوفّر له الطُعم الذي يساعده في صيده المأجور..! ثم يكذب ويدّعى القرب والصداقة بقادة الحزب الراحلين في محاولة لتأكيد تعاطفه مع الحزب نفاقاً وتضليلاً..!
ومن بعض أساليبه الفاسدة اختيار احد كوادر الحزب والتأكيد على انه الأجدر بالقيادة وأنه (مظلوم محسود)..! وهو يأمل بهذا المسعى الأفعواني تحريك الغيرة وزرع الشكوك بين القيادات والكوادر الأخرى..!
هكذا دأب صاحب هذا القلم الذي يخفي السم في الدسم عبر كل مقالاته..! ومتى ما وجد السانحة فهو لا يتأخر من أن يجعل ذلك سبيلاً للطعن في جميع الأحزاب السياسية وتحميلها وزر هذه الحرب والدماء والخراب وكل ما حاق بالوطن..!
وهذه إستراتيجية معلومة عند الكيزان؛ تزهيد الناس في القوى السياسية والمدنية وفي الديمقراطية ليعودوا إلى سكة الانقلابات وشرعنة الشمولية وحكم القهر والاستبداد..!
يفعل صاحب هذا القلم ذلك؛ ولكنه يترك (الضلفة مفتوحة) لتبرئة حزب الكيزان وكيل الثناء على حكومة البرهان الانقلابية وقادة جيش ياسر العطا وكرتي، والثناء على المستنفرين الكيزان والآخرين المُضللين المساكين الذين يستخدمهم الكيزان طعاماً لحرب لا ناقة لهم فيها ولا بعير..!
والمدهش في الأمر أن صاحب هذا (القلم الحلزوني) كان يقدّم نفسه خلال سنوات الإنقاذ منتسباً إلى حزب وطني على النقيض من الحزب المكلّف من الكيزان بالتخصّص في نقض غزله وتعويق حركته وإشعال الفتنة من داخله..!
كل ما يقوله صاحب هذا القلم يصب في مصلحة الكيزان ويخدم توجهانهم.. فهل هذا من باب الصدفة..!
والأكثر إدهاشاً أن صاحب هذا القلم الموبوء كان يدّعى مناصرة الديمقراطية والحكم المدني فإذا به من أكبر (ترزية الستائر السوداء) التي يتم نسجها لإخفاء عوار الانقلابات العسكرية وعورات الكيزان ومآسي حربهم الفاجرة..!
والأبعد في الدهشة أن صاحب هذا القلم (وهو من أصحاب الأسماء المركّبة) كان يمارس أنشطته في عهد الإنقاذ مدَعياً معارضتها.. من خلال إقامة المراكز الثقافية ورعاية مهرجانات الاحتفاء بالتعددية والتنوع الثقافي في السودان..!
لا بد من أخذ الحذر من هذه الأقلام التي تحمل السم الزعاف وهي تدّعي البراءة وتجوس بين الناس آمنة على خفاء أمرها وتندّس مثل الحيّة الرقطاء لتلدغ الصديق والرفيق والعشير القريب..! الله لا كسّبكم..!
[email protected]
الوسومالانقلاب الحرب السودان القوى المدنية الكيزان بورتسودان جهاز الأمن د. مرتضى الغاليالمصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: الانقلاب الحرب السودان القوى المدنية الكيزان بورتسودان جهاز الأمن د مرتضى الغالي
إقرأ أيضاً:
خزعل الماجدي.. ابن المدينة الذي عبثَ بالثوابت وجادل المُقدس
بقلم : فالح حسون الدراجي ..
الكتابة عن الدكتور خزعل الماجدي ومنجزه الجدلي الصادم، محفوفة حتماً بالمخاطر، وتتطلب الحيطة والحذر، فهي عندي أشبه بالمشي على حافة ( جبل النار ) الشهير في تايوان، إذ قد تدفع حياتك ثمناً لأية غفلة أو سهو غير مقصود .
