خطة ترامب مشوهة حتى في نظر إسرائيليين
تاريخ النشر: 19th, February 2025 GMT
ما إن أطلق الرئيس الأميركي دونالد ترامب العنان للسانه حتى دخلت حلبة الصراع العربي الإسرائيلي مفاهيم ومصطلحات جديدة قديمة، أهمها خطة ترحيل سكان قطاع غزة وتعابير الجحيم المقبل.
ورغم أن هذه التعابير أبهجت قلوب وأسماع اليمين المتطرف في إسرائيل لأنها ذكرته بترانسفير الحاخام مئير كهانا وأطروحات الجنرال رحبعام زئيفي، فإنها أثارت قلق كثيرين لكونها إما غير واقعية وإما أنها تزعزع أركان المنطقة.
ومع ذلك وجدت حكومة نتنياهو نفسها في سباق مع الزمن للإفادة من هذه التعابير، وتحويل بعضها إلى خطة عمل. وهذا ما حاول فعله وزير الحرب المتطرف إسرائيل كاتس، الذي أعلن عن تكليف الجيش بمهمة تشكيل إدارة لتنفيذ خطة "الترحيل الطوعي" للفلسطينيين من غزة.
وواضح اليوم أكثر من أي وقت مضى أن ترامب استغل الأسابيع الثلاثة الأولى من رئاسته لإطلاق أفكار صدمت العالم بأسره لأنها لم تستند إلى وقائع ودراسات بقدر ما استندت إلى أهواء ونزعات. وحدث هذا في ما يتعلق بأوروبا وكندا والصين وأميركا اللاتينية.
وحسب محليين سياسيين، فإن ترامب أطلق سلسلة لا نهاية لها من الكرات المتدحرجة التي لا يرى أحد أن بوسعه ملاحقتها بشكل متوازن. بل إن بعضهم رأى أن مفاهيم وتعابير ترامب ليست مشتقة من عالم السياسة وإنما من عالم المياه والطوفانات. وقال هؤلاء إن أسلوب ترامب أقرب إلى استخدام الطوفان لما فيه من تأثير نفسي يشل حركة من يحاول إيقافه.
إعلانوهذا ما يلمسه العالم من كثرة العناوين الرئيسية الصادرة عن البيت الأبيض والتي تحتل الصدارة في وسائل الإعلام العالمية، وفي مقدمتها العناوين المتصلة بغزة. فمثل هذه العناوين في الغالب تشل الأصدقاء وتربك الخصوم، ويصعب على العاقل قراءة دوافعها ومدى جديتها.
وكان نتنياهو أول المستفيدين من هذا المنهج عند استقباله كأول زعيم أجنبي في البيت الأبيض. إذ ربما لم يخطر ببال نتنياهو أن ترامب بمشاريعه وأقواله ينقل الصراع العربي الإسرائيلي إلى فضاء لم يسبق أن بلغه، وأن ذلك يزعزع كل عوامل الاستقرار في الشرق الأوسط.
فخطة ترامب لترحيل الفلسطينيين كشفت للعالم بأسره عمق هذه الرغبة ليس في قلب اليمين وحسب، وإنما في صفوف الجمهور الإسرائيلي برمته. فالاستطلاع الذي نشرته القناة 12 بعد أيام من عرض الفكرة أظهر أن 69% من الإسرائيليين يؤيدون خطة ترامب.
وهذا يعني فعليا أن خطة ترامب أنهت عقودا من إنكار إسرائيل سعيها للطرد الجماعي للفلسطينيين، في الماضي من مناطق 48 واليوم من غزة وغدا من الضفة الغربية وبعدها من داخل إسرائيل نفسها. وطبيعي أن هذا ليس أبدا تفكيرا خارج الصندوق وإنما تفكير خارج العقل أصلا.
والواقع أن خطة ترامب أثارت حنق كل من يعتبر عاقلا في إسرائيل لأنها في نظرهم -عدا كونها جريمة حرب في نظر القانون الدولي- وصفة لتوحيد الصف العربي ضد إسرائيل. كما أنها مقدمة لصراع ليس هناك أفق البتة لإيقافه على المدى البعيد.
وقد حذر من عواقب الخطة رئيس شعبة الاستخبارات في الجيش الجنرال شلومي بيندر، مما أثار ضجة في الحلبة السياسية. ورغم أن التحذير من مهام رئيس الاستخبارات العسكرية، فإن وزير الحرب كاتس حذر ضباط الجيش من التحدث ضد الخطة "العظيمة التي عرضها الرئيس الأميركي ترامب".
إعلانومع ذلك حاول نتنياهو تلطيف خطة ترامب بأن أعلنها خطة للترحيل الطوعي. إذ قال في مؤتمر رؤساء المنظمات اليهودية الكبرى في الولايات المتحدة إن "الرئيس ترامب قدّم رؤية جديدة جريئة والخطة الوحيدة التي أعتقد أنها يمكن أن تنجح في تمكين مستقبل مختلف لشعب غزة ولشعب إسرائيل، وللمناطق المحيطة بها. لماذا لا نمنح شعب غزة خيارا؟ الجميع قال إنها أكبر سجن مفتوح في العالم؟ ليس بسببنا. نحن نسمح للناس بالمغادرة. (..) ليس الترحيل القسري، وليس التطهير العرقي. في الحروب يغادر الناس".
