أكد رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون، أن "لبنان سيبذل كل جهد ممكن من خلال الخيارات الدبلوماسية ودعم الدول العربية والصديقة، لتحرير أرضه من الاحتلال الاسرائيلي"، مشددا على أنه "لا يمكن مواجهة التحديات الراهنة في المنطقة الا من خلال موقف عربي موحد، وخصوصا التحديات التي يواجهها الشعب الفلسطيني"، مؤكدا أن "لا أحد بمنأى عن تداعيات الأحداث في أي دولة عربية".



كلام رئيس الجمهورية جاء في خلال استقباله السلك الدبلوماسي العربي برئاسة عميد السلك سفير دولة فلسطين أشرف دبور.

في مستهل اللقاء، تحدث السفير دبور باسم الوفد، فوجه التهنئة إلى الرئيس عون بانتخابه، متمنيا للبنان "الخروج من أزماته الحالية وخصوصا في ظل عدم الانسحاب الإسرائيلي الكامل من الجنوب".

ونوه بـ"دعم رئيس الجمهورية للقضية الفلسطينية، باحتضان لبنان للفلسطينيين على أرضه"، مؤكدا أنهم "سيكونون على الدوام إلى جانب لبنان ومحترمين لسيادته".

وشدد السفير دبور، باسم السفراء العرب في الوفد، على "وقوف بلدانهم إلى "جانب لبنان في هذه المرحلة"، ودعمهم "لما تحقق حتى الآن من استكمال الاستحقاقات الدستورية عبر انتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة جديدة".

ثم تحدث عدد من السفراء العرب الحاضرين، فأكدوا على ما ذكره سفير دولة فلسطين، من "دعم بلدانهم للبنان في مرحلة النهوض التي يتطلع اليها"، معبرين عن أملهم بـ"عودة لبنان للعب دوره الفاعل في محيطه".

ورد الرئيس عون شاكرا للدول العربية دعمها للبنان، منوها بـ"مشاركة السعودية وقطر ومصر في اللجنة الخماسية التي ساهمت في انهاء الشغور الرئاسي".

وذكر الرئيس عون بما قاله مؤسس المملكة العربية السعودية الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود عن أن "لبنان هو شرفة العرب"، مؤكداً أنه "سيعود شرفة العرب بدعم الدول العربية"، وجدد التأكيد أن "لبنان لن يكون بعد اليوم منصة للهجوم على الدول الصديقة والشقيقة، ولا سيما الدول العربية".

على صعيد آخر، رأى الرئيس عون أنه "لا يمكن مواجهة التحديات الراهنة في منطقة الشرق الأوسط، الا من خلال موقف عربي موحد، وخصوصاً التحديات التي يواجهها الشعب الفلسطيني"، وقال: "كل المنطقة العربية مترابطة ببعضها، ولا أحد بمنأى عن تداعيات الأحداث في أي دولة عربية. فتحدياتنا واحدة واهتماماتنا يجب ان تكون واحدة وكذلك الاستفادة من الفرص".

وعن استمرارالاحتلال الإسرائيلي في الجنوب، أكد الرئيس عون أن "لبنان سيبذل كل جهد ممكن من خلال الخيارات الدبلوماسية ودعم الدول العربية والصديقة لتحرير أرضنا".

واستقبل الرئيس عون ظهر اليوم وفدا من الرابطة المارونية برئاسة الدكتور خليل كرم، وعرض معهم لنشاطات الرابطة والأوضاع الراهنة في البلاد.

في مستهل اللقاء، القى الدكتور كرم الكلمة الآتية: "فخامة الرئيس العماد جوزف عون، نشكر لكم استقبالكم في القصر الجمهوري الذي تَسرُّنا زيارته بعد سنتين وشهرين وخمسة أيام من الشغور في سدة الرئاسة الأولى. من دواعي سرورنا أن انتخابكم تم بتزكية دولية وعربية، وتأييد سياسي وشعبي قل نظيره، لما انطوى عليه شخصكم من صفات لا تؤتى الا للرجال الرجال الذين يتصدون للمسؤوليات الجسام بحزم وثاقب بصر وبصيرة. يحدوكم ايمان كبير أن لبنان خلق للحياة وللحق ولن تسمحوا بأن يكْبو ويقع مهما عصفت به رياح الشر وانتصبت في وجهه الصعوبات والتحديات.

