لجريدة عمان:
2025-04-15@07:42:10 GMT

الإنترنت الفضائي .. ثورة رقمية عابرة للحدود

تاريخ النشر: 19th, February 2025 GMT

الإنترنت الفضائي .. ثورة رقمية عابرة للحدود

«يقترب العالم من تحقيق حلم الإنترنت الشامل، الذي يصل إلى كل زاوية من الأرض، مهما كانت معزولة أو نائية»

غيرت القفزة النوعية التي شهدتها تقنيات الاتصال حول العالم ملامح التفاعل البشري، وأصبحت الحدود الجغرافية عائقًا أقل تأثيرًا بفضل الابتكارات المتسارعة. ومن أهم هذه الابتكارات، برز الإنترنت عبر الأقمار الصناعية كحلٍ ثوري يعيد تعريف مفهوم الوصول إلى الشبكة العالمية، خاصة في المناطق النائية والريفية التي طالما عانت من ضعف التغطية أو انعدامها بسبب محدودية الشبكات التقليدية.

إنترنت الأقمار الصناعية هي خدمة يتم من خلالها إرسال واستقبال البيانات بين محطات أرضية وأقمار صناعية في مدار الأرض، ويختلف هذا النوع من الإنترنت عن الإنترنت التقليدي الذي يعتمد بشكل رئيسي على الكابلات الأرضية مثل الألياف الضوئية أو الأسلاك النحاسية، بينما يعمل إنترنت الأقمار الصناعية على توفير الاتصال عبر الفضاء، مما يتيح تغطية واسعة للمناطق التي يصعب توصيلها بشبكات الأرض. وفي طليعة الشركات التي تقود هذا التحول الرقمي، تأتي «ستارلينك»، التي تعتمد على شبكة من الأقمار الصناعية منخفضة المدار، مصممة خصيصًا لتوفير إنترنت عالي السرعة في أماكن لم تصلها البنية التحتية الأرضية بعد. وتتسم هذه الشبكة بقدرتها على توفير اتصال أسرع وأكثر استقرارًا مقارنة بالأقمار الصناعية التقليدية في المدار الثابت (GEO)، مما يقلل من الكمون ويعزز تجربة المستخدم. حاليًا، توفر ستارلينك خدمات الإنترنت في العديد من المناطق حول العالم، بما في ذلك المناطق الريفية والنائية في الولايات المتحدة وكندا وبعض المناطق الأخرى. أما بالنسبة للمستقبل، فتخطط الشركة لتوسيع نطاق تغطيتها بشكل أكبر عبر إطلاق المزيد من الأقمار الصناعية، مع التركيز على تلبية احتياجات المستخدمين في المناطق التي تفتقر إلى الاتصال السريع.

وتشير التوقعات المستقبلية إلى أن سوق الإنترنت عبر الأقمار الصناعية سيواصل النمو بشكل كبير في السنوات القادمة. ومن المتوقع أن يستمر الابتكار التكنولوجي في تحسين السرعات وتقليل الكمون، مما يتيح استخدام الإنترنت الفضائي في تطبيقات أكثر تطورًا مثل الواقع الافتراضي والذكاء الاصطناعي. كما أن الشركات الكبرى مثل SpaceX وOneWeb تعمل على تحسين الكفاءة وتقليل التكاليف، مما قد يؤدي إلى توفير الإنترنت الفضائي بأسعار معقولة لمزيد من المستخدمين حول العالم. ومن المتوقع أيضًا أن تسهم هذه التقنية بشكل كبير في التحول الرقمي في الدول النامية.

إمكانيات هائلة.. ولكن!