واضحٌ أن تهديدات ترامب ومطالباته بالاستيلاء على غزة وتهجير شعبها وإنشاء "ريفيرا" باتت قضية بالغة السخونة في إسرائيل وهي تمس في ترجمتها التطبيق النهائي لاتفاق وقف النار بمرحلتيه الأولى والثانية. وثمة في إسرائيل من باتوا يعتقدون أن تلكؤ حكومة نتنياهو في إنجاز الاتفاق يدفع إدارة ترامب لاتخاذ قرارات بهذا الشأن بدلا عنها.
صحيح أن هناك من يعتقد أن ترامب، عبر وكيله الحصري ستيف ويتكوف، صار يتخذ القرارات، وأن نتنياهو وحكومته باتوا من ينفذون القرارات. وهذا ما حدث في كل ما يتعلق بإبرام الاتفاق أصلا وبتنفيذ مرحلته الأولى وببدء التفاوض على المرحلة الثانية. وكل ذلك يجري في ظل إطار خطة ترامب ترحيل الفلسطينيين.
وهذا ما حدا ببعض المعلقين الإسرائيليين للقول بأن خطة ترامب ليست أكثر من ستار دخاني، انطلاقا من رؤيتهم بأن إسرائيل فشلت إستراتيجيا وإن نجحت تكتيكيا. ويرى هؤلاء أن اللعب بعصا التهدئة (الهجرة الطوعية لسكان غزة وفق خطة ترمب) قد يتبين أنه ستار دخاني آخر للفشل العسكري السياسي للحرب: فإسرائيل لم تطح بنظام حماس عسكريا ومدنيا، كما حددت الحكومة ذلك هدفا رسميا، لكنها تقترب من تحقيق الهدف الأكثر إلحاحا وتواضعا من الأهداف، وهو عودة الأسرى في الصفقة مع حماس إذا تم تنفيذ المرحلة الثانية بالفعل.
وقبل أيام رأت افتتاحية "هآرتس" أن خطة ترامب ليست أكثر من مشروع مشوّه من كل الزوايا المحتملة. وقالت إن "التفكير في أن يفرغ الجيش الإسرائيلي قطاع غزة من مليونين من سكانه، ينقلهم إلى مصر، وإلى الأردن وإلى بضع دول أخرى، ويقدم القطاع إلى الولايات المتحدة نقية من الناس كساحة كبرى للبناء كي تبنى فيها "ريفيرا" أميركية للشرق الأوسط، هو تفكير لا أساس له. ما ليس كذلك هو الاحتمال الخطير الكامن في الخطة لتخريب اتفاقات السلام لدولة إسرائيل مع مصر والأردن".
وحذر الجنرال عاموس جلعاد الذي تولى لمدة طويلة مسؤولية الجانب السياسي في وزارة الدفاع الإسرائيلية وكتب في "يديعوت" أنه "من المهم التجرؤ على القول: لا يوجد أي احتمال بأن تنجح خطة ترامب، كون مصر والأردن تريان في القضية الفلسطينية خطرا من الدرجة الأولى على أمنها القومي".
إعلانوأضاف أن "المملكة الأردنية الهاشمية، التي تشكل لإسرائيل عمقا إستراتيجيا ومجال أمن حيويا، غير مستعدة بأي شكل من الأشكال لأن تستوعب فلسطينيين، خاصة أولئك الذين يعود أصلهم إلى غزة. في نظر الأردن، فإن خططا من هذا النوع لترامب هي جزء من مؤامرة لإقامة دولة فلسطينية بديلة على حسابها".
ورأى أن المصريين من جهتهم "على مدى كل السنين منذ التوقيع على اتفاق السلام، يرون في القضية الفلسطينية مسألة مركزية وغير مستعدين بأي حال لاستيعاب فلسطينيين من غزة، وبالتأكيد عدم فعل ذلك من خلال خطة ترامب التي تسعى إلى إفراغ غزة من سكانها. قد يكون هذا حلما رائعا لكنه لن يتحقق، حتى لو عرضت على مصر مبالغ مالية كبيرة على سبيل الإقناع".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات أن خطة ترامب فی إسرائیل وهذا ما
إقرأ أيضاً:
كالكاليست: تداعيات كارثية لـانقلاب نتنياهو على اقتصاد إسرائيل
تشهد إسرائيل اضطرابات اقتصادية متسارعة نتيجة التطورات السياسية الأخيرة، مع تصاعد التحذيرات من خبراء اقتصاديين ومؤسسات مالية بشأن تداعيات ما وصفه تقرير نُشر في صحيفة "كالكاليست" بمحاولة انقلاب يقودها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ضد مؤسسات الدولة.