إن الرابطة المارونية، التي تمثل البعد الوطني لطائفة مؤسسة للبنان الكبير وتضم نخبا متقدمة في مجتمعها، تهنئكم وتعلن وقوفها إلى جانبكم في الرحلة الشاقة التي تقطعونها لتعيدوا لبنان إلى ذاته، والى هويته القائمة على الايمان في العيش معا وفي دولة ذات سيادة تحكم بالعدل والقانون، وتضمن المساواة بين ابنائها. في ظل علم واحد يرفرف فوق ربوعها علم الارز الخالد وجيش واحد تحت سقف الشرعية. فلا إلغاء ولا إقصاء ولا تهميش ولا إستضعاف أو إستقواء.

إن الرابطة المارونية التي حازت على الصفة والمصلحة عندما ربحت سنة 2003 دعوى الطعن بمرسوم التجنيس الذي صدر سنة 1994 وننوّه بعمل الرئيس السابق نعمة الله أبي نصر في هذا المضمار، وربحت الدعوى التي أقامتها ضد وزارة العمل سنة 2021 بخصوص العمالة الفلسطينية.

وأخيرا اعتمد رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي دراسة لجنة الجنسية واللآجئين في الرابطة لمقاربة الموضوع من منطلق وطني وعيّن مستشاراً من قبله ليكون صلة الوصل مع اللجنة الرابطية. هم المودعين يؤرق الجميع وتقوم اللجنة الاقتصادية بالتعاون مع إخصائيين لإبعاد شبح شطب الودائع عن الأكثرية الساحقة من الشعب اللبناني. لن أعدد إنجازات لجان الرابطة فالبحث يطول، بإختصار: لجنة الثقافة أصدرت كتابين عن الطوباوي البطريرك اسطفان الدويهي. لجنة الشؤون الاجتماعية تنظم العرس الجماعي الذي واكبتم تفاصيله عندما كنتم في قيادة الجيش إذ 90 بالمئة من المتزوجين يأتون من الأسلاك العسكرية. لجنة الصحة كان لها دور مميّز في فترة جائحة الكورونا. لجنة التربية ملّمة خاصة بأوضاع الجامعة اللبنانية. لجنة شؤون الموظفين والادارات العامة تلاحق عن كثب وضعنا في إدارات الدولة والأسلاك العسكرية وتنسق مع لابورا. لجنة حقوق المرأة والطفل نشطت على أكثر من صعيد في أوضاع اقتصادية أليمة في مجتمعنا. لجنة المناطق أوصلت مساعدات الى المناطق المنكوبة. لجنة الانتشار أتمّت منصة الكترونية تسّهل التواصل مع الأغتراب الماروني. لجنة الدراسات الدستورية والقانونية أتمّت مشروع تحديث نظام الرابطة. اللجنة السياسية تحضر دراسة بخصوص قانون إنتخاب عصري لمجلس النواب. لجنة متابعة الشؤون العقارية وأملاك الأوقاف تلاحق التعديات على أملاك الأوقاف والعقارات المارونية.

إن خطاب القسم الذي نؤيد مضمونه وأيده كل اللبنانيون هو البوصلة التي حددتم من خلالها معالم الطريق التي يجب سلوكها في عهدكم الميمون، للوصول إلى الوطن الذي مزج جدودنا وآلاباء العرق بالدم من أجل نقله الى حيز الوجود القوي والحضور الفاعل. ونحن مطمئنون بأنكم ستكونون خير مؤتمن على تاريخه وجغرافيته.

ليس للرابطة المارونية اي طلب سوى أن تنجحوا في مسيرتِكم الوطنية والاصلاحية، وتعيدوا الى وطننا نبض الحياة والاستقرار والآمان. وان تصونوا، كما اشرتم في خطاب القسم، هوية لبنان التعددية والثقافية، وانقاذها من عددية وافدة بقوة نخشاها حقا بعد كل الذي نسمعه عن ضغط دولي لتوطين الفلسطينيين في الخارج حيث هم، مما يعني انه يتعين على لبنان شرعنة وجود  مئات آلالاف منهم على أرضنا. وفي حين لا تلوح في الافق بشائر حل لعودة النازحين السوريين إلى بلادهم، على الرغم من سقوط النظام الذي كانوا يعزون اليه سبب نزوحهم الى بلدٍ بالكاد يتسع لابنائه المقيمين الذين تتلقفهم اشداق الهجرة المستدامة.

