بسم الله الرحمن الرحيم
١٨ فبراير ٢٠٢٥م
متحرك الصياد
لـواء ركن ( م ) د. يونس محمود محمد
وُلدت فكرة متحرّك الصيّاد في حُضن الهجّانة ومجتمعها الموفور القيم، الراسخ في أرضه مثل أشجار التبلدي، الثري بتجارب الحياة، وتليين قسوتها وتطويع ظروفها بمهارات مكتسبة ودفع فطري ( *جبلة* ) ولما أشعل الجنجويد الحرب، كانت الأبيض من الأهداف الحيوية بالنسبة لهم بعد القيادة العامة، ومطار الخرطوم، ومطار مروي، ومطار الأبيض، وساعتها لم تخذل الأبيض وطنها وتجلت بطولاتها ربما بأكثر مما فعلت الأهداف الأخرى ( *للإنصاف* ) لأن تلك الأهداف متجاورة وذات أفضليّة في التعاون المشترك، بينما هجّانة الأُبيض في مَعزٍل، ومحيطٍ مليء بأرتال الجنجويد، لكنهم إستخرجوا من الذاكرة الجمعية فزعة الصيد، فجاء إسم المتحرك ( *الصيّاد* ) بذات صفات وخصائص المفترسات، القُدرة والرغبة والدأب في ملاحقة الفرائس، الحدس، والنظر الحاد الذي يهزم كل مقدرات التمويه والتخفي، السمع المرهف الذي يمميز الأصوات الخافتة والأنفاس اللاهثة، وحاسة شم ( *تكرف* ) ريح الطرائد مهما بعدت، يملك أدوات الفتك، السرعة، المخلب، الأنياب، المرونة.
نعم من كل هؤلاء الصفات نُسجت راية المتحرك ورُفعت في حمى الهجّانة ( *أم ريش* ) فإلتف حولها المعاشيون من الضباط والصف والجنود، وهوت إليها أفئدته المستنفرين من شباب كردفان، فأتمّ إليها حشد مقدّر، محفود، تصدّى للدفاع عن الوطن، وردّ غوائل الجنجويد الأوباش الذين آذوا الناس وإنتهكوا كل حرمة.
وحقّق متحرّك الصيّاد نجاحات مقدّرة في ظروف تكوينه، فكبُرت فكرة المتحرك ووضحت أهميته لدى القيادة العامة، فتم رفده بكتائب من قوة نيالا، وكتائب من تماسيح النيل الأبيض وكتائب من جهاز الأمن والمخابرات.
إتخذت هذه الجحافل من ود عشانا مربضًا أوليًا، وأفردت لقيادته زمرة من الضباط ( *الأسود* ) الذين تعاقبوا فيه على القيادة الميدانية والسيطرة الأعلى، حيثُ حوت قائمة الشرف كل من العميد الرُكن د. عمر حسن حميدة ، والعقيد الرُكن إسماعيل عبد القادر ، والعميد الرُكن ياسر الفريع، والعميد الرُكن عبد الرحيم كافي وهو القائد الميداني الآن.
أما جنرالات السيطرة والتخطيط، والمتابعة، والتنسيق مع القيادة العامة، منهم اللواء الرُكن محمد أحمد العقيد، العميد الرُكن حسين جودات، واللواء الرُكن عاصم عبد الله الفاضل وهو قائد السيطرة الآن.
متحرّك الصيّاد حرّك مخاوف الجنجويد؛ لأنهم أرادوا الإستفراد بالأُبيض ليسيطروا عليها ففشلوا كما فشلوا في السيطرة على فاشر السلطان، ولذلك حاولوا إجهاض مجهودات متحرك الصيّاد قبل أن تتحقق مخاوفهم فقادوا أكثر من أربعة محاولات في منطقة الغبشة، فأذاقهم الويلات، وتولّوا يلعقون جراحات الهزيمة.
ثم انتظمت خُطى الصيّاد على طريق النصر فأدخل الفرحة في كل المناطق التي عانت من ظلم الجنجويد، فطوى الصيّاد كل من ( *تكال البلة* ، *أم خيرين* ، *أم روابة* ، *الله كريم* ، *السميح* ، حتى ركز رايات نصره بالأمس في *الرهد أبو دكنة* ) ”جنجويدي ما سكنه“.