وبدأت الأسواق المالية في التفاعل مع هذه الأحداث بشكل مباشر، مما ينذر بموجة أوسع من التراجع في النمو الاقتصادي وتزايد التضخم والعجز.
تراجع الشيكل وانهيار البورصةوبحسب كالكاليست، فقد سجّل الشيكل يوم الجمعة تراجعا حادا في غضون ساعات، في حين شهدت البورصة الإسرائيلية انهيارا فاق 3%، رغم الإعلان عن صفقة ضخمة لشركة "ويز" التي تعد الأضخم في تاريخ الشركات الإسرائيلية.
كما تراجع سعر السندات الحكومية بالشيكل بنسبة 5.5% خلال أسبوع واحد، مما يعكس نقصا في الطلب وارتفاعا في العوائد من 4.1% إلى 4.5%.
مودي شافرير، كبير الإستراتيجيين في بنك "هبوعليم"، أشار إلى ارتفاع مستوى الخطر في الأسواق، مؤكدا أن السوق باتت تتعامل مع إسرائيل كما لو أنها تملك تصنيفا ائتمانيا عند مستوى "بي بي بي" إلى "بي بي بي-"، وهو أدنى مما تمنحه وكالات التصنيف حاليا.
إعلانوتحتفظ كل من موديز وستاندرد آند بورز وفيتش بتصنيف سلبي لإسرائيل منذ نهاية عام 2024، في إشارة واضحة إلى إمكانية خفض التصنيف في أي وقت.
ويكشف التقرير أن ممثلي وكالة فيتش، وعلى رأسهم سيدريك بيري، موجودون حاليا في إسرائيل، وقد بدؤوا بالفعل بإجراء اتصالات لفهم أبعاد المشهد السياسي المتأزم، بما في ذلك التحقيقات التي يواجهها رئيس الوزراء، إلى جانب تهديداته بعزل مسؤولي الأمن والقضاء.
نمو منخفض وتضخم مرتفعوتشير التقديرات إلى أن عودة الحرب إلى غزة والتصعيد السياسي الداخلي سيؤديان إلى ما يلي:
ارتفاع التضخم بشكل مفاجئ نتيجة ضعف الشيكل وارتفاع أسعار السلع. ازدياد عجز الموازنة بسبب الإنفاق الدفاعي وتراجع الإيرادات الضريبية. انهيار فرص الاستثمار نتيجة فقدان الثقة الدولية في استقرار النظام. ركود اقتصادي وانخفاض النمو المتوقع لعام 2025.وقال الخبير الاقتصادي أليكس زبجينسكي من مجموعة "ميتاف" إن إسرائيل تواجه خطرا حقيقيا بخفض التصنيف خلال الأشهر القادمة، مضيفا أن مثل هذا التخفيض وقع في 50% من الحالات المماثلة عالميا.
فقدان محركات النموويسلط التقرير الضوء على تراجع قطاعات إستراتيجية، أبرزها التكنولوجيا المتقدمة، التي تشكل القاطرة الأساسية للنمو الإسرائيلي.
إذ بدأت الشركات العالمية -بحسب الصحيفة- تتردد في الاستثمار أو شراء المنتجات الإسرائيلية، بسبب الفوضى السياسية والأمنية. كما أن عدم احترام قرارات المحكمة العليا يشكّل ضربة لسمعة إسرائيل كمركز مالي وتقني موثوق.
ميزانية 2025.. تقشف للفقراءورغم الأزمة، تصر الحكومة الإسرائيلية على تمرير ميزانية عام 2025 التي تتضمن تخفيضات قاسية في الإنفاق على الصحة والتعليم والرفاهية، مقابل إنفاق "سخيف" على مكاتب حكومية زائدة، ورحلات الوزراء، وأموال سياسية تُعرف بـ"الميزانيات الائتلافية"، تُمنح للأحزاب الدينية مقابل دعمها السياسي، وفق وصف الصحيفة.
إعلانونتيجة لذلك، سيواجه المواطن الإسرائيلي حسب الصحيفة:
انخفاضا في جودة الخدمات العامة. تآكلا في القدرة الشرائية بسبب ارتفاع الأسعار. عبئا ضريبيا أكبر لتغطية العجز المتزايد. ارتفاعا في الفوائد على القروض السكنية والاستهلاكية.ويشير تقرير "كالكاليست" إلى أن إسرائيل لم تعد تواجه أزمة اقتصادية تقليدية، بل أزمة متعددة الأبعاد، سببها الرئيسي قرارات سياسية تهدد بتقويض استقرار الدولة، مؤسساتها، ونموها الاقتصادي.
وفي ظل هذه المعطيات، قد تكون الأشهر المقبلة حاسمة في تحديد مستقبل الاقتصاد الإسرائيلي، ولكن المؤشرات حتى الآن تدعو للقلق وليس للتفاؤل.