وطبعاً فأن هذه الخطورة لم تاتِ بسبب موقف سياسي معارض أعلنه خزعل الماجدي، ولا بسبب تصريح يمس أحد الشخصيات النافذة في العراق أو في غير العراق، إنما المشكلة تكمن في أن الرجل ذهب في دراساته التاريخية واستنتاجاته البحثية إلى أبعد من المقبول، أقصد ان الرجل ذهب إلى الملعب الذي لايُسمح الذهاب اليه، ولم يكتفِ بالزيارة، والمناظرة، إنما راح يعبث بالثوابت الخالدة، ويخلخلها ويحفر عميقاً تحت أُسسها.. ولم يكتفِ بذلك ايضاً بل مضى إلى منطقة أخطر، وأشد حساسية، وهل هناك أخطر من منطقة الدين، سواءً اكانت يهودية او مسيحية او إسلامية الهوية.. ؟! ولعل المشكلة التي وضع خزعل نفسه فيها تتمثل في نيله من المقدس، فالشرقي مهما كان نوع مقدسه، مستعد للموت الف مرة دون أن يقبل المساس بمقدسه، حتى لو جاء ذلك بطريق البحث العلمي والجدل التاريخي، وحتى لو استحضر الباحث كل سندات الموروث، وكل الدلائل والأساطير وما يشهد له صحة نظريته وسلامة تطبيقاته، بما في ذلك المنحوتات والتماثيل والهياكل المتوفرة، والمخطوطات المحفوظة في المتاحف ..
نعم، فكل هذا لا يشفع للباحث لو تجرأ واقترب من مقدسه..
لقد اختلف الناس في ما يفعله الدكتور خزعل الماجدي وما يتعلل به في محاضراته الكثيرة، وكتبه الوفيرة، فثمة الملايين الذين يتفقون مع طروحاته وبراهينه ومشروعه بالكامل، بينما هناك الملايين الذين يختلفون معه، ويتهمونه بالإلحاد، والكذب، واستخدام حجة الأساطير للنيل من الكتاب المقدس وثوابت الأديان..
لقد فوجئت شخصياً بمشروع خزعل الماجدي، وما أحدثه من صدمة في رأس المجتمع الشرقي، وسبب مفاجأتي يعود إلى أني اعرف خزعل زناد الماجدي الطالب في ثانوية (قتيبة) في مدينة الثورة، وزميلي تقريباً في صفوفها، بخاصة ونحن بعمر واحد- فكلانا من مواليد 1951- وقد درسنا في ثانوية قتيبة بفترة زمنية واحدة، كما أني أعرفه كواحد من أبرز شعراء الجيل السبعيني الذي ضم سلام كاظم ورعد عبد القادر و كمال سبتي و شاكر لعيبي و هاشم شفيق وصاحب الشاهر وعبد الزهره زكي وعواد ناصر وحميد قاسم وكريم العراقي وغيرهم، وأعرف كم هو مخلص ومتحمس لمشروعه الشعري، لاسيما بعد صدور مجموعته الشعرية الاولى (يقظة دلمون) في العام 1980، والتي أكد فيها خطه الشعري المميز عن أقرانه شعراء الجيل السبعيني .. وإذا كانت دراسته التخصصية في الماجستير والدكتوراه قد رمت به خارج جغرافيا الشعر، وأهّلته إلى ان يكون باحثاً مُتخصصاً في علم وتاريخ الأديان والحضارات القديمة، فهو لعمري أمر لم اكن اعرفه قط، لاسيما بعد أن قطعت اخباره عني بسبب سفر كلينا، فصرنا في واقعَين متباعدين تماماً ..
بالمناسبة تحدثت قبل فترة مع احد الأخوة العراقيين الذين يقيمون في أستراليا، حول الدكتور خزعل الماجدي، وقد استغرب هذا الصديق كثيراً حين قلت له، إن الدكتور خزعل ابن مدينة الثورة، وخريج ثانوية قتيبة، ولا اعرف لماذا كان هذا الاستغراب، ولا أتذكر أيضاً تبريره على ذلك ..!
