ذكريات عمّان على الجدران.. أكثر من ألف آرمة تؤرخ نشأة مجتمع فسيفسائي
تاريخ النشر: 19th, February 2025 GMT
عمّان – في قلب العاصمة الأردنية عمّان وعلى مساحة 150 مترا تقريبا، يجمع الخطاط الأردني غازي خطاب ما يزيد على ألف لوحة عتيقة للافتات محلات ومتاجر المدينة ومن سكن مبانيها قديما ورحل، في متحف تتوزع هذه اللوحات على جدرانه لتشكل بترتيبها العشوائي قطعا فسيفسائية تشبه تركيبة المجتمع.
شغفه بالخط العربي وحبه عمّان، دفعاه لتأسيس متحف "آرمات عمّان" الأول من نوعه في العالم، ليحتضن هذا الإرث الفني والإنساني الشاهد على تاريخ مدينة عمّان الاجتماعي الحديث المنسوج من تنوع إنساني فريد، والذي يوثق بعض ملامح الحياة فيها وتحولاتها، فيشعر زائره بأنه يسافر عبر الزمن ويتجول في أزقة المدينة مع من مروا بها على مدار ما يقارب 100 عام.
في هذا الحوار، يتحدث غازي خطاب للجزيرة نت عن متحف "آرمات عمّان"، ورحلة جمع لوحاته وحكاياتها، وعن انطباعات زواره، ومشاعره الخاصة تجاه هذا المشروع الذي يساهم في أرشفة وتوثيق تاريخ عمّان الإعلاني والاجتماعي.
لفظة "آرمة" مشتقة من كلمة "إرم" التي تفيد معنى العلامة والدليل، وفي معاجم اللغة ما يؤكد المعنى ذاته، حيث ورد فيها: "الإرَمُ: حجارة تُنصَبُ في المَفَازَة ليُهْتَدَى بها"، والمفازة في المعجم تعني الصحراء. ودرجت لفظة "آرمة" على لسان أهل بلاد الشام بذلك المعنى تقريبا، الذي يشار له في بلدان أخرى بلفظة لافتة أو يافطة، ويقصد بها ما يُكتب عليه للدلالة على الأشياء، كأسماء المحال التجارية، والعناوين والاتجاهات، والتعليمات، ونحوها.
كُنتَ أول من أسس متحفا للآرمات، متى تأسس المتحف؟ وكيف جاءت فكرته؟ إعلانلشغفي بالخط العربي الذي نشأت على تعلمه، كنت مولعا بزيارة المحال التي أسمع أن آرمة جديدة خطها أحدهم عُلقت على واجهته. وعام 1981، كتب الخطاط الأردني تيسير السادات آرمة من كلمة واحدة لمحل ملابس كان يحمل اسم عائلة "صرصور" بطريقة مبتكرة، فذهبت لمعاينتها، وحرصت على التقاط صورة شخصية معها، ثم سافرت لدراسة صناعة الإعلان في ألمانيا وبدأت مسيرتي المهنية مساعدا لبعض خطاطي العاصمة، ومنهم حمدي بُوجه، ومحمد أبو حميد، ويعقوب سلامة، إلى أن أصبحت شريكا في إحدى الشركات الكبرى لصناعة الإعلان في الشرق الأوسط، وبحكم مهنتي حرصت على متابعة أعمال الخطاطين، وتمكنت من اقتناء لافتة "صرصور" عام 1986، وبدأت بعدها باقتناء وجمع الآرمات المشغولة باليد، إلى أن قررت عرضها للزائرين في متحف، وافتُتح المتحف رسميا عام 2020.
تختلف محتويات المتحف من حيث القدم وأنواع الخوط والمواد المستعملة في صناعتها، فبعضها يتجاوز عمرها 70 عاما، تمكنتُ من جمع كثير منها عن طريق التواصل المباشر مع أصحابها، وأحيانا من خلال ملاحقتها بعد الاستغناء عنها بسبب إغلاق المحل أو استبدالها بأخرى حديثة، وبعد أن ذاع صيت المتحف، تطوعت بعض العائلات بوضع الآرمات التي ورثوها عن آبائهم وأجدادهم تحت تصرف إدارة المتحف التي أوجدت البيئة المناسبة للاحتفاظ بها.
أحد الأسباب المهمة لنجاح المتحف هو الجمع المتباين بين الماضي والحاضر في تصديق لمقولة "الضد يُظهر حُسنه الضدُّ"، فهذه الآرمات هي نتاج الشّغف والجهد البشري الخالص، ولم تتدخل بصناعتها الآلة التي قلصت دور الإنسان في خلق جماليات الشوارع والجدران، لصالح الحداثة المفتقرة إلى رائحة ولمسة اليد.