نشكر لكم ما تبذلون من جهد على المستويين السياسي والدبلوماسي من أجل ضمان انسحاب إسرائيل من البلدات والقرى، والتلال التي تحتلها في جنوب لبنان، والعمليات التدميرية التي تقوم بها دون رادع، ضاربة عرض الحائط بالقرارات الاممية، هازئة  بالدور الذي تضطلع به الامم المتحدة. وإننا نرى في محاولة إسرائيل إتخاذ إجراءات بشروطها، إنما يهدف إلى خلط الأوراق وإنتاج مشروع فتنة نعوّل على حكمتكم، وما لكم من علاقات دولية وعربية لاجتنابه، من خلال السعي إلى إجلائها من أرضنا، وحصر السلاح بيد الدولة والدولة فقط، لأن ليس لنا سواها بديلا.

على كتفكم تقوم ورشة استعادة السيادة والإعمار والإصلاح والنهوض بالدولة المتهالكة، ويقيننا انكم لن تخيبوا آمال اللبنانيين الذين ينتظرون منكم الكثير. فَسِرْ على دروب الانقاذ ولا تتطلع الى الوراء، وستجدنا معك جميعا، فيتحقق حلم اشتياقنا إلى لبنان الذي نصبو إليه".

ورد الرئيس عون مرحبا بالوفد، مؤكدا "ضرورة وقوف الجميع الى جانب لبنان الوطن وليس الأشخاص"، مشددا على "دور الرابطة في حث المواطنين على الانخراط بمؤسسات الدولة"، وجدد تأكيد "ضرورة عودة النازحين السوريين الى بلدهم بعد انتفاء أسباب بقائهم في لبنان"، واعتبر ان "احد وجوه أعباء هذا النزوح  يتمثل بارتفاع نسبة الجريمة في لبنان".

وجدد الرئيس عون التأكيد انه لن يقبل التفريط "بحقوق المودعين في المصارف اللبنانية والحل لهذه القضية سيكون مشتركا بين الدولة وجمعية المصارف والمودعين"، ودعا الى "تضافر الجهود في سبيل إعادة النهوض بالبلد من جديد"، معتبرا ان "مصلحة لبنان هي فوق كل اعتبار وان لا اقصاء لاحد لان ما حصل في الأشهر الأخيرة انعكس على لبنان بأكمله، وليس على طائفة او فئة على حساب أخرى"، مذكرا بقول الامام المغيب السيد موسى الصدر "الطوائف نعمة لكن الطائفية نقمة"، مشددا على ان "لبنان الدولة هو الذي يحمي كل الطوائف وليس العكس".

وتابع رئيس الجمهورية: "علينا في المرحلة المقبلة اثبات اننا في صدد بناء الدولة الحديثة والمتطورة التي تحكمها المساواة ويعيش فيها المواطنون بكرامتهم، في ظل إصلاحات مالية واقتصادية وقضائية لنفسح في المجال امام مساعدة الخارج لنا"، مشددا على "ضرورة ان يبقى اللبنانيون موحدين من دون ان يستجلبوا الخارج الى الداخل"، وقال: "لنكن كلبنانيين ابعادا داخلية في الخارج وليس ابعادا خارجية في الداخل لا سيما وان ما حصل في الجنوب أثر سلبا على كل لبنان، ولا صحة اطلاقا بأن الطائفة الشيعية محاصرة، لأننا كلنا جسم واحد وبيئة واحدة دفعنا ثمن الحرب ونواجه معا التحديات. والثقة داخل المجتمع اللبناني هي الأساس"، وشدد على "ضرورة تحييد لبنان عن سياسة المحاور".

وقال: "لبنان يستأهل اللبنانيين النوابغ الذين يهاجرون الى الخارج الجاهزين للعودة للاستثمار في ربوعه اذا ما قدمنا لهم الاستقرار السياسي والأمني والاقتصادي والقضائي".

وأعاد الرئيس عون التشديد على ان "حرية التعبير مقدسة شرط ان تكون سلمية، وان التظاهر يتم وفق القوانين والمواثيق الدولية، لكن قطع الطرقات والتعدي على المواطنين امر غير مقبول"، معتبرا ان "الامن خط احمر على كل الأراضي اللبنانية وليس على منطقة معينة فحسب، وان التجاوزات التي حصلت قبل أيام والاعتداء على الجيش والمواطنين ممارسات مرفوضة ولن تتكرر".

وفي قصر بعبدا الوزير السابق ناصيف حتي الذي عرض مع الرئيس عون للأوضاع العامة في لبنان والمنطقة.