أما مشاهد التلاقي بين المواطنين وجيشهم الفاتح، فذلك أمر يعز والله على الكلمات أن تسعه لأنها مشاعر حيّة تفيض بالصدق، تحكي عن المعاناة التي قاسوها والذل الذي يتعمّد الجنجويد أن يسقوه للناس، كأنما بينهم وهؤلاء المواطنين ما صنع الحدّاد، لم يتركوا جريرةً إلا وارتكبوها ولا يبالون، ولذلك إطلالة طلائع متحرك الصيّاد جاءتهم مثل بشارات الخريف، ورياح الدعاش المبشّرة بالمطر، مثل فلق الصباح وإنبلاج الفجر بعد ليل طويل، مثل عودة الغائب الحبيب، مثل روح العافية تسري في عروق العليل، مثل إعلان النجاح بعد مخاض المعاناة، ومعالجة الأمل.
الصيّاد دخل إلى الرهد يحمل في فراه ( *النصر* )
وسليب الجنجويد الذي تركوه وراء ظهورهم، وطلبوا النجاة بعدما رأوا آيات الصمود، وبيّنات الشجاعة الحقة غير المغشوشة بمخدر الآيس، ووعود آل دقلو، ودراهم شيطان العرب.
نعم ترك الجنجويد وراءهم ( *أوهام النصر* ) والسيطرة على كردفان وإذلال أعرق قوة في الجيش السوداني ( *الهجانة* ) وهتك سترها ودخول حجرها العفيف.
ترك الجنجويد وراءهم أسوأ سيرة وأقذر ممارسة، وأقبح منظر، ذكريات من القتل والدماء والأشلاء، والغُبن والمواجع ما لا يمكن نسيانه في قرون السنوات.
نعم سيبقى ما فعله الجنجويد كدمةً في وجدان الشعب السوداني، كل ما تحسّسها قفزت إليه صور البطش، وتردد صدى صرخات الحرائر المُغتصبات.
متحرك الصيّاد ، ردّ بقوته، وبسالة جُنده وفدائية ضباطه الأصاغر ( *الأكابر* ) وحكمة ودراية قيادته الميدانية، أما السيطرة العُليا للمتحرك فهي نماذج باذخة لضباط القوات المسلحة المؤهلين من كل جانب، العسكري، والإستراتيجي، والأخلاقي، والقيمي، والعقدي، فضلاً عن الإشراف المباشر من المستوى السيادي، الفريق أول شمس الدين كباشي، فشتّان ما بينهم والملاقيط الربّاطين القتلة المجرمين.
إن الفرحة بعودة هذه المُدن والقُرى الحبيبة هي فرحة وطن يبكي ويحتضن قواته المسلحة، يذرف على كتفها دمع الفرح والخلاص من القهر.
حيّ الله متحرك الصيّاد، وسقاهم من رحيق العافية والحياة والخلود في الوجدان السوداني.
مؤيدين أينما تولوا أشرقت شموس النصر، وإنهزمت مليشيا الظلام .
والله أكبر والعزة للسودان إنضم لقناة النيلين على واتساب
المصدر: موقع النيلين
إقرأ أيضاً:
لا تتوقع من المشتركة أن تحارب الحلو أو عبدالواحد نور ما لم يهاجموا الفاشر مع الجنجويد
“دنيا دبنقا دردقي بشيش”- مثل دارفوري
مناوي سياسي وعنده علاقات قديمة مع الحلو وعبدالواحد وغيرهم من الحركات المسلحة وحربه مع الجنجويد وليس مع الحلو ولا عبدالواحد ولأسباب معروفة متعلقة بالصراع في دارفور أكثر من تعلقها بحرب الدعم السريع مع الجيش.
وليس هناك ما يدعوه لمحاربة رفاقه السابقين في الحركات المسلحة لمجرد اصطفافهم السياسي مع الدعم السريع وهم لم يرفعوا السلاح مع الدعم السريع حتى الآن، فماذا يستعديهم؟
صراع مناوي والقوى المشتركة مع الجنجويد صراع وجودي في دارفور، ولكن صراعه مع الحركات التي تحالفت مع الجنجويد مؤخرا ليس كذلك؛ مناوي ليس لديه حرب مع عبدالعزيز الحلو ولا عبدالواحد أو الطاهر حجر. فمن الطبيعي أن يتعامل موقفهم كموقف سياسي هو مختلف معه، ولكنه لم يصل حتى الآن على الأقل إلى مرحلة القطيعة الكاملة والصدام العسكري.