إعلانوتختلف انطباعات الزوار حسب معرفتهم بهذه الآرمات، فمنهم من يستذكر طفولته حين كان والده يأخذ بيده صغيرا إلى قاع المدينة، ومنهم من عاصرها شابا، فيستعيد لدى زيارته المتحف كثيرا من ذكريات صباه التي غابت ملامحها في طريق الكد والتعب.
ذهبت إدارة المتحف إلى البساطة والعشوائية، والابتعاد عن القصديّة في عرض الآرمات، وذلك حتى لا يكون وجودها مُفتعلا، فإحدى ميزات قاع المدينة هي بساطة المكان وأهلية التجار اللتان تعكسان سمات المجتمع العَمّاني الفسيفسائي المكون من أهل الشّام وفلسطين وشرق الأردن والشركس والشيشان والأرمن، وجميع هذه المكونات ساهمت بصنع وجه يليق بالمدينة بالتناغم والتوافق، والزائر للمتحف يلمس ذلك مباشرة، وكثير من الزوار أشاروا إلى أن هذه العشوائية المقصودة تركت لديهم أثرا جميلا أعاد لهم فكرة السّوق القديم.
من الطبيعي أن بعض الآرمات كانت بحاجة إلى شيء من الترميم، فهل تقومون بالفعل بترميمها أم أنكم تتركونها على حالها؟لا شكّ بأن كثيرا من الآرمات التي حصلنا عليها خسرت شيئا من زهوها ولونها، وربما تعرضت للكسر أو فقدان جزء منها، لكننا في المتحف نبتعد عن التدخل العلاجي بصيانتها، لأننا نعتقد أن قيمة الآرمة تكمن في وجهها الحقيقي، وما اعتراه من عوامل للتعرية ساهمت في تغيير شيء من هويتها، لكنها احتفظت لنا بقيمتها المعنوية.
بين اللوحات الكثيرة التي يحتويها المتحف، حدثنا عن قصة مميزة أو معنى خاص تحملها إحدى تلك اللوحات.ربما تكون قصة آرمة "عبدالحميد البرغلي – مالفاتورة وقبان" تحمل دلالات خاصة ومثيرة، فقد رحلت هذه اللوحة من الشام إلى مدينة مأدبا الأردنية، ثم إلى العاصمة عمّان، وهناك اتخذت من أحد الأزقة المطلة على شارع البتراء وسط عمان مكانا لها لتذكرنا بخطّاطها السوري عبده الصلاحي صاحب الطربوش والقنباز، وبالتجارة أيام العهد العثماني، إذ تعني عبارة "مالفاتورة" بأن المحل يتاجر بالأقمشة، و"قبان" هو كل ما يبيعه المحل بالوزن من سمن زيت، زبدة، وحبوب، وغيرها.
ما زلت أتوقف أمام هذه اللوحة كلما مررت بجوارها، ويحدث الأمر ذاته مع معظم زوار المتحف، خصوصا عندما أشرح لهم ما تحمله الكلمات المخطوطة عليها من معانٍ فتأخذهم في رحلة خاطفة إلى صور التجارة في عهد قديم.
ترتبط الآرمات -بشكل أو بآخر- بالخط العربيّ والزخرفة، وما "ركن الضاد" إلا فسحة أنيقة نعيد من خلالها أمجاد العربية الفصيحة والخط العربي اليدوي، وتستضيف إدارة المتحف بشكل دوريّ بعض الخطاطين والخطاطات لكتابة أسماء الزوار، والاشتباك مع الجمهور الذي يستمتع بمتابعة عملية الكتابة المباشرة باستعمال الأدوات الكلاسيكية للخط العربي مثل: "البوص والحبر السائل والورق الخاص بكتابة الحبر"، والاطلاع على بعض آثار الخطاطين القدماء.
كيف تصف حال الخط العربي اليوم، هل ما زال يحظى بالتقدير الذي يستحقه، وكيف يمكن لمثل هذا المتحف أن يحافظ على إرث الخط العربي وتقديره؟هذا سؤال مهم، فالخط العربي يمرّ بأزمة كبيرة تسبّبت فيها التكنولوجيا، والبرامج التي أتت لتخفف عن الإنسان العناء وتختصر الوقت والتكاليف وتزيد الدقّة، من دون مراعاة فكرة الاندثار التي تلاحق كل موهبة تنوب عنها الآلة، لذا أخشى أن يأتي اليوم الذي يُستغني فيه عن يد الخطاط التي منحت الخط العربي تميزا، وستبقى المساجد والمصاحف وزخارفها شاهدة على قدرة هذا الفنان.