كذلك استقبل الرئيس عون رئيس مجلس إدارة والمدير العام لمرفأ بيروت عمر عيتاني الذي اطلعه على الحركة في المرفأ والإجراءات التي اتخذت لإزالة آثار انفجار 4 آب 2020.

المصدر: لبنان ٢٤

إقرأ أيضاً:

ما الذي يدور في عقل ترامب؟

قال المجاهد العربي العظيم عمر المختار مرة: إن الضربات التي لا تقصم ظهرك تقويك. وبالتأكيد أن الضربات المتتالية التي يتلقاها العرب لم تقصم ظهورهم ولا نالت منهم، ورغم كل مؤامرات الكون لا زلنا واقفين وصامدين إلى أن تقوم الساعة.. هذا ما أراده الله لهذه الأمة. مهما حصل فما يؤلمك اليوم قد يكون السبب في كونك قوياً غدا، كما قال نجيب محفوظ. صخرة ألقاها دونالد ترمب في بحيرة العرب الراكدة لتعكر صفوها وتخلطها رأساً على عقب، معلنًا عن رغبته في تهجير أهل غزة من القطاع إلى الخارج وتحديدا إلى مصر والأردن ودول أخرى بادياً رغبته في تملكها بأي طريق سواء كان بالشراء أو الاستيلاء أو الاستعمار وطرد أهلها منها. والوعد بتحويلها إلى جنات تجري من تحتها الأنهار ومزارع من عنب ورمان (ريفييرا الشرق الأوسط) ينعم الساكنون فيها بفلل وملاعب جولف ومسابح، كل ذلك ولا يحق للفلسطينيين العودة إليها أو السكن فيها.

ما يمتاز به ترامب هو الصراحة والشفافية ولا يجيد المراوغة أو الدبلوماسية، وفي نفس الوقت الغرور والصلف والمكابرة والتباهي بالنفس، هذه الصفات تزعج الكثيرين بالطبع وتحرج آخرين من الزعماء أمام شعوبهم. يريد ترامب اللعب على المكشوف، وربما المرحلة تتطلب ذلك لتدفع العرب إلى التفكير أيضاً بشكل مختلف وبصوت مسموع بما يتوافق مع ذلك، لتدخل القضية الفلسطينية مرحلة جديدة من الصراع العربي الصهيوني.

الأفكار التي أطلقها ترامب كانت كفيلة بإشعال الأوساط وما زالت ارتداداتها تتفاعل ولم تنتهِ بعد، وما أن يشعر ساكن البيت الأبيض بخفوتها يشعلها بإطلاقه مزيدا من التهديد والوعيد وفتح أبواب جهنم. يحلو لساكن البيت الأبيض ترديد سرياليته المقيتة وأحلامه الغريبة. ذلك الساكن لا يراعي ذمة ولا أخلاقا ولا قانونا أو عرفا ولا حتى إنسانية، فهو ليس إلا تاجر سمسار ومرابٍ لا يهمه في الأمر شيئا غير جمع المال، العالم في فكره ليس إلا مصرف كبير يجمع منه الأموال، والعالم العربي ليس في فكره إلا أكوام من المال والثروة التي تقع تحت أيادي من لا يحسنون التصرف بها ولا يستحقونها وله الحق وحده في الاستيلاء على تلك الثروة دون شفقة أو مبرر.

تلك الأفكار الجهنمية التي طرحها في لحظة عنفوان تلقفها رئيس وزراء إسرائيل وزبانيته المتطرفون وصفقوا وهللوا لما يسمعون مما تجاوز حتى أحلامهم، بل وصل تماديه إلى إعلانه بشكل مستفز عن مقترح نقل أهل غزة إلى المملكة العربية السعودية و«إقامة دولة فلسطينية على أراضيها الواسعة» وهي بلا شك نظرة لا أخلاقية واستعلاء وخرق فظ لكل الأعراف وللقانون الدولي.