رغم الآمال الكبيرة في تحقيق التوسع في استخدام الإنترنت عبر الأقمار الصناعية، هناك عدة تحديات قد تعيق تطوره وانتشاره بشكل أوسع. فالحطام الفضائي، على سبيل المثال يمثل خطرًا حقيقيًا، حيث إن زيادة عدد الأقمار الصناعية في المدار قد يؤدي إلى تزايد الحطام الفضائي الذي يمكن أن يضر بالأقمار الأخرى. من جهة أخرى، قد يواجه المستخدمون في بعض المناطق مشاكل تتعلق بالأمن السيبراني وحماية الخصوصية، كما تتطلب هذه الشبكات استثمارات ضخمة، وقد تكون هذه التكاليف عاملا في تقييد التوسع في بعض الأسواق.

ولعل أبرز التحديات التقنية التي تواجه هذا القطاع في الوقت الآني التأخير أو (الكمون) في نقل البيانات. فعلى الرغم من أن الأقمار الصناعية في المدار المنخفض (LEO) تُعد أسرع من نظيرتها في المدار الثابت، إلا أن الكمون لا يزال يمثل عائقًا في بعض التطبيقات مثل الألعاب عبر الإنترنت والفيديو المباشر. أما من الناحية الاقتصادية، فيتطلب إطلاق وتشغيل الأقمار الصناعية استثمارات ضخمة، وهو ما يشكل تحديًا كبيرًا خاصة في المناطق النائية ذات السوق الصغيرة. كما أن البنية الأساسية لا تزال تمثل عائقا آخر ضخم في وجه هذا النوع من الإنترنت، كون شبكات الأقمار الصناعية تعتمد على التقنيات الفضائية التي قد تتأثر بالتداخل الكهرومغناطيسي أو الظروف الجوية. وفي المقابل، تستفيد شبكات الألياف الضوئية من البنية الأساسية الأرضية المستقرة، في حين يحتاج الإنترنت الفضائي إلى بنية أساسية إضافية مثل محطات استقبال الأقمار الصناعية على الأرض.

جهود مُمكنة

تستطيع الحكومات والمؤسسات أن تلعب دورًا كبيرًا في دعم وتنظيم الإنترنت عبر الأقمار الصناعية، من خلال التشجع على توفير الترددات الفضائية بشكل عادل ومنظم، وتقديم الدعم المالي للشركات التي تعمل على توسيع الشبكات في المناطق الريفية والنائية، وسن التشريعات التي تسهم في ضمان الأمن السيبراني وحماية الخصوصية للمستخدمين، بالإضافة إلى التعاون مع شركات القطاع الخاص لتوسيع التغطية في مختلف أنحاء العالم. كما يمكن للمؤسسات الدولية تشجيع التعاون بين الدول لتبادل المعرفة وتحقيق الاستخدام الأمثل لتقنيات الفضاء.

يمثل إنترنت الأقمار الصناعية بوابة نحو مستقبل مشرق، حيث يعيد رسم خريطة الاتصال العالمي ويفتح آفاقًا جديدة للتواصل بلا حدود. فبفضل تطور التقنيات الرائدة، وعلى رأسها شبكة ستارلينك، يقترب العالم من تحقيق حلم الإنترنت الشامل، الذي يصل إلى كل زاوية من الأرض، مهما كانت معزولة أو نائية. لكن هذا الطموح لا يخلو من التحديات، إذ تقف العقبات التقنية والاقتصادية والتنظيمية كاختبارات حقيقية لابد من تجاوزها لضمان نجاح هذه الثورة الرقمية. وهنا يأتي دور الحكومات والمؤسسات، ليس فقط كجهات رقابية، بل كشركاء في صياغة مستقبل متوازن بين الابتكار والتنظيم، بحيث تُستثمر هذه التكنولوجيا لصالح المجتمعات، وتتحول إلى قوة دافعة نحو التقدم والتنمية على مستوى العالم.