ومن هنا أتت قيمة هذا المتحف الذي يؤرشف لمرحلة مهمة من تاريخ الخط العربي الإعلاني في عمان، فهل نجد في العواصم العربية من يحفظ لهذه المرحلة شكلها قبل أن تطحنها ماكينات هرس المعادن والتاريخ!
تختلف التدوينات وإن تشابه بعضها، إذ تتباين أمزجة الزوار ورؤاهم لموجودات المكان الذي يزوره العامّي والمثقف والكبار والصغار، لكن الجميع يتفقون على فرادة الفكرة، وعلى أنها نافذة جديدة للسياحة الداخلية.
إعلانوتبقى التدوينة الأقرب إليّ هي الأولى التي سال حبرها على الدفتر البِكر في البدايات من عائلتي، مباركةً الخطوة بالقول: "لكلّ آرمة حكاية، ولكلّ حكاية أشخاص يجعلونها تستحق أن تُروى، نأمل أن يكون هذا جزءا من الحكاية… تغريد، غسان، جبران، غفران".
ومما علق في ذاكرتي من تدوينات الزوّار كلمة للكاتب العراقي علي السوداني كتب فيها: "أيامنا اللذيذة معلقة على حوائط المكان، الأسماء تكاد تنطق والحكاية لا تنتهي"، وكلمة للشاعر محمد خضير حين قال: "أنا أقف الآن أمام الحقيقة"، وكأنّه يخبرنا بأنّ ما نراه اليوم خارج أسوار المتحف مفتعل وأقرب إلى القناع.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات الخط العربی الذی ی
إقرأ أيضاً:
نص كلمة الرئيس السيسي مع ممثلي مجتمع الأعمال ورؤساء كبرى الشركات الإسبانية |صور
شارك الرئيس عبد الفتاح السيسي، اليوم الأربعاء، على هامش زيارة رسمية الى مملكة إسبانيا، في مائدة مستديرة مع ممثلي مجتمع الأعمال ورؤساء كبرى الشركات الإسبانية، وذلك بحضور عدد من كبار المسؤولين الإسبان.
وأوضح المتحدث الرسمي باسم رئاسة الجمهورية، أن الرئيس أكد خلال الحدث على أهمية تعزيز التعاون الاقتصادي والاستثماري بين مصر وإسبانيا، معربا عن تقدير مصر للدور الهام والناجح الذي تلعبه كبرى الشركات الإسبانية العاملة في مصر في مختلف القطاعات الحيوية في البلاد.
ودعا الرئيس الشركات الإسبانية إلى زيادة حجم استثماراتها والاستفادة من المزايا والفرص الاستثمارية المتاحة في مصر، خاصة في القطاعات ذات الاهتمام المشترك.
وفيما يلي نص كلمة الرئيس خلال افتتاح المائدة المستديرة:
«بسم الله الرحمن الرحيم، السادة الوزراء.. السيدات والسادة ممثلو قطاع الأعمال.. الحضور الكريم، في البداية، أعرب عن سعادتي بلقائي معكم اليوم، في زيارتي لمملكة إسبانيا الصديقة خاصة مع ما تحظى به المجالات الاقتصادية والتجارية والاستثمارية من أولوية قصوى، في العلاقات الثنائية بين البلدين.
وأود الإشارة إلى أنه قد تم اليوم، التوقيع على الإعلان المشترك، الذى يهدف إلى رفع العلاقات الثنائية، إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية مما سوف يترتب على ذلك، من إعطاء المزيد من الزخم للعلاقات الجيدة بين بلدينا، في المجالات الاقتصادية والتجارية والاستثمارية. كما اتفقنا على إقامة حوار اقتصادي مشترك، يكون معنيا بزيادة الاستثمارات الإسبانية في مصر، ورفع مستوى التبادل التجاري بين البلدين.
وفى ذات السياق، أؤكد على أهمية دور مجلس الأعمال المشترك بين البلدين، وضرورة تفعيل وتكثيف أعماله وأنشطته، ليتماشى مع علاقة الشراكة الاستراتيجية بين البلدين على أن يعقد اجتماع له في القاهرة عام 2025، تزامنا مع الزيارة المرتقبة لجلالة الملك إلى مصر في إطار تعزيز العلاقات الاقتصادية والتجارية الثنائية، والترويج لمصر كمقصد للاستثمارات الإسبانية المباشــرة، ونتطلع أيضا لكى يكون اجتماع مجلس الأعمال المشترك بالقاهرة، فرصة للتحضير لمؤتمر استثماري مصري إسباني، يعقد على هامش القمة المصرية الإسبانية المقبلة.
الحضور الكريم، لا يفوتنى خلال تواجدى فى هذا المحفل المهم، أن أعرب عن خالص التقدير لمجتمع الأعمال الإسبانى، على دوره في دعم مسيرة التنمية الاقتصادية فى مصر.