وفي الحقيقة ترامب رغم مغامراته النزقة إلا أنه لو افترضنا أنه يريد حل القضية الفلسطينية وغزة إلا أنه لم يقدم خطة مدروسة، كل ما قدمه تصريحات عنترية وتهديدات ووعيد. وعندما شعر بعدم قبولها طالب العرب بالبديل قائلا لهم «إذا رفضتم الخطة، فعليكم طرح أفكاركم». وأن يقدموا خطة متكاملة لترامب كما صرح بذلك وزير خارجيته روميو. العرب بدورهم تفاعلوا مع تلك الأفكار وسارعوا إلى الإعلان عن إقامة سلسلة من القمم العربية والإسلامية للرد على تلك الخطة الزئبقية. ما يتم تداوله الآن من خطة عربية أو خطة مصرية أو الورقة المصرية لحل قضية غزة رغم أن تفاصيلها لم تعلن بعد إلا أنه هناك بعد الوشوشات عن اقتراح تم تنسيقه مع الأردن وقطر والإمارات والسعودية، يقوم على رفض فكرة تهجير أهل غزة وإعادة توطينهم في الخارج. والخطة تشمل أيضاً إعادة إعمار القطاع على مراحل تستمر 5 - 10 سنوات بتمويل عربي (دول الخليج) وبتنفيذ شركات مصرية وأمريكية. على أن يتم تشكيل إدارة فلسطينية في القطاع تتحمل المسؤولية عن إدارة وتنسيق نشاطات الأجهزة المدنية الحيوية، والخدماتية، وتكون مسؤولة عن معبر رفح.

تلك الخطة الظاهرة التي يتم تسريبها واضحة تماماً، لكن الخشية من المخفي منها أو العبارات القابلة للتأويل والتفسيرات المختلفة ومراوغتها وهنا الخطورة. والسؤال الذي بات يطرح على نطاق واسع وبشكل متسارع هو، هل يلدغ العرب من نفس الجحر مرتين؟ وهل يبتلع العرب الطعم الذي رمي لهم؟

لا نريد الخوض فيما يعتقده المرتجفون ويعتقدون أن تدمير غزة جاء بسبب حماس والمقاومة. في المقابل يعتقد الكثيرون أن ما عجز عنه الصهاينة وداعموهم طوال الخمسة عشر شهراً من تدمير ومذابح لا يجب على العرب تقديمه على طبق من ذهب وما لم يستطعه نتنياهو من أهداف أعلنها في بداية عدوانه سيتحقق بشكل آخر.

على أمل أن يدرك العالم أجمع بما فيهم العرب بأنهم من حاصروا غزة ومنعوا عن أهلها الدواء والغذاء ووضعوهم في سجن كبير فقط بدون سقف ومنطقياً طال الزمن أو قصر سيأتي يوم وينفجر الوضع، والعالم كله يدرك أنه ليس طوفانا بل طوفانات كثيرة سوف تأتي إن ظلت غزة محاصرة للأبد.

يدرك المرتجفون أنهم سبب كل البلاوي والتراجع وأنهم قدموا خدمات جليلة للصهيونية والغرب. وإن ما يقدمونه كخطة للترامب (إن كان ذلك ضروريا) عن غزة تتضمن التخلص من حماس والمقاومة وذلك بالضبط ما يريده نتنياهو والغرب أجمع. الشيء الآخر، أغلب العرب الفاعلون على الساحة الآن الذين يتصدرون المشهد ويطلب منهم تقديم خطة لغزة هم بالأساس يضعون حماس والمقاومة في صف الأعداء وصنفوها في خانة الإرهاب ووسموها بالحركة الإرهابية، أي منطق هذا؟ هل ستكون الضمائر والنخوة العربية ومعاناة الفلسطينيين والأمهات الثكلى ودماء الشهداء حاضرة في أذهانهم وهم يفكرون في تقديم خطتهم. شيء آخر، أيضا، إن ارتفعت الأصوات منذ بداية الحرب على غزة أن العرب لديهم الثروة لإعادة بناء غزة، لا يهم ذلك فليفعل نتنياهو تدميراً وقتلاً ويرتكب المذابح طالما هناك من يعيد البناء. لماذا لا يتصدى العرب ويطالبون العالم بأجمعه وخصوصاً تلك الدول التي ساهمت في تدمير غزة وأرسلت الأسلحة، لماذا لا يتحملون ما اقترفته أيديهم من إجرام؟

ها هو ترامب يطلب من أوكرانيا تقاسم معادنها وثرواتها كتعويض عن الأسلحة والدعم المالي الذي دفعوه لهم. لماذا العرب لا ينطلقون من هذا طالما هذا هو منطق الغرب.