لكني أتذكر أنه سألني إن كان الماجدي شيوعياً؟
فقلت له : كلا كلا لم يكن شيوعياً ولا حتى صديقاً للحزب الشيوعي، بل ولم يقترب أبداً من البيئة الشيوعية، فالرجل كان مشغولاً بمشروعه الشعري الذي قال بنفسه عنه يوماً : ” إنني، ومنذ نشأتي الثقافية لم أنشغل بشيء آخر سوى الكتابة. لم تجذبني إغواءات المال أو السياسة أو الاحزاب أو حتى الحياة الاجتماعية، بغوايتها البرّاقة بشكل خاص، وكان مشروعي الثقافي، منذ وقت بعيد، ماثلاً أمامي، ومضيت فيه، أطوّره ويطوّرني في اتجاه أهدافي الروحية والمعرفية، حتى أنجزت ما أنجزته.. لقد أدركت منذ صباي، أن الحياة الروحية للإنسان مهمة جداً كما الحياة المادية، ولكنني وجدت أن الدين يحتكرها بشكل كامل على وجه التقريب، فقررت أن أصحح الأمر، وكان أن وجدت الشعر أشمل من الأدب، وهو أيضاً عكس الدين، لا تقيده الأيديولوجيا، فاعتبرت الشعر ديانتي الأولى. كانت الحياة التي من حولي، كلها، مثبطة لي ولمشروعي، ولكنني كنت مصرّاً عليه وحده فقط، وكان يزداد وضوحاً، وتتكشف تفاصيله كلما مضى بي الوقت”.
ويكمل خزعل موضوعه قائلاً : ” لم أستلم في حياتي كلها، حتى الآن، منصباً أو وظيفة مهمة. ولم أسعَ إلى ذلك، ولم أحلم بثروةٍ سوى الكتب، ولم أضيّع وقتي إلا في القراءة والكتابة الثقافية، وما يناظرها بالمستوى نفسه في الحياة، وكنت، وما زلت، أحاسب نفسي بصرامة على هدر أي وقت أنفقه في أمورٍ جانبية. الحياة في العراق تشبه التدلّي على حافة هاويةٍ، نتعلم منها أن الموت تحت أقدامنا كل يوم، وعلينا أن نكتب موتنا مراراً كي ندفعه عنا في الواقع. وهذا نوع من الممارسة السحرية العميقة، حيث الكتابة تؤجل الموت سحرياً. لا يوجد هدر فرص وحيوات على وجه الأرض، أكثر مما يوجد في العراق. الأرقام المليونية لموت وقتل وهجرة وعذاب وفقدان ناس وخسارتهم لمواهبهم، وأرقام مليارية لنهب وسرقة ثروات البلاد وعبثية صرف الأموال، كل ذلك ليس له مثيل إلا في العراق، بلد ضاع في مهبّ الريح، ضيّعه سياسيون مهووسون بالفتن والجهل
، بلدٌ دمّره أهله قبل أن يدمّره الأعداء ومن حوله. عندما أدركت ذلك منذ زمن بعيد، ربما مع نهاية السبعينيات (حيث انفجار العنف الدموي مع مجيء صدام حسين للسلطة)، وسيطرة العنف الشامل على العراق، ودخوله أول حرب مليونية أيضاً، هي الحرب العراقية – الإيرانية أدركت أننا ذاهبون إلى حتفنا، صار الموت يتمشى في حياتنا جذلاً مرحاً، وصرت أشعر بأنني قابل للموت في أي لحظة، وبطريقة مجانية. ولذلك اتخذت قراراً مهماً في حياتي، وهو أن أنصرف كلياً إلى مشروعي الثقافي والشعري، وألّا أدع أمراً يحول دونه أو يعطّله. وعندما تشتغل بحاسة الموت، يلتهب كل شيء في حياتك، وتتحوّل أنت بذاتك إلى ورشات عمل داخلية تعمل بنشاط نوعي. لقد قررت أن أدافع عن نفسي بوجه صنّاع الموت، وكانت الكتابة سبيلي إلى ذلك. وكان لي ما أردت، عندما أبعدت نفسي عن كل ما يتعلق بالسياسة والمال والمنافع الاجتماعية. ولم أزل على هذا النهج حتى اللحظة.. وعلى الرغم من كل المتغيرات الشكلية في وضع العراق، غير أن هذا البلد المنكوب يزداد عنفاً واضطراباً.. وهكذا تراني أكتب، كي أدفع عني هذا الكابوس..”!
لم يتركني صديقي عند هذا الحد، إنما سألني :
وما هو رأيك بمشروع خزعل الماجدي؟
فضحكت، وقلت له: إنه مشروعه وليس مشروعي، ألم تقل أنت في سؤالك: (مشروع خزعل الماجدي) ؟!