مناوي وحركات سلام جوبا كلها كانت متمردة تحارب النظام وهي موجودة الآن بموجب اتفاق سياسي. فلا تتوقع أنها ستقاتل بقية الحركات غير الموقعة على سلام جوبا لمجرد أن هذه الحركات ما تزال تحارب الجيش.
القوات المشتركة حاربت الجنجويد لأسباب معروفة وبالذات بعد تهديد الدعم السريع لمدنية الفاشر، وهي قد أبلت بلاءا حسنا في الدفاع عن الفاشر وقاتلت في الصحراء وفي الجيلي والفاو ومناطق أخرى، وهو موقف مفيد في الحرب وبالفعل مثل انحيازها قلبا للموازين بالذات في دارفور.
ولكن لا تتوقع من المشتركة أن تحارب عبدالعزيز الحلو أو عبدالواحد محمد نور ما لم يهاجموا الفاشر مع الجنجويد وهو أمر غير واضح حتى الآن. لذلك يبقى خلاف مناوي وربما كل حركات سلام جوبا المتحالفة مع الجيش مع رفاقهم السابقين خلافا سياسيا قد لا يرقى لمرحلة القطيعة الكاملة، تماما مثل موقفهم من القحاتة.
هذا هو الواقع. أنت كداعم للجيش المشتركة في صفك الآن ضد الجنجويد، ولكن لا تتوقع أن ترى القوات المشتركة تقاتل الحلو في جبال النوبة لمجرد أنه تحالف مع الدعم السريع والمشتركة مع الجيش. هذا مستبعد وغير وارد في الوقت الحالي.
أنا قد أتفهم النقد الذي يوجه إلى مناوي بسبب تغريدته الأخيرة من باب الحوار السياسي والنقاش داخل الصف الوطني الواحد، ومناوي بالفعل يمثل الدولة (بموجب اتفاق سلام مع حركة متمردة ظلت تقاتل تحت نفس شعارات الهامش والمركز التي يرفعها تخالف نيروبي الآن) ولكن تبقى هناك مساحة للاختلاف.
الحرب التي بدأها الجنجويد كجنجويد اتخذت منحى جديدا بعد تحالف الجنجويد مع حركات التمرد التي أصبحت عتيقة وهي تستند إلى خطابها وشعاراتها، والدولة منذ زمن الانقاذ وبعد سقوط الإنقاذ لم تغلق باب الحوار مع هذه الحركات باعتبار أنها حركات تمرد مطلبية، واذا استمر تحالف هذه الحركات مع الجنجويد ونجح في خلق قاعدة شعبية فلن يكون هناك مفر من التفاوض معه في يوم ما. هذه حقيقة يجب التعامل معها.
مثلما قلت قبل يومين لا سبيل إلى هزيمة مشروع تحالف الجنجويد والحركات الجديد إلا بمشروع سياسي بديل يفرغ خطاب هذا التحالف القائم على أفكار الهامش والمركز ومطالب العدالة من مضمونه. وهذا لا يتم إلا بالانفتاح والمرونة والحوار وتقبل الآراء، وليس بالابتزاز والتخويف.
صحيح ليس مطلوبا من الجيش أن يرضخ لمليشيات ولا من الدولة والشعب السوداني أن يخضعوا لإبتزاز حركات متمردة أو حركات تهدد بالتمرد، ولكن لكي تتمسك الدولة بموقفها يجب أن يكون لديها موقف أساسا. بمعنى، يجب أن تبلور الحكومة الحالية والتي تمثل الدولة الخطوط العريضة التي تحدد ما يقبل وما لا يقبل النقاش. على سبيل المثال، لا نتوقع أن تساوم الحكومة في أمر السيادة أو حرية الشعب السوداني وحقه في ممارسة إرادته بشكل ديمقراطي أو مبدأ الجيش الواحد، وأنها ستقاتل في سبيل ذلك حتى النهاية، ولكن ما دون ذلك فهناك ما يقبل النقاش والحوار.
بدون وجود مشروع واضح محدد المعالم تقاتل من أجله وتصالح من أجله، فلن تعرف ما هي أهدافك ومن هو عدوك ومن هو صديقك ومتى تحارب ومتى تصالح. فالرؤية السياسة الواضحة أهم عامل من عوامل الانتصار.
ومثلما ذكرت من قبل، يجب أن تتضمن هذه الرؤية تعريف الانتصار في الحرب كذلك. متى نقول أننا انتصرنا وهزمنا أكبر مؤامرة ضد السودان؟ يجب أن تكون هناك رؤية تحدد ذلك بوضوح.
حليم عباس