ونرى أن انخراط الشركات الإسبانية الكبرى، فى مشروعات استثمارية متنوعة فى مصر، وخاصة فى مجالات البنية التحتية والنقل، يعد خطوة إيجابية للغاية.. يتعين البناء عليها. كما أود تسليط الضوء، على موضوع يشكل أولوية قصوى لنا، ونرغب فى مساعدتكم لتحقيقه ألا وهو مسألة توطين الصناعات، وزيادة المكون المحلى فى مختلف المجالات قدر الإمكان بما فى ذلك، المجالات التى تعمل بها الشركات الإسبانية فى مصر.
السيدات والسادة، كما تعلمون حضراتكم، فإن الدولة المصرية تبذل قصارى جهدها، لجذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية المباشرة، وفى مقدمتها الاستثمارات الإسبانية، خاصة مع القدرات والإمكانيات، التي تجعل مصر سوقا واعدا للاستثمارات الأجنبية والمتمثلة فى الموقع الجغرافي الإستراتيجي، والتطوير الكبير في البنية التحتية في السنوات العشر الأخيرة، بما في ذلك الطرق والسـكك الحديديـــة والمـــوانئ والمطـــارات، إضافة إلى ما تمتلكه مصر من ثروات طبيعية عديدة، وتوافر قوة عاملة شبابية ومؤهلة، وما تقدمه الحكومة المصرية من حوافز للمستثمرين، وتنوع مجالات الاستثمار، وما قامت به الحكومة من إصلاحات تشريعية، لتحسين بيئة الأعمال في مصر، فضلا عن أن السوق المصري، يعتبر أكبر الأسواق في المنطقة، وبوابة إلى الأسواق العربية والإفريقية، خاصة مع اتفاقيات التجارة الحرة ذات الصلة، المبرمة لتشجيع التصدير وتسهيل حركة التجارة.
وفى ذات السياق، أدعوكم جميعا، للاستفادة من الفرص الاستثمارية المتعددة، المتاحة في المنطقة الاقتصادية لقناة السويس، لاسيما في مجالات الطاقة المتجددة والخضراء، خاصة في مجال إنتاج الهيدروجين الأخضر، حيث نأمل في إقامة شراكة استراتيجية مع الجانب الإسباني، لتلبية احتياجات الاتحاد الأوروبي منه.
كما يمكنكم استكشاف فرص الاستثمار في مجالات صناعة السيارات، والصناعات الدوائية واللوجيستيات وغيرها، أخذا في الاعتبار، ما تتمتع به المنطقة الاقتصادية لقناة السويس، من موقع جغرافى ولوجيستي متميز يجعلها بمثابة مركز للإنتاج، وإعادة تصدير المنتجات إلى مختلف دول العالم.. خاصة تلك التي نرتبط معها باتفاقيات التجارة الحرة.
ودعوني أؤكد على انفتاحنا الكامل، للتعاون مع المستثمرين ورجال الصناعة الإسبان، الراغبين فى العمل فى مصر.. أيا كان شكل هذا التعاون وإطاره.
نحن مستعدون للنظر، على سبيل المثال وليس الحصر، فى إمكانية الدخول فى شراكات اقتصادية، لاسيما فى القطاعات الإنتاجية، بالإضافة إلى مجالات المشروعات الصغيرة والمتوسطة، والطاقة، وتحلية المياه، والزراعة، والاستزراع السمكى، والأسمدة، والمنسوجات، والترسانات البحرية، والاتصالات والسياحة.
وفى الختام، أشكر الجانب الإسبانى على تنظيم هذا اللقاء، الذى من شأنه أن يسهم فى تعميق العلاقات الاقتصادية والاستثمارية بين بلدينا، وأتطلع إلى أن يكون هذا اللقاء، فرصة للتعرف على رؤيتكم، حول كيفية تعزيز الاستثمارات الإسبانية فى مصر، بالإضافة إلى الوقوف على أي عقبات قد تواجهونها، حتى نتمكن من النظر في سبل تذليلها، مما يسهم في تعظيم المصالح المتبادلة، والانتفاع الأمثل من الفرص المتاحة، وأشكركم مجدداً، وأتطلع لنقاش مثمر معكم».
اقرأ أيضاًالرئيس السيسي يدعو الشركات الإسبانية للاستفادة من الفرص الاستثمارية المتاحة في مصر
نص كلمة ملك إسبانيا خلال مأدبة الغداء الرسمي مع الرئيس السيسي
الرئيس السيسي يؤكد على ضرورة وقف الممارسات العدوانية ضد الفلسطينيين بالضفة الغربية