نشرت الميدان (28 مارس 2017) تحقيقاً مجهول المؤلف عن أوضاع العاملات ممن شكلن نحو 50 في المائة من عمالة المصانع. ومثله من التحقيقات عن أوضاع العاملين من الفرائض الغائبة في صحيفة حزب يضع الطبقة العاملة في بؤرة فكره وممارسته. فالجريدة منصرفة عن أمهات شأنها إلى سفاسف "الكيزان" على سنة البرجوازيين الصغار في الأسافير.

وربما كانت الميدان على عقيدتهم من أن الطبقة العاملة تبخرت بين الثنايا يوم تهافتت السكة الحديد. أو هذا ما فهمته من كلمة للأستاذ صديق محيسي، القلم المخضرم. أو ربما ظنت الميدان وظن صغار البرجوازيين أنه لم يبق من العاملات غير ستات الشاي (سوى أنهن منتجات صغار) اللائي صرن نجوم الاحتجاج ضد المحليات.
ليست ظلامة العمال الآن من المخدمين وحدهم. فقد وجد المحرر مصنعاً أغلق نهائياً وسبق له تشغيل مائة عامل أغلبهم نساء. فقد أثقلت الجبايات على صاحبه علاوة على فتح الحكومة لاستيراد منتوجه، البسكويت، من الخارج في منافسة خاسرة.
كما وجد المحرر ما يشكو منه من جهة الرأسمالية المتوحشة. واضح أن الدوام في المصانع صار بين 10 إلى 12 ساعة بدلاً عن الثمان ساعات التي هي مكسب نقابي عتيق. ففي مصنع يملكه مستثمر عربي قالت عاملة إنها تعمل 12 ساعة كل أيام الأسبوع عدا الجمعة لقاء أجر هو ألف جنيه في الشهر. وعلى العاملة انتظار بص الوالي لأنه الأقل تكلفة لتبلغ أهلها في العاشرة ليلاً لتعود للمصنع في الثامنة صباحاً. ووجد المحرر عاملة تعمل على ماكينة إنتاج لمصنع يتعامل مع مواد خطرة لم يتفضل المحرر بذكرها. ولا يوفر المصنع سوى الفطور والليمون لوردية تعمل 11 ساعة. وقالت عاملة بمصنع مشروبات إنه تسرب غاز سام ضار بالرئة والقلب ولم يتم إصلاح الوضع حتى تركت العمل. وقال عامل حجب اسمه إنه يترحل على حسابه بعد دوام 10 ساعات. ويعمل آخر من الثامنة حتى الخامسة بلا تأمين صحي. ويُخصم العلاج من راتبه الأسبوعي وقيمته 250 جنيه.
ويمكر أصحاب المصانع على العمال بعقود الإذعان. فيُجمد مصنع للمشروبات الغازية أجور عماله الذين يتناولون وجبة الفطور فقط لوردياته الثلاث بأجر 20 جنيهاً يومياً. وعاملة أخرى به تعمل بعقد لستة شهور بواقع 40 جنيهاً و5 جنيهات ترحيل في اليوم مع تناول وجبة واحدة لوردية النهار وأخرى لوردية الليل، ولقاء حافز ليوم الجمعة، والدوام فيه 12 ساعة. ويؤمن المصنع صحياً للعمال الثابتين بينما تتعاقد إدارة المصنع مع العمال الآخرين لمدة ستة شهور، ينتهي العقد بعدها، ويُسمح للعامل أن يطلب تجديد العقد. وهكذا يبدأ، بخبرته المكتسبة، عاملاً مؤقتاً بلا حقوق حتى قيام الساعة. وعاملة أخرى تعمل بأحد المصانع البلاستيك قالت إنها تُعالج لدى الإصابة في مستشفى خاص. ولم تتلق تدريباً دقيقاً عن خط الإنتاج الذي تعمل فيه. وتَذّرع صاحب أشهر مصانع الصابون بضعف الأجور بالجبايات وأنه، رغم شهرة المصنع ذي التكلفة العالية، فإن عائده بائس.
ومن أعقل ما جاء في التحقيق القسم الذي جاء المحرر فيه بشهادة خبير هو الأستاذ قاسم علي. فرد متاعب العاملين إلى قانون العمل الذي لا يشمل المنشآت الصغيرة. فمستحق العمال للنقابة متى بلغوا مائة عامل وأكثر مع أن واقع الصناعة عندنا أنه قل أن زاد عدد عمال مصانعها عن 30. فلا تخضع مثل هذه المصانع بالنتيجة لقانون العمل، ولا تأمينات، أو صحة مهنية. وبناء عليه تنصلت هذه المصانع عن الثمان ساعات عمل فجعلتها اثني عشر أو دونها بقليل. وقال الخبير إنه ليس توجد جهات تفتيش رسمية مستقلة مهمتها تنفيذ القانون. واخذ على السياسيين اهتمامهم بالشأن السياسي أكثر من شؤون العمال."
ولم أقرأ تقريراً مجهول المؤلف "ضبلانا"ً مثل تقرير الميدان. فقد خلا من الحمية الشيوعية ببنائه على صيغة المجهول في أمر وجب فيه تحديد الفاعل. وصحبت ذلك تغطية على أسماء المصانع وملاكها. فتجده يقول "وفي مصنع للمنظفات" أو في "أحد مصانع البلاستيك بمدينة بحري يملكه مستثمرون عرب" أو "في مصنع آخر للمنظفات وهو مصنع شهير" أو "أحد كبار مصانع المشروبات الغازية"، أو "عاملة بأحد المصانع الكبرى" للمشروبات الغازية بالولاية، وعاملة "بأحد المصانع البلستيكية". ولم أملك نفسي من السؤال: لماذا هذا التستر على الجريمة؟ ماركسيتكم منتظرنبها شنو؟
وخفف المحرر الوطء على الرأسمالية (التي يسميها الشيوعيون "طفيلية" من راسهم لا من كراسهم). فلم يذكر اسم المصنع الشهير ولا اسم صاحبه الذي رفض لقاءه. وكانت سكرتيرة صاحبه رفضت للمحرر لقاء العمال و"انتظار المدير خارج لمصنع". والأغرب قول الصحفي عن صاحب مصنع "فضل حجب اسمه" كأنه يملك الحق في ذلك بجريدة شيوعية وهو يسوم العمال الخسف.
لم يرق حزب شيوعي في ماركسيته بغير دراسة عيانية لأوضاع الطبقة العاملة. فكتب إنجلز "أوضاع الطبقة العاملة في إنجلترا". وكتب لينين عن أوضاعها في روسيا. وتعرفنا في السودان على أوضاعها في خضم الممارسة العملية. واستحقت الطبقة العاملة في أوضاع ارتكاب بلدنا طريق التنمية الرأسمالية دراسة ناضجة تبدأ بالسؤال: هل ما تزال عندنا طبقة عاملة أم أنها ذهبت مع ريح الإنقاذ؟