وائل بن علي الكلباني أخصائي شبكات بوزارة النقل والاتصالات وتقنية المعلومات

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الإنترنت عبر الأقمار الصناعیة الإنترنت الفضائی فی المناطق فی المدار

إقرأ أيضاً:

أين حراك الجامعات العربية؟

 

 

ظلت الجامعات لوقت طويل تمثّل صمّام الأمان للمجتمعات التي شهدت تقلّبات فكرية وسياسية، إذ جعل الشباب المتطلع نحو المجد، الجامح نحو الحرية، الباحث عن مستقبل أفضل، من تلك المؤسسات التعليمية رافداً نحو الحرية وصناعة التغيير؛ فدور تلك المؤسسات لم يكن يقتصر على التعليم فقط، بل ينحو في اتجاه صناعة الوعي لكل أفراد المجتمع وتعزيز الانتماء إلى القضايا المحلية والقومية وربما العالمية، فالجامعات تشكّل الحاضنة الفكرية والثقافية التي تصقل مهارات الشبان اليافعين وقدراتهم، وتؤسس لوجودهم في المشهد السياسي.
ولعلّ الشواهد كثيرة مما يمكن الإشارة إليه، ففي فرنسا كان حراك جامعة السوربون عام 1968 أحد أهم الحراكات في أوروبا احتجاجاً على القيود الأكاديمية والممارسات السلطوية في التعليم، سرعان ما توسع ليشمل احتجاجات عالمية أدت إلى تغيير كبير في السياسات الداخلية وهيكلة النظام الفرنسي، وكذلك حراك الطلبة في جامعات الولايات المتحدة الأمريكية في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي ضد حرب فيتنام، وكيف أُجبرت الحكومة على إعادة النظر في سياستها العسكرية تجاه فيتنام، فانسحب الجيش الأمريكي من هناك عام 1975.
والشواهد كثيرة كربيع براغ عام 1968 في تشيكوسلوفاكيا وانتفاضة سويتو في جنوب أفريقيا ضد نظام الفصل العنصري الأبرتايد، وحراك ميدان تيانانمن في الصين عام 1989 الذي قاده طلبة الجامعات مطالبين بالحرية وبعض الإصلاحات الاقتصادية والسياسية، وقد انتهى ذلك الحراك بقمع عسكري دموي، لكنه ترك أثراً كبيراً على السياسة الصينية والعلاقات الدولية، امتداداً نحو الثورة الطلابية في تشيلي عام 2013 وصولاً إلى احتجاجات هونغ كونغ وغيرها من الحراكات المتواصلة التي غيّرت المعادلات الدولية.
وأمام هذا كله، يتبادر إلى ذهن المواطن الفلسطيني، الذي يتعرض للإبادة كل لحظة، في بث مباشر أمام وسائل الإعلام الجديد والتقليدي: أين دور الجامعات العربية تجاه ما يجري؟ أين طلبة مصر والأردن وسوريا وتونس والجزائر؟ أين مجالس الطلبة؟ في الوقت الذي خرجت فيه الجامعات في الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا ضد جرائم الاحتلال الإسرائيلي من دون توقف، بل وخرج الطلبة ليتظاهروا في الميادين العامة وأمام محطات الباصات والقطارات وغيرها، رغم تعرض كثير منهم للمضايقات وربما الاعتقال أو الطرد من تلك البلدان، أين الشباب الذين يمكن لهم أن يقودوا الأمة نحو التطور وصناعة التغيير؟ ألهذه الدرجة تمّ كيّ الوعي أو تدجينه بما تريده السلطات الشمولية الحاكمة؟ ألا يوجد من يهبّ ليشعل الفتيل الذي سيغيّر معادلة المنطقة برمّتها؟