إسرائيل ليست بتلك القوة المتصورة التي كانت تروج لها، المقاومة الفلسطينية الشجاعة كسرت هذه الغطرسة ومرغت أنوفهم في وحل ورمال غزة ولم تعد سردية القوة وما يروجونه قائمة ولن تصمد، فإسرائيل والغرب لم يستطيعوا تدمير «حماس»، وبات العالم كله يدرك أن قوتها تلك مصنوعة وبمساعدة وحماية الغرب.

الابتزاز الأمريكي للعرب لا يتوقف عند حد معين، فمن المطالبة بدفع مبالغ على شكل استثمارات أو شراء أسلحة أو إعادة تعمير ما تدمره إسرائيل إلى التهديد بقطع المساعدات عن مصر والأردن والكل يعرف أن الرابح الوحيد ليس هذه الدول فقط إذ أن الأمريكيين لم يمنوا بتلك المساعدات لسواد عيون هذه الدول أو بنوايا صافية في الرغبة بالمساعدة، الأهداف من تلك المساعدات هو الحفاظ على الاستقرار في المنطقة وتخدم أمريكا أكثر، وأن الأموال الأمريكية التي تدفع للأردنيين ليست مساعدات بقدر ما هي «بدل خدمات لا يفيد» كما علق أحد الأردنيين. وفي مجمل الحال لا تشكل المساعدات الأمريكية الموسمية ما تزيد قيمتها التأثير على الميزانية عن 5-7% فقط، ما يعني أنه يمكن بقليل من الترشيد والتفكير خارج الصندوق الاستغناء عنها. على حد رأي خبير أردني.

المطلوب من القمم العربية هو ترسيم استراتيجية عربية للتعامل مع هذه الدول العربية، بالتأكيد تملك الكثير من الأوراق وتستطيع استخدامها عند الضرورة وليس أفضل من هذا الوقت فإذا حيدنا سلاح النفط عن العملية فأننا بالتأكيد أمام أوراق أخرى وفاعلة جداً وأهمها هي وحدة العرب ورص صفوفهم وتكتلهم في كلمة واحدة. ناهيك عن ورقة التطبيع التي تلهث خلفها إسرائيل وترامب ويريدونها دون ثمن بالإضافة إلى وقف الاتفاقيات الموقعة مع هذا الكيان الذي لم تلتزم هي بها، ماذا لو لوحت الدول المطبعة بوقف التطبيع وقطع تلك العلاقة؟

الدول العربية وعلى رأسها المملكة العربية السعودية وهي الدولة الرائدة والقائدة في عالمنا العربي هي لوحدها تملك الكثير من الأوراق التي لا يملكها غيرها من الدول وما يتميز به الأمير محمد بن سلمان من قدرة على القيادة بلا شك سيكون له الأثر الفعال في وقوف هذا التخبط العربي، بالإضافة إلى أن نوايا السعودية قد تكون أكثر صدقاً من غيرها من الدول وذلك لما لها من قداسة ورمزية لدى المسلمين والعرب. بمجرد ما تعلن المملكة عن موقفها القاطع غير القابل للمفاوضات والنقاش وغير المساومة في تحقيق سلام عادل ودائم لن يكون ممكناً دون تحقيق الشعب الفلسطيني حقوقه الشرعية، وإقامة دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية، ولن توافق على إقامة علاقات دبلوماسية مع إسرائيل بدون تحقيق هذه الحقوق المشروعة. مجرد هذا الإعلان وبنوايا صادقة سوف تتداعى معه دول عربية أخرى وإسلامية ويخلق زخما وديناميكية مختلفة.

مقالات مشابهة

  • باحث سعودي: قمة الرياض والقاهرة فرصة لموقف عربي موحد بشأن غزة
  • الرئيس الفلسطيني يقدم رؤية بلاده لمواجهة التحديات خلال القمة العربية
  • نائبة عن زيارة الرئيس لإسبانيا: توقيتها هام لمواجهة التحديات ودعم القضية الفلسطينية
  • حصري للنهار.. هؤلاء هم أعضاء لجنة تحكيم “جائزة رئيس الجمهورية للمبدعين الشباب”
  • ما الذي يدور في عقل ترامب؟
  • الرئيس عون اوفد الرابطة المارونية: ما حصل خلال الأشهر الماضية أصاب لبنان بأسره
  • عون: نتمنى أن يعود لبنان "شرفة العرب"
  • الرئيس عون: لبنان لن يكون منصَّة للهجوم على الدول العربية الشقيقة
  • أحمد موسى: موقف عربي موحد يرفض تهجير الفلسطينيين من أراضيهم