في ذلك الصباح المثقل بعبق الحنين ورائحة التراب الممزوج بالركام، خطا الجنوبيون خطواتهم الأولى نحو قراهم، قادهم الشوق، لكن المشهد الذي استقبلهم كان أشبه بصفحة من كابوسٍ طويل. عادوا إلى بلداتهم التي هجّرهم عنها العدوان، ليجدوا أن ملامحها تغيّرت، وأن البيوت التي احتضنت أحلامهم باتت مجرد أكوام من حجارة، وأشجار الزيتون التي ظلت شاهدة على صمودهم قد اجتُثّت من جذورها.


  جاءت عودتهم بعد انسحاب الاحتلال الإسرائيلي، وفق اتفاق وقف إطلاق النار، إلا أن الاحتلال أبقى وجوده العسكري في خمس نقاط استراتيجية داخل الأراضي اللبنانية، بذريعة "منع عودة حزب الله إلى المناطق الحدودية"، وذلك بتنسيق واضح مع الإدارة الأميركية بقيادة الرئيس دونالد ترامب. وعلى الرغم من الرفض اللبناني الرسمي لهذا التمركز العسكري، فإن الحكومة اللبنانية متمسكة بتطبيق كامل بنود الاتفاق، الذي دخل حيز التنفيذ في 27 تشرين الثاني 2024.

مع بدء الانسحاب، بدأ الأهالي يتدفقون نحو قراهم التي مسحتها النيران، لتبدو بلا معالم حياة. الشوارع التي كانت تنبض بالحركة باتت مدفونة تحت الركام، والمنازل تحولت إلى رماد. رغم ذلك، لم يكن الألم وحده الذي يسيطر على المشهد، بل امتزجت به لحظات مؤثرة؛ ففي كفركلا، وبينما كان الأهالي يبحثون عن ناجين بين الأنقاض، عُثر على شابين لا يزالان على قيد الحياة، أحدهما من الجنوب والآخر من البقاع، في لحظة أضاءت بصيص أمل وسط الحطام.

الجيش بدأ فورًا في الانتشار، فدخل بلدات العباسية، والمجيدية، وكفركلا، والعديسة، ومركبا، وحولا، وميس الجبل، وبليدا، ومحيبيب، ومارون الراس، وما تبقى من يارون، بالتنسيق مع قوات اليونيفيل، لتأمين المنطقة والتعامل مع المخلفات الحربية التي تركها الاحتلال.

ميس الجبل تفتقد أولادها
في ميس الجبل، كان الأهالي يتلمسون طريقهم وسط الدمار، يبحثون عن أفراد عائلاتهم، يدخلون البلدة سيرًا على الأقدام لأن الطرقات لم تفتح بعد. تفخيخ المنازل كان الفخ الأخير الذي زرعه الاحتلال قبل الانسحاب، لكن فرق الهندسة في الجيش سارعت إلى تفكيك العبوات غير المنفجرة لضمان سلامة العائدين. كان المشهد مؤلمًا، حيث اضطر الأهالي إلى إزالة الأنقاض بأيديهم، في محاولة يائسة للوصول إلى ممتلكاتهم المطمورة تحت الركام. وسط هذه الفوضى، كانت النساء تبحثن عن صور عائلية وأغراض شخصية تشهد على الحياة التي كانت هنا ذات يوم، فيما كان الرجال يرفعون الحجارة الثقيلة، على أمل العثور على أي أثر يدلهم على أحبائهم المفقودين. مع كل خطوة كانوا يأخذونها داخل البلدة، كانت تظهر آثار الدمار أكثر وضوحًا؛ منازل منهارة، أشجار محترقة، ومتاجر خاوية لم يبقَ منها سوى الجدران المتفحمة. ورغم الجراح، لم يكن هناك وقت للبكاء، فالأولوية كانت لتأمين الحد الأدنى من المأوى واستعادة ما يمكن إنقاذه من ذكرياتهم الضائعة وسط الدمار.

محيبيب وبليدا: الماضي المسلوب
أما في محيبيب، فكان المشهد أكثر قسوة، إذ تعرضت البلدة لدمار شبه كامل، حسب مصدر محلي لـ"لبنان24"، حيث لم يبقَ فيها حجر على حجر. لم يقتصر الأمر على المنازل التي سُوّيت بالأرض، بل حتى البساتين والمساجد والمدارس لم تنجُ من بطش القصف. الأهالي العائدون وقفوا مذهولين أمام الفراغ الذي حل محل منازلهم، يبحثون في الأنقاض عن أي بقايا يمكن أن تذكرهم بماضيهم المسلوب. الحال في بليدا لم يكن أفضل بكثير، إذ كانت الأفراح بعودة الأهالي منغصة ببحثهم عن رفات أحبائهم الذين قضوا تحت القصف.