لقد كانت الجامعات العربية سابقاً أدوات تغيير حقيقي، يحسب لها الجميع ألف حساب، فقد كان الطلبة دوماً في الطليعة لمجابهة الاستعمار أو الاحتلال، فقد شاركوا في ثورة عام 1919 لرفض الوصايا البريطانية بقيادة سعد زغلول، وما زالت الدراما والسينما المصرية تسلطان الضوء على تلك المظاهرات التي تحمل الشعارات وتهتف ضد الاستعمار، ثم إن تلك الثورات لم تتوقف، فهي التي خرجت لتحارب في فلسطين، ثم حملت السلاح إبان العدوان الثلاثي عام 1956، وهي التي خرجت من جامعات طهران إبان ثورة الإمام الخميني ضد الشاه وقطيع المتحالفين مع أمريكا، وما زالت مستعدة أن تحمل السلاح اليوم لتحارب الاحتلال الإسرائيلي الذي يتمدد يميناً ويساراً تحت عين الأنظمة الحاكمة، لكن الشرارة ما زالت منطفئة.
إن واقع المنطقة يدعو إلى الرثاء، لأن الكيانات الصغيرة باتت المتحكم الأول بالدول العميقة، نظراً لما تملكه من المال والنفط، إذ بدأت تلك الكيانات بتعزيز نفوذها من خلال استقطاب المبدعين والفنانين ثم رصد الجوائز وإصدار المجلات والجرائد التي تدفع بسخاء للنخب ثم مطالبتهم بالعمل والكتابة وفق سياسة الرتابة والالتزام بعدم الخوض في القضايا السياسية كي لا يقدح بالاستعمار الرأسمالي أو الاحتلال الإسرائيلي، في محاولة حثيثة لكيّ الوعيّ العربي المنشغل بتفاصيل الحياة اليومية واللهو بقضايا عادية جداً، تأخذ حيّزاً كبيراً من وقته وتفكيره، كي لا يلتفت إلى عمق كل المشكلات العربية وأساسها، المتمثلة بـ”إسرائيل”.
وأمام مشهد الدم النازف في قطاع غزة، وأمام محاولات التهجير المستمرة، ما تزال النخب نائمة والجامعات تفكر بعقلية الطالب العادي، الباحث عن التخرج ثم الحصول على وظيفة أو زواج أو سفر، ما تزال الأحلام بسيطة تنمّ عن ضيق أفق جاء كنتيجة طبيعية لقمع غير مسبوق في وعي الشباب، فأين ثورة الشباب؟ أين الحماس والقوة التي يجب أن تحسب لها الأنظمة ألف حساب؟ أين الخروج من قاعات الدراسة والهتاف بصوت واحد ضد أمريكا و”إسرائيل”، مع الأسف، يبدو أن النظم الحاكمة قد نجحت في توظيف طواقم أكاديمية تنتمي إلى سلطة القمع، ووضعت مناهج دراسية خارج إطار التاريخ العربي وقدرته على الانتصار لدم الأخ والقبيلة.
لذلك، فإن الأمة بحاجة إلى ثورة جديدة، ثورة يقودها الطلاب على المناهج الدراسية، وعلى الطواقم الأكاديمية، ثورة على الأنظمة المتخاذلة، وعلى العالم الذي يبرر الإبادة بحق شعب فلسطين، وحتى ذلك الحين، سيظل العربي مجرد أداة ضعيفة لا يحسب لها العالم أي حساب.
كاتب فلسطيني .

مقالات مشابهة

  • الأقمار الصناعية تكشف سرا عسكريا لكوريا الشمالية.. وخبراء يحذرون
  • أين حراك الجامعات العربية؟
  • استخدام الذهب في الصناعات.. من الحلي إلى التكنولوجيا المتقدمة
  • أحدهم عابر للحدود.. اعتقال 4 تجار المخدرات في الأنبار والبصرة
  • نداء عاجل: قد ينقطع الإنترنت في جميع أنحاء العالم فجأة
  • وزير الاتصالات يلتقي 350 مهندسا يصدرون خدمات رقمية ببنها
  • رابطة العالم الإسلامي تُدين الهجمات التي تعرّضت لها مخيمات النازحين حول مدينة الفاشر بالسودان
  • وزير الصناعة يبحث مع محافظي الأقصر وأسوان تحديات المناطق الصناعية
  • عبد الوهاب غنيم: حجم الإقتصاد الرقمي المبني على تطبيقات الإنترنت يقدر بـ55 تريليون دولار
  • تقرير يؤكد: تحديات رقمية خطيرة تهدد المراهقين فى مصر