 

ibrahima@missouri.edu  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: الطبقة العاملة

إقرأ أيضاً:

مصر تؤجل احتفالا رسميا يحضره السيسي بسبب ظروف طارئة بالبلاد

مصر – كشفت مصادر مصرية مطلعة بوزارة العمل عن تأجيل الاحتفال الرسمي بعيد العمال الذي يوافق الأول من مايو بحضور الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى يوم السبت القادم.

ونقل موقع القاهرة 24 المصري عن مصادر مطلعة له داخل وزارة العمل القوى العاملة سابقا أن قرار تأجيل الاحتفال الرسمي بعيد العمال جاء بسبب سوء الأحوال الجوية التي تشهدها البلاد بسبب “رياح الخماسين”.

ويحتفل بعيد العمال في مصر يوم الأول من مايو من كل عام، وهو عطلة رسمية تكرم فيها الحكومة جهود العمال والطبقة العاملة، التي تعد العمود الفقري للاقتصاد الوطني.

وفي وقت سابق أصدرت الهيئة العامة للأرصاد الجوية تحذيرا جويا بشأن تعرض البلاد لمنخفض خماسيني غدا الأربعاء 30 أبريل يصاحبه نشاط قوي للرياح المثيرة للرمال والأتربة والتي قد تصل سرعتها إلى ما بين 40 و60 كم/س على أغلب الأنحاء.

وحذرت الهيئة من هبات رياح تتراوح سرعتها بين 70 و80 كم/س، قد تؤدي إلى انخفاض الرؤية الأفقية لأقل من 1000 متر، خاصة على مناطق من شمال الصعيد وجنوب البلاد وشرق القاهرة الكبرى ومدن القناة وخليج السويس وسيناء.

وأعلنت وزارة التربية والتعليم تعطيل الدراسة في جميع المدارس الحكومية والخاصة يوم الأربعاء، حفاظًا على سلامة الطلاب، مؤكدة أن القرار جاء بناءً على تحذيرات الأرصاد التي صنّفت معظم المحافظات في المستوى الأحمر الخامس، وهو أعلى مستويات الخطورة، بينما صُنفت المناطق المتبقية في المستوى الرابع عالي الخطورة.

وتشهد مصر خلال فصل الربيع خاصة من مارس إلى مايو ظواهر جوية تُعرف بـ “الرياح الخماسينية” وهي رياح ساخنة وجافة تحمل الرمال والأتربة من الصحراء الغربية، مما يؤدي إلى عواصف ترابية تُعيق الرؤية وتؤثر على الصحة العامة والأنشطة اليومية.

ويعود تاريخ الاحتفال بهذا اليوم في مصر إلى عام 1964 عندما أصدر الرئيس الراحل جمال عبد الناصر قرارًا بتخصيص الأول من مايو عيدًا رسميًا للعمال، تكريمًا لدورهم في دعم التنمية والبناء، وتقليديًا يحضر رئيس الجمهورية احتفالية مركزية بحضور ممثلي النقابات العمالية وزراء العمل والقوى العاملة وممثلي أصحاب الأعمال.

المصدر: RT و القاهرة 24

مقالات مشابهة

  • «برلماني»: عيد العمال تأكيد لدور القوى العاملة في تحقيق أهداف الوطن
  • علاكوش لـRue20: نعول على الحكومة لتحسين دخل الطبقة العاملة
  • تأمين محكم لاحتفالات عيد الشغل بمراكش 
  • كيف أدت الحرب إلى تغيرات في تركيب الطبقة العاملة؟ (٢/٢)
  • الإمارات.. تقدير واحترام ورفاه للقوى العاملة في الدولة
  • البريد شغال.. 136 مكتبا تعمل في كفر الشيخ خلال إجازة عيد العمال
  • «بداخلة 100 طن خام».. ضبط مصنع أسمدة غير مرخص في الجيزة
  • ضبط 160 طن أسمدة فى مصنع غير مرخص بالجيزة
  • مصر تؤجل احتفالا رسميا يحضره السيسي بسبب ظروف طارئة بالبلاد
  • كيف أدت الحرب إلى تغيرات تركيب الطبقة العاملة السودانية؟ (١/٢)