الناقورة.. "منكوبة"
وسط الركام والصمت المخيّم، تبدو الناقورة وكأنها بلدة مهجورة، تلاشت فيها مظاهر الحياة وتحولت إلى أطلال من الخراب. هذه البلدة اللبنانية الساحلية، التي تتكئ على البحر المتوسط وتجاور الحدود مع إسرائيل، لم تعد كما كانت، بل أصبحت مسرحًا لذكريات الدمار وآثار القصف العنيف.

اليوم، الناقورة مصنفة كبلدة منكوبة، حيث تكاد تنعدم فيها مقومات العيش، ما يجعل فكرة إعادة إعمارها حلماً بعيد المنال، خصوصاً في ظل غياب أي دعم مالي حقيقي. وفقاً للتقديرات، فإن إعادة البناء قد تستغرق أكثر من ثلاث سنوات، إذا ما توفرت الموارد اللازمة، حسب مصدر محلي لـ"لبنان24".

الأضرار التي لحقت بالبلدة لم تقتصر على ما خلّفه القصف، إذ أن الجيش الإسرائيلي، بعد دخول البلدة عقب وقف إطلاق النار، عمد إلى هدم المنازل بشكل منهجي، ما رفع نسبة الدمار من 35% إلى 90%، وفق مصدر محلي لـ"لبنان24". عمليات الهدم لم تقتصر على الغارات، بل تمّت عبر تفجير المباني يدويًا واستخدام الجرافات لمحو ما تبقى من معالمها. بالقرب من مقرّ قوات اليونيفيل الدولية، لا تزال بعض المنازل قائمة، لكنها ليست سوى واجهة خادعة لحقيقة أكثر قسوة. فكلما توغلت داخل البلدة، تكشّف حجم الكارثة: منازل متصدعة، شوارع موحشة، وأحياء هجرها سكانها على عجل، تاركين وراءهم بقايا حياتهم السابقة.. أثاث متروك، ملابس متناثرة، وكتب مهجورة، شاهدة على قصص لم تكتمل. حولا وكفركلا: الموت في كل زاوية
رغم التحذيرات الأمنية، دخل أهالي حولا إلى بلدتهم، غير آبهين بالدعوات إلى الانتظار ريثما تستكمل عمليات المسح والتأمين. فهم لم يعودوا قادرين على البقاء بعيدًا، رغم أنهم لم يجدوا في ديارهم سوى الخراب.

الدمار الأكبر كان في كفركلا، البلدة التي دخلها الاحتلال أولًا وخرج منها آخرًا. نسبة الدمار، بحسب مصادر محلية، تجاوزت 80%، حتى جبّانة البلدة لم تسلم من عبث الاحتلال، وأشجار الزيتون جُرّفت بلا رحمة. في غياب البيوت، لجأ العائدون إلى نصب الخيام والاحتماء بالأرض التي لم تغادر قلوبهم يومًا.
بعد مرور نحو ثلاثة أشهر على انتهاء حرب الـ66 يومًا، يعود الجنوبيون إلى ديارهم، لكنهم لا يعودون كما كانوا. الوطن الذي احتضنهم صار أنقاضًا، والعودة التي حلموا بها صارت امتحانًا للصبر والمثابرة. ومع ذلك، فإن الجنوب الذي قاوم الاحتلال لأكثر من سبعين عامًا، لن ينكسر تحت وطأة الدمار، بل سيعود نابضًا بالحياة من جديد، بأهله الذين لا يعرفون الاستسلام.   المصدر: خاص لبنان24

المصدر: لبنان ٢٤

إقرأ أيضاً:

الداخلية: أكثر من 56 ألف سوري عادوا إلى بلادهم

#سواليف

كشف الناطق الرسمي باسم #وزارة_الداخلية طارق المجالي، إن عدد #السوريين #العائدين عبر #معبر_جابر – نصيب لغاية 29 نيسان بلغ 56742 مواطنا سوريا، منهم 9474 لاجئون داخل المخيمات

وقال المجالي في تصريحات صحفية مساء اليوم الأربعاء ، إنّ الداخلية رصدت حركة عبر معبر جابر-نصيب للعاملين السوريين في الجامعات الأردنية وعدد من الطلبة، ما أصبح ضروريًا اتخاذ قرارات تسهل حركة هذه الفئة من الجامعيين، بحسب المملكة.

وبين أنّ القرارات التي تتعلق بدخول المواطنين السوريين ومغادرتهم من أراضي المملكة وإليها، تهدف إلى تسهيل حركة تنقل السوريين بين الدخول والخروج والموائمة بين الناحيتين الأمنية والاقتصادية.

مقالات ذات صلة الأونروا: 3 آلاف شاحنة مساعدات تنتظر خارج غزة والحصار يمنع دخولها 2025/05/01

وأشار إلى أنّ القرارات تسمح للسوريين بالذهاب والعودة إلى سوريا من أصحاب العقارات والطلاب والمواطنين، مبينا أن الفئات المحددة في القرارات الجديدة لا يحتاجون إلى موافقة مسبقة، مشددًا على أنه توسع الفتح الكامل للمعابر الحدودية في الأردن من أولى الأولويات من الجهات ذات العلاقة ومع الجانب السوري.

وأوضح أن الأردني يعطي الأولوية في موضوع فتح المعابر الحدودية للأبعاد الإنسانية والأمنية والاقتصادية.

وكان المجالي أعلن الثلاثاء أن الوزارة اتخذت قرارات جديدة بالتعاون والتنسيق مع الجهات ذات العلاقة تتعلق بدخول ومغادرة المواطنين السوريين من وإلى أراضي المملكة.

وتهدف القرارات الجديدة إلى الموائمة بين الناحية ‏الامنية والاقتصادية، بما ينعكس ايجاباً على الاقتصاد ‏الوطني، وتطوير العلاقات مع الجانب السوري الشقيق.

وبموجب القرارات فقد تم ‏السماح لإساتذة لجامعات الأردنية من حملة الجنسية السورية والطلبة ‏السوريين الدارسين في الجامعات وكليات المجتمع الاردنية بالدخول ‏الى اراضي المملكة دون الحصول على موافقة مسبقة، على ان يكون ‏تسجيلهم في الجامعات وكليات المجتمع وفق الاسس المعتمدة وبحيث ‏يتم ابراز شهادة اثبات طالب للفصل الدراسي الذي يرغب الطالب ‏بالسفر خلاله مع اشتراط عدم وجود موانع امنية تحول دون ‏دخولهم البلاد ، ويستثنى من ذلك الطلبة السوريين المتواجدين في ‏الاراضي السورية والحاصلين على القبولات من الجامعات الاردنية ‏حيث يشترط عليهم الحصول على الموافقة المسبقة لدخول المملكة.‏

‏كما تم السماح لكافة المواطنين السوريين الحاصلين على سجلات تجارية ‏وبغض النظر عن قيمة رأس المال المسجل بالذهاب والعودة الى سوريا ‏دون الحصول على موافقة مسبقة على أن يكون بحوزتهم رخص مهن ‏اردنية سارية المفعول مع اشتراط عدم وجود موانع امنية تحول دون ‏دخولهم البلاد ، ويستثنى من ذلك المواطنين السوريين المتواجدين ‏في الاراضي السورية ولم يسبق لهم دخول المملكة وتم اضافتهم ‏لسجلات تجارية اردنية فيتوجب الامر والحالة هذه الحصول على ‏الموافقة المسبقة قبل دخول المملكة، مع الابقاء على التعليمات ‏المعمول بها والخاصة بدخول المستمثرين الحاصلين على بطاقات ‏الاستثمار (أ، ب، ج) وكذلك المستثمرين الحاصلين على سجلات تجارية ‏برأس مال يزيد عن (50) الف دينار.

مقالات مشابهة

  • الداخلية: أكثر من 56 ألف سوري عادوا إلى بلادهم
  • السلطات بالخرطوم تشرع في إزالة ونظافة أكبر البؤر التي كانت تستخدمها المليشيا للمسروقات والظواهر السالبة
  • مصدر أمني بدمشق لـ سانا: قواتنا بدأت عملية تمشيط واسعة في منطقة أشرفية صحنايا، بهدف إلقاء القبض على العصابات الخارجة عن القانون التي اتخذت هذه المنطقة منطلقاً لعملياتها الإرهابية ضد الأهالي وقوات الأمن
  • المجد للبندقية التي حرست المواطن ليعود الى بيته الذي كانت قحت تبرر للجنجويد احتلاله
  • الاحتلال يشن حملة اعتقالات واسعة بالضفة
  • معرض الكتاب العربي العاشر في صور.. ثقافة تقاوم الدمار الإسرائيلي
  • حرب السودان .. تعرض آلاف القطع الأثرية للنهب والدمار
  • شروط الاحتلال الإسرائيلي التي أدت لإلغاء مسيرة العودة
  • كانت معدّة للتهريب.. شاهدوا كميات البنزين الكبيرة التي تم ضبطها في عكار (صورة)
  • الاحتلال يعتقل امرأتين من الخليل ويستولي على مركبة ومبلغ مالي ومصاغ ذهبي